في خطابه بمناسبة عيد العرش العاهل المغربي: لا مجال لأحزاب أو جماعات تحتكر لنفسها الحديث باسم الدين

TT

أكد العاهل المغربي الملك محمد السادس امس أن المغرب سيتصدى لمن يروج لأي مذهب دخيل بقوة ما تقتضيه أمانة الحفاظ على الوحدة المذهبية للمغاربة في اشارة الى اعتداءات السادس عشر من مايو (أيار) الارهابية في الدار البيضاء.

وقال العاهل المغربي في خطاب متلفز موجه الى الامة بمناسبة الذكرى الرابعة لعيد العرش «سنتصدى لمن يروج لأي مذهب دخيل على شعبنا بقوة ما تقتضيه أمانة الحفاظ على الوحدة المذهبية للمغاربة مؤكدين بذلك حرصنا على صيانة اختيارنا لوحدة المذهب المالكي في احترام لمذاهب الغير، لأن لكل شعب خصوصياته واختياراته». وأضاف أن المغرب لن يقبل استيراد مذاهب دينية أجنبية عن تقاليده لأن هذه المذاهب منافية للهوية المغربية المتميزة.

وأكد العاهل المغربي أنه «باعتبار أمير المؤمنين مرجعية دينية وحيدة للأمة المغربية، فلا مجال لوجود أحزاب أو جماعات تحتكر لنفسها التحدث باسم الاسلام أو الوصاية عليه. فالوظائف الدينية هي من اختصاص الامامة العظمى المنوطة بنا بمساعدة مجلس أعلى ومجالس إقليمية للعلماء نحن مقبلون على تأهيلها وتجديدها وتفعيل أساليب عملها». ومضى العاهل المغربي قائلا «إننا لن نقبل أبدا اتخاذ الاسلام مطية للزعامة باسم الدين أو القيام بأعمال الارهاب وتمزيق الوحدة المذهبية للأمة والتكفير وسفك الدماء». وبنفس القوة اضاف العاهل المغربي «فإننا نؤكد أن علاقة الدولة بالدين محسومة في بلادنا في ظل تنصيص الدستور على أن المملكة المغربية دولة إسلامية وأن الملك أمير المؤمنين مؤتمن على حماية الدين وضمان الحريات بما فيها حرية ممارسة شعائر الاديان السماوية الأخرى». وأوضح العاهل المغربي أنه «بهذا المنظور المتنور لمرجعيتنا الدينية، يتكامل الاسلام مع الحداثة، مشكلا رافدا أساسيا من روافد المرجعية الكونية، منسجما مع دعامتها الكبرى ألا وهي الديمقراطية التي جعلناها عماد الملكية الدستورية». وكان العاهل المغربي في بداية خطابه قد قال ان حرصه على مصارحة الشعب بالوضعية التي تمر بها البلاد، دفعه «لجعل هذا الخطاب يشكل وقفة وطنية جماعية، تتجاوز التذكير المؤلم للاحداث الارهابية للدار البيضاء الى استخلاص الدروس، والتدبر في تصحيح مسار الامة». وقال العاهل المغربي انه «مهما تكن فظاعة هذه الجرائم الارهابية (في اشارة الى احداث الدار البيضاء)، فإننا نحمد الله تعالى على ما أحاطنا به من ألطاف ربانية، مكنتنا من السيطرة على شبكتها الاجرامية». ومن جهة أخرى وصف العاهل المغربي مرتكبي أحداث الدار البيضاء بـ«شرذمة من الخوارج عن الشرع والقانون لتضليلهم باسم الدين» قبل أن يضيف «إننا لن نقبل أبدا اتخاذ الاسلام مطية للزعامة باسم الدين، أو القيام بأعمال الارهاب، وتمزيق الوحدة المذهبية للامة، والتكفير وسفك الدماء». وتساءل العاهل المغربي «هل قام كل منا بالنقد الذاتي، الكفيل بجعل المصائب مصدر قوة واعتبار، لتصحيح الاختلالات»، قبل أن يضيف «إنني من منطلق الامانة العظمى المنوطة بي، في التعبير عن انشغالات الامة، أقول: إننا كلنا مسؤولون فرادى وجماعات، سلطات وهيئات، أحزابا وجمعيات، عن البناء الجماعي لمجتمعنا الديمقراطي الحداثي، الذي هو مشروع الامة بأسرها».

الى ذلك أكد الملك محمد السادس مجددا على وجوب التعجيل بإقرار قانون خاص بالأحزاب «تجسيدا لحرصنا الأكيد على تمكينها من الوسائل الناجعة لتفعيل دورها على الوجه الأكمل». وقال العاهل المغربي انه «يتعين على هذا القانون أن يتوخى تقوية دور الأحزاب، في تأطير وتمثيل المواطنين كافة، بمنع تكوينها على أساس ديني أو عرقي أو لغوي أو جهوي»، داعيا إلى تمكين هذه الأحزاب من التمويل العمومي لأنشطتها، بكل شفافية، بما يكفل قربها من الانشغالات الحقيقية للمواطنين، واقتراح البرامج الواقية، والحلول الملموسة لمشاكلهم.

