الأمين العام للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني: ثقتنا بخاتمي معدومة.. ونتوقع تفجر الوضع في إيران الشهر الحالي

عبد الله حسن زادة في حديث لـ«الشرق الأوسط» سقوط صدام «ألحق بنا ضررا وحيدا هو اغلاق الحدود»

TT

الايرانيون من اكثر شعوب العالم استهلاكا للشاي، فهم يحتسون عدة اقداح منه قبل اي وجبة طعام يتناولونه. ومن عادتهم ارتشاف الشاي بقطع من السكر المكعب فيما العراقيون يمزجون السكر الدقيق مع الشاي. ولاحظت «الشرق الأوسط» وجود علب مصنوعة بطريقة خاصة في مكتب الأمين العام للحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني عبد الله حسن زادة، مقسمة الى شطرين يحتويان على السكر بنوعيه الدقيق والصلب. وقد يكون الأمر زيادة في اكرام الضيف، او مزاوجة بين طريقة الحياة الايرانية التي اعتادوا عليها وطريقة حياة العراقيين الذين يعيشون اليوم في كنفهم هاربين من النظام الاسلامي في ايران. عندما لاحظنا هذه المزاوجة والتآلف مع الحالة العراقية سألناه: هل تضررتم من سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين وقد كانت لكم علاقات متميزة معه؟ فاجاب:

ـ لا اعرف قصدكم من وصف العلاقة بالمتميزة فقد كانت علاقتنا مع النظام السابق عادية ومعلنة لم نخفها، مع ذلك استطيع القول ان علاقتنا معه كانت متفردة لجهة انها كانت علاقة طويلة لقوة كردية تحافظ على استقلالية قرارها السياسي بمعزل عن نوع العلاقة التي تقيمها مع هذا النظام، لذلك فان سقوطه لم يقلقنا بقدر ما ألحق بنا ضررا وحيدا وهو اغلاق الحدود الدولية بوجهنا، حيث اصبحنا منذ سقوطه محرومين من السفر والخروج من العراق للاتصال بالخارج، مع ذلك فاننا نتوقع ان نتجاوز هذه المعضلة ايضا في المستقبل بعد تشكيل المؤسسات الوطنية في العراق، واعود لأؤكد بعدم وجود اي علاقة مشبوهة او مشكوكة لنا مع ذلك النظام.

* ما دمتم تعانون من مشكلة السفر فلماذا لم تراجعوا الادارة الاميركية الحالية في العراق لحلها؟ ـ نحن لنا علاقات قديمة مع الاميركيين تمتد لسنوات طويلة، لكن مركز هذه العلاقة كان في واشنطن وليس هنا في العراق، ولا تعتبر الحالة الراهنة مشكلة بالنسبة لنا لذا لا نرى حاجة للاتصال بهم، ثم لا تنسوا ان الاميركيين انفسهم يعانون الآن من حالة غير مستقرة في العراق، لذلك لا نعرف من نراجع، ونعتقد انه حتى بول بريمر لا يملك جوابا على مطالبنا الحالية.

* ما هو موقفكم مما يجري في ايران خاصة التظاهرات الطلابية التي اجتاحت العديد من المدن الايرانية قبل اسابيع؟

ـ هذه التظاهرات شعبية وليست طلابية فحسب، فهي لا تنحصر بمطالب مهنية مثل طرد احد الاساتذة او تحسين ظروف الدراسة او الاقامة للطلاب، بل تصل الى المطالبة بالحريات والانفتاح على الحياة الديمقراطية. ان هذه التظاهرات سوف تشهد في الايام القادمة تطورات جديدة خاصة في التاسع من يوليو (تموز) الحالي بسبب تصادف هذا اليوم مع الذكرى الرابعة لاحداث جامعة طهران التي قتل فيها العديد من طلبة الجامعة ونتوقع ان يشعل استذكار هذه الاحداث الغضب الطلابي في ذلك اليوم. * ماذا بالنسبة لدور الاحزاب والقوى الايرانية المعارضة في تلك التظاهرات؟

ـ لا دور لأي طرف سياسي في التظاهرات بل هي عفوية، لكن حزبنا شارك فيها من خلال الطلبة الاكراد في الجامعات الايرانية ومن خلال كونه جزءا من النسيج الايراني. اما اي ادعاء من اي حزب او تنظيم سياسي في قيادة الانتفاضة الطلابية او توجيهها فهو امر مبالغ فيه ومخالف للحقيقة. * ما هي اسباب خفوت جذوة التظاهرات في الايام الاخيرة؟

ـ السبب يعود الى شدة السلطات الايرانية واستخدامها العنف بكل اشكاله ضد الطلبة المحتجين، فالسلطات التي ادعت انها اعتقلت 4 آلاف من الطلبة غير صادقة في قولها بل هناك اكثر من عشرة آلاف من المعتقلين والمفقودين.

