أبو مازن يصر على استقالته من اللجنة المركزية لحركة «فتح» بسبب وجود خلافات ومصدر فلسطيني يستبعد تمسكه بها

إسرائيل تستبعد الاستمرار في الأزمة الحالية بشكل قد يؤدي إلى الإطاحة بحكومة محمود عباس

TT

اصر رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) امس على استقالته من اللجنة المركزية لحركة فتح التي تقدم به مساء يوم الاثنين عقب اجتماع تعرض فيه لانتقادات شديدة من زملائه في اللجنة، على ادائه التفاوضي.

واعترف ابو مازن في تصريحات للصحافيين قبل دخوله الى مكتبه بمبنى رئاسة الوزراء في رام الله، لأول مرة بأن الخلافات الداخلية ادت الى هذه الاستقالة من اللجنة المركزية.

لكن مسؤولا فلسطينيا طلب عدم ذكر اسمه قال لـ«الشرق الأوسط»: «اشك في ان يتمسك ابو مازن بالاستقالة لان ذلك يعني التقاعد من العمل الوطني». واضاف «انه لا بد ان يستقيل من رئاسة الحكومة اذا ما اصر على الاستقالة من مركزية فتح التي اهلته لرئاسة الوزراء. ولا اعتقد ان ابو مازن يفكر في الوقت الحاضر في الاستقالة من هذا المنصب. وان كنت مقتنعا بانه لن يعمر كثيرا». وهذا ما اكده ابو مازن بقوله انه سيواصل عمله في الحكومة كالمعتاد، وان الحكومة ستستمر في عملها الى ان يقرر عكس ذلك.

واعتبر مسؤول فلسطيني آخر ان اعلان أبو مازن عن الاستقالة من اللجنة المركزية يهدف فقط الى تفعيل ضغط دولي وعربي على قيادة فتح وعلى الرئيس ياسر عرفات، تماما كما حصل عندما هدد برفض كتاب التكليف بتشكيل الحكومة في مارس (آذار) الماضي بسبب تدخل الرئيس عرفات الذي تعرض لضغوط دولية وعربية شديدة تتوجت بزيارة مدير المخابرات المصري عمر سليمان لرام الله قبل يوم من انتهاء المهلة القانونية لاعلان الحكومة والخروج باتفاق حل وسط بشأن التشكيل الحكومي.

واستبعدت مصادر أمنية اسرائيلية، حسب ما ذكرت صحيفة «يديعوت احرونوت» في عددها الالكتروني باللغة العربية امس، اقدام أية جهة فلسطينية حتى الرئيس عرفات نفسه، على الاستمرار في الأزمة الحالية بشكل قد يؤدي الى الاطاحة بأبو مازن. وأضافت أن «جميع الأوساط الفلسطينية تعلم جيدا أن المجتمع الدولي، لن يسمح باسقاط أبو مازن أو الاطاحة به بهذه السهولة والسرعة».

وكانت اللجنة المركزية لفتح قد رفضت استقالة ابو مازن التي جاءت برسالة بعث بها الى الرئيس عرفات بعد عودته الى منزله من اجتماع اللجنة مساء الاثنين الماضي وارفقها برسالة اخرى طالب فيها مركزية فتح بتحديد نهجها السياسي الواضح للتفاوض مع اسرائيل، واحتفظ بحقه في قبوله هذا النهج او رفضه والاستقالة.

وقال وزير المفاوضات السابق صائب عريقات «الرئيس عرفات قال انه واللجنة المركزية رفضوا استقالة ابو مازن وسيفعلون ما في وسعهم لمساندته واقناعه بالعدول عن استقالته».

لكن أبو مازن نفى الأنباء حول عدوله عن قرار الاستقالة من اللجنة، قائلا: «لم أسمع عن ذلك».

وقاطع ابو مازن اول من امس اجتماعا آخر للجنة المركزية عقد برئاسة عرفات في مقره في رام الله، لمواصلة النقاش الذي جرى في الليلة السابقة، كما قاطع اجتماعا للمجلس الثوري عقد الليلة قبل الماضية واستمر حتى الساعات الاولى من فجر امس. ووجهت انتقادات شديدة لأبو مازن واسلوبه في التعامل «الفوقي» مع زملائه سواء في اللجنة المركزية او المجلس الثوري ولجوئه الى محاولة فرض موقفه عبر التلويح بالاستقالة كما قال مصدر في المجلس الثوري لـ«الشرق الاوسط» امس.

وطلب المجلس الثوري من اللجنة المركزية وقف الوساطات التي قام بها صخر حبش وغيره من اعضاء اللجنة المركزية لاقناع ابو مازن بالعدول عن الاستقالة. وقالوا ان هذا الاسلوب لا يجوز ولا يمكن ان يسمحوا به. وقال بعضهم انه «اذا كان لأبو مازن رأي فعليه ان يعبر عنه باسلوب غير الاستقالة».

