المعارض الإسلامي الموريتاني محمد ولد منصور: أفرج حراس السجن عني إثر الفوضى التي صاحبت «الانقلاب»

قال لـ«الشرق الأوسط»: لن أعود إلى نواكشوط إلا بعد رفع الظلم.. والتهم ضدي لا أساس لها

TT

غادر المعارض الاسلامي الموريتاني محمد جميل ولد منصور سجن «بيلا» بموريتانيا في خضم الفوضى التي خلفها الانقلاب العسكري الذي وقع في البلاد في الثامن من يونيو (حزيران).

وظل ولد منصور مختفيا عن الانظار حتى حل أول من امس في بلجيكا طالبا اللجوء السياسي. ووجهت له السلطات الموريتانية تهم «التآمر على النظام الدستوري للبلاد» و«العمل على الإخلال بالأمن الداخلي والخارجي» و«تشكيل جمعيات غير مرخصة». وأزعج ولد منصور السلطات الموريتانية كثيرا بخطبه والمهرجانات التي كان ينظمها وعبر حوارات بثت في قنوات فضائية، هو المعارض الإسلامي الذائع الصيت والقيادي البارز في حزب تكتل القوى الديمقراطية أكبر أحزاب المعارضة. وتلقى ولد منصور تعليمه الثانوي والجامعي بموريتانيا وتابع دراساته العليا بفاس بالمغرب ويحضر حاليا أطروحة لنيل شهادة دكتوراه حول «الإسلام والديمقراطية» وقد عمل بالميدان الصحافي وأسس صحيفة «الأمل» بعد أن اشتغل رئيس تحرير صحيفة «الاصلاح». تأثر بالفكر الإسلامي الوسطي منذ نهاية السبعينات وشارك في عدة مؤتمرات وملتقيات في افريقيا والوطن العربي وأوروبا، وفي العام 2002 انتخب باسم تكتل القوى الديمقراطية عمدة لبلدية عرفات أكبر بلديات العاصمة نواكشوط، وهو رئيس جمعية مناهضة التطبيع والدفاع عن القدس. والتقت به «الشرق الأوسط» في حوار لعدة ساعات قبل مغادرته مكان اختفائه متوجها إلى بلجيكا.

* في الرابع من يونيو (حزيران) اتخذ مجلس الوزراء قرارا يقضي بعزلك من منصبك كعمدة لبلدية عرفات وقبل ذلك رفعت عنك الحصانة القضائية، ما ردك على مثل هذه الإجراءات؟

ـ قرار العزل جاء بعد 24 ساعة من إحالة ملفي على القضاء وبعد شهر من اعتقالي الذي تم دون احترام للإجراءات القانونية والإدارية، فلا مذكرة اعتقال ولا رفع للحصانة ووضعت في حجز انفرادي وبدأ التحقيق معي لينهي قبل موعد صدور قرار المحكمة العليا برفع الحصانة القضائية. أما قرار العزل من البلدية فلم تكلف الحكومة نفسها عناء تعليله رغم أن القانون صريح في لزوم ذلك وأن يكون ذا صلة بالعمل البلدي. بالتالي فكل الخطوات تفتقد الدستورية في أدنى مستوياتها بدءاً بالاعتقال ومرورا بالتحقيق والحجز ورفع الحصانة وانتهاء بالعزل والاتهام.

* وجهت لك تهم «كالتآمر على النظام الدستوري للبلاد» و«العمل على الاخلال بالأمن الداخلي والخارجي» و«تشكيل جمعيات غير مرخصة» وهي تهم يعاقب عليها القانون الجنائي الموريتاني بالسجن لفترة تتراوح بين عشر سنوات إلى المؤبد مع الأشغال الشاقة، ما ردك على هذه التهم وكيف مرت أطوار التحقيق؟

ـ قد يكون من الأنسب أن نبدأ بأطوار التحقيق ثم نأتي بعدها للتهم، في الرابع من مايو (أيار) شنت السلطات حملة اعتقالات طالت إلى جانبي عددا من الشخصيات العلمية والدعوية ثم شرعت في التحقيق متخذة مما تعتبره استغلال منابر المساجد أساسا له. وأتذكر أن أهم الأسئلة التي وجهت لي: هل ساهمت في الحملة، هل تحمل فكرا اسلاميا (اخوان مسلمين مثلا) هل تعرف فلانا (من العناصر المعتقلة).

