كبير مساعدي بلير يتجه لتقديم استقالته وسط تراجع حاد في شعبية الحكومة بعد الضجة حول انتحار خبير الأسلحة البريطاني

TT

تشير الدلائل الى ان تداعيات انتحار خبير الاسلحة الجرثومية البريطاني ديفيد كيلي التي تعصف بحكومة توني بلير منذ ايام، قد حصدت اولى ضحاياها من مسؤولي الصف الاول. فقد ترددت امس في لندن أنباء عن أن تنحي آلاستر كامبل، الملقب بـ«النائب الفعلي لرئيس الوزراء» بات وشيكاً بمباركة بلير. وفي الوقت الذي كشف فيه استطلاع للرأي ان غالبية البريطانيين لم يعودوا يثقون بحكومتهم، فقد أفيد ان بلير قرر ارجاء مؤتمر صحافي كان من المقرر عقده الاثنين المقبل في دائرته الانتخابية. وأعلنت لجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس العموم بصورة مفاجئة عن الغاء مؤتمر صحافي الخميس القادم، بينما ذكرت امس مجلة «نيوستيتسمان أند سوسيتي» ان تساؤلات بدأت تطرح بشأن انتحار الدكتور ديفيد كيلي. وكان آندرو مار المحرر السياسي لهيئة الاذاعة البريطانية (بي. بي. سي) قد افاد ليل اول من أمس أن كامبل بحث امر الاستقالة في جلسة مطولة مع رئيس الوزراء اثر عودة الاخير بساعات من جولته الخارجية. وقال «لا اشك على الاطلاق» بأن كامبل «مصمم على الذهاب (الاستقالة)، ورئيس الوزراء على علم بالامر وقد وافق عليه». والارجح أن تأجيل بلير لزيارته الى دائرته الانتخابية سيدجفيلد القريبة من مدينة درهام في شمال شرقي انجلترا، على علاقة وثيقة بتطورات الازمة التي تواجهها الحكومة، واحتمال تنحي كبير مساعديه. واذ ذكرت تكهنات ان كامبل قد يستقيل خلال ايام، فان تقارير أخرى قالت ان بلير أقنعه بالعدول عن ذلك ريثما ينتهي تحقيق القاضي اللورد برايان هاتون بملابسات موت كيلي. واشارت الى أن كامبل سيتخذ قراراً نهائياً بشأن موعد الاستقالة خلال عطلة سيقضيها برفقة شريكته فيونا ميللر، التي كانت قد اعلنت سابقاً عن قرار بالتنحي في سبتمبر (ايلول) من وظيفتها كمسؤولة دعائية لدى شيري بلير عقيلة رئيس الوزراء. غير ان مكتب بلير، حيث يعمل كامبل منذ سنوات مديراً للاتصالات والاستراتيجية، سارع الى نفي أنباء الاستقالة التي كانت الـ«بي. بي. سي» سباقة الى اعلانها. وفي تصريح يمثل حلقة جديدة من مسلسل الاتهامات التي تبادلها الطرفان منذ اسابيع، نُسب الى الناطق الرسمي باسم رئيس الوزراء قوله ان تقرير مار «مثال آخر على تركيز الـ«بي. بي. سي» على النميمة بدلاً من الجوهر». وأضاف ان مار «لم يتحدث الى آلاستر كامبل عن هذا الامر». لكن المحرر السياسي رد أمس عبر راديو فور معتبراً هذا النفي «غير ذكي». وأكد ان كامبل «كان يعرف حق المعرفة ما الذي كنت سأذيعه أمس (الخميس)، وهو تحدث الى موظف في المكتب الاعلامي وخوله التحدث باسمه (حول الاستقالة)». وجدير بالذكر ان الطرفين تراشقا الاتهامات منذ اندلاع «الحرب» بينهما قبل نحو شهرين حين بثت اذاعة راديو فور التابعة للهيئة تقريراً مثيراً للجدل لمراسلها الدفاعي آندرو غيليغان حول «تضخيم» مكتب بلير لمعلومات استخباراتية عن اسلحة الدمار الشامل العراقية. وزاد انتحار خبير الاسلحة الجرثومية قبل تسعة ايام من تأجيج هذه «الحرب» خصوصاً ان الهيئة اعترفت بعد وفاته انه كان «المصدر الرئيسي» لتقرير غيليغان. ووجهت أصابع الاتهام الى كامبل بانه «متورط» في عملية الكشف عن اسم الخبير في التاسع من يوليو (تموز) الحالي مما وضعه تحت ضغوط اعلامية أدت به الى انهاء حياته. الا ان المتهم الاول في ازاحة النقاب عن هوية الخبير، لايزال وزير الدفاع جيف هون. واشار معلقون الى ان حظوظه بالنجاة صارت أكثر ضآلة بعد تلميح بلير الى أن وزير الدفاع مسؤول عن الكشف عن الاسم، وفي اعقاب الصدمة التي تعرض لها اول من أمس لدى مشاركته في مؤتمر صحافي الى جانب وزير الخارجية جاك سترو ووفد مجلس الحكم الانتقالي العراقي. فقد كاد سيل الاسئلة حول احتمالات استقالته يخطف الضوء تماماً عن موضوع المؤتمر الصحافي مما اضطر سترو الى انهائه قبل الموعد المتوقع.

