أميركا تدرس الاستعانة بحلف شمال الأطلسي في العراق

في تحرك أثار تحفظات المتشددين في إدارة بوش التي بدأت تفقد ثقة الأميركيين أمام تزايد الهجمات على قواتها

TT

صرح مسؤولون في حلف شمال الاطلسي «الناتو» والولايات المتحدة أن أميركا أبدت رغبة في ان يلعب الحلف دورا قياديا في احتلال العراق، سعيا منها لتخفيض الخسائر في الأرواح والعتاد التي تعرضت لها قواتها اخيرا. ولن ينال هذا التغيير في الموقف رضى المتشددين داخل الادارة الاميركية لأنه سيعني اشراك بعض الدول الأوروبية التي عارضت غزو أميركا للعراق، في عملية صنع القرار حول مستقبل العراق. يضاف الى ذلك فان مثل هذا القرار سيحتاج الى تفويض من الأمم المتحدة، وهو أمر فشلت الولايات المتحدة في الحصول عليه قبل شن حربها لاسقاط نظام صدام حسين.

ولكن باعتبار الولايات المتحدة أقوى الدول في حلف «الناتو»، فانها ستحافظ على القيادة العسكرية مع تقسيم الأعباء والنفقات على بقية الدول، مما يقلل واجبات قواتها التي تواجه ضغوطا أكبر من طاقتها في الوقت الحالي. وصرح أحد كبار المسؤولين في ادارة الرئيس جورج بوش بأن «هناك رغبة» في تحويل المهمة الى حلف الناتو. وأضاف يقول: «اعتقد أن الرأي العام الأميركي سيكون سعيدا وهو يرى حلف الناتو يمد الينا يد المساعدة في العراق، فالأميركيون يؤمنون بالناتو وسيرون مشاركته في ادارة شؤون العراق أمرا ايجابيا جدا».

وكان حلف «الناتو» قد عانى من أسوأ شرخ في صفوفه الشتاء الماضي عندما عارضت دولتان من أكبر اعضائه هما فرنسا وألمانيا، معارضة شرسة، غزو العراق وتحالفتا في لحظة ما مع بلجيكا في منع الحلف من تعزيز دفاعات تركيا تحسبا لأي هجوم تتعرض اليه من جارها العراق. لكن الدبلوماسيين على جانبي الأطلسي عبروا عن رغبة قوية في اصلاح ذات البين بعد نهاية الحرب. وقد صدرت تصريحات من مسؤولين بواشنطن ورصفاء لهم ببروكسل، مقر الحلف، أن قضية تسليم القيادة في العراق الى «الناتو» ربما تناقش اوائل الخريف المقبل.

وأثير دور «الناتو» المقترح في وقت صار فيه أعضاء بالكونغرس ومحللون للشؤون العسكرية يقولون إن الاصابات اليومية في صفوف القوات الأميركية والتخريب الذي تتعرض له البنيات التحتية للبلاد، تحتاج الى اضافة قوات جديدة تدعم القوات الأميركية الحالية التي تصل أعدادها الى 146 ألفا وتدعمها 12 ألفا من القوات البريطانية. وذكر «البنتاغون» اول من امس أن عدد الضحايا الأميركيين بلغ 143 قتيلا، لقوا حتفهم تحت نيران العدو، وهو عدد قريب من الـ147 الذين قتلوا في حرب الخليج عام .1991 وقد بلغ عدد القتلى الأميركيين من جراء حرب العصابات 29 جنديا قتلوا منذ اعلان الرئيس بوش نهاية المواجهات العسكرية الكبيرة في الأول من مايو (أيار). وقد أدى تزايد عدد الضحايا الى زعزعة ثقة الجمهور الأميركي في العملية العسكرية برمتها. ففي منتصف أبريل (نيسان) قال 61 في المائة إن العملية العسكرية في العراق تسير بصورة جيدة. لكن هذه النسبة انخفضت حاليا الى 23%، حسب النتائج التي أعلنها استطلاع أجراه مركز بيو لأبحاث الرأي العام.

وقال الجنرال المتقاعد جوزيف هور، الذي قاد القوات الأميركية في المنطقة بعد حرب الخليج عام 1991، في مقابلة أجريت معه «اعتقد أنهم يحتاجون الى مزيد من القوات. ويبدو لي أن حراسة المناطق الحساسة ومحطات توليد الكهرباء، تحتاج الى قوات اضافية حتى تتمكن من تدريب قوات عراقية تضطلع بمثل هذه المهام». من جانبه، طلب السناتور جوزيف ليبرمان، الديمقراطي من ولاية كونيتيكوت، والمرشح لخوض الانتخابات الرئاسية، من الادارة «ارسال مزيد من الجنود الأميركيين الى العراق وبذل مزيد من الموارد هناك». وجاء في مقالة نشرها السناتور ليبرمان، هو عضو بلجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ، بصحيفة «واشنطن بوست» الاثنين الماضي، ان على الرئيس «ان يطلب من الناتو، في اقرب فرصة ممكنة، تولي قيادة القوات بالعراق».