وكادت مرحلة التحقيق تنتهي لولا أن حدثت التفجيرات المنكرة والمدانة في كل من السعودية والمغرب، فاستغلت هذه الأحداث لتشويه صورة الإسلاميين في موريتانيا حيث انخرطت أجهزة الدولة وشخصياتها وفقهاؤها في حملة شعواء وظفت لها الأموال والمؤسسات الإعلامية وحددت فيها التهم وتم إثباتها وصدرت فيها أحكام. لكن هذه الحيلة لم تنطل على الناس أمام إدانة الإسلاميين الموريتانيين الصريحة لهذه التفجيرات ووضوح موقف المعتقلين منهم، وهنا قررت السلطات احالة الملف على القضاء واستنصحت بعض مستشاريها أن يبحثوا عن التهمة ذات العقوبة القصوى لأنه لا بد من تصفية الحساب مع الإسلاميين المزعجين في الشارع والمسجد والجامعة خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية. وهكذا صيغت التهم وأتذكر أنني سألت قاضي التحقيق: من أين جئتم بهذه التهم ومحضر الشرطة لا يحتويها وأسئلة وكيل الجمهورية لا توصي بها فأجابني إجابة المأمور الذي لا يعرف بما سيؤمر غدا: سنرى

* هل هناك إمكانية لعودتك لموريتانيا خصوصا وأن قاضي التحقيق أوقف التحقيق مع اسلاميين وجهت لهم نفس التهم، فيما أطلق سراح بعضهم؟

ـ أُوقف التحقيق مع المعتقلين الإسلاميين بعد أن أشرف على نهايته، ولأن المسؤولين كانوا جد مشغولين بالمحاولة الانقلابية وتبعاتها عملوا على ايقاف التحقيق. وما إن انتهى الرئيس معاوية ولد الطايع من زيارته لمدينة ازويرات والخطاب الذي اتهم فيه الإسلاميين ضمنيا بدعم الانقلابيين حتى عاد التحقيق وتحت إجراءات أمنية مشددة وبعد ان تم اعتقال جميع حراس السجن بتهمة التساهل مع السجناء.

أما عن إمكانية عودتي لموريتانيا فأمر يعود لتوفر شروط ذلك، لقد قررت الخروج بعد أن أصبح لزاما أن أكون في موقع أساهم من خلاله في معركة منع الظلم ينبغي أن تدور سياسيا وإعلاميا على أوسع نطاق.

* من أطلق سراحك، وكم كنتم، وأين كانت وجهتك الأولى، ومتى خرجت من موريتانيا، وأين توجد الآن؟

ـ كنا أكثر من ثلاثين معتقلا في سجن «بيلا» بالعاصمة نواكشوط وبعد ساعات من إشاعة نبأ الانقلاب وأثناء الارتباك والهرج والمرج قرر الحرس أن يفرجوا عنا لأنهم غير قادرين على تأميننا. وهكذا خرجنا من الباب الرئيسي وانصرف كل منا إلى شأنه. أما عن مكان وجودي فأنا الآن في افريقيا.

* هل تقدمت بطلب اللجوء السياسي لبلجيكا وهل قبلت السلطات البلجيكية طلبك؟ وما هي مشاريعك المستقبلية إن لم يقبل؟

ـ أنا الآن موجود في القارة الافريقية ومن الطبيعي أن أسعى للحصول على حق اللجوء السياسي، والأفضل أن يكون ذلك في افريقيا وغربها بالذات، وإن لم احصل عليه بغرب افريقيا فالمرشح بعدها بلا شك هو أوروبا.

