بلير يقر باتخاذ قرار الحرب قبل طرحه على البرلمان للتصويت ويتمسك بأن صدام كان يمثل تهديدا للعالم

صحف بريطانية تطالبه بالاعتذار ورئيس الوزراء ينفي تضليل البرلمان

TT

اعترف رئيس الوزراء البريطاني توني بلير أنه اتخذ قراراً بإشراك بلاده في الحرب على العراق الى جانب الولايات المتحدة، قبل تصويت أعضاء مجلس العموم على الامر بأيام. وإذ ابدى اسفه لإصدار لندن التقرير محور الجدل حول أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة، فقد تشبث بصحة المعلومات التي بثتها حكومته عن خطر نظام بغداد المخلوع على الشرق الاوسط والعالم. وبدا حريصاً على التأكيد على أهمية إطاحة نظام صدام حسين «الشرير»، مع انه سعى قبيل الحرب الى تسويغ الحملة على بغداد بامتلاكها لترسانة اسلحة كيماوية وبيولوجية مفترضة. ونفى التهمة التي وجهتها اليه أول من امس لجنة الشؤون الخارجية البرلمانية، بأنه اساء في عرض المعلومات المتعلقة بالعراق على مجلس العموم. وشدد على ثقته المطلقة بأن بغداد كانت تطور اسلحة دمار شامل وان الادلة على ذلك سيتم العثور عليها. وأدلى بلير بهذه التصريحات في جلسة الاستجواب النصف سنوية لرئيس الوزراء أمام رؤساء اللجان البرلمانية، على خلفية تذمر شعبي من موقف الحكومة خلال الازمة العراقية عكسته الصحف البريطانية الصادرة في وقت سابق من صباح أمس. وإذ طالب عدد من الصحف التي ايدت وعارضت الحرب باعتذار بلير شخصياً للشعب البريطاني، فقد اعتبر آخرون أن عليه التنحي عن منصبه. وتوقع مراقبون أن استقالة آلاستر كامبل، وهو مدير الاستراتيجية والاتصالات في مكتب بلير الذي كان طرفاً اساسياً في الخلاف المحتدم منذ اسابيع مع هيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي)، باتت غير مستبعدة.

وأقر بلير في إطار الجلسة التي عقدت امس بمجلس العموم في لندن على امتداد ثلاث ساعات، انه قرر خوض الحرب قبل ايام من تصويت النواب على مسألة اشتراك لندن بالحملة العسكرية. وقال «اتخذت القرار في الايام القليلة التي سبقت التصويت في 18 مارس (آذار) الماضي انه لا يمكننا تجنب النزاع لانه كان من الواضح حينذاك أننا لن نستطيع تمرير قرار ثان من الامم المتحدة يوجه إنذاراً نهائياً لصدام». واضاف «عندما أوضحت البلدان الاخرى أنها غير مستعدة لتأييد قرار يوجه إنذاراً نهائياً لصدام اصبح من الواضح أن كل ما سنحصل عليه هو تنديد ثان بصدام حسين واتفاق على إجراء مناقشات أخرى، ولم يكن ذلك كافياً». ويُشار الى ان جلسة التصويت على قرار الحرب في 18 مارس الماضي شهدت أضخم تمرد خلال الست سنوات الاخيرة من جانب نواب حزب العمال الحاكم على بلير. بيد ان تصويت ما يزيد عن 130 نائبا عماليا ضد القرار لم يكفِ لإنزال هزيمة بالحكومة، لا سيما انها حظيت بتأييد حزب المحافظين المعارض مما ادى الى تمرير القرار.

