إسرائيل تعتبر الخلافات في «فتح» أزمة مفتعلة «هدفها ابتزاز حكومة شارون»

وولف يطالب بإطلاق سراح عدد أكبر من الأسرى الفلسطينيين وإخلاء المستوطنات

TT

اعربت مصادر امنية عليا في اسرائيل عن اقتناعها بأن الخلافات التي نشبت داخل قيادة حركة «فتح» واستقالة رئيس الحكومة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) من اللجنة المركزية للحركة، هي ازمة مفتعلة هدفها ابتزاز الحكومة الاسرائيلية حتى تطلق سراح الاسرى وتقدم المزيد من التنازلات، وانها في احسن الحالات، مجرد ازمة عابرة ستنقشع بسرعة.

ورفضت هذه المصادر التوصية لدى رئيس الوزراء، ارييل شارون، بأن يهب لنجدة ابو مازن من هذه الازمة. وقالت: «اذا كانت هناك ضغوط على ابو مازن، فان مصدرها واحد هو (الرئيس الفلسطيني) ياسر عرفات. وعلى ابو مازن ان يصارحنا بذلك ويبدأ بالعمل ضد عرفات، لا ان يوجه احتجاجه ضد اسرائيل ويطلب منها ان ترفع الحصار عن عرفات».

وكانت مصادر اعلامية مطلعة قد ذكرت ان مكتب شارون، يتابع التطورات داخل «فتح» بقلق شديد. واتهمت عرفات بأنه يحول نسف جهود المسيرة السياسية المتجددة بسبب حساباته الشخصية. وادعت ان الاجتماعات التي عقدت للجنة المركزية والمجلس الثوري لفتح في اليومين الماضيين، تمت بمبادرة عرفات واتخذت طابعا دراميا غريبا وكان المتكلمون الاساسيون فيها من رجال عرفات، خصوصا مستشاره لشؤون الامن القومي، هاني الحسن، ومستشاره العسكري، صخر حبش، اللذين هاجما ابو مازن بشدة.

الا ان قادة المخابرات العامة في اسرائيل رفضوا هذا التقويم. وحذروا من ان تكراره سيؤدي الى ابتزاز اسرائيل. وانتقدوا احد مساعدي شارون الذي صرح بأن امكانية تعديل قرار الحكومة واطلاق سراح عناصر من «حماس» و«الجهاد الاسلامي» واردة جدا». ووصفوا هذا التصريح بأنه استسلامي خطير. ويشير المراقبون الى ان موقف المخابرات المتشدد هذا، جاء في اعقاب الاجتماع الذي عقده رئيس طاقم المراقبين الاميركيين، جون وولف، مع وزير الخارجية الاسرائيلي، سلفان شالوم، الليلة قبل الماضية، الذي طلب فيه ان تغير اسرائيل قرارها بشأن الاسرى وتطلق عددا اكبر من 350 أسيرا. وقال وولف للوزير شالوم انه لا يوجد اي سبب منطقي يجعل اسرائيل تحتفظ بألوف الفلسطينيين في السجون، خصوصا الاطفال والنساء والمسنين والمعتقلين الاداريين. وهؤلاء وحدهم يصل عددهم الى حوالي 1400 اسير.

ونقل على لسان وولف في هذه الجلسة ايضا انه ابلغ شالوم بأنه يلاحظ ان اسرائيل توقفت عن اخلاء النقاط الاستيطانية «غير الشرعية» (حوالي 200 نقطة استيطان جديدة اقيمت خلال السنوات الاربع الماضية من دون قرار حكومي). وقال له: «انتم اخليتم فقط 11 نقطة استيطان. والمستوطنون اقاموا 10 نقاط استيطانية جديدة. وهذا يعني عمليا انكم اخليتم فقط نقطة استيطان واحدة، وهذا لا يلائم اجواء خطة «خريطة الطريق» والتعهد بتطبيق بنودها».

ويبدو ان المخابرات رأت ان هذا التوجه بداية ضغوط اميركية، تدل على ان واشنطن تأثرت من جو الازمة التي احدثتها حركة «فتح» لأبو مازن.

لكن مصدرا اميركيا مقربا من وولف قال انه سيتوجه قريبا الى ابو مازن طالبا منه ان يعقد اللقاء المؤجل مع شارون.

من جهة ثانية تجند كل من وزير الدفاع الاسرائيلي، شاؤول موفاز، ووزير القضاء، يوسف لبيد، لنصرة التيار القائل بضرورة التقدم في المسيرة السلمية والتعاون مع ابو مازن. فقال موفاز ان من الصعب الحكم على مدى نجاعة عمل حكومة ابو مازن، «فنحن ما زلنا نعيش بداية عملها. ونحتاج الى عدة اسابيع حتى نحكم عليها. وخلال هذه الاسابيع علينا ان نساعدها على النجاح دون ان نقدم تنازلات جديدة لها». وكان موفاز قد صرح بأنه لا يرى ضرورة في الانسحاب الآن من مدن فلسطينية اخرى في الضفة الغربية. ورأى ان دعم حكومة ابو مازن يكون في الامتناع عن تنفيذ عمليات حربية في المدن الفلسطينية وفي استمرار الحوار معها.

اما لبيد، فقد هاجم اولئك الذين يشككون في جدوى الهدنة ووقف النار وتنهار اعصابهم من العمليات التي يحاول تنفيذها بعض الفلسطينيين. وقال ان في اسرائيل ايضا توجد قوى معنية بتدمير عملية السلام بأي ثمن، ويجب الا نعطيهم فرصة لتنفيذ رغباتهم.

ورفض لبيد الحجة التي يتذرع بها اليمين الاسرائيلي بالقول ان «الفلسطينيين سيستغلون الهدنة من اجل اعادة بناء قوتهم العسكرية حتى يجددوا العنف ضدنا». وقال: «كل دولة تستغل اوقات السلام لكي تعزز قوتها الحربية. فهل يجب الاستنتاج ان تستمر الحرب، ولا تتم تجربة السلام».

وعلم ان قادة الاجهزة الامنية في اسرائيل تجتمع يوميا لتقويم الاوضاع في المناطق الفلسطينية، في اعقاب العمليات العسكرية والخلافات في «فتح»، وان هناك خلافات واضحة داخل المؤسسة نفسها حول تفسير ما يجري والاستنتاجات الاسرائيلية منه. واعترض احد الجنرالات على ما قاله مسؤولون كبار في المخابرات من ان العملية التفجيرية التي نفذها الشاب الفلسطيني، احمد يحيى، 22 عاما، من الجهاد الاسلامي، في بلدة «يعيتس» الاسرائيلية، اول من امس، تدل على ان محمد دحلان وزير الدولة لشؤون الامن الفلسطيني «يخيب الآمال ولا يقوم بالحد الادنى من الاجراءات المطلوبة منه»، فقال: «علينا ان نتذكر ان الشاب المذكور خرج من منطقة جنين، وهي المنطقة التي نسيطر عليها منذ اكثر من سنتين. اي انها في مسؤوليتنا الامنية، وليست في مسؤولية دحلان. علينا ان لا ننسى ان الجهاد الاسلامي، لأول مرة في تاريخ وجوده، تنكر للعملية واعتبرها خرقا استثنائيا للهدنة. وهذا الجديد ليس مجرد تكتيك، فهناك نية حقيقية لوقف النار. علينا الاستمرار في المتابعة والمراقبة، ولكن ليس بالضرورة رؤية اي شيء بمثابة تهديد خطير لوقف النار».