* لماذا لا تسعى المعارضة الايرانية الى تجنيد هذه التظاهرات العفوية لصالح التغيير في ايران؟

ـ بالطبع جميع الاحزاب الايرانية تسعى الى ذلك، ولا اقصد تجنيد الحالة لتحقيق منافع حزبية، بل لتوسيع دائرة المطالبة بالحريات الاساسية للمواطن، ونحن كحزب كردي نسعى الى الاستفادة من هذه المظاهر لطلب حقوقنا القومية المشروعة.

* الادارة الاميركية اعتبرت ايران طرفا في «محور الشر» الثلاثي، وتتزايد الضغوط عليها فيما يتعلق ببرنامجها النووي، هل تتوقعون تغييرا مماثلا لما جرى في العراق، وهل انتم مستعدون للتعامل او التعاطي مع الجهد الاميركي بهذا الاتجاه؟

ـ التغيير في ايران اصبح ضرورة تاريخية وحتمية، لكن تحديد موعد لهذا التغيير وما اذا كان سيحدث في غضون شهر او اشهر قادمة فهذا امر آخر، فالنظام في ايران يسير باتجاه لا يمكن لأي احد قبوله، الايرانيون ساخطون على النظام الحالي، ولحسن حظنا ان الدعم الخارجي لهذا النظام بدأ يقل في الفترة الاخيرة رغم الشعارات الزائفة التي كانوا يرفعونها في السابق بقولهم (لا شرقية ولا غربية بل جمهورية اسلامية). وظهر زيف هذه الشعارات من خلال تعامل هذا النظام مع روسيا ودول الاتحاد السوفياتي السابق الى جانب تعاملها مع الدول الغربية وتوقيع اتفاقات اقتصادية وتجارية مع هذه الدول، حتى الولايات المتحدة حاولت خلال العقدين الماضيين عقد علاقات مع هذا النظام، وتوهمت ان بامكانها دفع وتشجيع زعامات منفتحة داخل التركيبة السياسية في النظام الجمهوري، لكنهم الآن بدأوا يعرفون حقيقة وماهية هذا النظام فعادوا يديرون ظهورهم له.

اما مسألة التعامل او عدم التعامل مع الجهود الاميركية، فالمسألة ليست مسألة قبول او رفض، بل المسألة تحديدا هي اننا لا نرغب بوقوع الاحتلال على بلدنا. وعلينا ألا ننسى بأن تفاوت موازين القوى في العالم الآن لا يعطيك مجالا لترفض او تقبل، فاذا ارادوا احتلال البلد فسيحتلونه مثلما فعلوا في العراق، لكن القضية الاساسية بالنسبة لنا هي عدم الرغبة في احتلال بلدنا، ونطالب بالمقابل تقديم الدعم للحركة التحررية الايرانية لتصعيد نضالها، فنحن لا نريد ان يدمر بلدنا كما تم تدمير العراق.

* لكن الاحزاب العراقية التي بلغت 120 حزبا عجزت عن اجراء التغيير في العراق، فهل حصولكم على الدعم الدولي يكفي لاجراء التغيير في ايران؟

ـ هناك فرق كبير بين الوضعين العراقي والايراني، نحن نعترف بان النظام العراقي ما كان ليسقط من دون الهجوم الاميركي، لكني ارى انه لو كان هناك دعم جدي من الاميركيين للمعارضة العراقية لكان بامكانها اسقاط النظام من دون تدخلات خارجية، وفي هذا المجال فان الدعم الخارجي فيما يتعلق بالوضع الايراني سوف ينجح لان النظام لا يملك قوة امنية ومخابراتية وعسكرية موازية للنظام العراقي ثم هناك اتساع الرفض الشعبي لهذا النظام الذي يعتبر اكثر الانظمة تخلفا في العالم والذي يقف على قدميه الآن عن طريق الدعم الدولي، ولا تنس ان الايرانيين اسقطوا نظام الشاه الذي كان اكثر قوة وبأسا من النظام الحالي.

* في الثورة السابقة برز الامام الخميني كزعيم اوحد في ايران، هل الظرف الحالي يساعد على بروز زعامة مماثلة لقيادة ايران الى التغيير؟

ـ لا يمكننا انكار دور الخميني والمؤسسة الدينية في الثورة ضد الشاه، لكن الثورة لم تكن ملكا لهما، بل كانت ثورة شعب اعزل من السلاح ضد الطاغية، واستطاعت المؤسسة الدينية التي هي بمثابة تنظيم سياسي او حزب قائم بذاته اذا جاز التعبير من احتكار مكاسب الثورة، لكن الثورة انحرفت عن مسارها الصحيح، واعود للاجابة على سؤالك بالقول ليس هناك زعيم ايراني معارض بوزن الخميني ولا حزب ايراني شامل بمقدوره قيادة المرحلة، لكني اتوقع ان تفرز الانتفاضة زعامتها من الداخل فهم اكثر حاجة وتفهما ووحدة من القوى الاخرى في الخارج.