* هل لك أن تصف لنا الأوضاع بموريتانيا قبل الثامن من يونيو (حزيران) تاريخ الانقلاب العسكري الذي استهدف الإطاحة بحكم الرئيس ولد الطايع؟

ـ الحقيقة التي لا حرج فيها هي أن الأوضاع في موريتانيا بلغت ذروتها في الأيام السابقة للانقلاب. فسياسيا تفاقمت عمليات القمع والاعتقال في صفوف الاسلاميين والتي جاءت بعد مسار من الانسداد تمثل في حل الأحزاب المعارضة الرئيسية ومصادرة وحظر الصحف المستقلة واعتقال السياسيين من كل اتجاه وحزب. واقتصاديا ورغم القروض والمساعدات المقدمة لموريتانيا فقد أدى تزايد الأسعار وضعف العملة إلى تدهور الأحوال المعيشية زيادة على سوء التسيير والتدبير الذي بلغ مستوى خطيراً، ودبلوماسيا مازالت السلطات مصرة على علاقات مدانة ومنكرة مع الكيان الصهيوني بل تعززها وتهدد من خلالها أمن الجيران واستقرارهم، وثقافيا استمرت في سياستها التعليمية المهمشة لكل ما هو عربي أو إسلامي، الخلاصة أن الأوضاع بلغت ذروتها من التدهور والفساد

* هل تعتبر ان من قاموا بالانقلاب أجادوا استغلال الظروف التي مرت بها البلاد خصوصا الحقبة الأخيرة؟

ـ لقد شكلت الحملة التي شنت على الإسلاميين المعروفين باعتدالهم ووسطيتهم سببا لاحتقان شعبي حقيقي في العاصمة وباقي المقاطعات اضافة إلى مشاكل البلاد الأخرى وضجر الناس من نظام طال عمره وقلت فائدته جاء بالأعداء وفرط في الإخوة والأصدقاء، بالنظر لكل تلك العوامل يمكن فهم توظيف واستغلال أي مجموعة انقلابية لتلك الظروف.

* ماهي الدوافع برأيك التي يمكن أن تحفز 600 عسكري على الإقدام على عمل كهذا? هل ترى أنهم مظلومون ام أنهم ضحية مؤامرة؟

لعله من المهم التذكير أننا نرفض العنف كوسيلة للوصول إلى السلطة أو المحافظة عليها وندعو دوما للعمل السلمي والمدني المشرع بالقوانين والأحكام، ومع ذلك اعتقد أن الانقلاب الأخير جاء تعبيرا عن اشمئزاز وضجر آخر قطاعات المجتمع. فبعد ضجر الأحزاب والمدنيين وغضب العمال والطلاب وتعبير العامة والبسطاء، ها هم مجموعة من الضباط ينتمون إلى عرب البيضان `وهو ما ينقض دعاية النظام العنصرية ضد السود والزنوج بأنهم هم رأس كل بلية ـ يتمردون ويضربون بقوة في العاصمة. أضف إلى ذلك الأحوال المأساوية للجيش جنودا وضباطا وضباط صف فباستثناء قلة ثرية على حساب الدولة تعاني الأكثرية في صفوف الجيش من الحرمان وانعدام الخدمات الأساسية والرواتب المتدنية، بالتالي فهم ضحية فهمهم للتغيير وأسلوب القوة الذي اتبعوه. وعموما يحتاج انقلاب 8 و9 يونيو (حزيران) توقفا لفهمه وفهم دروسه أكثر من الانشغال بمعاقبة القبائل والاستمرار في ظلم الإسلاميين.

* على ذكر معاقبة القبائل عملت الدولة على إقصاء واعتقال عدد من المسؤولين وجلهم ينتمون لقبيلة زعيم الانقلاب صالح ولد حننا هل ترى أن سياسة الاقصاء المبني على الانتماء القبلي سياسة ناجحة؟ أم أنهم من مدبري الانقلاب كما تزعم السلطات؟

