باستر جيمبسكي مساعد بوتين : الحديث عن «فلسطنة» نزاع الشيشان غير صحيح ونطالب قطر بتسليم يندربييف

TT

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الشيشان في مطلع اكتوبر (تشرين الاول) المقبل تتصاعد عمليات المقاتلين داخل وخارج اراض الجمهورية الشيشانية فيما كشفت المصادر الرسمية عن «هبوط» ما يقرب من 75 مجموعة قتالية من الجبال لتنفيذ هذه العمليات. وقالت المصادر ان هذه المجموعات تضم بين صفوفها 1200 من المقاتلين منهم قرابة الثلاثمائة من الاجانب في توقيت يسجل تحول قيادات المقاتلين الى تكثيف العمليات الانتحارية داخل العاصمة الروسية من جانب فرق «الأرامل الانتحاريات» التي سبق وأعلن زعيم المقاتلين الشيشان شاميل بارسايف عن تشكيلها في اعقاب عملية مسرح «دوبروفكا» في موسكو في اكتوبر الماضي.

«الشرق الأوسط» في موسكو التقت سيرجي باسترجيمبسكي مساعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المسؤول الاول عن الملف الشيشاني والذي سبق وعمل مساعداً للرئيس السابق بوريس يلتسين للشؤون الاعلامية. ولذا كان من الطبيعي ان نستهل حديثنا مع باسترجيمبسكي عن تقديره للخلط المتعمد من جانب بعض الوسائل الاعلامية الروسية بين العمليات الانتحارية في الشيشان وخارجها وبين اوجه المقاومة الفلسطينية من اجل تحرير الوطن؟

ـ انت على حق، وغالبا ما يحدث ان تجري مثل هذه المقارنة في الصحافة الروسية، وبعض وسائل الاعلام العالمية، ولكن هناك قول مأثور مفاده ان اية مقارنة فيها عوج، وهذا صحيح، فلا توجد اوضاع متماثلة تماما، فالصراع في الشرق الاوسط والنزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، وما يجري في روسيا، اي الوضع في جمهورية الشيشان، يشكل نزاعاً بوجه عام. وهنا ينتهي الامر. اما في نواحي التشابه الاخرى، فان هناك بعض عناصر التشابه، لكن جذور النزاع وتاريخه يختلفان كما اعتقد. وفي الآونة الاخيرة ظهر التشابه بعد ان نفذت عمليات ارهابية شيشانية تشبه ما نفذ في اسرائيل. وبالذات باستخدام الانتحاريين وما يسمى «حزام الشهيد»، ولهذا صار رجال الصحافة يتحدثون عن وجود «فلسطنة» (نسبة الى فلسطين) في النزاع الشيشاني، على سبيل المجاز، وعن استخدام اساليب الفلسطينيين في الصراع. لكن هذا غير صحيح. ان العناصر المتطرفة اينما كانت سواء في جمهورية الشيشان او فلسطين او اسرائيل او المملكة العربية السعودية واندونيسيا والفلبين وباكستان والهند، تستخدم اساليب متشابهة في الصراع او الاعراب عن الاحتجاح، من اجل تبسيط جوهر المشكلة.

* الخلط المتعمد لا يتوقف عن هذه القضية بل ويتجاوزها الى تشويه موقف الاسلام والمسلمين فيما ثمة من يحاول الوقيعة مع ممثلي الأديان الاخرى؟

ـ ليس بوسعي القول إن هذا الاتجاه هو السائد، ففي روسيا حيث تشابك المصائر التاريخية بشكل عجيب، وحيث يعيش ملايين المسلمين، كان الموقف من الاسلام دائماً طيباً وسليماً، اذا ما استخدمنا المصطلح السياسي، فانه يعتبر انتحاراً بالنسبة الى روسيا القيام بمواجهة بين الاسلام والارثوذكسية، وبين المؤمنين من ابناء هذه الطائفة او تلك. وتكمن قوة روسيا واصالتها والقاسم المشترك الاعظم فيها بالذات في تلاحم الثقافات والعقائد الدينية على اساس التأثير المتبادل، والاثراء المتبادل. وقد نشأت روسيا وتوجد اليوم وفي المستقبل على هذا الاساس، واصحاب الفكر الضيق فقط يمكن ان يربطوا الارهاب بالاسلام.

