حارس عدي: كنت أكرهه.. لكن لم يكن بإمكاني تركه

ميكانيكي سياراته: كان حينما تعجبه سيارة في الشارع يرسل في جلبها إليه ويبادلها بإحدى سياراته التي ملّها

TT

تنمو الحشائش بين شقوق الرصيف الاسمنتي وتضرب الرياح الصيفية التي تهب من دجلة صناديق الخمور الفارغة في نادي الزوارق الذي كان المكان المفضل لعدي صدام حسين قبل ان يتحول الى مكان تنتشر فيه القمامة.

ويسير الحارس الشخصي السابق وسط حطام الزجاج، والمعادن الملتوية والمجلات واغطية الزجاجات المتناثرة لكي يعرض على كاتبة هذه السطور اين كان وباقي طاقم حراسة عدي يجلسون في مبنى صغير الى جوار الغرفة التي كان يجلس فيها كبار المطربين والمطربات يجلسون انتظارا لاستدعائهم لاداء وصلاتهم التي يمكن ان تستمر حتى الفجر.

ويؤكد الحارس الذي قضى 4 سنوات يعمل لحساب عدي وطلب عدم استخدام اسمه لانه يخشى من الانتقام من زملاء سابقين او معارضي النظام «بالطبع كنت اكرهه. ولكن لم يكن في امكاني تركه».

وكان عدي، 39 عاما، الابن الاكبر لصدام معروفا بولعه بالجنس والسيارات السريعة ومعاقرة الخمر والملابس الغالية والتعذيب والقتل.

وعلى الرغم من ان الكثيرين اعتقدوا انه من غير المرجح ان صدام سيختاره خليفة له بسبب شخصيته المتقلبة، فان عدي كان فعالا ورمزا مفيدا لسلطة الرعب التي يمثلها النظام. وقد قتل عدي مع شقيقه قصي عندما اقتحمت 200 من القوات الاميركية المنزل الذي كانا يختفيان فيه في الموصل في الشهر الماضي.

وقال الحارس الشخصي انه كان يشعر بالقرف من تصرفات عدي، واشار الى قفص من الارض حتى سقف الغرفة في ركن في مطبخ النادي، كانت توجد فيه مجموعة من القردة حيث كان عدي يحب مشاهدة الحيوانات له وهو يفض بكارة البنات.

غير ان هناك بعضا من بقايا التفاخر. فقبل فترة ليست بالطويلة، كان من رموز الحظوة القدرة على القول بأنك تعرف اين يجلس عدي وماذا يشرب ومتى يغضب.

وتكشف مقابلات مع اربعة اشخاص كانوا قريبين من عدي، بينهم مصوره الخاص وميكانيكي سياراته، عن لمحة من نفسية هؤلاء الذين اختاروا، او اضطروا للعمل مع اسرة صدام.

كان هؤلاء يقفون وراء الستار. وكانوا ينفذون الاعمال اليومية للنظام، والبعض يخيف بعض العراقيين الاقل حظا، وساهموا كلهم في تشكيل صورة القدرة المطلقة. كانوا اشخاصا لا يجرؤ احد على اغضابهم. وكان البعض منهم شريرا، والبعض مهووسا جنسيا والبعض الآخر مجرما، ولكنهم جميعا وقعوا فريسة لاغراء المال والسلطة.

وكان الحارس يعرف كل بوصة في النادي وكان يتصرف وكأنه المالك. واشار وهو يسير في انحاء الغرف التي تعرضت لسرقة كل شيء فيها حتى مفاتيح الاضاءة، الى اجهزة الصوت على شكل القرميد والى الحيطان المغطاة بالاخشاب في منطقة خاصة في البار حيث كان المطربون والمطربات يؤدون وصلاتهم، والرخام الذي يغطي الديوان، وهي الغرفة الوحيدة غير الغربية الطراز.

واشار الى ركن بالقرب من البار: «كان يعتاد الجلوس هنا». وكان مثله مثل جميع العاملين السابقين مع عدي نادرا ما يشير اليه بالاسم.

وذكر احد المصورين الثلاثة الخاصين بعدي الذي كان يسجل كل تحركاته «معظم الناس كانوا يريدون العمل معه. كان شخصية في غاية الاهمية، كانت شركاته تفتح آفاقا جديدة لك. كان من يعمل في شركاته يسافر هنا وهناك، ويحصل على فوائد، ويقيم في منتجعاته».

