الفلسطينيون يطلبون تدخلا أميركيا عاجلا لإنقاذ «خريطة الطريق» من الانهيار عقب لقاء أبو مازن وشارون

دحلان: رئيس الوزراء الإسرائيلي ليس معنيا بالهدنة بل دفعنا لحرب أهلية

TT

قرر رئيس الحكومة الفلسطينية، محمود عباس (ابو مازن)، التوجه الى الادارة الاميركية بطلب عاجل للتدخل الفوري من اجل انقاذ «خريطة الطريق» من الانهيار وذلك بالضغط على اسرائيل كي توقف مماطلاتها وتنفذ التزاماتها وتكف عن خلق الذرائع لافشال المسيرة السياسية.

وجاء هذا القرار، امس، اثر اللقاء القاسي الذي عقد بين ابو مازن ونظيره الاسرائيلي ارييل شارون، في القدس المحتلة اول من امس، والذي لم يسفر عن تقدم كبير في المواضيع الاساسية. بل ان الفلسطينيين اعتبروه لقاء فاشلا. بينما وصفه الاسرائيليون بانه «لقاء عمل لم يتسم بالتوافق التام حول كل القضايا». الا ان احد المشاركين في الجلسة من الاسرائيليين قال انه يتفهم الغضب الفلسطيني «فقد جاءوا للاجتماع بتوقعات كبيرة غير واقعية. فكانت النتيجة الخروج بخيبة امل كبيرة». واسفر اللقاء عن النتائج التالية:

ـ الاتفاق على لقاء اخر بين شارون وابو مازن في نهاية يوليو (تموز) الجاري او مطلع اغسطس (آب) المقبل، بعد عودتهما من واشنطن.

ـ ازالة اكبر عدد ممكن من الحواجز العسكرية الداخلية التي ينصبها جيش الاحتلال الاسرائيلي على الطرقات ما بين المدن والقرى الفلسطينية، بحيث يصبح بامكان الفلسطينيين ان يتنقلوا بحرية من بلدة لاخرى.

ـ الاستمرار في المفاوضات، خلال الايام القليلة المقبلة، حول مسألة تحرير الاسرى وذلك بطريقة جديدة يتاح فيها للفلسطينيين ان يكونوا شركاء كاملين في اختيار الاسرى الذين سيطلق سراحهم. وقبل ان تسلم قائمة باسماء الاسرى الى اللجنة الخاصة بهذا الشأن في وزارة القضاء، يجتمع رئيس المخابرات الاسرائيلية العامة افي ديختر ووزير شؤون الاسرى في الحكومة الفلسطينية، هشام عبد الرازق، ويطلعه عليها، وفي حالة الاتفاق عليها تستمر الاجراءات الاسرائيلية الداخلية. واذا لم يتفقا، تحول الى شارون وابو مازن. ومع ان هذا القرار يعني تأجيل اطلاق سراح الاسرى عدة اسابيع، في احسن الاحوال، فان الفلسطينيين يرون فيه ضرورة حيوية حتى يحققوا مطالبهم في اطلاق سراح الاسرى الاكثر الحاحا، مثل المسنين والصبية والنساء والاسرى القدامى.

ـ الاستمرار في المفاوضات حول اتمام الانسحاب الاسرائيلي من المدن الفلسطينية والمحافظات في الضفة الغربية، وعقد جلسة خاصة بهذا الشأن بين وزير الدولة لشؤون الامن في الحكومة الفلسطينية، محمد دحلان، ووزير الدفاع الاسرائيلي شاؤول موفاز.

وعقد اللقاء في مقر رؤساء حكومات اسرائيل في القدس واستغرق ساعتين. وحضره من الجانب الفلسطيني كل من وزير الاعلام، نبيل عمرو، ووزير الامن الداخلي، محمد دحلان، ووزير شؤون الاسرى، هشام عبد الرازق. ومن الجانب الاسرائيلي، كل من مدير مكتب شارون، المحامي دوف فايسغلاس، وسكرتيره العسكري، يوآف لانت، ومستشاره السياسي، شالوم تورجمن.

وكان لقاء ساخنا جدا، ارتفع فيه صوت ابو مازن عدة مرات واتسم بالخلافات الحادة وتبادل الاتهامات. وفي مرحلة معينة صاح دحلان بشارون قائلا: انت تثبت لنا انك لست سعيدا بالهدنة، رغم انها تعتبر حدثا في تاريخ الشعب الفلسطيني، فلاول مرة تتفق فيه جميع الفصائل الوطنية على وقف اطلاق النار معكم. وانتم فقط لا تقدرون ذلك، بل تثبتون انكم غير راضين. يبدو انكم تفضلون انهيار الهدنة ودفعنا الى حرب اهلية».

