شارون يمهد لزيارة هادئة إلى واشنطن بالتجاوب مع بعض المطالب الأميركية بشأن الفلسطينيين

TT

اعطى رئيس الوزراء الاسرائيلي، ارييل شارون، اوامره لطواقم مساعديه وللوزراء المعنيين بأن يتجاوبوا مع المطالب التي وجهتها الادارة الاميركية له عبر وزير الخارجية، سلفان شالوم، بهدف ازالة العقبات امام المسار السياسي. وحسب مصادر مطلعة في مكتبه، فانه طلب من وزارة الدفاع ان تعدّل مسار الجدار الفاصل بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية بحيث يقلل مساحات الاراضي التي كان سيلتهمها، حسب التخطيط السابق، من الضفة الغربية. وطلب كذلك من المخابرات العامة زيادة عدد الاسرى الفلسطينيين المزمع تحريرهم من 530 الى 600، بحيث يشتمل عددهم على اكثر من 100 عنصر من الفصائل المعارضة («حماس» و«الجهاد» و«الجبهة الشعبية»).

واضافت هذه المصادر ان شارون طلب من وزرائه ان يستأنفوا جلسات الحوار مع نظرائهم الفلسطينيين لمد جسور التعاون كل في مجال عمله، ابتداء من الاسبوع الذي يلي لقاءاته في واشنطن، علما بأن شارون سيبدأ هذه اللقاءات باستقبال نظيره الفلسطيني، محمود عباس (ابو مازن)، بعد عودته من العاصمة الاميركية.

وتدل هذه التعليمات على مدى اهمية التأثير الاميركي على شارون والسياسة الاسرائيلية. ففي اللحظة التي رأوا فيها ان واشنطن جادة في مطالبها، راحوا يفتشون عن طريقة للتجاوب معها، رغم المعارضة اليمينية الواسعة.

وكان نائب الرئيس الاميركي، ديك تشيني، ووزير الخارجية، كولن باول، ومستشارة الامن القومي، كوندوليزا رايس، قد اوضحوا خلال لقاءاتهم مع وزير الخارجية الاسرائيلي، سلفان شالوم، هذا الاسبوع، انهم لا يوافقون على عدد من المواقف والاجراءات التي اتخذتها اسرائيل في العلاقات مع الفلسطينيين وطلبوا اجراء تغييرات وتعديلات فيها. فطلبوا اولا زيادة عدد الاسرى الفلسطينيين المفروض اطلاق سراحهم وفق معايير مختلفة عن التي حددها رئيس المخابرات العامة، آفي ديختر، واختيار نوعية اخرى ممن ليسوا من ذوي التهم البسيطة او الجنائية، بل قادة ميدانيون وليس فقط من «فتح» والمستقلين بل ايضا من قوى المعارضة. وطلبوا ايضا اشراك الفلسطينيين في القرار بهذا الشأن. كما طلب المسؤولون الاميركيون ان يتوقف بناء الجدار الامني الفاصل بين اسرائيل والضفة الغربية خصوصا في المنطقة الجنوبية (من القدس الى الخليل) والشرقية (على طول غور الاردن) والوسطى (حيث يصل الى مشارف نابلس وينهب عشرات ألوف الدونمات من الاراضي الفلسطينية ويحرم اصحابها من الوصول اليها لفلاحتها)، وهي المناطق المختلف عليها بشكل حاد. كما طلبوا منه ان تقدم الحكومة الاسرائيلية على اجراءات فعلية لتخفيف معاناة الفلسطينيين.. والاعداد للانسحاب السريع من جميع المدن والقرى التي احتلتها مع بداية الانتفاضة.

وكان الاميركيون قد وجهوا هذه المطالب الى شالوم بالذات، لانهم معنيون بأن تكون زيارة رئيسه شارون مريحة وخالية من الخلافات والتوتر. وقد بادلهم شارون الرغبة نفسها. اذ قرر ابداء التجاوب مع مطالبهم، حال ابلاغه بها حتى قبل ان يصل شالوم الى اسرائيل، كي تمر الزيارة بلا خلافات. ويرمي شارون بذلك ليس فقط الى الاجواء الطيبة التي يبحث عنها في واشنطن فحسب، بل ايضا الى ابقاء الكرة في الملعب الفلسطيني ولسان حاله يقول للاميركيين: ها انا تجاوبت معكم بكل ما طلبتم. وقد جاء الدور الآن على الفلسطينيين في تفكيك التنظيمات المسلحة وجمع الاسلحة غير الشرعية واعتقال قادة تلك التنظيمات ومحاكمتهم.

