لارسن: «خريطة الطريق» أفضل مشاريع التسوية وبدأنا حوارا مع سورية ولبنان

TT

منذ اليوم الأول لتنصيب تيري لارسن كمنسق خاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الاوسط، أظهرت اسرائيل غضبها واستياءها من تعيينه في التاسع من سبتمبر (ايلول) 1999 لانه جاء بتفويض واسع أكبر مما كانت تريد.

وكان يحمل لقب الممثل الشخصي للأمين العام للامم المتحدة لدى منظمة التحرير الفلسطينية وسلطة الحكم الذاتي، الى جانب منصبه كمساعد للأمين العام. وشارك لارسن (النرويجي الجنسية) كوسيط رئيسي في اتفاقات أوسلو التي وقعت عام 1993 بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، ثم عمل منسقا خاصا في الاراضي المحتلة بين عامي 1994 و1996.

وفي زيارته الاخيرة للقاهرة التقته «الشرق الأوسط»:

* في لقائكم الرئيس مبارك.. هل تطرقت لدفع دور مصري أوسع للوصول لسلام شامل في المنطقة؟

ـ لقد حرصت على لقاء الرئيس المصري بتكليف من الامين العام للامم المتحدة كوفي انان للاعراب عن تقدير المنظمة للجهد الذي قام به ورجال ادارته في التوصل للهدنة بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، وفي الحقيقة فإن الدور المصري موجود بشكل ملموس وفعال، لان مصر أحد مفاتيح اللعب وقوة أساسية في الشرق الاوسط وفي نفس الوقت ذات صلة وثيقة بعملية السلام وبالتالي بخريطة الطريق التي نحن بصدد تطبيقها. وقد اتفقنا في الوقت الراهن على الإبقاء على قنوات اتصال مستمر ومتتابع من خلال التعاون مع احمد ماهر وزير الخارجية وادارته.

* في تصورك أين تقف القوى العربية الأخرى ذات الصلة بعملية السلام مثل الاردن والسعودية من دفع الجهود الحالية للسلام والوصول لتسوية نهائية للصراع العربي ـ الاسرائيلي؟

ـ الاردن شريك أساسي وحيوي في عملية السلام ولابد ان أشير الى ان وزير الخارجية الاردني مروان المعشر والملك عبد الله بن الحسين تعاونا بشكل لا يمكن تصديقه وتمسكا بموقف ثابت ومؤيد لتطوير خريطة الطريق والتشاور مع الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني واقناعهما بقبول خريطة الطريق خاصة في المراحل الأولية من الاتصالات بين الجانبين. والمملكة العربية السعودية لعبت ايضا دورا حيويا ومؤثرا في دفع عملية السلام في الشرق الاوسط وساهمت بأكثر من شكل بناء ومتعاون في الوصول بعملية السلام لشكلها الحالي. وخلال زيارتي للمملكة التقيت الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي في جدة ضمن جولتي الحالية بالمنطقة واعتقد ان الامم المتحدة وحكومة المملكة السعودية متفقتان ولا يوجد أية خلافات في الرأي بين الجانبين فيما يتعلق بكيفية دفع عملية السلام، وفيما يختص بخريطة الطريق خاصة أن المبادرة السعودية التي دعمتها القمة العربية تعد أحد أحجار الزاوية لخطة خريطة الطريق.

* لكن الاسرائيليين رفضوا المبادرة السعودية في وقتها؟

ـ الاسرائيليون كان لديهم تحفظات على خريطة الطريق لكنهم قبلوا بها كما هي، واللجنة الرباعية ليس لديها أية نية مهما حدث لتغيير نص الخطة أو اعادة فتحه للتفاوض، فنحن نرحب في تطبيق خطة خريطة الطريق كما هي وكما قلت فان المبادرة السعودية أحد أحجار الزاوية في الخطة.

* هل ناقشتم مع الأمير سعود الفيصل مشاركة سعودية في خطة العمل للمراحل القادمة؟

ـ من المستحيل التنبؤ من الذي يمكن ان يقدم المساعدة ومتى أو أين في عملية السلام، لأنها ستكون عملية معقدة، عملية صعبة، ويمكن وصفها بأنها ستكون عملية خطيرة تسير في طريق وعر غير ممهد، ونعلم انه ستكون هناك اخفاقات ونجاحات، ولكن اللجنة الرباعية والقوى الرئيسية المعنية بعملية السلام وخاصة الدول الثلاث الذين ذكرتهم ستكون هناك حاجة ماسة لجهودهم عند الانتقال من كل مرحلة لبناء مرحلة جديدة صعبة.

