محامي الأصوليين المصريين: الظواهري حي وخارج إيران والضمانات هي الحل الأمثل لعودة «الأفغان العرب»

منتصر الزيات كشف في حديث لـ «الشرق الاوسط» عن مبادرة جديدة للصلح بين الأصوليين في الداخل والخارج

TT

لم يدر بخلدي أن أجري حوارا مع منتصر الزيات المحامي الأشهر للجماعات الأصولية في مصر بينما كنت أقضي اجازتي مع أسرتي بعيدا عن هموم العمل والسعي خلف المعلومة. لقد تسارعت وتيرة البيانات والأخرى المضادة بين الأصوليين في مصر وخارجها وتكررت المعلومات عن عناصر من «القاعدة» تعتزم إيران تسليمهم لحكوماتهم. وجاءت تصريحات كرم زهدي زعيم «الجماعة الإسلامية» المصرية المحظورة التي انفردت بها «الشرق الأوسط» لتثير جدلا كثيفا كان الزيات أحد ملامحه باعتباره شاهدا على تلك المرحلة ورسول مبادرة وقف العنف التي انطلقت في مصر في يوليو (تموز) 1997. كل هذا الزخم جاء بعد أن حددت موعدا مع الزيات قبل سفري من لندن لزيارته، وبينما استقللت مصعدا خشبيا عتيقا في بناية قديمة في وسط القاهرة تضم مكتب الزيات لم أكن قد حددت ملامح المهمة وما اذا كانت زيارة علاقات عامة أم مهمة صحافية. وفور دخولي مكتبه المتواضع الذي يخلو إلا من «وجاهة قديمة» التقيت المحامي الذي أدمن المبادرات وتأقلم مع الشغب والمعارك فوجدته يحكي بمرارة عن القادة التاريخيين وزملاء المرحلة ووجدتني أكتب فكان هذا الحوار:

* هل يفتح تسليم الأصولي سعيد مخلص من الاوروغواي ملف «الأفغان العرب» من جديد وإمكانية تسليمهم لبلادهم؟

ـ أولا موقف سعيد حسن مخلص القانوني سليم والرجل كان على اتصال بي خلال السنوات الأخيرة. وقد تابعت ملفه بصورة مباشرة وسبق أن استقبلت في القاهرة محاميته الدكتورة سيلسيا شرودر، وأطلعتها على كل الوثائق الخاصة بمخلص آنذاك وسلمتها صورة كاملة من ملف القضية التي اتهم فيها مخلص عام 1994 التي استندت مصر إليه في طلب تسلمه.

وأعتقد أن الضمانات التي توصلت إليها الأوروغواي، وقبلتها مصر ووقعت عليها جيدة وتضمن حقوقا كثيرة لمخلص. ونود لو أن الدول الأخرى حذت حذوها صونا لمبادئ حقوقية وإنسانية تتسم بالدولية والعمومية ينبغي ألا تهدرها أي اعتبارات في زحمة الحرب المفتعلة والتي تقودها الولايات المتحدة. وكانت السويد قد حصلت على ضمانات مشابهة لكن بصورة أقل عندما سلمت أحمد حسين عجيزة زعيم طلائع الفتح السابق. وما زلت أتمنى على الحكومة المصرية أن تبادر هي طواعية بتقديم هذه الضمانات لمواطنيها من الإسلاميين المعارضين المقيمين بالخارج بدلا من تعرضها لمواقف محرجة تفرض عليها تقديم مثل هذه الضمانات قسرا. فما زلت أتلقى اتصالات من عناصر إسلامية تقيم في أماكن مختلفة من العالم عربيا وغربيا يعربون عن رغبتهم في العودة لبلادهم مع وجود ضمانات وتعهدات بعدم تلفيق اتهامات ضدهم أو معاملتهم معاملة غير لائقة. وقبل أحداث سبتمبر (ايلول) 2001 عاد بعض إخواننا بمثل هذه التعهدات وسارت أمورهم بشكل مرض، لكن بعد أحداث سبتمبر تباطأت الحكومة في تقديم مثل هذه التسهيلات بل وأسرفت في تقديم لوائح اتهام لحكومات عربية وغربية لطلب تسليم إسلاميين مصريين غير ضالعين في حوادث عنف ولم تصدر بحقهم أي اتهامات قضائية أو أحكام قضائية مما أحجم معه كثير من إخواننا عن العودة طوعا. وربما يقول البعض إن خطأ الأجهزة الأمنية خلال الثمانينات بدفع الإسلاميين إلى مغادرة البلاد برغبة التخلص منهم لا ينبغي أن يعالج بهذا الشكل بالحرص على عودة أو استعادة كل الإسلاميين بهذا الشكل الدراماتيكي تحت اتهامات فاقعة وغير دقيقة. اعتقد أن توفير أجواء الثقة يكون بإطلاق من يحضر طواعية وتتأكد السلطات من سلامة موقفه. نريد أن نطوي صفحة من الالتباس والتدابير الأمنية وأن نفتح أبواب الحرية والتعبير عن الرأي والفكر بدون قيود وأن نفتح موانئ مصر لكل من لم يصدر بحقه حكم قضائي وأن نوفر الأمل في معاملة إنسانية ومحاكمات عادلة.