يذكر ان المسؤولين الاسرائيليين يراقبون جولة ابو مازن في الولايات المتحدة هذه الايام بأعين مفتوحة وبشيء من عض النواجذ. اذ ان التقارير التي تصل اليهم تفيد بأنه نجح في غرس الثقة في نفوس الاميركيين باتجاهاتهم المختلفة، وليس فقط في الادارة الخارجية والبيت الابيض والكونغرس الذي تستخدمه اسرائيل عادة اداة ضغط على الادارة لتحقيق اهدافها، واصغى اليه الكونغرس بشغف وهو يناشده: «لا تواصلوا موقفكم المتحيز لاسرائيل بشكل اعمى. ففي اسرائيل قادة بشر ويخطئون. وقد تخدمون اسرائيل بشكل افضل، في بعض الاحيان، اذا قلتم لها انها مخطئة». وحرص ابو مازن حتى على لقاء قادة المنظمات اليهودية الاميركية وحاول مخاطبتهم بنفس هذا الاسلوب الناجع. وتركت كلماته اثرا واضحا فيهم.

وسيحاول شارون ازالة هذا الامر ولكن بطريقة ايجابية. فهو لن يهاجم ابو مازن، لكنه سيواصل الحديث عن ضعفه وعن عجزه وفي بعض الاحيان عن تقاعسه في «الدخول في مواجهة مع قوى الارهاب». وسوف يحاول اقناع الاميركيين بأن يكونوا اكثر حزما في موضوع مكافحة الارهاب الفلسطيني و«التوقف عن اسلوب المساومة والمهادنة معه». كما سيحاول اقناعهم بأن اطلاق سراح عدد اكبر من الاسرى الفلسطينيين سوف يضر بحكومة ابو مازن، «اذ ان قادة الاسرى في السجون يعتبرون انفسهم القادة الحقيقيين للشارع الفلسطيني حتى وهم داخل السجن. فكم بالحري اذا تم اطلاق سراحهم». وسيحاول اقناعهم بان الحوار الفاصل هو جدار امني يستهدف فقط منع تسلل مسلحين فلسطينيين الى المناطق الاسرائيلية لتنفيذ عمليات تفجيرية فيها، وليس المقصود به حدودا نهائية. علما بأن الاميركيين اتخذوا موقفا حازما ضد هذا الجدار بمعظم اجزائه ويرون انه يفرض امرا واقعا، بما في ذلك الحدود النهائية، في الكثير من المواقع.

وسيحاول شارون ايضا اقناع الاميركيين بأن الانسحاب من بقية المدن الفلسطينية والتسهيلات على حياة الفلسطينيين، يجب ان تكون منوطة بمدى التقدم في الاجراءات الفلسطينية لمكافحة الارهاب، و«يجب الا تبقى خطوات من جانب واحد»، كما يدعي باستمرار.

من جهة ثانية، وفي اطار الجهود المذكورة اعلاه لارضاء الاميركيين، اعلن مكتب شارون امس عن سلسلة اجراءات جديدة للتسهيل على حياة الفلسطينيين. وقال ان اسرائيل قررت الانسحاب من مدينتين اخريين في الضفة الغربية (اسرائيل تريد الانسحاب من جنين وقلقيلية لكن الفلسطينيين يطلبون ان تكون رام الله احداهما)، وان وزير الدفاع الاسرائيلي، شاؤول موفاز، سيلتقي مع وزير الدولة لشؤون الامن الفلسطيني، محمد دحلان، الاسبوع المقبل للاتفاق على الموضوع. كما ان اسرائيل سمحت لتسعة آلاف عامل فلسطيني جديد بالخروج للعمل في مدنها: (5000 من قطاع غزة و2500 من قلقيلية و1000 من بيت لحم). وقررت تحرير مبلغ 27 مليون شيكل (6.5 مليون دولار)، من الاموال الفلسطينية المحتجزة لديها، وتوسيع المناطق الصناعية المشتركة وازالة 3 حواجز عسكرية كبرى وفتح الطريق بين نابلس وجنين وبيت لحم والخليل ورام الله ونابلس.