وطلب أعضاء في اللجنة من بلير الاعتذار علناً لأنه ابلغ البرلمان قبل إطلاق التقرير بأن هذه الوثيقة تتضمن «معلومات استخباراتية جديدة»، ولفتوا الى ان لجنة الشؤون الخارجية قالت إنه «اساء في عرض معلومات» على النواب، وذلك في تقريرها الصادر اول من امس حول صدقية الدور البريطاني في الحرب. غير ان رئيس الوزراء قال إن الحكومة اعتذرت سلفاً عن «الخطأ» للبرلمان. ويذكر ان الملف الذي صدر في فبراير (شباط) الماضي وكانت بعض مزاعمه الاساسية تستند الى اطروحة دكتوراه أعدها طالب عراقي قبل 12 عاماً. وشدد بلير على انه «يدحض تماماً اي اقتراح مفاده اننا ضللنا البرلمان او الشعب». ورأى أن «أجهزة استخباراتنا زودتنا بالمعلومات الصحيحة في ذلك الوقت». وكان الزعيم البريطاني قد استهل الجلسة بالتأكيد على تشبثه بموقفه المعروف من العراق والحرب عليه. وقال بلير، وهو أول رئيس وزراء بريطاني يوافق على المثول أمام هذه اللجنة التي كان وراء إنشائها، «انا متأكد تماماً بأننا فعلنا الشيء الصائب ليس فقط لانه (صدام) كان (يمثل) تهديداً لمنطقته وللعالم، بل (لانه كان) ايضاً نظاماً مرعباً الافضل للعالم ان يتخلص منه». وكشف عن ان رفاة 300000 ضحية قد عُثر عليها حتى الآن في مقابر جامعية في العراق، مما يعني ان صدام كان «شريراً اكثر» مما توقع الجميع. وأقر بأن «الحالة الامنية (في العراق) صعبة، بيد ان (جهود) تثبيتها متواصلة». وقال إنه لم يتوقع أن تكون «إعادة الاعمار سهلة»، وقلل من اهمية احتمال إرسال لندن «عشرات الآلاف من الجنود» الى العراق للمرابطة هناك لمدة أربع سنوات.

وفي غضون ذلك، افاد استطلاع للرأي نشرته امس صحيفة «التايمز» البريطانية أن تأييد البريطانيين لقرار بلير بإشراك البلاد في الحرب قد هبط الى 45% وان غالبية البريطانيين يشعرون أن التدخل العسكري لم يكن مبرراً. واشارت الصحيفة الى ان نسبة المؤيدين للحرب في مايو (أيار) بلغت 58% وفي ابريل (نيسان) 64%.

وأفردت الصحف البريطانية حيزاً كبيراً من صفحاتها الاولى وافتتاحياتها لتقرير لجنة الشؤون الخارجية الذي صدر اول من امس على خلفية النزاع بين الـ«بي.بي.سي» وحكومة بلير التي تتهمها بـ«الكذب» لبثها تقريرا جاء فيه على لسان مسؤول أمني رفيع طلب عدم ذكر اسمه ان مكتب رئيس الحكومة تعمد «رفع درجة الاثارة» في معلومات نشرها عن الخطر العراقي المزعوم. واعتبر كامبل، الذي اشرف على إصدار ملف عن اسلحة صدام للدمار الشامل في سبتمبر (أيلول) الماضي المسؤول الاول عن إضافة معلومة تفيد ان بغداد كانت قادرة على نشر بعض اسلحتها الكيماوية والبيولوجية في 45 دقيقة. ومع أن اللجنة البرلمانية برأته من هذه التهمة فهي انتقدت تخويله صلاحيات الاشراف على وضع الملف. كما سلطت الصحف الضوء على تساؤلات اللجنة عن سبب «إبراز» بلير لمعلومة الـ45 دقيقة بشكل كبير مع أنها لم تكن مؤكدة. وحثت صحيفة «فايننشال تايمز» المعتدلة في افتتاحيتها أمس على الاعتذار من البرلمان والشعب، في الوقت الذي طالبت «الغارديان» اليسارية بالاجابة على الاسئلة التي لا تزال تثير الشكوك في صدقية موقفه. واعتبر هيوغو يونغ، المعلق المعروف بقربه من تيار حزب العمال الجديد، في مقال مطول بـ«الغارديان»: «لقد آن الآوان لاستقالته (بلير)». أما صحيفة «ديلي تلغراف» اليمنية التي ايدت الحرب ايضاً فأبرزت على صفحتها الاولى انتقادات لجنة الشؤون الخارجية البرلمانية لبلير، مشددة في افتتاحيتها على وجوب استقالة أو إقالة مساعده القوي كامبل. وأفردت صحيفة «ديلي ميرور» معظم صفحتها الاولى لصورة بلير ووزيري الخارجية جاك سترو والدفاع جيف هون وفوقها عبارة «مذنبون» بالخط العريض.