ولا يُستبعد ان تكون «المحنة» التي واجهها هون اول من امس من الاسباب الرئيسية التي دفعت لجنة الشؤون الخارجية الى الغاء مؤتمر صحافي أعلنت قبل ايام عن عقده الخميس المقبل بمناسبة اطلاق تقريرين أعدتهما حول قضية جبل طارق ودور السياسة الخارجية في حرب الارهاب. ويعتقد ان الالغاء جاء في محاولة لتفادي أسئلة حول انتحار كيلي يمكنها ان تهمش موضوع التقريرين. ويُذكر ان اللجنة التي فتحت تحقيقاً بقرار الحرب على العراق استمعت في سياقه الى افادة الخبير في جلسة ساخنة قبل موته بثلاثة ايام، عاد منها الى بيته وهو مريض يشعر بالغثيان حسب ارملته جانيس.

وفي تطور آخر، كرست مجلة «نيو ستيتسمان أند سوسيتي» اليسارية العريقة التي يملكها الوزير السابق جيفري روبنسون المقرب من وزير المال غوردون براون، حيزاً لا بأس به لـ«نظريات المؤامرة» حول موت كيلي. واشارت في مقدمة افتتاحية العدد الصادر امس الى أن اثنين من كتابها كرسا زاويتيهما لاشارات الاستفهام المطروحة حول صحة «رواية» انتحار كيلي خصوصاً ان «عدداً من اصدقائه يجدون أن من الصعب الاقتناع بانه قد انتحر فعلاً». الا انها لفتت الى ان «مؤامرة الجريمة تبدو غير معقولة». ويُذكر ان التحقيق القضائي، الذي لم يعلن بعد عن موعده بانتظار تشييع الخبير، سيسعى الى الاجابة على كثير من الاسئلة التي تحيط بانتحار الرجل. وكان الدكتور كيلي من ابرز خبراء الاسلحة الجرثومية العراقية في بريطانيا، واطلع على التقارير الاستخباراتية حول العراق اولاً بأول كما ذكرت صحف بريطانية. من جهة اخرى، اظهرت نتائج استطلاعات للرأي نشرتها امس صحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية تراجعا حادا في شعبية بلير. واوضحت ان 61 في المائة من الناخبين يشعرون ان حكومة حزب العمال أخذت تفقد سيطرتها وباتت تحت رحمة الاحداث. وقال 68 في المائة ان ثقافة الخداع والتلفيق موجودة في قلب الحكومة، مما يعتبر ادانة شديدة لكامبل.

وأفاد نحو نصف المشاركين في الاستطلاع انهم لا يصدقون اي كلمة يقولها بلير فيما ازدادت حدة الاسئلة حول السبب الذي دفع بريطانيا للمشاركة في الحرب في العراق. وذكر 45% من البريطانيين انهم يأملون في تعيين بديل لبلير على رأس حزب العمال وفي رئاسة الحكومة، بينما اكد عدد مماثل انهم يرغبون في بقائه في المنصبين. وقد شمل الاستطلاع 2219 شخصا واجرته مؤسسة «يوغوف» بين الثلاثاء والخميس الماضيين. وكانت نسبة البريطانيين المؤيدين لاستقالة بلير 39% في استطلاع للرأي نشرت الصحيفة نفسها نتائجه الاثنين.