إدارة بوش تسعى لتطوير جيل جديد من الأسلحة النووية لاستخدامها في هجمات استباقية

TT

إذا نجحت إدارة الرئيس الاميركي جورج بوش في محاولاتها العنيدة، والخفية إلى بعض الحدود، لتطوير جيل جديد من الأسلحة النووية، فإن هذه البقعة الصحراوية التي تلسعها أشعة الشمس النارية والتي تبعد 65 ميلا إلى الشمال الغربي من لاس فيغاس، يمكن أن تصبح من جديد مسرحا لهزات عميقة من جراء التفجيرات النووية التي كانت شائعة من قبل. هذه المناطق التي كانت مسرحا للتجارب النووية اصبحت متاهة مهجورة لا تسكنها سوى الزواحف من كل الأنواع. وعلى طوال مسرح الاختبارات النووية بصحراء نيفادا تقع العين على المباني المدمرة والحفر العميقة والشواهد الشبحية على 928 تجربة أجريت هنا بين 1951 و1992. وما تزال قبة الخرسانة المسلحة التي كان من المفروض ان تحتوي القنبلة رقم 929 منتصبة فوق سطح الصحراء الرملي.

ولكن اختبار «آيس كاب» الذي كان من المفروض ان تجرب فيه قنبلة أكبر بعشر مرات من تلك التي حطمت هيروشيما عام 1945، قد أوقف عندما أصدر الرئيس بوش الاب أمرا بحظر التجارب النووية الأميركية عام 1992. وقد جاء هذا الحظر الاختياري بعد عامين من ايقاف روسيا لتجاربها النووية. وخلال 11 سنة منذ ذلك الوقت ظلت الولايات المتحدة تعمل على وقف انتشار الأسلحة النووية وتعرض مثالها الخاص في الامتناع الذاتي عن التجارب النووية كمثال يحتذى من قبل الدول الاخرى.

ولكن إدارة جورج بوش تبنت منهجا مختلفا بصورة حاسمة، فجر جدلا حادا في واشنطن. وقد أصدر البيت الأبيض، العام الماضي، وثيقة «مراجعة الوضع النووي» ونشرها في اضيق حيز ممكن. وتتضمن تلك الورقة مبدأ استخدام القوة النووية في الضربة الأولى وفي ميدان المعركة. وتقول كذلك ان العودة إلى التجارب النووية يمكن أن تكون ضرورية في القريب العاجل. وطالبت بـ70 مليون دولار لبحث وتصنيع أنواع جديدة من الاسلحة النووية وتقليل الفترة التي يمكن إجراء الاختبارات عليها.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وقبل عدة أشهر من غزو العراق، ذكر وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، للصحافيين بصورة عرضية، أثناء رحلة كان يقوم بها إلى تشيلي، أن الاستراتيجيين العسكريين يدرسون حاليا بعض الوسائل لتحييد الاسلحة الكيماوية والبيولوجية التي يملكها العراق. وقال ان من ضمن الخيارات التي تدرس حاليا استخدام قنابل مدمرة للأنفاق والمخابئ يمكن أن تكون بها شحنات نووية. وهذا النوع من القنابل ثقيل جدا وشبيه بالصواريخ وله مقدمة قوية لا تنفجر إلا بعد اختراقها الأرض. ومع أن استخدام القنابل النووية المدمرة للمخابئ قد كان مطروحا في العراق وأفغانستان إلا أنها لم تستخدم هنا أو هناك.

ولكن الطريقة العفوية التي تحدث بها رامسفيلد عن الاستخدام المحتمل لهذه القنابل، كان إعلانا عن الجهود التي كانت تبذلها الإدارة للتحلل من الحظر الذي استمر عقدا على تطوير الأسلحة النووية أو إجراء التجارب عليها. والسبب الرئيسي الذي قدمه البنتاغون هو أن بعض الدول «المارقة» مثل كوريا الشمالية وإيران وليبيا، صارت تحفر عميقا تحت الأرض وتوسعت في بناء أنفاق ومخابئ يصل عمقها إلى مئات الاقدام تحت الأرض حيث يمكن لقادتها واسلحتها أن تنجو من أي هجوم اميركي بالاسلحة التقليدية. ويقول المنظرون الأميركيون ان الضربة النووية ربما تكون هي الوحيدة القادرة على تحطيم الأسلحة الكمياوية والبيولوجية التي تملكها هذه الدول. ويقول البنتاغون ان تطوير الاسلحة النووية مفهوم تماما في هذا العالم الخطر. وقال جي كراوش، مساعد وزير الدفاع، للصحافيين مطلع هذا العام: «إذا لم نمتلك الوسيلة لتهديد تلك الأهداف، فكأنما نوفر لها حماية وملاذا».