واكدت من قبل ان ملف «الافغان العرب» يحتاج إلى شجاعة في اتخاذ قرار بغلق المطالبات القضائية وتأهيل كل من يرغب في العودة وتعمد التعسف ضده، فسوء تصرف الحكومات العربية مع «الافغان العرب» بعد انتهاء الحرب الافغانية الاولى يحتم أن نعترف بالخطأ ومن ثم تحمل مسؤوليتنا.

* لكن الخناق يضيق على الاصوليين في الخارج، فقد أعلن وزير الاستخبارات الايراني اخيرا لأول مرة عن وجود عناصر من «القاعدة» وأن هناك اتصالات تدور من أجل تسليمهم لدولهم وتردد اسم الظواهري من بينهم؟

ـ هذه المعلومات متداولة منذ وقت طويل وعبر مصادر عدة ربما تستخدم في بعض الأحيان لأهداف سياسية قد يكون أحدها الضغط على الحكومة الايرانية. لكن المؤكد أن الحديث عن أصوليين مطلوبين والمفاوضات التي تتعلق بتسليمهم والاتصالات في هذا الشأن لا يتصور أن تتم عادة في العلن ولم نسمع من قبل أن قياديا أصوليا تتردد المعلومات عن تسليمه قبل التأكد من ضبطه. دائما نسمع أن أحدهم تم القبض عليه في دولة ما وبعد فترة نقرأ فجأة أنه تم تسليمه. تم هذا مع أحمد سلامة مبروك قيادي الجهاد البارز في أذربيجان وأخيرا السعيد حسن مخلص في الأوروغواي وغيرهما كثير. أما أن يقال ان هذه أول مرة يعلن الايرانيون رسميا ذلك، فالواضح أنهم أعلنوا مرارا قبل ذلك بطريقة وأخرى وربما هم يتفاوضون عن المقابل مقابل التسليم، لكن أيضا حينما نتحدث عن أولئك الذين يوصفون بأنهم من «القاعدة» واضطرتهم الظروف لعبور الحدود يجب أن نعي أنهم يعانون مخاطر حقيقية، وإيران بالنسبة لهؤلاء لم تكن أبدا مصدر أمان من وقت أن كانت طالبان في الحكم للخلافات المذهبية والسياسية وهو الأمر الذي أدى لمقتل عديدين منهم تحت القصف مثل محمد عاطف (أبو حفص المصري) المسؤول العسكري السابق لـ«القاعدة»، كما تم القبض على آخرين مثل أبو زبيدة ورمزي بن الشيبة وخالد شيخ محمد. لذلك فأنا أستبعد وجود أحد من المشاهير من قيادات القاعدة مثل الدكتور الظواهري في مأمن في إيران. وحسب المعلومات التي توصلت اليها من الخارج، فان الظواهري في امان خارج الاراضي الايرانية. ويجوز أن يكون التريث في الاعلان عن أسماء راجع لاستخدام قيادات «القاعدة» وعناصرها لاسماء كودية وندرة استخدامهم لاسمائهم الحقيقية. لذلك في حالة صدق المعلومات التي تتحدث عن وجود اسلاميين من «القاعدة» داخل ايران فالأمر يحتاج لوقت طويل للتعرف على اسمائهم الكودية خاصة أن تجربة غوانتانامو وغيرها توضح مدى الاشكالية في ذلك حيث تم القبض على كثيرين اعتقدت الادارة الاميركية أنهم قياديون أو فاعلون في الاحداث ثم تبين لها أنهم ليسوا كذلك، وسبق للظواهري أن قضى في السجن بداغستان عام 96 قرابة ستة أشهر دون أن تفطن له السلطات هناك لانه يجيد التخفي والتحرك بهويات مزورة. والقبض على شخصيات في حجم الظواهري لا ينتظر مثل هذا الوقت لأن الحدث يفرض نفسه ومن أيام قليلة شاهدنا على التلفاز أثار دخان أحاط بعملية قتل قصي وعدي نجلي صدام (الرئيس العراقي المخلوع)، وأيضا شاهدنا القبض على رمزي بن الشيبة أيضا وهكذا فإن كان (الرئيس الأميركي جورج) بوش يحتاج إلى دعم انتخابي فإنه لن يتردد في الاعلان عن أسماء تكون لديه، واستطيع ان اؤكد ان الظواهري حر طليق وحي يرزق. * لكن هناك حالة اضطراب حادة بين الاسلاميين وفي العالم العربي.. كيف ترى المشهد؟

