الكويتيون يأملون في حكومة متماسكة بعد الانتخابات ويعتبرون أنه لم يعد هناك مجال للحديث عن التهديد العراقي كمبرر لتأجيل الإصلاحات

رجل أعمال: إذا أراد الأميركيون العثور على نموذج لديمقراطية عربية فنحن أفضل المرشحين

TT

مع بلوغ درجة حرارة الطقس 50 درجة مئوية، وانتشار رياح حارة كأنها انطلقت من جوف فرن محترق، لم يكن من السهل على زائر الكويت توقع أن يتوافد الناخبون على مراكز الاقتراع، ويصطفوا للإدلاء بأصواتهم يوم السبت الماضي. لكن العديد منهم، وبتحديد أدق الرجال، قاوموا شدة الحرارة في العديد من المناطق وتوجهوا إلى مراكز الاقتراع للمشاركة في ثالثة انتخابات برلمانية تشهدها هذه الدولة الغنية بالنفط منذ تحريرها في عام 1991.

وها هم الكويتيون يفخرون بتمكنهم من إصلاح الضرر الذي لحق ببناهم الأساسية نتيجة للغزو والاحتلال العراقي الذي وقع بين عامي 1990 ـ 1991. لكن واقع الحال ما يزال يرسم صورة قاتمة. فمتوسط الدخل السنوي للمواطن الكويتي بات اليوم يقترب من نصف ماكان عليه في عام 1983. وذلك البلد الذي كان ذات يوم يوفر لمواطنية كل حاجياتهم، اصبح يمتص المزيد من الموارد دون أن يقدم خدمات تذكر.

والاستثمار الخارجي المباشر بات اليوم شبه متوقف بينما بلغ استثمار القطاع الخاص في الداخل أدنى مستوياته منذ 30 عاما. وتشير آخر موازنة مالية للدولة إلى عجز مقداره 13 في المائة، وهي نسبة بلغت أربعة أضعاف ما هي عليه في دول الاتحاد الأوروبي. وتقدر نسبة البطالة في أوساط أبناء الكويت بحوالي 10 في المائة، أي ما يعادل ضعفي ماهي عليه في بريطانيا.

وإذا ما تحدث المرء مع كبار المسؤولين فسيعلم منهم ان ما تعاني منه الكويت يعود لأربعة أسباب: الأول هو «التهديد القادم من الشمال». فبالرغم من طرد العراق من الكويت في عام 1991، الا أن معظم الكويتيين مايزالوا يعتبرون ان العراق يشكل تهديدا دائما لأساس وجود دولتهم. ولولا الولايات المتحدة لكانت الكويت فريسة سهلة لنظام صدام حسين. قد يكون انهيار النظام البعثي في بغداد أحدث تحولا في رؤية الكويتيين للتهديد العراقي، لكنه لم يزله من نفسياتهم.

وكما يقول رجل أعمال كويتي: «قد لا يكون هناك اليوم تهديد مباشر من العراق. لكن لا أحد يستطيع التأكد من عدم تبني النظام العراقي في المستقبل لحلم ضم الكويت بوسائل أخرى».

وتخشى مجموعة أخرى من الكويتيين من أن يعاني العراق من سنوات، إذا لم تكن عقوداً، من الاضطراب الذي قد يؤثر على المنطقة بأسرها. وفي الوقت الراهن، على أية حال، يصر معظم الكويتيين على أن صانعي القرار لم يعودوا بعد اليوم قادرين على الحديث عن «التهديد» العراقي كمبرر لعدم المضي قدما في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

أما المبرر الثاني لعدم الحركة فقد كان انحسار أسعار النفط، الذي يمثل المصدر الرئيسي لدخل الكويت. فخلال معظم سنوات العقد الماضي تراوحت أسعار النفط عند نسبة 50 في المائة مما كانت عليه خلال الثمانينات. لكن هذا المبرر، هو الآخر، لم يعد ساري المفعول مع استقرار معدل أسعار النفط عند مستوى 25 دولارا اميركيا للبرميل خلال الأعوام الخمسة الماضية. (مع العلم ان آخر أربع موازنات عامة كويتية افترضت ان أسعار النفط تقف عند أو أقل من 15 دولار للبرميل).

المبرر الثالث الذي استندت اليه نخبة صانعي القرار كان غياب أغلبية ودودة مؤيدة للإصلاح داخل مجلس الأمة، وهو هيئة نيابية من فرع واحد يتكون من 50 رجلا يمثلون 25 دائرة، ينتخبهم الرجال فقط.