ولكن آخرين يقولون ان تطوير أسلحة نووية جديدة، بدلا من تطوير الاسلحة التقليدية والاساليب التقليدية للهجوم على الأهداف العميقة او الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، يمكن أن يكون طريقا محفوفا بالمخاطر. ويقول داريل كيمبال، المدير التنفيذي لرابطة الحد من انتشار الاسلحة بواشنطن: «إنهم يفتحون الباب لمنافسة عالمية لصناعة الأسلحة النووية. وإذا كنا نحاول إيقاف تيار انتشار الاسلحة النووية، فإن آخر ما يمكن أن نبشر به هو أن الأسلحة النووية يمكن أن يكون لها دور في ميادين القتال. إنها خطوة خطيرة في الاتجاه الخطأ».

ويقول كيمبال وآخرون ان البحث سيؤدي لا محالة إلى إجراء التجارب. وإذا وافق الكونغرس على خطط البنتاغون فإن التجارب الأولى يمكن أن تجرى بحلول عام 2005. والجدير بالذكر أنه منذ عام 1992 كانت التجارب على الاسلحة غير النووية تجري على عمق 963 قدما تحت الأرض وبأجهزة محاكاة كومبيوترية هنا وفي المختبرات. وقد وافق الكونغرس على وجه العموم على هذا المنهج واعطى الضوء الأخضر لأغلب المقترحات التي وصلت من البيت الأبيض. ووافق الكونغرس بمجلسيه هذا الربيع على تخصيص 15.5 مليون دولار لتطوير مدمرة مخابئ نووية تسمى «مخترقة الأرض النووية». ووافق الكونغرس كذلك على إنفاق الأموال اللازمة لإجراء تعديلات على مسرح التجارب بصحراء نيفادا، بصورة تقصر الفترة التي يمكن إجراء التجارب النووية فيها إلى 18 ـ 24 شهرا، وهي حاليا 24 ـ 36 شهرا.

ولكن الكونغرس لم يوافق حتى الآن على عنصر واحد من عناصر خطة بوش: وهو بناء قنبلة تزن 5 كيلوطن. والمعروف أن الكيلوطن الواحد يعادل القوة الانفجارية لـ1000 طن من التي إن تي. ومع أن مجلس الشيوخ صوت لصالح رفع الحظر، إلا أن مجلس النواب قرر الإبقاء عليه. ومن المقرر أن ينهي المجلسان خلافاتهما في جلسة مشتركة في أغسطس (آب) القادم.

ويقول الجنرال ريتشارد مايرز ان الأسلحة النووية تعتبر وسائل مناسبة لتدمير الاسلحة الكيماوية والبيولوجية، دون إحداث خسائر أوسع. وقال مايرز: «فيما يتعلق بالجمرة الخبيثة يقال ان اشعة غاما تدمر الجمرة الخبيثة. وهذا أمر يجب علينا أن نبحثه. اما بالنسبة للاسلحة الكيماوية فإن حرارة الانفجار النووي تدمر العناصر الكيماوية».

ويرى المخططون العسكريون كذلك أن الاسلحة النووية تعتبر هامة جدا في تدمير المخابئ العميقة، والتي يقولون انها السلاح المفضل للدول المارقة لحفظ اسلحتها وإخراجها من مدى الهجوم الذي يمكن أن تشنه اية دولة عظمى. ويقول خبير بوكالة استخبارات الدفاع، ان كوريا الشمالية تقف على رأس قائمة الدول التي تعتمد على المخابئ. فقد برع الكوريون الشماليون في بناء المخابئ الأعمق وبصورة أسرع. وهم يستطيعون إخفاء اسلحتهم في أماكن يصعب على الولايات المتحدة أن تعثر عليها. وتقول مصادر الكونغرس ان تحديد أماكن هذه المخابئ أصبح أكثر صعوبة بمرور الايام وتراكم الخبرات لدى هذه الدول.

ولكن خبراء كثيرين يشيرون إلى خطورة الاسلحة النووية وانتشار الإشعاع النووي. ويقول لورين تومسون، المحلل العسكري بمعهد لكسنغتون: «حتى إذا كان هناك اتجاه عالمي لبناء المخابئ العميقة، وهو أمر مشكوك فيه على كل حال، فهناك أساليب بديلة لتعطيل الاسلحة المخبأة هناك. ومن ضمن الاساليب استخدام رؤوس حربية تقليدية ذات حمولة أثقل واستخدام القوات الخاصة كذلك».

* خدمة «يو إس إيه توداي» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»