بريمر: ما خربه صدام في 35 عاما لا يمكن إعادة بنائه في 35 يوما

TT

في مقابلة اجرتها مجلة «تايم» الاميركية مع الحاكم المدني الاميركي للعراق بول بريمر الاسبوع الماضي، ظهر السفير السابق بملابس تليق بموقعه كممثل لواشنطن في منطقة حربية: بذلة مخططة وجيوب كبيرة بيضاء وربطة عنق حمراء وجزمة قتال، وكان حريصا على التركيز على نجاحات قوات التحالف، لكنه بدا على معرفة بمشاعر الامتعاض المتصاعدة بين العراقيين. وقال معلقا على ذلك: «احتاج صدام الى 35 سنة كي يخرِّب هذا المكان ولن يكون ممكنا اصلاحه في 35 يوما. الناس بحاجة الى ان يكونوا صبورين. اعلم ان ذلك صعب حينما تصل درجة الحرارة الى 45 مئوية وتنطفئ الكهرباء خلال ذلك. لكنها الرسالة الوحيدة التي يمكن ابلاغها الى الناس».

ويأمل بريمر خلال الاسابيع القليلة المقبلة ان يهدئ من التذمر المتصاعد حيال تأخر الولايات المتحدة في وضع واجهة عراقية للاحتلال. فهو يخطط للاعلان عن تعيين 35 عراقيا كأعضاء لمجلس استشاري، وهي الخطوة الصغيرة الاولى باتجاه تسليم السلطة لحكومة عراقية جديدة، ستمكن الولايات المتحدة من سحب قواتها من العراق. وقال بريمر انه يأمل ان ينتخب العراقيون حكومة وطنية جديدة في السنة المقبلة. واضاف: «يمكن لهذا المكان ان يزدهر مثلما كان في فترة الخمسينات. انه بلد ذو إباء ويمتلك حقا شعبا جيدا، وبامكانه ان ينجح». لكن بعد ثلاثة اشهر من الاحتلال كانت مليئة بالقرارات المتخبطة يعرف معظم المسؤولين الاميركيين ان عليهم ألا يقدموا اي وعود وردية. وقال مسؤول من البنتاغون: «نحن سنضبط الوضع في نهاية المطاف بشكل صحيح، وانا آمل ان يتم ذلك قبل ان نكون قد خربناه تماما».

وعلى الرغم من ان مسؤولي الولايات المتحدة يلومون صدام على الفوضى التي ورثوها عنه، فان واشنطن في حقيقة الامر تعمل الآن فقط كي تخرج نفسها من الهوة التي حفرتها لنفسها، اذ يقول الضباط الكبار والمسؤولون الذين شاركوا في التخطيط لادارة عراق ما بعد الحرب انه لم تضع الادارة اي استراتيجية لادارة البلد وتجاهلت كل التحذيرات حول كل السلبيات التي يمكن ان تحدث مثل عمليات النهب وانهيار البنية التحتية للبلد وما تتركه من آثار معرقلة لعمليات اعادة البناء. وقال رون آدمز الذي شغل منصب نائب الحاكم المدني السابق جاي غارنر: «الخطة الحربية كانت مرسومة بشكل دقيق لكننا لم نر الكثير من التخطيط المكتوب حتى وصولنا الى الكويت». واضاف آدمز انه منذ البدء كانت نذر الشؤم تدور في الفضاء فعند وصوله مع الجنرال المتقاعد غارنر الى الكويت كانوا ما زالوا في طور تشكيل فريق العمل وتوزيعه مباشرة.

امام الناس تبنى بول بريمر مناخا رئاسيا لحركته فهناك موكب من السيارات يرافقه، ويحيط به عدد من العاملين في الأمن السري، وهو دائما يرتدي بذلة وربطة عنق على الرغم من درجات الحرارة العالية، ويجلس وراء منصة كلما اجرى مؤتمرا صحافيا. يقول مسؤول استخباراتي اميركي كبير: «في كل شيء يقوم به بريمر يسعى الى ان يعطي انطباعا بانه الشخص المتولي المسؤولية وانه يدير الامور. وعلى مكتب بريمر هناك قطعة كُتب عليها: النجاح له آلاف الآباء».

واقوى سلاح بيد بريمر هو وجود خط هاتفي مباشر مع المسؤولين المعنيين في واشنطن. وقال انه يتكلم مع الرئيس بوش كل عشرة ايام ومع وزير الدفاع رامسفيلد عدة مرات في الاسبوع. وهو يتحادث اسبوعيا عبر الهاتف مع مجلس الامن القومي اثناء اجتماعه. فهو ليس كجاي غارنر الذي وجِّه اليه الانتقاد من واشنطن لعدم اشراكه القادة العسكريين في ادارة العراق، بل هو يعمل مع الليفتنانت جنرال سانشيز لتحديد كيفية نشر الجيش قواته وآلياته. ومنذ وصول بريمر اصبحت القوات الاميركية تبدو اكثر كقوات لحفظ السلام، فهي تقوم بدوريات حراسة في الشوارع وحول المدارس وملاعب كرة القدم وتقوم بتنظيف الشوارع. وقال بريمر: «ما هو غير طبيعي هو ان الليفتاننت جنرال سانشيز يوجَّه من قبل الرئيس بوش لدعم جهودي» وانا لا استطيع ان اوجه اوامر الى سانشيز لتحريك الوحدات الى منطقة معينة لكنني استطيع ان اشير الى ما اهدف اليه». وهذا يعني انه على الرغم من عدم قدرته على اصدار اوامر للقادة العسكريين لكنه يستطيع ان يطرح عليهم ما يريده.

لذلك هل سيتمكن بريمر من اصلاح الوضع؟ خلال مقابلته مع «تايم» اصر رئيس الادارة المدنية الاميركية للعراق ان فريقه تمكن من تحقيق «الكثير من التقدم» ضمن الاسبقيات الثلاث: فرض القانون والنظام واحياء الاقتصاد والتحرك نحو انشاء حكومة عراقية جديدة. وقال رئيس العمليات بيربارك: «انا رأيت الكثير من الانظمة التي تم وضعها لكنني لم أر شيئا اسرع مما جرى في العراق. فما انجزناه خلال 12 اسبوعا في العراق تطلب 12 شهرا في البوسنة وكوسوفو». ويقول بريمر ان الناس سيبدأون بإدراك الوعد الذي قُطع لهم بتحقيق مستقبل افضل خلال الاشهر المقبلة، مثل اشراف الولايات المتحدة على وضع مسودة للدستور العراقي ودخول الاستثمارات الاجنبية للعراق والبدء بتصدير النفط. وقال بريمر: «دعونا نبقي اعيننا على الهدف، والهدف هو عراق افضل بكثير ـ هو الآن افضل ـ لكن بحكومة منتخبة بشكل حر وكل ما يرافق ذلك من ضمان حقوق الانسان، في عراق يكون القطاع الخاص فيه مزدهرا وحيويا حيث تتوفر الوظائف للناس، وان ذلك يحتاج الى وقت لتنفيذه».

* خدمة «التايم» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»