الرعب من صدام يعود إلى صدور العراقيين

عدم نجاح القوات الأميركية والبريطانية في حل المشاكل الملحة للسكان يقلل من الثقة بهما

TT

ظهرت قبل عدة ليال شعارات مكتوبة باللونين الأسود والأحمر في حي الأعظمية ببغداد تمجد الرئيس العراقي السابق صدام حسين. ووعد أحد الشعارات المكتوبة على سياج مدرسة للبنات بأن «البطل صدام سيعود» وعلى جدار دكان كتب شعار آخر يقول ان «صدام ما زال قائدنا».

وعلى الرغم من ان السكان محوا تلك الشعارات التي كانت تمتدح صدام قبل الاطاحة بحكومته لكنهم يقولون الآن ان أحدا لا يجرؤ اليوم على مسح الشعارات الحالية. قال سرمد أحمد صاحب محل للأدوات الموسيقية في الأعظمية: «أنصاره بدأوا يعودون والكل خائف جدا».

مرت أسابيع من الابتهاج الشعبي بالاطاحة بصدام وراح الناس خلالها يطلقون نكات تسخر منه واسقطت تماثيله وجرى الاستيلاء على المكاتب التي كانت يوما مقرات لحزب البعث، لكن الكثير من العراقيين اصبحوا يخشون فكرة ان الطاغية وأنصاره يخططون للعودة الى السلطة. وتصاعدت هذه المخاوف في الأيام الأخيرة مع بث رسالة صوتية مسجلة لصدام حسين اضافة الى تصاعد الهجمات المسلحة ضد القوات الأميركية والعراقيين الذين يتعاونون معها.

ولم تسبِّب الرسالة الصوتية والهجمات تأزم الجنود الأميركيين فقط بل العراقيين العاديين، فحوادث القتل دفعت الناس الى تغيير سلوكهم وتوقعاتهم حول المستقبل خصوصا بعد مقتل سبعة من الشرطة العراقيين الذي اشتركوا في البرنامج التدريبي الذي اعدته الولايات المتحدة. وقال عبد الرحيم وليد صاحب محل لبيع المشروبات الغازية والاطعمة الجاهزة: «بعد مجيء الجنود الأميركيين ظننا أولا أننا لن نسمع بصدام مرة أخرى. ظننا أنه سيُقتل أو يهرب من البلد لكننا نعلم الآن أنه بين ظهرانينا وهذا شيء خطير بالنسبة لنا».

ومع تزايد القناعة بأن أنصار صدام بدأوا يعززون مواقعهم أصبح الناس شيئا فشيئا أكثر اكتراثا في التعبير الحر عما يجول في رؤوسهم مثلما هي الحال خلال الأربع وعشرين سنة الماضية التي حكم فيها صدام حسين. فبدلا من السخرية منه أمام الأجانب مثلما كانوا يفعلون قبل أسابيع قليلة اصبح العراقيون أكثر ترددا في انتقاده علنا خوفا من أنه قد يعود أو ان ينصت أحد أنصاره الى كلامهم فيسعى الى الانتقام منهم.

وفي حوارات مع عدد من التجار والطلبة وموظفين حكوميين سابقين وآخرين جرت خلال اليومين الأخيرين عبّر معظمهم عن فرحه للتخلص من صدام حسين لكن معظمهم رفض أيضا السماح بالكشف عن أسمائهم أو التنويه بها عن أي انتقادات توجَّه الى الرئيس المخلوع. وقال مدرس رياضيات رفض أن يعطي اسمه الكامل عدا اسمه الأول (رامي) لكي لا يتمكن أنصار صدام من القبض عليه: «أنت لا تستطيع أن تتكلم الآن مثلما هي الحال خلال حكم صدام». ورفض رجل آخر اسمه خالد وهو طالب حاليا من التكلم حول صدام أمام أصدقائه: «الأشياء أصبحت أسوأ وليس أحسن. الكل خائف».

وقال بعض العراقيين ان الهجمات الأخيرة ضد الناس الذين عملوا مع الوحدات الأميركية ومع السلطة المدنية التي تقودها الولايات المتحدة عمَّقت مشاعر القلق لدى الناس ودفعت بعضا منهم للتساؤل ان كان عليهم الاستمرار في التعاون مع الأميركيين.

وأدى الانفجار الذي وقع السبت الماضي الى مقتل سبعة ضباط شرطة عراقيين يعملون مع الوحدات الأميركية في مدينة الرمادي التي تقع على بعد 90 كيلومترا غربي بغداد، وتسبَّب الانفجار أيضا في جرح 40 شخصا، وقبل أسبوعين قُتلت في بيتها امرأة كانت تعمل مديرة لمصلحة توزيع الكهرباء لمنطقة غربي بغداد بسبب تعاونها مع الأميركيين لرفع معدل استخدام السكان للكهرباء. وبعد يوم واحد قُتل عاملان كهربائيان بواسطة قنبلة وُضعت على طريق رئيسي قرب بغداد.

