الانتحاري الناجي من تفجيرات الدار البيضاء: لست راضيا عما حصل

TT

شهدت محاكمة المشتبه في تورطهم في تفجيرات 16 مايو (أيار) الماضي بالدار البيضاء امس احتشاد أفراد عائلات وأقارب المتهمين في زنقة «بابوم» الواقعة خلف محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بعد ان منعوا من دخول المحكمة. وفوجيء الصحافيون الذين اتجهوا نحو اسر المتهمين بعد انتهاء الجلسة الصباحية بوابل من الأسئلة، فتلك أم لا تعرف إن كان ولدها من بين الذين قدموا للمحاكمة، وأخرى تريد أن تعرف اسم وعنوان المحامي الذي عين للدفاع عن قريبها في إطار المساعدة القضائية، وأخرى تسأل «هل رأيتموه؟ وهل هو بخير؟ ألا يبدو عليه آثار الضرب؟».

وقالت حماة محمد العماري، الانتحاري الناجي من الهجوم على فندق فرح، إنها رأت صهرها لآخر مرة يوم 13 مايو حيث جاء إلى بيتها في دوار السكويلة لزيارة ابنه وزوجته. وقالت «كانت ابنتي قد قضت عندي نحو أسبوعين لأنني كنت مريضة وطلبتها لتساعدني». وتابعت أن أفراد الشرطة جاءوا عندها يوم 17 مايو في الصباح الباكر وأخذوها مع ابنتها وحفيدها وعمره 5 أشهر إلى ولاية الأمن حيث استجوبوهما لمدة ثلاثة أيام حول طباعه ومعاملته، وقالت «لم نلحظ عليه أي تغيير وكان عاديا».

وبدأ القاضي الجلسة بالنداء على 19 متهما، وبطلب من دفاع هؤلاء قرر القاضي إرجاء محاكمتهم حتى يوم 31 من الشهر الجاري من أجل إعداد الدفاع. ثم نادى القاضي المتهمين الثلاثة رشيد جليل وياسين الحنش ومحمد العماري، وسألهم عن هوياتهم وإن كانت لهم سوابق عدلية وتلا عليهم التهم الموجهة إليهم، تكوين عصابة إجرامية والمس بسلامة الدولة وارتكاب اعتداءات بغرض التخريب والتقتيل والقتل العمد ومحاولته. وعندما سأل القاضي محمد العماري، الانتحاري الناجي من الهجوم على فندق فرح يوم الحادث، عما يقوله في التهم الموجهة إليه أجاب هذا الأخير «لم يسبق لي أن قتلت أحدا»، فرد عليه القاضي متسائلا «وتلك الأحداث؟» قال العماري «لم أكن راضيا على ذلك» فقاطعه القاضي قائلا «إحكي لنا ما جرى» مشيرا إلى أنه لم يسأله عن موقفه وإنما عن الوقائع. غير أن أحد أعضاء هيئة الدفاع تدخل لينبه القاضي إلى أنه قد دخل مباشرة في مناقشة الموضوع مع المتهم وأن لهيئة الدفاع مجموعة من الدفوعات الشكلية ترغب في طرحها قبل ذلك. وبدأ المحامي عبد الله العلوي دفاع المتهم رشيد جليل مرافعته بديباجة أشار فيها إلى خصوصيات القضية وطالب فيها أن تتم المحاكمة خارج التأثيرات الخارجية خاصة وسائل الإعلام، غير أن القاضي قاطعه داعيا إياه إلى التركيز على الدفوعات الشكلية وعدم الخروج عن الموضوع، الامر الذي اعتبره المحامي مسا بالدفاع وقال إن ذلك يشعره بأنه تحت الضغط. وقاطعه القاضي مرة أخرى قائلا «ما نطلبه منك هو الاحترام والدخول مباشرة في موضوع الدفوعات الشكلية».