وقال المصور انه كان يفعل ذلك من اجل المال، وطلب، مثل الحارس الخاص، عدم الاشارة الى اسمه الحقيقي خوفا من الانتقام.

تجدر الاشارة الى ان كلا من افراد هذه المجموعة التي كانت تعمل مع عدي لم تعرف باجراء مقابلات مع باقي افراد المجموعة، كما رفض واحد منهم نشر مقابلاته.

وبالنسبة للحارس الشخصي، لم يرجع الامر الى فوائد مالية، بقدر ما هو مزيد من التورط مع عدي.

وطبقا لما ذكره، فانه كان قريبا دائما من عدي، حيث كان يعمل لمدة 24 ساعة متواصلة. وكانت وظيفته هي اجبار المطربين والمطربات الذين يغنون في نادي اليخوت على احتساء نصف لتر من «كوكتيل» من الخمور نسبة الكحول فيها 90% وممزوج بالمخدرات.

واضاف الحارس «كنت اجبر كل الفنانين على الوقوف امام الحائط، مشيرا الى ركن في الكاراج. وامسك بعصا، والتقط فرعا مرنا من شجرة يحدث صوتا عندما يضربه في الهواء. وكنت اقول: اشربوا، اشربوا، امامكم عشر دقائق، واذا ولم يشرب احد منهم، اضربه بالعصا».

واضاف الحارس انه اذا رفض المطرب كنا نضربهم «علقة شوارع» اي عدم الاقتراب من وجوههم ولكن نضربهم في اماكن اخرى بحيث لا يمكنهم الوقوف.

واوضح الحارس ان اسوأ «العلق» كانت تحدث عندما يكون عدي موجودا.

سألته «هل ضربت احدا امام عدي؟» فاجاب «نعم نعم، فعلت ذلك امامه، لقد فعلت الكثير. وفي بعض الاحيان كانت اقدامهم تنكسر».

وعندما سألته عن مشاعره عندما كان يضربهم؟ لمعت عيناه كما يحدث دائما كلما وجه اليه سؤال عن مشاعره، وقال «يتوقف الزمن. لم اكن افكر في شيء، احاول النسيان».

وأشار الى انه ربما كان يشارك في مائة علقة سنويا، بمعدل مرتين في الاسبوع. وعلى الرغم من ذلك فان عدي عاقبه في عدة حالات ـ واهانه لتأخره في حلق شعره، وألقاه مرة في السجن لتجرئه على تقديم استقالته. ويبدو ان العلاقة تعتمد على تداخل اثارة مشاعر الخوف في الآخرين والخوف من التعرض للعقاب.

وعبر مصور عدي عن مشاعر مماثلة، وقال انه كثيرا ما كان يقول الحقيقة لعدي لانه كان يخاف انه اذا لم يفعل، فان شخصا آخر سيبلغه، وبالتالي سيتعرض للعقاب وقال انه «شعر بالغضب لما حدث للمغنيين، ولكن ماذا يمكنه القيام به؟ اذا سألني ما اذا كان المغني قد سكر ام لا. لا استطيع الكذب لانه سيعاقبني». واضاف انه عندما كان يعود الى منزله كل ليلة بعد واحدة من تلك الحفلات، كان يفكر في الاستقالة، ولا سيما عندما شاهد احد اصدقاء عدي يموت من كمية الخمور التي اجبر على شربها.

واضاف المصور «كلما وضعت رأسي على الوسادة، كنت افكر في العمل مع شخص آخر. ولكني لم استطع، لانه كان يدفع مرتبا جيدا للغاية، 50 الف دينار يوميا (25 دولارا) ولم استطع الحصول على مثل هذا الاجر في اي مكان آخر لعدم وجود الكثير من الوظائف الاخرى»، واختلف مع الحارس والآخرين حول ما اذا كان من الممكن الاستقالة من العمل مع عدي. وتشير رواياتهم الى ان عدي كان يشعر بالاهانة والقلق من اي شخص يريد الاستقالة. وكانت استقالاتهم ترفض دائما، بل كانوا يتعرضون للعقاب في بعض الاحيان. الا ان وجهة نظر المصور تثير سؤالا عما اذا كانت هناك وسائل اخرى اذا رغب الناس في التخلي عن مستويات معيشة معينة او في حالات متطرفة الهرب من البلاد.

وقال المصور الذي ادعى ان كل ما كان على الناس ذكره هو القول لعدي انهم لا يريدون العمل معه «اي شخص يقول لك انه لم يستطع ترك وظيفته هو كاذب» لم يكن الامر معقدا.