وتركزت الخلافات بين الطرفين على ثلاثة مواضيع اساسية، هي:

ـ عرفات: فقد طلب ابو مازن من شارون ان يدرس موضوع فك الحصار عن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، بعيدا عن العواطف والتشنجات. وقال له ان الموقف الاسرائيلي من عرفات يلحق ضررا فادحا بالمسيرة السياسية وبالهدنة ويخلق التوتر من جديد، فضلا عن انه يمس بالشعب الفلسطيني كله «عرفات هو رئيس منتخب. والمساس به هو مساس بالشعب الذي انتخبه» ورد شارون على ذلك باسلوب استفزازي، اذ قال ان «الموقف الاسرائيلي الصارم من عرفات هو في مصلحة حكومتكم». فثارت ثائرة ابو مازن. وقال ان هذا الكلام هو الذي يلحق الضرر بحكومته ومصالحها. وحاول شارون تصحيح الانطباع الذي نشأ من كلامه فقال انه قصد بان «عرفات مشغول طول الوقت بتشجيع الارهاب وباثارة الناس ضد حكومة ابو مازن. فلو اتيح له ان يتحرك اكثر، فان نشاطه هذا سيكبر». وعندما رفض ابو مازن ووزراؤه الثلاثة هذا الموقف، لخص شارون النقاش قائلا: «ليس عندي ما اقترحه في هذا الموضوع سوى ان نسمح له بالخروج الى اينما يشاء. ولكننا لا نتعهد بالسماح له بالعودة بعد ذلك».

ـ الاسرى: هنا ايضا علا صراخ الفلسطينيين والاسرائيليين خصوصا عندما حاول شارون تبرير قرار حكومته اطلاق سراح 350 اسيرا فقط ممن يعتبرون غير قتلة (ايديهم غير ملطخة بالدماء) فقال: «حاولوا ان تفهموني، لدي حكومة صعبة. ولن استطيع تمرير اي قرار اريد فيها» فسأله ابو مازن «وانت الا تعرف اي معارضة توجد عندي؟!».

وقال شارون انه امر باطلاق سراح اسرى من «حماس» و«الجهاد» و«الجبهة الشعبية» وغيرها من قوى الرفض، ولكنه لن يغير شرطه في الامتناع عن اطلاق سراح اسرى ممن «ايديهم ملطخة بالدماء» فهذا خط احمر لن يتجاوزه كما قال.

ـ الانسحاب: عندما طلب الفلسطينيون من الاسرائيليين بتعجيل الانسحاب من بقية المدن، الى حدود ما قبل اندلاع الانتفاضة قال شارون ان هذه المسألة مربوطة بمدى قدرة اجهزة الامن الفلسطينية على السيطرة على الاوضاع الامنية. ورد الفلسطينيون عليه بحزم، مشيرين الى ما تحقق حتى الان من الانجازات خصوصا في مجال وقف النار. فقال شارون: «انا لا استطيع ان انكر انكم فعلتم الكثير، وهناك امور ملموسة مثل الانخفاض في التحريض والعمل ضد قوى الارهاب. ولكن هذا غير كاف. فما زالت لديكم فوضى. يكفي ان ينفلت ارهابي واحد حتى ينهار كل شيء. فاذا لم تعملوا على تفكيك التنظيمات الارهابية المسلحة، فلن نستطيع ان نتقدم في المبادرات الى الامام. واذا عملتم سترون كيف سنتجاوب».

ورفض شارون الاتهامات الفلسطينية بخصوص المستوطنات وقال انه ازال 13 نقطة استيطان جديدة. ورفض التجاوب مع مطلب فلسطيني بتجميد العمل في بناء الجدار الفاصل. كما رفض زيادة اوقات صلاة المسلمين في الحرم الابراهيمي وقال ان هناك اتفاق امر واقع لا حاجة لتغييره.

وبعد اللقاء صرح احد المشاركين الفلسطينيين بالقول ان شارون عاد الى السياسة القديمة لفرض الاملاءات على الفلسطينيين. وقال ان الحكومة الفلسطينية ترفض بشدة هذا الاسلوب وان هدف شارون منه هو التهرب من استحقاقات المرحلة. ولذلك ـ قال ـ يجب على الولايات المتحدة ان تسارع لانقاذ الموقف.

واضاف: «الوضع الذي وصلنا اليه يحتم تدخلا اميركيا عاجلا».

يذكر ان الاسبوعين المقبلين سيكونان حافلين بالنشاطات والمحادثات السياسية المتعلقة بالنزاع في الشرق الاوسط. اذ ان ابو مازن انطلق في جولة عربية ستشمل مصر والاردن. وقد تشمل المغرب. وعلمنا من اوساط فلسطينية ان ابو مازن معني ايضا بزيارة السعودية.

ووزير الخارجية الاسرائيلي، سلفان شالوم، غادر الى بلجيكا للقاء عدد من نظرائه الاوروبيين. وسيصل الى واشنطن، اليوم لاجراء سلسلة لقاءات مع كل من نائب الرئيس الاميركي، ديك تشيني، ووزير الخارجية، كولن باول، ومستشارة الامن القومي كوندوليز رايس.

ويوم الخميس يصل ابو مازن الى واشنطن ويلتقي رايس، ثم في اليوم التالي يلتقي الرئيس جورج بوش نفسه. وسيشمل في زيارته لقاء عدد من قادة المنظمات اليهودية الاميركية.

وفي يوم الاحد يلتقي شارون مع بوش، وبعد عودته يلتقي مع ابو مازن. والمفروض ان يبدأ عندها الاتفاق على موضوع الاسرى.