* هل لك ان توجز نتائج محادثاتك في سورية ولبنان وهل مارستم ضغوطا على الدولتين للاسراع بتحريك المسارين السوري واللبناني في العملية؟

ـ جولتي في المنطقة اشتملت على كل من سورية ولبنان وهما طرفان أصليان في عملية السلام الشامل، وقمت بتسليم رسائل من انان الى حكومات البلدين، وفحوى هذه الرسائل تعبر عن رغبة الأمم المتحدة في ان تنضم الدولتان الى عملية السلام في الوقت المناسب كما توضح خريطة الطريق ونود أن يحدث ذلك بأسرع وقت ممكن، فنحن نعتبر الدولتين لاعبين أساسيين ونريدهما معنا على مائدة التفاوض. هناك بالطبع قضايا محددة تتعلق بالموقف اللبناني في عملية السلام وقضايا أخرى تتعلق بالموقف السوري وقد التقيت الرئيس اللبناني اميل لحود ورئيس الوزراء الحريري وكذا رئيس مجلس النواب، كما التقيت وزير الخارجية السوري فاروق الشرع ودارت المحادثات حول هذه القضايا والمسائل المتعلقة بانضمام الدولتين لعملية السلام.

* عبرت عقب محادثاتك مع السوريين واللبنانيين عن امكانية تطبيق خريطة الطريق على المسارين السوري واللبناني.. كيف يمكن ذلك؟

ـ أعتقد ان خريطة الطريق من عدة نواح قد تم قراءتها بشكل خاطئ وأسيء فهمها كورقة دبلوماسية بالتالي، ومن المهم أن نضع خطوطا فاصلة توضح ان المسارين السوري واللبناني لعملية السلام تم تحديدهما كجزء مدمج في خريطة الطريق. والقضية أننا نسعى لتطبيق خريطة الطريق حرفيا، وفي رأي الأمين العام للامم المتحدة انه كلما كان انضمام سورية ولبنان لعملية السلام أسرع كان ذلك افضل.

* ولكن كيف؟ ما هي الصيغة التي ستنضم بها سورية ولبنان لعملية السلام؟

ـ الهدف من خطة خريطة الطريق تم تحديده في نص الخطة بأنه انهاء احتلال الاراضي الذي بدأ في عام 1967، وذلك يعني انسحاباً اسرائيلياً من كل الاراضي المحتلة، ومن هذا المنطلق فان خريطة الطريق كخطة تركز على شقين بنفس الأهمية وهما السير في عملية السلام وتحقيق الأهداف المرجوة منها. والمهم اننا بدأنا الحوار مع السوريين واللبنانيين حول كيفية مباشرة هذه المسائل في خريطة الطريق، وكنا في المراحل الأولية قد بدأنا بالمسار الفلسطيني لكن في رأينا انه من الافضل ان تنضم سورية ولبنان لعملية السلام في أسرع وقت ممكن.

* هل ناقشتم مع الادارة الاميركية مقترحات محددة حول صيغة لانضمام سورية ولبنان لعملية السلام الحالية؟

ـ هناك نص في خطة خريطة الطريق على ان تكون سورية ولبنان جزءاً من عملية السلام ولكننا سنناقش كيفية تحقيق ذلك مع السوريين واللبنانيين، وقد بدأنا الحوار كمنظمة الامم المتحدة مع الدولتين هذا الاسبوع وناقشنا كيف يمكن احياء المسار السوري واللبناني وننوي مواصلة الحوار معهم.

* شاركت في اعداد اتفاقيات أوسلو عام 1993 بين الفلسطينيين والاسرائيليين كوسيط رئيسي، في رأيك كيف تختلف خريطة الطريق عن اتفاق أوسلو؟

ـ في تصوري ان المبادئ التي قامت عليها اتفاقات اوسلو تعد بمثابة الجزء الأول من خطة خريطة الطريق ويمكن تسميتها مجازاً (بخريطة الطريق 1) حيث رسمت شكل عملية السلام حتى عام 2000، لكن ما حدث ان عملية السلام تراجعت وها نحن نعود مرة أخرى بعملية السلام الى مسارها الأول، لذا فانني قد اطلق عليها خطة (خريطة الطريق 2) والفارق بين الاثنتين يتضح في عدة نقاط أولا: خريطة الطريق تحدد الهدف النهائي من العملية أو الهدف الذي نعمل جميعا للوصول إليه ويمكن توصيفه تحديدا بأنه: تأسيس دولة فلسطينية وإنهاء احتلال الاراضي الذي بدأ في عام 1967 والاعتراف الدولي بدولتين دولة فلسطين ودولة اسرائيل وانهاء أعمال العنف.. إذن فإن خريطة الطريق ذات أهداف أوسع ومدى أبعد. ثانيا: خريطة الطريق أكثر شمولا لان اوسلو ركزت على المسار القديم (المسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي) بينما اتسعت خريطة الطريق لتشمل المسار اللبناني والسوري. ثالثا: خريطة الطريق أكثر عمقا من أوسلو لانها تحدد آلية رقابة دولية على عملية السلام، وتم بالفعل وضع تصور لهذه الآلية ويجري حاليا تأسيسها من خلال مكتب الامم المتحدة في القدس لتولي مراقبة حركة الجانبين عن قرب وفي رأيي هذا تطور حقيقي من اوسلو يتمثل في وجود طرف ثالث يراقب هذه الآلية.