وهو عاطل عن العمل الآن. وتمكن من الحصول على بعض الدخل، من بيع نسخ من صور لاسرة صدام حسين لوكالات الانباء الاجنبية.

وكان عدي يشتهر بحبه الشديد للسيارات السريعة ـ بعضها في غاية الندرة ـ وكان يحتفظ بحوالي 300 سيارة في كراجاته. البعض منها اشتراها، والبعض الآخر مسروق، ولكن في العديد من الحالات تعرض ملاكها لضغوط لتقديمها اليه.

وكانت هناك بعض السيارات العادية مثل «المرسيدس» و«بي. ام. دبليو»، ولكن بالاضافة الى ذلك كانت توجد سيارات من طراز «فيراري» و«جاكوار» و«لمبورجيني» و«رولز رويس». وتولت الاشراف على هذه السيارات مجموعة من 15 شخصا.

وكان سالم قاسم واحدا من العديد من الميكانيكيين الرئيسيين لعدي وهو يمتلك خبرة كبيرة في اصلاح السيارات وصناعتها. وهو رجل قصير القامة مفتول العضلات، عمل في المخابرات، عندما كان في الحادية والعشرين من عمره، بعدما تم ترشيحه للعمل في قسم السيارات من قبل اتحاد الطلاب العراقي، وهي منظمة بعثية كان عضوا فيها.

وكان اختصاصه في الأجهزة الكهربائية لكنه يعرف أيضا كيف يصنع هياكل السيارات واعادة صنع أنظمتها الهيدروليكية. وكان فخورا بارضاء طلبات عدي للحصول على سيارات لها أجزاء داخلية حديثة مع هياكل قديمة.

حينما يريد عدي سيارة ما ليس هناك شيء يقف في وجهه. قال قاسم متذكرا «أحيانا كان يرى سيارة أثناء سياقته فيقع في حبها ثم يقوم بدعوتنا ليقول لنا: شاهدت سيارة بهذه المواصفات في المنطقة الفلانية». آنذاك سيقوم قاسم بالعثور على السيارة وصاحبها، «فنخبره بأن عدي يريد هذه السيارة، وأحيانا نقول ان هناك شخصا مهما يريد هذه السيارة». وعادة يقدم قاسم اما نقودا أو احدى سيارات عدي التي فقدت حبه. لكن التبادل التجاري لا يبدو متكافئا فقبل وقوع الحرب الأخيرة بعدة أشهر شاهد عدي سيارتين من ماركة «بي. ام. دبليو» المخصصة للطرق الوعرة، وفي المقابل عرض هو بديلا لصاحبهما سيارتي «نيسان سافاري».

لا بد أنه جزء من المعايير الأخلاقية التي كان النظام السابق يتبعها بحيث أن قاسم لا يجد أي غضاضة في ذلك أو في أعمال سرقة السيارات أو أي شيء آخر من الكويت بعد حرب الخليج الثانية سنة 1991. هز قاسم كتفيه لامباليا: «طبعا سرِقت سيارات من الكويت» ثم أضاف مبتسما: «هل هناك شيء تُرك في الكويت بعد الحرب».

ولم تكن النقود أكبر مكافأة لعمل قاسم ـ كان راتبه الشهري 116 ألف دينار وهو ما يعادل أقل من 100 دولار حاليا ـ بل منح فرصة السفر الى الخارج. فقد ارسل للتدرب على اصلاح سيارات «كاديلاك» في تورنتو بكندا وسيارات «رولز رويس» في برمنغهام في انجلترا وسيارات «مرسيدس» في ألمانيا وسيارات «لمبورجيني» في بلدة صغيرة بالقرب من بولونيا في ايطاليا.

لكنه قال انه أكثر سعادة الآن. فعدي منعه من العمل في ورشته الا بعد ساعات العمل الوظيفي لكن هذه الساعات غير موجودة على أرض الواقع. وقال قاسم: «الحرية أحلى بكثير ـ أنا أستطيع أن أنهض صباحا وأن أقرر ما أريد القيام به: أن أحلق أم لا أحلق لحيتي; واذا كان واحد من عائلتي مريضا أستطيع البقاء في البيت معه، فأنا لن أحتاج في هذه الحال طلب اذن بذلك».