وطالب جوزيف بيدين، العضو الديمقراطي البارز في لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ باشراك «الناتو» في احتلال العراق. وقال في مؤتمر صحافي عقده اواخر يونيو (حزيران) ان اللورد روبرتسون، السكرتير العام لحلف الناتو أبلغه أنهم «مستعدون للمشاركة ولكن أحدا لم يطلب منهم ذلك». وعبر عضوان جمهوريان بالكونغرس هما ريتشارد لوغار وهو رئيس ندوة الشؤون الخارجية، وجون وارنر رئيس لجنة القوات المسلحة، عن رغبتهما في اشراك مزيد من الحلفاء في عملية العراق، لكنهما لم يصدرا دعوة صريحة لاشراك «الناتو» كما فعل الآخرون. ويقول الدبلوماسيون ان «الناتو» قد خطا خطوة سياسية كبيرة الشهر الماضي عندما قرر تقديم مساعدات عسكرية لبولندا التي جمعت قوة متعددة الجنسيات يصل عددها الى 8 آلاف ستقوم بارسالها الى العراق في سبتمبر (ايلول) المقبل حسب تقديرات الدبلوماسيين.

وصرح أحد كبار المسؤولين في «الناتو» ان «الولايات المتحدة قدمت اقتراحا عاما بأنها تريد أن يلعب الحلف دورا أكبر في العراق مستقبلا». وقال ان ذلك ابلغ للمسؤولين بالحلف على «أعلى المستويات». وقال المسؤول إن العراق سيحذو حذو افغانستان حيث ان «الناتو» سيتسلم القيادة هناك في أغسطس (آب) المقبل. لكن النداءات الموجهة الى «الناتو» ليشارك في قيادة القوات بالعراق في وقت تتعرض فيه القوات الأميركية الى هذا العدد الكبير من الهجمات، يمكن أن يكون أمرا محرجا بالنسبة لادارة بوش. وقال جيمس غولدغاير، الخبير الأوروبي بجامعة جورج واشنطن وكبير الباحثين بمجلس العلاقات الخارجية «المشكلة حاليا هي أن الأمور لا تسير بصورة حسنة كما كان يأمل الأميركيون. وهو بالتالي ليس وقتا مناسبا للاستعانة بآخرين. وسيبدو الأمر وكأنما أنت عاجز عن انجازه وتستنجد بجهة أخرى لتفعله نيابة عنك».

ويواجه «البنتاغون» صعوبات حقيقية في تنفيذ تنقلات القوات الموجودة حاليا بالعراق فما بالك باضافة قوات جديدة الى 146 ألفا الموجودة هناك. ويزيد الأمر صعوبة أن أكثر من نصف الجيش الأميركي العامل موجود في العراق وبأماكن أخرى من منطقة الخليج ويحاول المسؤولون اعادة بعض هذه القوات الى أميركا بعد أن هدها التعب من المواجهات العسكرية. وقال جنرال الجيش المتقاعد باري ماكفري، الذي قاد الفرقة 24 مشاة خلال حرب الخليج 1991 «هناك عوامل قلق واحباط اصبحت تفعل فعلها داخل الجيش. وبعد 12 شهرا سنكون كمن يمشي على منحدر صخري حاد. اننا لا نستطيع ان نحافظ على مستوى هذا الانتشار في قواتنا».

وفاتح «البنتاغون» ووزارة الخارجية بحوالي 70 بلدا من أجل ارسال قوات للمشاركة في احتلال واعادة اعمار العراق وذلك خارج مظلة «الناتو» لكنهما لم يحصلا حتى الآن على أكثر من الـ8000 جندي الذين ستقودهم بولندا. وربما يؤدي تحويل المسؤولية الى «الناتو» الى اقناع أوروبا بالمشاركة في تقاسم الأعباء، ولكنه لن يكون حلا شافيا، فالقوات الأوروبية تتعرض هي الأخرى الى ضغوط كبيرة. وتضطلع القوات الألمانية والهولندية والفرنسية بمهام حفظ السلام في أفغانستان وتنتشر قوات فرنسية حاليا في نقطتين من نقاط الاحتدام في افريقيا هما ساحل العاج والكونغو.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» و«واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»