المسؤولون الأميركيون ما زالوا يخشون تسرب أسلحة الدمار الشامل العراقية إلى المنظمات الإرهابية

TT

اعلنت إدارة الرئيس الاميركي جورج بوش مرارا الخريف الماضي، أن الرئيس العراقي صدام حسين، يمكن أن يعطي الأسلحة الكيماوية والبيولوجية إلى الإرهابيين دون أي استفزاز يقع عليه من اية جهة. وقال الرئيس بوش في سينسناتي، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

«يمكن أن يقرر العراق في أي يوم إعطاء الأسلحة البيولوجية أو الكيماوية لأية مجموعة إرهابية أو للإرهابيين كأفراد. وبالتالي فإن التحالف مع الإرهابيين يمكن أن يمكن العراق من الهجوم على أميركا دون أن يترك اية بصمات».

ولكن الأجزاء التي نشرها البيت الأبيض يوم الجمعة الماضي من تقرير للأمن الوطني، لا يزال سريا، تكشف أن مجتمع المخابرات، في نفس الوقت الذي ألقى فيه الرئيس خطابه، كان يعتقد أن مثل ذلك الإحتمال بعيد جدا عن الواقع. والحقيقة هي أن ما كان يثير قلق المخابرات، في الوقت الذي بدأ فيه تداول التقرير في 2 أكتوبر (تشرين الأول)، هو أن يقوم صدام بتسليم أسلحة الدمار الشامل إلى تنظيم «القاعدة»، إذا أصبح مهددا بالموت او الإعتقال، وبدأت حكومته في التساقط بعد هجوم عسكري من قبل الولايات المتحدة. وقد ورد في واحد من الأحكام البارزة في التقرير ما يلي:

«إذا وجد صدام نفسه في وضع يائس، فإنه ربما يقرر أن منظمة مثل «القاعدة»، التي تخوض معركة حياة أو موت، مع الولايات المتحدة، هي وحدها القادرة على تنفيذ الهجمة الإرهابية التي يأمل هو في تسديدها».

ويضيف التقرير أن صدام حسين يمكن أن يقدم على «الخطوة القصوى» في مساعدة «القاعدة» في تنفيذ هجوم إرهابي ضد الولايات المتحدة، إذا كانت تلك "هي فرصته الأخيرة للإنتقام بأخذ أكبر قدر من الضحايا معه إلى القبور».

وكانت هذه الأجزاء من التقرير السري قد كشفت في محاولة من البيت الأبيض لدحض الادعاءات بأنه حرف المعلومات الإستخبارية قبل الحرب عن أسلحة الدمار الشامل العراقية. ولكن النتيجة ربما تكون هي إثارة مزيد من الاسئلة حول ما إذا كانت الإدارة قد شوهت استنتاجات الوكالات الإستخبارية حول سبب آخر من أسباب الحرب هو الخطر الذي يمثله صدام حسين كمصدر لتزويد الإرهابيين بهذه الأسلحة.

يثير تقييم الوضع الأمني كذلك أسئلة حول الخطر الذي يمثله صدام حسين، والذي يعتقد أنه يعيش تحت الارض، والفشل في العثور على أي من اسلحته الكيماوية والبيولوجية. ويقول مسؤولو الإدارة، أنه إذا كانت هناك مخزونات حقيقية من هذه الاسلحة، وهي قضية يثور حولها جدل عنيف، فإن هذا سيكون هو بالضبط نوع الموقف الخطر الذي كانت تحذر منه وكالة المخابرات المركزي (سي. آي. إيه ) وغيرها من الوكالات، في الخريف الماضي. وقال مسؤول كبير بالإدارة اول من أمس أن الوكالات الإستخبارية الأميركية لا تعرف «لا مدى السيطرة والتحكم» التي يتمتع بها صدام على هذه المجموعات التي تهاجم القوات الأميركية، ولا المواقع المحتملة لاي اسلحة أو عناصر بيولوجية أو كيمياوية . وعندما سئل المسؤول الكبير عما إذا كان الرئيس العراقي السابق سيستخدم أسلحة الدمار الشامل إذا توفرت لديه، أجاب قائلا:

«نحن لا نعتقد أنه يمكن أن يتردد في عمل كل ما يمكن أن يحول حياتنا إلى جحيم».

وقال المسؤول ان الحكم الذي أصدرته أجهزة المخابرات الخريف الماضي، حول أن صدام إذا اصبح يائسا وكانت القوات الأميركية تبحث عنه وهو مختف عن الانظار، فإنه يمكن أن يلجأ إلى القاعدة، لم ينتف حتى الآن.