ـ إننا مطالبون داخل العالم العربي والإسلامي بإعادة الاعتبار للإسلام حتى نستطيع أن نأخذ مكاننا الطبيعي في وسط التكتلات الدولية. وهذا الشعار المراد طرحه ليس موجها فقط للحكومات العربية ولكن أيضا للحركات والجماعات الإسلامية مطلوب أن توفق أوضاعها في ضوء تعاليم الإسلام بشكل صحيح. فمن غير المعقول أن نعطي أعداءنا فرصة التدخل في بلادنا ونعلم يقينا أن هناك من يتربص بنا جميعا. ومن غير المصلحة بيقين أن نعرض بلدا مثل السعودية بما تحمله من معان للمسلمين لمخاطر وضغوط غربية بنقل مواجهة حدد البعض زمانها مع عدوهم الأجنبي داخل بلاد المسلمين، أرجو من إخواني أن يتقبلوا مثل هذا الكلام بصدر رحب وبرغبة في تداول الرأي وحرص على تجنيب بلادنا ويلات ما حدث في العراق.

* شنت القيادات التاريخية للجماعة الإسلامية هجوما على أبو حمزة المصري وشككوا في زملائهم الأصوليين المقيمين في لندن.. ما هو سبب كثرة المعارك التي ينشغل بها قيادات «الجماعة الإسلامية» مع أصوليين آخرين؟ ألا تصرفهم مثل هذه المعارك عن تقديم مراجعاتهم الفكرية بشكل هادئ؟

ـ أنا تابعت السجال بين بعض قيادات «الجماعة الإسلامية» وبعض الذين انتقدوهم مثل الأخ أبو حمزة المصري مسؤول منظمة « انصار الشريعة» بلندن مثل غيري على صفحات الصحف وفوجئت بما حدث وأسفت له، وأعتقد أن أبو حمزة بالغ في القسوة حينما وجه انتقاداته لقيادات الجماعة الإسلامية واستخدم ألفاظاً وتعبيرات لا تليق في الخطاب الأخوي من حيث الأصل. لكن لا بد أن نذكر بأن قيادات «الجماعة الإسلامية» قد تعرضوا لانتقادات عنيفة حينما أطلقوا مبادرتهم في يوليو 97 رغم أن مبادرتهم كانت تعني بعناصرها المسلحة وأعضائهم دون غيرهم فكان شأنا تنظيميا داخليا. أما بيانهم الأخير فهو يحمل رؤية فكرية وشرعية تقوم على أساس تقديم النصح لبعض إخوانهم في «القاعدة» أو المتعاطفين معها ويسيرون على دربها مع وجود فوارق في المواقف. فـ«القاعدة» استهدفت الأميركيين في عقر دارهم في نيويورك وواشنطن اتفقنا مع ذلك أو اختلفنا، أما الذين يسيرون على هديها فإنهم يستهدفون رعايا أجانب من الأميركيين أو غيرهم داخل بلاد المسلمين على النحو الذي وقع في الرياض وما تلاه من تراشقات نارية في أماكن محرمة، وأعتقد أن السعودية تحتاج منا لحرص أكبر منعا لتدخل الغير في أمور تخص المسلمين فقط في المملكة العربية السعودية. بالتأكيد نحن في حاجة إلى حوار داخلي فيما بيننا بشرط حيويته وموضوعيته وابتعاده عن الاتهامات والتراشقات، ففي ظل ما يلم بنا من أحداث يلزم أن نعي فقه الواقع وما يراد بنا في ضوء محاولات التقسيم المشبوهة لبلاد المسلمين. فالسعودية مثلا بلد مسلم يتعرض لضغوط عنيفة من دوائر غربية مشبوهة يلزم أن نصون أمنه واستقراره. وأرجو أن يقبل مني أبو حمزة، وهو أخ كريم، نصيحتي له بوقف انتقاداته لـ«الجماعة الإسلامية» وقياداتها وهو رجاء شخصي يفرضه علي ضميري وديني، ولا بأس من أن ندير حوارا داخليا نبتغي به وجه الله بعيدا عن المطاعن والاتهامات الإعلامية، فما أحوجنا فعلا لمبادرة داخلية للصلح داخل دوائر الحركة الإسلامية مصداقا لقول الله «فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم». * أثارت تصريحات زعيم الجماعة الإسلامية كرم زهدي ردود فعل متباينة داخل وخارج أروقة الحركة الإسلامية.. كيف تراها وقد لعبت دورا مهما في ترويج مبادرة وقف العنف؟

ـ لا أتصور أن دوري في ترويج المبادرة له علاقة بتصريحات الشيخ كرم زهدي ولا وجه للربط بين الموضوعين، فالأمر مختلف ولا علاقة لي بالموضوع.