وقالت المصادر التي طلبت عدم ذكر اسمها «ان ابو مازن تعرض لانتقادات شديدة على مقاطعته اجتماع المجلس الثوري حتى من وزراء في حكومته». واضافت «كان هناك شبه اجماع في المجلس حول ان اسلوب الحرد الذي يلجأ اليه ابو مازن كلما تعرض لانتقاد او وجه اليه لوم او رفض له طلب، ليس عملا سياسيا ولا اسلوب اقناع بل تصرف ابتزازي».

وكان المجلس الثوري قد دعي للاجتماع برئاسة عرفات الليلة قبل الماضية لبحث الوضع السياسي والتطورات على الارض، لكن تطورات الساعات الثماني والاربعين الاخيرة طغت على الجلسة، حسب ما قاله عضو في المجلس الثوري لـ«الشرق الاوسط».

غير ان الاجتماع دعا في النهاية حكومة ابو مازن لإعادة تقييم خطتها التفاوضية مع حكومة شارون، واتهم أبو مازن بتقديم تنازلات في قمة العقبة من دون الحصول على أي انجازات سياسية أو ميدانية خاصة في ملف المعتقلين والانسحاب الى مواقع ما قبل سبتمبر (أيلول) 2000. ووصفت تصرفات أبو مازن وقيادته للحكومة الفلسطينية الأولى بأنها «مؤامرة على الرئيس عرفات».

وكما حصل في اجتماع اللجنة المركزية تركزت الانتقادات لأبو مازن وحكومته حول قضايا الاداء التفاوضي. وحسب عضو المجلس الثوري فان معظم الاعضاء انتقدوا استمرار ابو مازن في عقد اللقاءات مع شارون وانتقدوا بشكل خاص تشكيل اللجان المشتركة التي تعطي انطباعا للعالم بأن عملية السلام جارية رغم ان ذلك غير منعكس على الارض. وقال «ان الاعضاء تساءلوا حول جدوى هذه الاجتماعات واللجان اذا كان الجدار الامني لا يزال في محله والحكومة الاسرائيلية مصرة على الاستمرار في بنائه على حساب الاراضي الزراعية للفلسطينيين... واذا كانت اسرائيل ترفض الانسحاب وتواصل الحصارات على المدن والقرى مستمرة.. واذا ما كانت الحكومة الاسرائيلية ترفض حتى الآن الافراج عن المعتقلين حتى ضمن المعايير التي تضعها كما ترفض رفع الحظر عن تحركات الرئيس عرفات».

وفي موضوع تشكيل اللجان الثماني المشتركة التي اقرتها الحكومة الفلسطينية في اجتماعها الذي عقدته برئاسة ابو مازن في غزة يوم السبت الماضي، رفض المشاركون في الاجتماع حسب معلومات «الشرق الأوسط» مبدأ اللجان المشتركة في هذه المرحلة التي لم يغير فيها الاسرائيليون من تعنتهم. وخصوا بالذكر لجنة التحريض التي تشكلت برئاسة وزير الاعلام الفلسطيني نبيل عمرو ووزير الخارجية الاسرائيلي سلفان شالوم، وذلك من اجل وضع حد للتعابير التحريضية في وسائل الاعلام الفلسطينية المكتوب منها والمرئي والمسموع، ضد اسرائيل، في وقت لم يتغير فيه شيء على الارض، حسب قول المصادر الفلسطينية.

ونقل المركز الاعلامي الفلسطيني في موقعه على الانترنت مزيدا عما دار في اجتماع اللجنة المركزية والمجلس الثوري لحركة فتح. وحسب مصادر فلسطينية فان اعضاء في اللجنة المركزية منهم هاني الحسن وعباس زكي وصخر حبش وسليم الزعنون وحكم بلعاوي (امين عام رئاسة الوزراء) تصدروا حملة الهجوم على الحكومة.

واحتج عدد من أعضاء اللجنة المركزية على قيام محمد دحلان وزير الدولة لشؤون الامن بلعب دور وزير الداخلية الفعلي وادارته الأمور الأمنية بشكل منفرد. وقال هؤلاء انهم يرون ان شارون الذي أفلح في اقامة علاقة ودية مع أبو مازن، يقوم بعملية خداعية كبرى تنطلي على رئيس الحكومة الفلسطينية. وشدد هؤلاء على ان الشارع الفلسطيني لم يلمس حتى الآن أية نتائج لهذه العلاقة، لا على صعيد الافراج عن الأسرى ولا على صعيد تسهيل الحياة اليومية للمواطنين. وتحدث هؤلاء عن الصعوبة التي تواجه حركة فتح في محاولتها اقناع الشارع الفلسطيني بالوقوف خلف خطوات حكومة أبو مازن. وأبلغوا رئيس الحكومة الفلسطينية أنه من دون الافراج عن الأسرى ستنشب الانتفاضة ثانية ويسقط الجميع.

وأشارت بعض المصادر الى ان ما أغضب أبو مازن على وجه التحديد انضمام الرئيس عرفات الى هذه الانتقادات. وقالت ان عرفات تحدث عن ان ادارة المفاوضات مع اسرائيل تجري على طريقة الهواة وليس المحترفين، وان شارون هو الذي يدير اللعبة كما يريد.