* لعلكم تذكرون ما قاله الرئيس بوتين في حديثه الهاتفي مع نظيره الاميركي حول ان روسيا لم تتلق بعد اجابات عما طرحته من اسئلة حول الاوضاع في الشيشان، ماذا كان يقصد الرئيس؟

ـ انا لا اجرؤ على القول بأنني اعرف بالضبط ما قصده الرئيس، لكنني استطيع القول ان نشوء النزاع في روسيا الحديثة في الاراضي الشيشانية يقترن بأمور غامضة كثيرة، في ما يخص الفترة الاولى لتسلل المرتزقة من افغانستان، في ايام «طالبان»، الى الاراضي الشيشانية، وتسلل بعض المرتزقة في بعض بلدان الشرق الاوسط او اوروبا حيث كانت توجد عناصر راديكالية في البوسنة وتركيا والدنمارك، لذا لا يمكن القول بأنهم جاءوا من الشرق الاوسط فقط. طبعا، ان آلية التأثير الذي مارسته الشبكة الارهابية الدولية في جمهورية الشيشان لم تكشف بعد. ومنذ فترة وجيزة فقط ظهرت معلومات اكيدة حول كيفية عمل قنوات تمويل الانفصاليين والزمر الارهابية في جمهورية الشيشان. لهذا، ربما ان الرئيس كان يقصد هذا الجانب بالذات. وفعلاً ما زال غير واضح لدينا تماما بعد كيف يتم الربط بين الانفصاليين الشيشان في وواقع الارهاب الدولي.

* هناك بعض القرائن التي تشير الى وجود بعض القوى الغربية ذات المصلحة في تشويه العلاقات بين العرب وروسيا؟

ـ بوسعهم توجيه الاتهامات الى اي احد. ويجب علينا نحن ان نستقصي الامر بأنفسنا في كافة الاوضاع. وبما ان غالبية الدول العربية هي دول اسلامية، فقد أبدت قلقها بصدد الوضع في جمهورية الشيشان، وعدم السماح بربط الاسلام بالارهاب، وبالالفاظ والتعابير السياسية وهلم جرا، ونحن نعلم انه توجد في بعض الدول ـ ليس على النطاق الرسمي ـ فئات اجتماعية مرتبطة بالبيزنس تقوم بأداء مثل هذا الدعم الى الانفصالية والارهاب في جمهورية الشيشان. ونحن نعمل مع الدول العربية عبر الهيئات الامنية بشكل مثمر ايضا. ففي دولة قطر يعيش السيد يندربييف الذي ادرج لتوه في كشف الشخصيات المحظورة الذي اعد في هيئة الامم المتحدة، ونحن نصبو الآن الى أن تسلم حكومة قطر يندربييف الى روسيا، وسيكون ذلك خير مثال حول تطابق المواقف في مكافحة الارهاب الدولي، بين روسيا والدول العربية.

* لعلكم تذكرون ان الرئيس مبارك وبعض القادة العرب الآخرين اتهموا صراحة دولا اوروبية بإيواء الارهابيين، وسبق وطالب مبارك لندن بتسليم مصطفى حمزة فيما طالب واشنطن بتسليم عمر عبد الرحمن وآخرين لكنه اصطدم بما قاله بلير على سبيل المثال ان الامر يتعلق بحقوق الانسان، وها هي لندن تأوي احد زعماء المقاتلين الذي تطالب به موسكو، فهل تناول بوتين هذه القضية خلال زيارته الاخيرة لبريطانيا؟

ـ انا لا اعلم بعد في ما اذا تحدث الرئيس عن هذا، لأنني لم أره بعد فهو اليوم الاول الذي باشر فيه العمل في الكرملين، لكنك تطرح مسألة دقيقة تماما. والرئيس مبارك على حق ألف مرة حين يطرح مثل هذا السؤال، لأن مكافحة الارهاب لا يجب ان تقوم على اساس معايير مزدوجة، واذا ما وجد اشخاص ثبت تورطهم في ارتكاب افعال ارهابية، فيجب على المجتمع الدولي ان يعمل معاً، ونحن اشرنا الى لندن مراراً بأنه يوجد في بريطانيا وكر يتم منه تمويل الارهاب في جمهورية الشيشان. كما اشرنا لهذا في دول اخرى. ومنذ فترة قريبة، اخذ المسؤولون في بريطانيا والدول الاوروبية الاخرى يبدون الاهتمام بذلك، اي الى الخلايا السرية، وتلقى رعاياها التدريب في افغانستان، وكذلك وجود رعاياها في جمهورية الشيشان وصاروا الآن يشكلون خطراً ايضاً على أمن دولهم نفسها. ومنذ فترة قصيرة فقط صاروا يبدون اهتمامهم بذلك.

* عودة الى الشيشان. كيف تفسرون تصاعد نشاط المقاتلين في الشيشان. وما هو السبيل الى معالجة هذه القضية على ضوء قرار العفو العام؟

ـ انني اعتقد أن هناك عدة اسباب لازدياد نشاط المسلحين في جمهورية الشيشان، ولعل ابسطها هو العامل الموسمي، ففي كل موسم ربيع يتصاعد نشاط قوى المقاومة في جمهورية الشيشان. ولا يشكل العام الحالي استئناء في ذلك. لكن القوات الروسية لا تمارس اي نشاط اليوم في جمهورية الشيشان. بل تعمل هناك مجموعات من القوات الخاصة والشرطة المحلية. وهذا يشكل تميزاً ملموساً. فقد تغيرت اشكال العمليات الارهابية. فكان يجري سابقا بث القنابل الحارقة والألغام، ونحن تعلمنا كيفية منع اثرها ووجدنا العلاج لها. وقبل هذا كانت تنصب الكمائن وتشن الهجمات باطلاق النار، ولكن لم يعد لدى الانفصاليين القوى الكافية لشن هجمات على القوات الاتحادية، ولهذا كفوا عن القيام بذلك. وصاروا الآن يلجأون الى اسلوب وحشي جدا، هو استخدام الانتحاريين.