* ولكن آخرون وجهوا انتقادات لتصريحاته؟

ـ وآخرين أيدوها. * لم نقرأ لأحد تأييدا لتصريحات كرم زهدي! ـ لا علاقة لي بالموضوع.. هذا شأن جانب منه خاص بأمور تنظيمية بالجماعة الإسلامية أنا غير معني بها وجانب فكري خاص بمراجعات أيضا مرتبطة بمراجعات الجماعة الإسلامية. والذين أدلوا بدلوهم إما انهم لهم صفة أو قيادات كبيرة أما أنا فليست لي صفة في الموضوع.

* لكنك اتهمت في قضية الجهاد وكنت واحدا من هذا الجيل فهل ترى السادات شهيدا؟

ـ ليس مهما ما أراه أنا أو غيري في مثل هذه الأمور الشائكة التي تتعلق بأمور جوهرية. المهم أن يتصدى أهل العلم لقضية الحاكمية بالفتوى أعني المؤهلين للفتوى، لكن المشكلة أن علماء كثيرين يحجمون عن التصدي بالفتوى في ما يتعلق بأمور الحكم والحكام. * في كتاب «حوارات ممنوعة» الذي صدر عام 1995 قلت انك ترى أن السادات يستحق القتل؟

ـ لا ينبغي أن نعطي صكوكا بالإسلام لغير المسلمين ولا نحكم بكفر مسلمين، وهذه أمور ينبغي أن ترد لأهل العلم والفتيا. نحن في حاجة إلى مجمع لعلماء المسلمين الثقات من مختلف الأوطان تكون مهمتهم إبداء الرأي والإفتاء في كل ما يغم على المسلمين، لكن ترك التصدي بالفتوى والرأي لأمور الدماء وعصمتها لمن هم دون المستوى أوردنا موارد التخبط والفوضى وما دمنا في مرحلة مراجعات فلنترك لأهل العلم قول المتفق عليه. شردنا أولا ولا ينبغي أن نشرد ثانية.

* لماذا هاجم كرم زهدي المحامين الإسلاميين؟

ـ اسأله هو.. ثم هو قال «بعض» ولم يهاجم الكل.

* أنت الذي كنت تروج للمبادرة؟

ـ أنا أديت دوري.. اسم الدور الذي كنت أؤديه ليس مشكلتي ولا يهمني في قليل أو كثير فقد عملت ما توجب علي عمله في ظروف صعبة كانت تتسم بالتعقيد والخطورة الشديدة وكنت أحتسب هذا عند الله عز وجل. كنت وما زلت خادما للإسلام والحركة الإسلامية ولمشايخنا. المهم لا توجد دنيا نتنافس عليها أو منزلة أو مغنم وإذا كانت الحكاية اختلافاً في وجهات النظر فهذا أمر محتمل وجائز.

* لكن بعض ابناء الحركة الاسلامية يتحدث عن انتهاء دورك؟

ـ الحكاية ليست حكاية دور ولو كنت أبحث عن دور كان سهلا أن أعزف على ما يرضي الناس لكني اخترت أن أقول ما اعتقده صوابا وفيه صالح الاسلام والمسلمين والبلاد والعباد وقد عرضني ذلك لانتقادات عنيفة في كثير من الأحيان، لكن ها هي الايام تثبت صواب توجهاتي ولكن مع هذا دعني أقول ان الذين يتحدثون عن انتهاء دوري إما مغرضون وإما لا يفهمون حقيقة دوري. فكما يعلم الكافة منذ تم إطلاق سراحي في قضية الجهاد أواخر عام 84 أنهيت كل علاقاتي التنظيمية وتفرغت للعمل الرسالي سواء من خلال المحاماة أو الإبداع الفكري لذلك كان استثناء أن أؤدي مهام قريبة من العمل التنظيمي حينما توليت الترويج لمبادرة الجماعة الإسلامية في يوليو 97 في ظل غياب كثير من قادتها وعناصرها الحركية داخل السجون أو خارج البلاد ولكن من الطبيعي أن ينتهي هذا الدور بعد إطلاق نخبة من قياداتها لأعود مرة أخرى لرسالتي الأساسية الفكرية والمهنية. وأسعى في الفترة المقبلة إلى بذل جهد لتقديم العون للمعتقلين داخل السجون المصرية والذين يحتاجون لمثل هذا الجهد والتأريخ لثلاثين عاما مضت في مؤلف أسميته «صفحات في تاريخ الحركة الإسلامية».