وبعد أن أشار المحامي إلى أنه لم يتوصل بنسخ محاضر التحقيق كاملة، قدم دفعا حول تشكيلة هيئة الحكم، ثم طالب بإحضار محضر استماع الشرطة القضائية إلى عبد الحق الملقب بـ«مول السباط» الذي يشتبه في كونه العقل المدبر لتفجيرات 16 مايو بالدار البيضاء، والذي كان قد توفي خلال اعتقاله ونقله من فاس إلى الدار البيضاء. وقال عبد الله العلوي «عندما ألقي القبض على مول السباط كان حيا ويرزق وتم الاستماع إليه، لذلك نلتمس طلب إحضار محضر الاستماع إليه». مرة أخرى قاطعه القاضي طالبا منه أن يدلي بالدفوعات التي يرى أنها ستكون في صالح المتهم والتي يترتب عليها جزاء. وبعد أخذ ورد مع القاضي تابع المحامي مرافعته بانتقاد التصريحات والبلاغات المتلفزة التي كان يدلي بها الوكيل العام للملك (المدعي العام) كلما كانت تحال عليه دفعة من المعتقلين في إطار قضية 16 مايو، معتبرا ذلك خرقا للاجراءات القانونية. ومرة أخرى أوقفه القاضي واصفا حديثه بالخروج عن الموضوع، فأعلن المحامي توقفه بسبب المقاطعات المتتالية له من طرف القاضي.

ومن جهته تحدث المحامي بامو العلوي الذي يتولى دفاع ياسين لحنش عن الشكليات التي اعترضته في الحصول على رخصة للقاء المتهم في السجن. ودفع ببطلان المحاضر المتعلقة بالمتهم لإنعدام وجود حالة التلبس. أما المحامي أحمد المحفوظ بالله الذي يؤازر المتهم محمد العماري، فطعن في قرار الأمر بالإحالة الذي حرره قاضي التحقيق لكونه خالف العديد من فصول القانون المتعلقة بسلطة الاتهام، خصوصا عدم تبليغ المحامي وعدم تبليغ المتهم بقرار الأمر بالإحالة على غرفة الجنايات. وأثارت دفوعات المحفوظ بالله جدلا قانونيا بينه وبين النيابة العامة، حيث تمسك المحامي بأن إلغاء غرفة الاتهام الذي جاء به تعديل القانون الجنائي المغربي لا يشمل النصوص القانونية التي تنظم سلطة الاتهام التي نقلتها التعديلات إلى قاضي التحقيق وأنه لا يمكن إلغاء نص قانوني إلا بنص آخر وليس باجتهاد فقهي، في حين تتمسك النيابة العامة بكون تلك النصوص مرتبطة بغرفة الاتهام التي تم إلغاؤها.

وقال ممثل النيابة العامة إن العماري عندما عرض على قاضي التحقيق أشعره هذا الأخير بأن له الحق في اختيار محام أو يعين له محام في إطار المساعدة القضائية غير أن العماري تنازل عن حقه في الدفاع.

ورد عليه المحفوظ بالله بأن دواعي تعديل القانون في 1991 بإدخال ذلك النص حول ضرورة حضور محام في القضايا الجنائية هي كون المغرب قد صادق على الميثاق الدولي لحقوق الإنسان الذي يشترط حضور محام لمؤازرة المتهم كشرط للمحاكمة العادلة. وأضاف أن القانون ينص على ضرورة إشعار المتهم بكونه له الحق في اختيار محام وإلا فيعين له محام تلقائيا في حالة عدم اختياره. وبعد المداولة قررت المحكمة أن هيئتها قانونية، ورفضت طلب إحضار محضر استماع الشرطة إلى عبد الحق مول السباط، واعتبرت أن الانتقادات الموجهة للبلاغات الصحافية للمدعي العام لا تشكل دفوعا شكلية، وقررت ضم باقي الدفوعات للجوهر، ومواصلة الجلسة مساء نفس اليوم.