دموع الحزن تختلط بدموع الفرح في مخيم رفحا السعودي بعد مغادرة أول دفعة من اللاجئين العراقيين إلى البصرة

TT

لم يستطع الطفل العراقي باقر راضي، 11 سنة، وهو يهم بمغادرة مخيم رفحا السعودي للاجئين العراقيين متوجها إلى بلاده العراق التي لم يرها بعد حيث ولد في المخيم ودرس جزءا من المرحلة الابتدائية فيه ـ حبس دموعه أثناء صعوده الحافلة التي أقلته مساء أول أمس إلى البصرة وهو يودع المكان الذي ولد فيه وعاش طفولته بعد ان تسبب حاكم بلاده في وضعه في قائمة اللاجئين، وعندما تحركت الحافلة التي تقل الطفل مع عائلته ضمن 244 لاجئاً عراقيا متوجهين إلى البصرة كانت نظرات الطفل تتجه صوب المخيم ليلقي النظرة الأخيرة على هذا المكان الذي احتضن مرابع وذكريات طفولته، وقد اختلطت مشاعر الحزن على فراق المكان الذي ولد ودرس فيه مع مشاعر الترقب للمصير الذي سيواجهه في بلاده التي لم يرها بعد، ولكنه حتما رسم صورة لها في ذهنه وأمام إصرار العراقيين على مغادرة مخيم رفحا طواعية منهم بعد 13 عاماً من العيش داخله، مكرمين معززين حاملين معهم ذكريات قد تكون جميلة أو قد تكون العكس ولكنها حتما ستتضح عند وصولهم إلى ارض بلادهم بعد ان سقط النظام الحاكم هناك والذي أجبرتهم دكتاتوريته على جعلهم لاجئين ضمن آلاف العراقيين الذين تم استيطانهم في الخارج.

ويقول الطفل باقر قبل مغادرته المخيم متوجهاً إلى بلاده لـ«الشرق الأوسط» انه ولد وعاش طفولته وتعليمه في ارض المخيم وهو الآن في الصف الخامس الابتدائي. وعبر عن سعادته بعودته إلى وطنه العراق متمنياً أن يكمل تعليمه هناك وقال: «أنا مشتاق لرؤية بلدي الذي علمت من أهلي عن جماله وروعته». أما العراقي شاكر خير الله علي، 39 سنة، الذي حزم حقائبه وبعض الأثاث الذي اشتراه من رفحا ليعود إلى بلاده بعد غياب عنها دام 13 عاماً قضاها في المخيم فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن السنوات التي قضيتها هنا هي أيام لا تنسى فقد أكرمنا السعوديون ووفروا لنا كل ما نحتاجه لكن ذلك لا يمنع الإنسان من الحنين إلى الوطن والعودة إليه بعد أن زال النظام الذي جثم على صدور العراقيين طوال ثلاثة عقود». ورغم أن خير الله لا يملك في بلاده أي شيء فهو سعيد بالعودة إلى مدينته البصرة مشدداً على أن الإنسان مهما تغرب وهاجر عن وطنه قسراً فانه حتماً سيعود إليها، ويضيف: «هأنذا أعود إلى وطني بعد 13 عاماً قضيتها في هذا المخيم، أعود طواعية بعد أن تلقيت اتصالات من الأقارب في مدينتي البصرة يحضونني فيها على العودة لأن الأمور هناك على ما يرام». ويشير إلى انه رغم علمه أن المستقبل في العراق مجهول فان «ذلك لا يمنع من عودتي اليه». وعبر عن شكره للحكومة السعودية وشعبها على حُسن الاستقبال واستضافتهم لنا خلال 13 عاماً معتبراً أن ما توفر في المخيم من خدمات لا مثيل له. ويقول حسن الوالي، 35 عاماً، انه مقيم في مخيم رفحا منذ 13 عاماً بعد هروبه من العراق عقب الانتفاضة الشعبية في البصرة التي حدثت بعد تحرير الكويت، وقد قدم مع عائلته المكونة من 3 أفراد إلى المخيم الذي وجد فيه كل التسهيلات معتبراً أن ما توفر فيه فاق الوصف، لكن رغم ذلك فإن الحنين إلى الوطن قد دفعه إلى طلب العودة إلى بلاده، بعد زوال النظام الحاكم هناك إلا أن بعض الإجراءات حالت دون تمكنه وعائلته من مرافقة الدفعة الأولى للاجئين التي غادرت مساء أول من أمس إلى البصرة، مُحمَّلاً الأميركيين مسؤولية تأخيره عن مرافقة الدفعة الأولى. وكانت الدفعة الأولى من اللاجئين العراقيين قد غادرت مساء أول من أمس مكونة من 244 لاجئاً في طريقهم إلى بلدهم العراق، هم 162 رجلا و24 امرأة و58 طفلا تقلهم خمس حافلات حديثة وتصحبهم خمس ناقلات تحمل أمتعتهم التي تزن 40 طنا. وكان في وداعهم في مقر المخيم قائد قوات الدفاع الجوي والمشرف العام على القوات المشتركة الفريق ركن عطية بن عبد الحميد الطوري ومحافظ رفحاء بالنيابة عبد العزيز بن فهد الزمام والممثل الاقليمي للمفوضية السامية للاجئين لدى دول مجلس التعاون الخليجي الدكتور مصطفى عمر. وقد أقيم حفل توديع بهذه المناسبة، حيث ألقى قائد مخيم إيواء اللاجئين العراقيين برفحا العميد البحري خالد بن فهد الوصيفر كلمة بين فيها ان اللاجئين المغادرين امضوا 13 عاما ضيوفا على خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وحكومته الرشيدة. ونوه بما بذلته الحكومة السعودية لمخيم إيواء اللاجيئن برفحا ومدى تميز الخدمات المقدمة لهولاء اللاجئين مشيرا إلى ان المخيم يعد الأفضل على مستوى العالم بشهادة عدة لجان ومنظمات دولية متخصصة بهذا الشأن. وعبر في ختام كلمته عن الشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين وحكومته على الدعم والاهتمام البالغ بهؤلاء اللاجئين طيلة فترة بقائهم بالمخيم. بعد ذلك ألقى احد اللاجئين العراقيين قصيدة شعرية بهذه المناسبة. أثرها ألقى الفريق الركن عطية الطوري كلمة نقل فيها تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وولي عهده والنائب الثاني للاجئين والعاملين في المخيم. ونوه بالروابط التي تجمع بين شعبي المملكة والعراق متمنيا للاجئين المغادرين الى وطنهم وافر الصحة والعافية والرفاهية والمستقبل المشرق. بعدها ألقى الدكتور مصطفى عمر الممثل الاقليمي للمفوضية السامية للاجئين لدى دول مجلس التعاون الخليجي كلمة عبر فيها عن شكر وتقدير المفوضية لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وحكومته على ما قدمته طوال الـ13 عاما الماضية من خدمات إنسانية فاقت التصور للاجئين العراقيين مشيدا بالامكانات المتوفرة في المخيم. اثر ذلك سلم الفريق الركن عطية الطوري شهادات التقدير على رؤساء المربعات السكنية. بعدها انطلقت قافلة اللاجئين المتجهة إلى منفذ الرقعي في طريقها إلى العراق.