وأكد الملك محمد السادس أنه في الوقت الذي يستعد فيه المغرب لخوض عملية انتخابية، وفي مقدمتها انتخاب مختلف مجالس الجماعات المحلية (البلديات)، فإن «أمام أحزابنا السياسية فرصة مواتية، لتجسيد المسؤولية الوطنية، في إيجاد مؤسسات قادرة على تحقيق الجانب التنموي، والتحديثي لنموذجنا المجتمعي الوطني»، مؤكدا أن ذلك هو ما يريده الشعب المغربي «الذي لم يعد يقبل ركوب بعض الهيئات، في المواسم الانتخابية، لمواضيع أو شعارات لا تسمن ولا تغني من جوع، وليس مستعدا لرهن التحديات الحقيقية لحاضره ومستقبله، بشعارات ماض دفين». وأكد العاهل المغربي أن وقت اصطناع الأعذار أو الاختفاء خلف الاعتبارات الانتخابوية لعدم تحمل المسؤولية قد ولى موضحا أن الديمقراطية الحقة لا تكتمل الا في ظل الالتزام بمقومات الحكم القويم وفي مقدمتها ما يتطلبه من حزم وإقدام ومثابرة على مواصلة الاصلاحات الضرورية.

ومضى الملك محمد السادس قائلا في هذا السياق «لن أقبل تأخير انجاز أي إصلاح وطني بدعوى انتظار إجراء الانتخاب أو ترضية فئة أو هيئة خارجة عن الاجماع أو التوافق أو الاغلبية».

وأكد العاهل المغربي أنه «مثلما نحن في دولة ديمقراطية، تعتز بإجراء الانتخابات في موعدها القانوني، فإننا أمة عازمة على رفع تحديات التنمية، بمشاريع حيوية، لا تقبل التردد ولا الانتظار».

وقال العاهل المغربي إن «الانتقال الديمقراطي طريق شاق وطويل، يقتضي توفير مناخ الاستقرار والالتزام واليقظة، فإن أول شرط لتحقيق ذلك، هو الدولة القوية بسيادة القانون، القادرة على ضمان أمن الاشخاص والممتلكات، والتصدي لمن يستغلون توسيع فضاء الحريات، للنيل من سلطة الدولة». الى ذلك دعا الملك محمد السادس المجلس الاستشاري لحقوق الانسان الذي يعبر عن مختلف مشارب الأمة إلى وضع مشروع ميثاق وطني لحقوق المواطن وواجباته والانكباب على اعداد الاقتراحات اللازمة لسد الفراغات التشريعية في مجال محاربة كل أشكال العنصرية والكراهية والعنف.

وأوضح العاهل المغربي انه «بذلكم نجسد ما نتوخاه من تعميق لمواطنة عصرية وفية لهويتنا تنهض بها اسرة متماسكة واعلام مسؤول نحن عازمون على تأهيلهما لذلك من خلال المضي قدما في الاصلاح الجوهري لمدونة الاسرة ولمشهدنا الاعلامي». وأعلن الملك محمد السادس عن قرار إحداث معهد ملكي للدراسات الاستراتيجية ينكب على المهام الحيوية للتحكم والتفاعل مع التحولات العميقة الداخلية والخارجية «لأن بلدنا يعرف انتقالا شموليا، يتطلب تعزيز قدرات الرصد والتدبر والتوقع».

وأكد العاهل المغربي أن المغرب مطالب «ببذل المزيد من الجهود، لانجاز الاصلاحات اللازمة» في نطاق اعتماد مقاربة شمولية، تتبوأ التنمية الاقتصادية مكانة الصدارة فيها، من خلال مشاريع استراتيجية.

ودعا الملك محمد السادس إلى مواصلة تحديث وظائف الدولة، في توفير مناخ الثقة والاستقرار، وضمان سيادة القانون، والحرص على مهام الضبط والتقويم، وتعبئة الطاقات مؤكدا «انه لا مناص لنا من تحفيز الاستثمار والمبادرة الخاصة، بالمزيد من تحرير الاقتصاد، وانفتاحه وتأهيله، لكسب رهانات الشراكة، ورفع تحديات الانتاجية والتنافسية، والتفاعل الايجابي مع العولمة».