لكن هذا المبرر، هو الآخر، تم إفراغه من مضمونه خلال الانتخابات العامة التي جرت يوم السبت الماضي. فوفقا لما أورده معظم المراقبين، يمكن للحكومة أن تعتمد على دعم مايقرب من 30 عضوا، بمن فيهم 14 مستقلا وثلاثة «معتدلين». وحتى بعض مجموعة العشرين المتبقية قد يدعمون خطط الإصلاح الحكومية، على الأقل فيما يتعلق بقضايا كالخصخصة.

ولمزيد من التأكيد فإن الانتخابات لم تقدم صورة متكاملة عن المزاج العام في الكويت خلال الوقت الراهن. فنسبة 15 في المائة من السكان فقط اعتبرت متمتعة بالحق القانوني في الإدلاء بأصواتها، كما كانت نسبة المشاركة في عملية التصويت الأقل من نوعها خلال تاريخ الدولة الانتخابي.

كما ان الحملة الانتخابية ركزت على شخصيات المرشحين وسجلاتهم، بدلا من أية برامج . ولم تعقد أية مناظرات بين المرشحين الذين حرصوا من جانبهم بشدة على عدم توجيه النقد لبعضهم البعض. ومع ذلك، فقد ظهر جليا ان معظم الناخبين أرادوا انتخاب رجال سيعملون، أشخاص يمكنهم تحقيق الأشياء بدلا من أولئك الذين يمكنهم فقط القاء الخطب الوردية.

على ان المبرر الرابع لما يعتبره بعض الكويتيين بأنه «عقد من السبات»، يعد أكثر تعقيدا. فهو مرتبط بعدم تمكن النخبة الحاكمة من الاتفاق على قيادة موحدة، وعرض استرتيجية متماسكة على الأمة. فحتى هواة التفلسف الذين يتبادلون أطراف الحديث في المقاهي التي تنتشر في السوق، أو يناقشون أمورهم في الديوانيات المسائية، يعلمون ان الحكومة الكويتية ظلت تعاني من الانقسام طوال ما يقرب من عقد من الزمن.

وكما يشير واقع الحال اليوم فإنه من المستبعد أن تضع آخر انتخابات عامة حدا للجدل الدائر بهذا الخصوص. فخلال الأيام الماضية ظلت الكويت مشغولة بالتوقعات المتعلقة بقرار فصل ولاية العهد عن منصب رئيس الوزراء. ومثل هذا الإجراء قد يؤدي إلى فصل مسألة تسلسل ولاية العهد عن المسألة الحكومية، الأمر الذي قد يسمح بتشكيل حكومة متحدة يتوفر لديها برنامج متماسك يحظى بتأييد جميع أعضائها. وهو إجراء تؤيده كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، حلفاء الكويت من خارج المنطقة. وبينما تسود وجهة نظر مفادها ان «الفصل» سيحدث خلال هذا الشهر عندما يتم الإعلان عن حكومة جديدة، تصر أفضل مصادرنا المطلعة على انه حتى لو تم اتخاذ مثل هذا القرار خلف الستار، فإنه لن يؤطر ويعلن على الملأ.

إحدى صيغ التسوية المطروحة للنقاش تدور حول السماح لنائب رئيس الوزراء الشيخ صباح الأحمد الجابر، الذي يعد الرئيس الفعلي للحكومة، باختيار أعضاء حكومته، بينما يحتفظ ولي العهد الشيخ سعد عبد الله الصباح بلقبه كرئيس للوزراء.

لكن ترتيبا مبهما بهذا الشكل قد يعني ان آخر رابع مبررات عدم الحركة قد يظل قائما على الأرجح.

وكما يقول رجل أعمال كويتي: «لدينا الآن كل ما نحتاج اليه لتحقيق أشياء عظيمة. وإذا ما أراد الأميركيون العثور على نموذج لديمقراطية عربية، فنحن كمرشحين أفضل من العراق الذي يعاني من انقسامات طائفية. فلدينا الموارد المالية، والتجربة السياسية والتماسك الوطني المطلوب لعملية ديمقراطية حقيقية. وكل ما نحتاجه هو حكومة متحدة وقوية لديها برنامج واضح».

هل سيحصل الكويتيون على ذلك؟ هذا ما سنعرفه خلال الشهر الجاري.