القاهرة «تستقبل» اليوم من الأوروغواي مصريا تتهمه بالمشاركة في مجزرة الأقصر

اضطروا لاستئجار طائرة خاصة نقلت محمد سعيد مخلص كي لا يطلب اللجوء من الولايات المتحدة إذا ما حطت فيها كنقطة ترانزيت

TT

أقلعت ليل أمس من المطار الدولي لمونتيفيديو، عاصمة الأوروغواي، طائرة مصرية خاصة نقلت على متنها رجال أمن مصريين ومواطناً لهم مكبلاً بالأصفاد، هو محمد سعيد مخلص، الذي ظل معتقلا هناك منذ 29 يناير (كانون الثاني) 1999 لعبوره مع زوجته وأولاده الثلاثة بجواز سفر ماليزي مزور من القسم البرازيلي لبلدة شويْ الى قسمها الآخر بالأوروغواي، وفق بيان أمني بثته السلطات الأوروغوانية أمس.

وكانت السلطات الأوروغوانية قد تلقت بعد يومين من اعتقاله طلبا من مصر لتسليمه اليها كمتهم بالارهاب، فظل نزيل السجن ينتظر نهاية لأخذ ورد بين دولتين غير موقعتين على اتفاقية تبادل للمطلوبين بينهما، حتى وافقت مونتيفيديو على تسليمه بعد تعهد مصري «بعدم محاكمته ثانية، كي لا يحكم بالاعدام، بل بالمؤبد على الأكثر».

وشرح وزير داخلية الأوروغواي، غيليرمي ستيرلينغ، حين شرح الأسبوع الماضي حيثيات النية بتسليم مخلص المتهم من مصر بتلقي تدريبات في معسكرات بن لادن بأفغانستان، وبما هو أخطر من ذلك بكثير: المشاركة في 1997 بعملية لتنظيم الجماعة الاسلامية المحظور، قضى فيها 58 سائحا وهم بين الآثار الفرعونية حين فاجأهم الرصاص من الرشاشات الأصولية، فخروا بدمائهم ضحايا لما أطلقوا عليه فيما بعد مذبحة الأقصر الشهيرة.

وكانت الأوروغواي قد واجهت مشكلة معقدة حين أرادت تسليمه الى مصر يوم الأحد الماضي، لأنهم كانوا سينقلونه على متن طائرة ركاب عادية، مضطرة للهبوط أولا في اسبانيا أو الولايات المتحدة كترانزيت، لكن السلطات الأميركية حذرت نظيرتها الأوروغوانية بأن قوانينها تمنع تحليق طائرة في أجوائها اذا ما كانت تنقل على متنها متهما بالارهاب من بلاده، وكذلك فعلت اسبانيا، كي لا يطلب اللجوء السياسي وهو في مطار احدى الدولتين، مما اضطر الحكومة المصرية الى استئجار طائرة خاصة، لم تكن وجهة خريطة تحليقها معروفة حتى أمس تماما، ولا هو معروف المطار الذي حطت فيه كترانزيت وهي في طريقها الى مصر، فنقلت مخلص الذي نفى دائما أي مشاركة له بمذبحة الأقصر أو التدرب في أفغانستان، وكذلك نفتها زوجته سحر محمد، 30 سنة، المقيمة الآن في مدينة فوز دو إيغواسّو الشهيرة بشلالات هي الأكبر في العالم بأقصى جنوب البرازيل، حيث هدير المياه المتساقط يصل بدءا من الغروب الى سكان مدينة سيودا دل لستي الواقعة بالباراغواي عند حدود مثلثة للبلدين مع الأرجنتين، يقيم في مدنها وبلداتها أكثر من 23 ألف مغترب ومتحدر لبناني.

وكانت سحر قد روت بالهاتف مع «الشرق الأوسط» يوم الاثنين الماضي أن أب أولادها الثلاثة مظلوم تماما منذ اعتقلوه قبل 4 سنوات و5 أشهر «يثبت ذلك أن جميع أولادي الثلاثة حاصلون على جنسية البرازيل لأنهم ولدوا فيها بعد هجرتنا اليها منذ أكثر من 11 سنة، ولم نغادرها أبدا، لا أنا ولا زوجي طوال هذه السنين، فكيف يكون مشاركا بعملية الأقصر وهو الذي غادر مصر قبل وقوعها بأربع سنوات»؟

وروت سحر، التي تعمل الآن معلمة في احدى المدارس العربية بفوز دو إيغواسّو، أن زوجها كان قد فقد جواز سفره حين وصلت معه الى منطقة الحدود المثلثة فقام بابلاغ القنصلية المصرية بذلك، ولديهم وثائق ابلاغه لهم، الا أنهم لم يزودوه بجواز جديد، بل ظل يعمل في منطقة الحدود باقامته البرازيلية الدائمة، الى أن تدهورت الأوضاع التجارية في المنطقة الحدودية، فباع محلا للأجهزة الألكترونية كان يملكه في «سيودا دل لستي» البعيدة في الباراغواي كيلومترين عن «فوز دو إيغواسّو» البرازيلية، حيث لا يفصلهما الا جسر على نهر بارانا، الفاصل بدوره بين الدولتين.

بعد بيعه للمحل قرر مخلص المغادرة مع زوجته وأولاده الثلاثة الى الأوروغواي، فمضى الى بلدة شويْ القريبة بالذات، وهي مزدهرة ويقيم فيها أكثر من 3 آلاف لبناني مغترب ومتحدر، ومعهم أكثر من 500 مهاجر فلسطيني، ويقع نصفها في البرازيل ونصفها الآخر في الأوروغواي. وحين كان يعبر الشارع الرئيسي، الفاصل فيها بين الدولتين، استوقفوه عند نقطة العبور الى الأوروغواي، ووجدوا أن جواز سفره كان ماليزيا ومزورا، باسم هشام آغا بلال الطرابيلي ، فاعتقلوه بجرم استخدام وثائق هوية مزورة، وهو ما عقوبته الطرد من البلاد بعد السجن لشهرين على الأكثر. لكن طلبا قضائيا وصل من مصر بعد اعتقاله بأيام، مرفقاً بوثائق تشير الى أنه ارهابي وتدرب في أفغانستان، ومن بعدها شارك في عملية الأقصر، فطال نزوله في السجن من آخر سنة في القرن العشرين الى منتصف السنة الثالثة من القرن الواحد والعشرين، الى أن وجدوا طريقة استعادوه معها بالتي هي أحسن وأسرع: مكبل بالأصفاد على طائرة خاصة، ومنها اليوم مباشرة الى سجن يمضي فيه بقية الحياة في القاهرة.