* هل انت متفائل من فرصة خريطة الطريق لتسوية النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي! ـ لا توجد ضمانات لأي شيء، ولا أحد يملك اعطاء هذه الضمانات، هذا الأمر يعود بالأساس للنيات المخلصة لكل من الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني ويعود للمجتمع الدولي واللجنة الرباعية والقوى الاقليمية الرئيسية التي يجب ان تعمل مع الطرفين لاحراز تقدم في هذا الصدد. وفي رأيي ان خريطة الطريق تمثل حلاً وسطاً أمثل بين اعضاء اللجنة الرباعية وهذه القوى الاقليمية الرئيسية وهي (خريطة الطريق) أفضل أداة مؤثرة، وفي رأيي هي الأفضل والأكثر صلابة ضمن الخطط السابق طرحها في عملية السلام بالشرق الاوسط.

* بعض الحكومات العربية أبدت تحفظا إزاء خطة خريطة الطريق والبعض وصفها بالغموض في بعض طروحاتها خاصة المتعلقة بانشاء دولتين دون الاشارة لشكل الدولتين ولا ترسيم الحدود؟

ـ هذا غير صحيح، فخريطة الطريق تنص على إنهاء الاحتلال للاراضي التي احتلت في 1967 وهو ما نصت عليه أيضا المبادرة السعودية التي ـ كما اشرت ـ احد أحجار الزاوية للخطة، وتصوري ان الحل سيكون عن طريق التفاوض ولكن تأسيسا على هذا النص ـ نص خريطة الطريق ـ وهذا يعني ان ما نتحدث عنه هو دولة يتم التفاوض بشأنها في ملحق يتم التفاوض حوله، وهذا أيضاً يمتد ليشمل، ليس فقط الاراضي الفلسطينية، وانما كل الاراضي العربية المحتلة، وكما ترين فهذا لا ينطوي على أي غموض بل ان النصوص واضحة تماما في هذه النقطة، بالاضافة الى ذلك فإن القضايا الشائكة الأخرى مثل اللاجئين وحق العودة ووضع القدس سيتم التعامل معها من الطرفين خلال عملية السلام، ومن ثم فإنه فيما يتعلق بانشاء دولة فلسطينية فإن الهدف المؤكد هو انشاء دولة فلسطين بأسرع وقت ممكن وان تكون دولة ذات حدود معترف بها يؤدي ذلك فيما بعد لتأسيس دولة فلسطينية ذات سيادة وذات مقومات تجعلها قابلة للنمو والتطور.

* وصفت عملية السلام في الوقت الحالي بأنها «هشة» ومعرضة للانهيار اذا فشل الطرفان في بناء جسور الثقة، ما المطلوب في رأيك من الفلسطينيين والاسرائيليين لتحمل مسؤولياتهما إزاء عملية السلام؟

ـ اعتقد بشكل خاص ان ما نحتاجه من الطرفين هو أولا وقف كل أعمال وأشكال العنف، ثم ثانيا يجب على الطرفين احترام بنود خطة خريطة الطريق حرفيا ولوائحها المنظمة لعملية التطبيق وفقا لما تنص عليه بأنه على الطرفين الامتناع عن كل الاعمال التي قد يعتبرها الطرف الآخر استفزازية وخاصة أعمال العنف.

* لكن وقف أعمال العنف دون تحسين الأحول المعيشية للفلسطينيين يبدو مستحيلا. في تصورك من يتحمل مسؤولية تحقيق الأمل، الأمم المتحدة، أم اللجنة الرباعية، ام الولايات المتحدة، أم العرب أم المجتمع الدولي؟

ـ كل ما سبق الاشارة إليه تغطيه بالفعل خريطة الطريق التي تتعامل مع المسار الفلسطيني على ثلاثة مستويات: الاول يتعلق بالقضايا الأمنية، والثاني يتعلق بالمسائل السياسية، والثالث يتعلق بالنواحي الاقتصادية، وخريطة الطريق تغطي كل جانب بالتوازي وليس بالتتابع مع باقي الجوانب، واعتقد اننا بالفعل نعمل على كافة المستويات السابق الاشارة إليها، ونوليها اهتماما بالغا. فنحن نبحث في القضايا السياسية مثل تأسيس دولة فلسطينية ومسائل الأمن ودعم الاقتصاد، فخطة خريطة الطريق تتميز برؤية شاملة لجميع النواحي ونتناول كل المسائل المتعلقة بالتسوية النهائية ونضعها في مراحل موضع التنفيذ.

* تتحدث بثقة عن خريطة الطريق، من أين أتيت بكل هذه الثقة والايمان بقدرة هذه الخطة على انهاء هذا الصراع المعقد؟

ـ خطة خريطة الطريق ليست وثيقة منزهة تحمل صفة الكمال، لكنها الأفضل والوحيدة المتاحة أمامنا وليس هناك بديل آخر.