كان بول بريمر، القائد المدني الأميركي في العراق، قد صرح أمس الأول في برنامج «مع الصحافة» في قناة إن بي سي، أنه يعتقد ان صدام حسين ما يزال حيا. كما صرح لوكالة فوكس نيوز، يوم الأحد، أن صدام قام بنقل الأسلحة ووضع الخطط لقيادة حرب عصابات، في حالة هزيمة قواته، كما هو متوقع، في الحرب ضد الولايات المتحدة. وقال بريمر دون أن يورد دليلا على ما يقول:

«هناك بعض الأدلة على أنه خطط لاحتمال خسارة الحرب عسكريا وشن نوع من التمرد أو المقاومة المنظمة».

ولكنه قال انه ليس هناك إحتمال بعودة صدام وقال: «أمر هذا الرجل انتهى، سواء كان حيا أو ميتا. إنه لا يملك أي سند شعبي في البلاد».

وقال عضو مجلس النواب إدوارد ماركي، الديمقراطي من ماساشوستس، في مقابلة أجريت معه، أنه رغم تصريحات بوش فإن الحرب لن تنتهي إلا بعد القبض على صدام أو قتله. وقال ماركي أن الرئيس العراقي السابق لا يزال يمثل خطرا ما دام هو الذي يعرف ما إذا كانت توجد أسلحة دمار شامل. وأضاف:

«يمكن أن يرجع كما رجع نابليون إذا لم ننتبه».

في الخريف الماضي، وعندما بدأ الكونغرس في مناقشة القرار الذي يفوض بوش شن الحرب ضد العراق، أمر مدير وكالة المخابرات المركزية جورج تينيت، ستاً من الوكالات الإستخبارية، بتقييم اسلحة الدمار الشامل العراقية في ظرف 10 أيام، وتحديد حجم الخطر الذي تمثله. وبعد عدة أيام من بداية تداول التقرير حول حالة الأمن القومي، بطلب من أعضاء الكونغرس الذين كانوا يبحثون عن مادة يستخدمونها في المناقشات العامة، نشرت الإدارة وثيقة علنية من 25 صفحة تلخيصا للتقرير السري الذي يصل عدد صفحاته الى 90 صفحة. وبعد يومين من ذلك التاريخ نشر تينيت، استجابة لضغوط السناتور الديمقراطي بوب غراهام، الديمقراطي من فلوريدا، والذي كان رئيسا وقتها للجنة استخبارات مجلس الشيوخ، ثلاث صفحات من المعلومات الإضافية من تقييم الوضع الإستخباري، ومن جلسة سماع ذكر فيها للمرة الأولى أن صدام حسين يمكن أن يستخدم الاسلحة الكيماوية والبيولوجية فقط عندما يكون مهددا بالهجوم.

ولكن المادة الإستخبارية التي كشفت يوم الجمعة أعطت صورة اكثر وضوحا لتقديرات وأحكام الوكالات الإستخبارية. وكان واحدا من هذه الأحكام أن صدام حسين «يبدو أنه وضع خطا أحمر على تنفيذ هجمات إرهابية بأسلحة تقليدية ( أو أسلحة كيماوية أو بيولوجية) ضد أميركا لأنه كان يخشى أن يؤدي كشف دور العراق إلى تزويد واشنطن بسبب قوي لشن الحرب ضده.

الحكم الثاني هو أن صدام ربما يحاول تسديد ضربة سرية ضد الولايات المتحدة، كما ذكر بوش. ولكن ليس «في أي يوم» كما ذكر الرئيس، في 7 أكتوبر ( تشرين الأول) ولكن فقط «إذا قررت بغداد أن هجوما يهدد بقاء النظام بات وشيكا ولا يمكن تفاديه».

ولكن الوضع تغير حاليا. فصدام حي، ولكنه متوار عن الأنظار، ولم يعثر على مستودعاته من الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية. وما يزال ينتظر الرئيس وغيره من القادة أن يعلنوا على الناس تلك المعلومات الاستخباراتية التي تقول أن صدام يمكن أن يمثل خطرا أكبر الآن مما كان عليه قبل الحرب.

والواقع أن الرئيس بوش، في خطابه يوم 1 مايو ( أيار )، على ظهر حاملة الطائرات إبراهام لنكولن، قال العكس تماما. قال بوش:

«لقد أزحنا حليفا من حلفاء «القاعدة». ولن تتمكن اية شبكة إرهابية من الحصول على أسلحة دمار شامل من النظام العراقي».

* خدمة «واشنطن بوست»، خاص بـ«الشرق الأوسط»