وعبّر كل الذين تم اجراء مقابلات معهم ممن عملوا مع عدي عن ندمهم لاشتغالهم لصالحه، لكن بالنسبة لقاسم والمصور هناك خيط من الشعور بالامتياز لقيامهما بذلك. وعلى العكس من ذلك كانت حال الحارس الشخصي الذي كان على دراية بأنه قام بخطأ لا يمكن تصحيحه وهو قادر الآن أن يتحدث عن نفسه بموضوعية شديدة. وقال انه حتى قبل أن يبدأ عمله لصالح عدي لاحظ وقوع تغيير في نفسيته. وحدث ذلك في منتصف التسعينات بعد أن كان يعمل ضمن قوة شرطة خاصة لعدة سنوات وترقى في عمله بسرعة بحيث أنه عمل ضمن موكب سيارات صدام. وكان يُدفع له أجر ضئيل لقاء عمله، وفي المقابل كان هناك دائما وعد بحصوله على سيارة كاكرامية لم تتحقق أبدا. وفي منتصف التسعينات عانى العراق من أزمة اقتصادية حادة بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليه وأصبحت معدلات التضخم مستعرة. «خلال تلك الفترة بدأ الناس الذين يعملون لصالح النظام بالتغير. فالناس بدأوا بالاستفادة من مواقعهم لمساعدة الناس وجرّاء ذلك كانوا يحصلون على مكافآت منهم».

وفي سنة 1998 وبعد محاولة اغتيال عدي طُرد جميع حراسه الشخصيين. وبعد فترة قصيرة تم استدعاؤه الى مكتب مخصص فقط لاجراء التحقيق مع الناس. وما زال هذا الحارس السابق لعدي يتذكر ما قاله رئيس المخابرات له خلال الاستجواب: «قالوا انك تعمل من أجل صدام حسين. هل أنت مستعد لحماية عدي صدام حسين؟». «أجبت بالايجاب، لأني لو قلت لا فإنهم سيعتبرونني هاربا من الجيش والله يعلم أي عقوبة ستلحقني: السجن المؤبد والضرب». وأضاف هذا الشخص: «لا أحد كان يريد العمل مع عدي. فهو رجل غيور وهو ليس مجنونا فقط بل رجل منحرف. بدا ذلك اليوم بالنسبة لي كأنه نهاية العالم».

ولكنه اجبر نفسه على القيام بما يطلب منه. كان يعيش في ضبابية، يعمل في كثير من الاحيان لمدة يومين او ثلاثة بلا نوم، واصبح المستحيل ممكنا. ولم يخبر زوجته على الاطلاق بما يفعل، ولكن عندما كان يعاقبه صدام، كان من الصعب اخفاء الامر لانه كان يعود للمنزل حليق الرأس او يحتجز في السجن لعدة ايام. ولم يشاهد ابنه الاول كثيرا لانه كان يبذل جهدا كبيرا في العمل.

وقال الحارس الشخصي انه بقي على اتصال بعدي حتى اوائل ابريل (نيسان) الماضي عندما حاول الاميركيون قتل صدام وولديه خلال اجتماعهم في منزل آمن في حي المنصور الفاخر.

والآن فان الوقت يمضي بتثاقل، خاليا مثل الصحراء التي هربت اليها اسرة صدام. ويعيش هذا الحارس السابق وزوجته وابنه مع والده، حيث علاقته به لا يسودها الوئام. اما امه فقد ذهبت الى السويد حيث تعيش شقيقته. وهو يعلم ان ادارة التحالف لن تمنحه وظيفة كما لن يحصل على وظيفة في واحدة من الوزارات التي اعيد تنظيمها بسبب عمله السابق. ولكنه تدرب كحارس خاص، ولا يمكنه التفكير في اي عمل آخر. وحلمه هو الحصول علي تأشيرة للذهاب الى السويد والاقامة هناك.

وقال انه اذا اراد العمل، فعليه «قلب صفحة كبيرة. لقد ضاعت 11 سنة. ولا استطيع النوم قبل الرابعة او الرابعة والنصف صباحا. لقد اصبح الامر اسوأ مما كان عليه عندما كنت اعمل مع عدي. انا خائف، خائف من قول شخص ما: كان يعمل كحارس شخصي لعدي».

لماذا حكى قصته؟ لم يتردد في الاجابة. قال «لانني اريد لابني ان يعيش حياة هادئة بسيطة بحيث يمكنه ان يصبح شخصا جيدا ومفيدا للمجتمع. انا على استعداد للعمل، للقيام بأي شيء لأتمكن من تربية ابني. وسأتكلم واتكلم عن ذلك لانني كرهته (عدي) كثيرا».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»