وقال ضابط شرطة عراقي كان يحرس مركز شرطة في وسط بغداد أول من أمس: «نحن الآن في وضع خطير جدا». وكان هذا الضابط يقف أمام حواجز من الأسلاك الشائكة موضوعة أمام البناية منعا لاختراق سيارة للبوابة الأمامية. وكل هذه الحواجز وُضعت لحماية ضباط شرطة أميركيين موجودين داخل البناية. وقال هذا الضابط: «اذا جاء شخص ما وبدأ باطلاق النار على المركز مثلما فعلوا في أماكن أخرى فان الأميركيين سيكون محميين لكننا نحن الذين سنتعرض للخطر. نحن لا نمتلك حتى سترات واقية من الرصاص».

كذلك يخاف عمال الكهرباء ان يغادروا مكاتبهم حسبما قال غالب بكر مدير توزيع الكهرباء لمنطقة غربي بغداد: «البعثيون ينظرون الينا كمتعاونين مع الأميركيين. أنا أقول لعمالي ان ذلك غير صحيح بل نحن نعمل هنا من أجل الشعب العراقي لا الأميركيين، لكن ما الذي يمكنك أن تفعله؟ انهم خائفون».

كذلك بدأ عدد متزايد من العراقيين يخاف من ان يقوم الرئيس الاميركي جورج بوش بسحب القوات الأميركية من العراق بسبب تزايد الخسائر البشرية بين الأميركيين قبل أن يتم القبض على صدام حسين واعتقال أنصاره المقاتلين. وقال فاضل مجيد العامل في محل خاص بحفلات الزفاف بمنطقة الأعظمية: «داخل كل منا هناك خوف مما سيحدث في حال بدأ الشعب الأميركي بالضغط على حكومته بسبب خسائرهم في الأرواح كل يوم. واذا قرروا أن ينسحبوا ماذا سيحدث لنا؟ فصدام ما زال طليقا، ومع كل رجال الميليشيات الموجودين حوله أي حياة ستكون حياتنا».

من جانبه، قال بول بريمر رئيس الادارة المدنية الأميركية في العراق في نهاية عطلة الأسبوع الماضي ان «كل الأدلة المتوفرة لدى الأميركيين تشير الى أن صدام حسين لا يقف وراء المقاومة المسلحة». واعتبر العراقيين الذي يهاجمون الأميركيين بأنهم «مجموعة صغيرة من اليائسين الذين لا يشكلون أي تهديد استراتيجي للشعب العراقي أو لقوات التحالف»، لكن بريمر قال في مقابلة أجريت معه في الفترة الأخيرة بأن القاء القبض على صدام أو الحصول على أي تأكيدات قاطعة بموته سيكون عاملا أساسيا في اخماد المقاومة المسلحة وتعميق الثقة في نفوس العراقيين.

وقال بريمر في المقابلة: «بالتأكيد سيكون أمرا مساعدا اذا عرفنا أنه ميت أو تمكنا من القبض عليه لأن هناك ذلك الشك الذي عمَّقه البعثيون أنفسهم بأنهم سيعودون في يوم من الأيام. وهذا يوهن من تعاون العراقيين معنا، اذ تجعل العراقيين متأزمين نفسيا حول الأمن بشكل عام. واذا تمكنا أن نؤكد مرة واحدة والى الأبد أنه ميت أو تمكنا من اعتقاله فان ذلك يؤدي الى تفريغ البالون من الهواء».

ومع هذا الغموض حول مصير صدام قال الكثير من العراقيين انهم غير متأكدين مما اذا كان عليهم أن يسقطوه جانبا أو أن ينتظروا حتى ظهوره ثانية. وقال طارق محمد العاطل عن العمل والجندي سابقا: «صدام مثل شبح يقيم في قلب البلد. نحن اعتقدنا أنه ذهب من دون رجعة لكن ها هو الآن قد عاد».

وقال مجيد العامل في محل خاص بحفلات الزفاف ان الكثير من المواطنين المقيمين في منطقة الأعظمية اصبحوا أكثر حبا لصدام بعد الاحباط الذي لحق بتوقعاتهم من أن قوات الاحتلال الأميركية ستعيد الكهرباء وستوفر وظائف وتؤسس حكومة عراقية جديدة. واضاف: «الكل يشعر بالاحباط هنا. بالنسبة لهم صدام هو الحل، فهم لا يفكرون بكل الأعمال الشريرة التي قام بها في السابق».

لكن حال مجيد يظل مثل حال معظم سكان بغداد فهم لا يريدون عودة صدام الى الحكم، على الرغم من مشاعر العداء التي يظهرونها تجاه الوجود الأميركي من خلال رمي الحجارة على العربات الأميركية والابتهاج بكل هجوم يقع ضد الجنود الأميركيين لكن هذا العداء للقوات الأميركية حسبما يقولون ناجم عن كراهيتهم للاحتلال الأميركي لا الرغبة بعودة الاستبداد ثانية الى العراق.

لكن مع كل يوم يبقى فيه صدام طليقا، حسب رأي مجيد، فانه يكسب دعما أكبر لنفسه وتخويفا أشد للشعب العراقي. وقال مجيد: «نأمل أن يتمكن الأميركيون من القبض عليه. آنذاك فقط سيكون هناك استقرار». ثم بعد ان تمشى داخل المحل للتأكد من عدم وجود أي شخص يتنصت اليه قال: «تعرف أنه في حال عودته لن يكون صدام السابق بل عشرة أضعاف صدام الذي نعرفه».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»