وتجري في جمهورية الشيشان الآن تغيرات كبيرة لا يمكن تجاهلها. فأولا جرى الاستفتاء الشعبي العام في فبراير (شباط) الذي اعطى نتائج مدهشة بالنسبة لنا، وتمت المصادقة على الدستور الجديد لجمهورية الشيشان، ثم صدر العفو، وسلم حتى الآن حوالي المائة شخص اسلحتهم وهذا مؤشر لا بأس به لدى بدء سريان مفعول قرار العفو. كما ستجري في الخريف انتخابات كما اعتقد ـ ان تحديد موعدها من صلاحيات الرئيس واللجنة الانتخابية المركزية، وفقاً للدستور الشيشاني من اجل انتخاب رئيس الجمهورية. وأظن استفتاء الرأي العام الذي جرى قبل اسبوع مضى ـ وهذا شيء له مغزاه الكبير ـ أفاد بأن نسبة 70 في المائة من المستفتين يؤيدون بقاء جمهورية الشيشان في الاتحاد الروسي. وهذا يشكل دعما قوياً للسلطة الاتحادية وللقوى في داخل جمهورية الشيشان التي تدعو الى التعاون مع المركز الاتحادي وبقاء الجمهورية في المجال القانوني لروسيا. طبعا، ان جميع هذه الامور والتطورات الايجابية تثير قلق المعارضة المتشددة، بل استطيع القول ان القسم الاكبر منها الموجود في الغابات وكذلك في المراكز السكنية يعاني من الانقسامات. ويدعو الكثير من القادة الميدانيين الكبار الى ايقاف سفك الدماء. ومنذ فترة وجيزة عقد اجتماع كشف اختلاف وجهات النظر، فالاتجاه الراديكالي الداعي الى شن النضال حتى آخر طلقة، لم يحظ بدعم احد باستثناء باساييف. ولهذا فانني اعتقد بأن العمليات الارهابية تعكس السعي الى مقابلة عملية معافاة الوضع في الجمهورية بالارهاب والدم. ومما له دلالته ان اكثرية العمليات الارهابية ليست موجهة ضد القوات الاتحادية في جمهورية الشيشان، بل ضد الشيشان انفسهم وفي المقدمة ادارة احمد قادروف والشرطة الشيشانية التابعة لوزارة الداخلية الشيشانية.

* اعلن الرئيس بوتين عن موعد انتخابات الرئاسة في اكتوبر المقبل. المرشحون كثيرون ومنهم فادروف القريب من موسكو. اي المرشحين اكثر حظاً بالنسبة للكرملين؟

ـ يعيش في موسكو مختلف الناس. ولديهم وجهات نظر متباينة بشن ما يجري في جمهورية الشيشان، ولهذا لا استطيع التحدث باسم موسكو كلها. وبوسعي القول فقط ان موسكو لن تعطي الافضلية والتأييد الى اي شخص. ولن يعطي الكرملين تأييده الى أي مرشح فلن يكون ذلك شيء نزيه، وتهتم السلطات الاتحادية بأن يتولى السلطة الشخص الذي يتمتع بالدعم فعلا في جمهورية الشيشان. ونحن نهتم بأن تكون السلطة قوية هناك وليست ضعيفة. ويجب ان يحظى الشخص الفائز ليس بدعم موسكو بل بتأييد شعبه ايضا. واذا كان الشخص الفائز لا يتمتع بالهيبة والمكانة في جمهوريته فان المشاكل التي ستواجه موسكو ستكون اكثر. ونحن نريد ان يأتي الى السلطة في الشيشان فعلا رجل تعول عليه ليست موسكو وحدها بل الشيشان انفسهم ايضا.

* واخيرا ، كيف ترون آفاق العلاقات الروسية العربية وتقديركم لاسباب انحسار هذه العلاقات في الماضي القريب؟

ـ انا اعرف منذ وقت بعيد بوجود كثيرين من انصار الصداقة والتعاون مع روسيا. لكن ربما وجدت فترات ركود او عدم التعاون الفعال بصورة كافية، واظن ان هذا صحيح، وسيفسر ذلك قبل كل شيء بضعف روسيا وانهماكها في معالجة مشاكلها الداخلية، لربما ان فترة الركود هذه كانت اضطرارية، لكن الواقع هو ان الشرق العربي يعتبر بالنسبة لنا شريكا تاريخيا وصديقا، وهذا امر لا جدال فيه. وقد تحدث فترات مد وجزر في العلاقات، لكنها عندما تكون عميقة الجذور لن يؤثر أي ركود في مبادئ هذه العلاقات.