من جهة أخرى انتقد العاهل المغربي السلطات العمومية في بلاده وقال «لقد دق خطابنا لعشرين اغسطس (آب) 2001 ناقوس الخطر، منبها الى خطورة انتشار السكن الصفيحي والعشوائي، لما له من أثر سلبي على كرامة المواطن، وما يشكله من تهديد لتماسك النسيج الاجتماعي، داعيا الى اعتماد برنامج وطني تضامني مضبوط المسؤوليات. وبعد سنتين، وبدل أن أعاين، خلال زياراتي التفقدية لاقاليم المملكة، القضاء التدريجي على السكن الصفيحي، ألاحظ بمرارة انتشاره في عدة مدن. بل إن أحياء صفيحية قد ظهرت وتضخمت، لتصبح مدنا عشوائية قائمة الذات».

وأضاف العاهل المغربي أن «مثل هذا البناء العشوائي لم ينزل من السماء، ولم ينتشر في الارض بين عشية وضحاها. بل ان الكل مسؤول عنه. وذلكم انطلاقا من المواطن الذي يدفع اليوم رشوة لمسؤول، قد يأتي غدا بالجرافة، ليهدم «براكته» (بيت صفيحي) أمامه، الى مختلف السلطات العمومية والجماعات المحلية، المتهاونة في محاربة انتشار مدن الصفيح، بدل التشجيع على توفير السكن اللائق».

وقال العاهل المغربي ان وضعية السكن «وإن كانت مقلقة، فإنها غير ميؤوس منها إذا تجندنا لمعالجتها، بكل استعجال وحزم، وإلا فقدنا التحكم فيها، تاركين مدننا تتحول الى بؤر للاقصاء والانغلاق، والحقد والتواكل، بدل أن تكون فضاءات للتضامن الاجتماعي، والانتاج الاقتصادي، والازدهار العمراني، والانفتاح الحضاري». وقال الملك في انتقاد صريح لعمل هذه السلطات «إنه لا يمكن لملك البلاد، أن يقوم بعمل الوزير أو العامل (المحافظ) أو رئيس جماعة محلية (بلدية)»، مضيفا بأنه لن يسمح «بالتهاون في القيام بالشأن العام، بحيث سأحرص على تفعيل كل أشكال المراقبة الصارمة، والمحاسبة الحازمة، لانه اذا كان كل منا راعيا ومسؤولا عن رعيته، فان خديمك الاول راع لهذه الامة ومؤتمن على شؤونها العامة».

وانتقد العاهل المغربي بشدة النظام التعليمي المغربي الذي قال إنه «ينتج البطالة والانغلاق»، مضيفا قوله «واذا كان تحرير كل المغاربة من الفقر المادي، يتطلب جهودا لعدة أجيال، فان بالامكان تحريرهم في أمد منظور، من الجهل والامية الفكرية والانغلاق، وغيرها من الفقر المعنوي، الذي هو أسوأ أحوال التخلف. ولن يتأتى لنا ذلك الا بالاصلاح النوعي لنظام التعليم، وخصوصا البرامج والمنهج».

وعلى المستوى الخارجي قال العاهل المغربي ان المغرب حريص على تمتين علاقاته مع جيرانه الاقربين، و«في مقدمتهم أشقاؤنا في الاتحاد المغاربي الذي لا سبيل الى بنائه على أساس سليم، الا بايجاد حل سياسي ونهائي، للنزاع المفتعل حول أقاليمنا الجنوبية، في اطار سيادتنا الوطنية ووحدتنا الترابية. وكيفما كان الحال».

وبخصوص قضية الصحراء الغربية قال العاهل المغربي «اننا نؤكد أن المغرب قد طوى على الصعيد الداخلي استرجاعه المشروع للاقاليم الجنوبية، وأنه معبأ بكل قواه للدفاع عن وحدته الترابية. كما أنه يؤكد استمرار تجاوبه مع كل الارادات الحسنة، والمبادرات التوافقية المنصفة، للطي النهائي للمشكل المفتعل حولها».

وجدد العاهل المغربي التزام بلاده «الدائم باقامة سلام عادل وشامل بالشرق الاوسط، على أساس مقررات الشرعية الدولية، ومبادرات والتزامات الاطراف المعنية، خاصة منها (خريطة الطريق) للرباعي الدولي ومبادرة السلام العربية لقمة بيروت». مضيفا أن «تجاوز عقود من السلبيات والاحباطات، لن يتحقق الا باعادة توجيه التضامن العربي، نحو الاندماج الاقتصادي وفق اعلان أكادير، واقامة نظام عربي جديد ومتماسك. وبنفس الروح التضامنية، سنواصل دعم مسار التنمية المستديمة والمساهمة في اخماد بؤر الصراع، باتخاذ مبادرات المصالحة لاحلال السلام، في القارة الافريقية، تأكيدا لانتمائنا العريق اليها، أو على صعيد بلدان الجنوب، نهوضا بالتزامنا كرئيس لمجموعة السبعة والسبعين، زائد الصين، باقامة علاقات اقتصادية دولية متوازنة ومنصفة لها».