* تمارس اميركا وبعض الدول الغربية ضغوطات شديدة على منظمة مجاهدين خلق الايرانية، هل تعتقدون ان الظروف الحالية ملائمة لتحجيم دور هذا التنظيم في القضية الايرانية؟ ـ بصراحة ليست لنا اية علاقات سياسية مع منظمة المجاهدين لكونهم يتصرفون مع الاحزاب الايرانية الاخرى بشكل غير ديمقراطي، واؤكد بانه ليس هناك حزب او تنظيم ايراني واحد له علاقة جيدة بمنظمة المجاهدين، رغم ذلك فقد اصدرنا بيانا استنكرنا فيه ما يفعله الاميركيون معها، ويبدو ان هذه المنظمة التي اغتالت عددا من الاميركيين وكانت لها علاقة مع النظام العراقي السابق تعتبرها اميركا اليوم منظمة ارهابية، فهذه سياسة اميركا، لكننا نرى ان ما فعله الاميركيون مع هذه المنظمة تندرج في اطار تقديم الدعم للنظام الحاكم في ايران.

* في ظل هذا التحول من موقف الشارع الايراني من النظام، هل هناك طلب باجراء مفاوضات بينكم وبين السلطات الحاكمة؟ ـ ليست هناك اية مفاوضات مع النظام الايراني منذ ان اغتالوا الشهيد (زعيم الحزب السابق عبد الرحمن) قاسملو عام 1989 رغم انهم ارسلوا لنا اكثر من مائة مرة يطلبون منا الدخول معهم في مفاوضات، لكننا اشترطنا عليهم ان تكون مفاوضاتنا معهم معلنة بصورة رسمية وبوجود طرف دولي ثالث وألا تكون في كردستان العراق او في طهران، فنحن كمبدأ لا نعارض الحوار والحلول السلمية لكننا نستغرب لماذا يريدون كل مفاوضات معنا ان تكون بصورة سرية، ما العيب في اعلان جلوسهم معنا لحل مشكلة سياسية في بلدنا، نحن نرى انهم غير جادين في دعواتهم لذا طرحنا عليهم هذه الشروط.

* خلال جولتين من المفاوضات السرية اغتالوا اثنين من قادة حزبكم هما الدكتور قاسملو وصادق شرفكندي، هل انتم خائفون من القبول بجولة اخرى تنتهي باغتيالكم؟

ـ نحن لا نخاف، بل نحترس من الاخطار. وانا لو كنت خائفا لما دخلت المعترك السياسي، ثم انني لست بمنجى عن الموت الذي قد يداهمني بحادث سير، والقضية الكردية لن تنتهي بموتي كما لم تنته بموت قاسملو، فمسيرة هذا الحزب ستستمر بعدنا ايضا.

* طرح الرئيس خاتمي نفسه كرجل اصلاحي في جعبته برنامج اصلاحي، وقد حصل على نسبة كبيرة من اصوات الناخبين الشباب، وهو الآن يخوض صراعا مع المتشددين داخل المؤسسة الحاكمة، هل تعتقدون انه قادر على تحقيق الانفتاح السياسي في ايران؟

ـ منذ البداية كانت لنا شكوكنا حول برنامج خاتمي. فنحن اعتبرناه جزءا من المؤسسة الدينية ومؤمنا بولاية الفقيه، ونعرف انه غير مؤمن بالديمقراطية بالشكل الذي تريده قوى المعارضة الايرانية، واعتبرنا انه عاجز عن تحقيق وعوده بالديمقراطية وقد تحققت توقعاتنا. وخاتمي عجز لحد الآن عن الحصول على حريته فكيف يمكنه ان يمنحها للآخرين. وفي المحصلة فان خاتمي يرى ان الطريق الذي يسلكه المتشددون سيودي بالحكم الاسلامي، والمتشددون يرون ان ارخاء القبضة الحديدية وقمع الشعب ستنهي حكمهم للبلاد، وطبعا الجانبان على حق.

* هل هذا يعني يأسا من جهود الرئيس خاتمي؟

ـ نحن اساسا لم نؤمن بخاتمي وبرنامجه.

* لكنه حصل على 22 مليون صوت؟

ـ الاصوات التي ايدت خاتمي كانت في الاساس موجهة ضد خصمه المتشدد ناطق نوري الذي كان مرشح النظام، وكانت هذه الجماهير التي تهتف له بالقول (خاتمي اقتدار) أي استخدم سلطاتك، اصبحت اليوم تهتف (خاتمي استعفاء) بل انهم يرددون اليوم شعارا جديدا هو (لا خاتمي ولا خامنئي).

=