ـ عودنا نظام ولد الطايع على السياسات ذات الطابع العرقي والفئوي والجهوي والقبلي، فعل ذلك مع الزنوج وفئة «الحراطين» وجهات وقبائل في الجنوب والغرب والشرق والشمال، واستهدافه الأخير لقبيلة «أولاد الناصر» من خلال إقصاء الوزيرة المكلفة شؤون المرأة «منتاتة بنت حديد» ورئيس المحكمة العليا «المحفوظ ولد المرابط» ووالي انواذيبو (العاصمة الاقتصادية) «محمد ولد الرزيزيم» والأمين الاتحادي للحزب الجمهوري الحاكم «محمد محمود ولد حمادي» ورئيس الحرس الرئاسي «محمد ولد عبدي» والمدير المساعد للوكالة الموريتانية للأنباء «محمد الشيخ ولد سيدي محمد» إضافة إلى عدد آخر من المسؤولين يدخل في هذا السياق. فبعد أزيد من شهر على اعتقالهم والتحقيقات المتعددة والاتهامات غير المستندة إلى أدلة تم اطلاق سراحهم، إذ لا تهم لهؤلاء في تقديري إلا القرابة لولد حننا، ومعروف أن مثل هذه السياسات تمزق وتشتت المجتمعات التقليدية التي يصنف المجتمع الموريتاني ضمنها.

* هل لك ان تصف لنا ما عايشته في 8 و9 يونيو (حزيران)؟

ـ عايشت يومين صعبين خفت أن تحدث على إثرهما حرب أهلية، عايشت شعبا على الشوارع يخاف الفتنة والاقتتال ويأمل زوال الظلم والاستبداد، عايشت مسؤولية متميزة خلال يومين غابت فيهما السلطة.

* كيف تلقيت نبأ الانقلاب ونبأ استعادة الحكم والسيطرة على الأوضاع؟

لا يُعادِل خوفي من حرب أهلية وانتشار أعمال العنف التي صاحبت عمليات القتال بين القوات النظامية والانقلابيين الا عودة النظام للحكم من جديد، ولكم أن تستقوا من الإجابة بغضي أن تستمر الأوضاع في موريتانيا على ما هي عليه

* هل لديك أية معلومات عن الانقلابيين أين يوجدون الآن هل ما زالوا على قيد الحياة؟

ـ سمعت كما سمع الكثيرون أن السلطات فشلت في القبض عليهم ويحتمل أن يكونوا في موريتانيا لأنه يسهل الاختفاء فيها ويحتمل أن يكونوا في دول الجوار لسهولة الوصول إليها.

* كيف ترى مستقبل موريتانيا بعد هذه المحاولة الانقلابية؟

ـ إما مستقبل مريح إذا ما حصل انفراج وتمت المصالحة مع الشعب وهويته وفتحت الحريات وأصلح الاقتصاد. أومستقبل مظلم للأسف إذا ما استمر النظام فيغيه وأصر على حمايته بالحديد والنار.

* هل تعتقد أن عدد الضحايا 15 كما أعلنت السلطات بمن فيهم العسكريون؟

ـ للأسف أتصور أن عدد الضحايا أكثر وهي مناسبة لأعزي فيها كل الأسر التي فجعت في هذه الأحداث المأساوية.وليست لدي أرقام محددة.

* هل ستترك هذه المحاولة تأثيرا على المسار الديمقراطي وحرية التعبير والرأي وكذا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي؟

ـ يرجح كثيرون أن السلطات ستتخذ من المحاولة الانقلابية مبررا لمزيد من الإجراءات الأمنية المشددة على الحريات، كما ستتخذها مبررا لإجراءات من نوع آخر تسمح لها بأن تتجاوز الانتخابات الرئاسية بسلام.

* لم يتقدم حزب تكتل القوى الديمقراطية الذي تنتمي إليه بمرشح للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) فما سبب هذا التأخير؟ وهل ستقاطعونها كما حدث في انتخابات 1997؟

ـ الخيار الأفضل بالنسبة إلينا هو أن تتقدم كل قوى المعارضة والمجتمع المدني بمرشح واحد عن جبهة ديمقراطية واسعة. واعتقد أن حزبنا يدعم هذه الفكرة وفي حالة تعذرها سيتخذ موقفه من المشاركة أولا ثم يحدد مرشحه ثانيا.