مناظرة في معهد «إنتربرايز» اليميني بواشنطن: هل تحولت أميركا إلى إمبراطورية؟

باحثان بارزان يتواجهان حول الانتشار الأميركي في الخارج ومقارنته بالإمبراطورية البريطانية السابقة.

TT

نظم معهد «أميركان انتربرايز انستيتيوت» اليميني بواشنطن، الاسبوع الماضي، ندوة تواجه فيها باحثان بارزان حول فكرة ما اذا كانت الولايات المتحدة قد صارت «امبراطورية» بسبب زيادة هيمنتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية في العالم. ووقت انعقاد الندوة، تجمع بعض المتظاهرين خارج مبنى المعهد، رافعين لافتات تنتقد تصرف الرئيس جورج بوش «الامبراطور»، وتتهم المعهد نفسه قائلة انه يقف وراء فكرة الامبراطورية الاميركية، حتى قبل هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

خلال الندوة، دافع الدكتور نيل فيرغسون، الاستاذ بجامعة نيويورك ومؤلف كتاب «الامبراطورية: نهوض وسقوط النظام البريطاني العالمي»، عن فكرته بأن أميركا تتجه نحو التحول الى امبراطورية حقيقية، قد تكون شبيهة بالامبراطورية البريطانية. وعلى الجانب الآخر، رأى الدكتور روبرت كاجان، الخبير في «مركز كارنجي للسلام» بواشنطن ومؤلف كتاب: «أميركا وأوروبا في النظام العالمي الجديد»، انه لا يمكن لأميركا ان تصبح امبراطورية، لأن الأميركيين لا يؤمنون باحتلال الدول الاخرى، وانما يريدون نشر المبادئ والثقافة الأميركية بدون احتلال عسكري. وهذه مقتطفات من المواجهة، بتصرف:

فيرغسون: يقول المثل الأميركي ان «الطائر الذي يمشي مثل البطة، ويصيح مثل البطة، لا بد ان يكون بطة». اميركا تحارب وتسيطر مثل الامبراطورية، وقواتها تنتشر في كل مكان مثل قوات الامبراطورية، ولهذا ستكون امبراطورية، لكن المشكلة ان الأميركيين لا يريدون الاعتراف بذلك لأنهم لا يريدون تحمل مسؤولية ذلك، أي صرف دولاراتهم، والتضحية بأرواحهم.

كاجان: نحن لسنا مثل البريطانيين الذين لا يزالون ينشدون الحكم البريطاني السابق، ولا يوجد شاعر أميركي قال: «رحب ملوك الهند بملكتنا، ووضعوا سيوفهم تحت قدميها، فابتسمت لهم ابتسامة القبول، ومهدت لاربعة ملوك مسيحيين بعدها». الأميركيون، بل وكل العالم، لا يريدون حتى ان يتذكروا الامبراطوريات السابقة، ناهيك من ان يؤسسوا واحدة جديدة.

فيرغسون: لا يوجد شاعر اميركي مجد الامبراطورية الأميركية، لكن ماذا عن نشيد مدرسي يمكن ان يكون كالآتي: «أنا دولة عظمى، أنا لست دولة استعمارية، انا لست امبراطورية». الأميركيون يستعملون اوصافا مثل «دولة عظمى» و«دولة قوية» و«سيدة العالم الحر»، لكنهم لا يريدون استعمال وصف «امبراطورية». اليسوا هم الذين وصفوا الاتحاد السوفياتي بأنه «امبراطورية الشر»، اعتقادا بأنهم «امبراطورية الخير»؟

كاجان: باعتراف البريطانيين انفسهم، الامبراطورية البريطانية انهارت لأنها كانت تستجيب لمطالب الشعوب المستعمرة التي تريد الحرية. وهذا معناه ان الاستعمار والحرية نقيضان. ولهذا يفضل الأميركيون ألا يسيروا على خطى البريطانيين لأنهم يعرفون، مسبقا، انهم لا يمكنهم ان يستعمروا، وانما ينشرون الحرية والعدالة وسط الشعوب الاخرى.

احتلال العراق فيرغسون: كيف يغزو الأميركيون العراق ويحتلونه، ثم يقولون انهم لا يريدون تأسيس امبراطورية؟ الأميركيون يقولون: «لا نريد استعمار العراق، لكننا نريد تأسيس الديمقراطية فيه». البريطانيون ايضاً كانوا يقولون نفس الشيء، والمكتشف البريطاني ديفيد لفنغستون قال في ادغال افريقيا انه يريد نشر ثلاثة اشياء هي: المسيحية، والتجارة، والحضارة. والجنرال البريطاني مود، الذي احتل العراق خلال الحرب العالمية الاولى، قال لأهل بغداد: «ما جئناكم غزاة، ولكن جئناكم محررين».

كاجان: ربما كانت الامبراطورية البريطانية تريد نشر الحضارة والمسيحية والتجارة في دول العالم الثالث، لكنها كانت امبراطورية انتهازية واستغلالية. ونحن لا نريد السير على خطاها، ولا نريد ان نحول الدول الخضراء التى دخلناها الى صحارى قاحلة، وانما نريد ان نحول الصحاري التي دخلناها الى خضرة.

50 تريليون دولار فيرغسون: الأميركيون ينكرون ان بلدهم امبراطورية لأنهم لا يريدون صرف دولاراتهم لنهضة الشعوب التي تحتاج لمساعدتهم. لكنهم، لو كانوا مخلصين، فانهم قادرون على تقديم عشرات المليارات من الدولارات. انهم، في الوقت الحاضر، يصرفون ثلث ما يصرفه الأوروبيون لمساعدة شعوب العالم الثالث، رغم ان قوة الاقتصاد الأميركي تبلغ 50 تريليون دولار تقريبا. وبسبب هذه النقطة، وهي ان الأميركيين لا يريدون التضحية بارواحهم في سبيل الامبراطورية، فاننا نسمع شكاوى جنودهم في العراق، وشكاوى زوجات وصديقات جنودهم في أميركا. لكننا لا نسمع أي شكوى او تذمر من الجنود البريطانيين في البصرة.

كاجان: شكاوى الجنود الأميركيين، ورغبتهم في العودة الى أميركا شيء طبيعي ومفهوم، ولا اعتقد ان الجنود الأميركيين والبريطانيين الذين اشتركوا في الحرب العالمية الثانية كانوا يرفضون العودة الى عائلاتهم. الحرب ليست شيئا سهلا، وليست نزهة او رحلة سياحية الى بلاد بعيدة وغريبة. الحرب قاسية، وفيها قتل ودم وعذاب، لكنني متأكد ان الجنود الأميركيين والبريطانيين في العراق مستعدون للقيام بواجباتهم العسكرية.

رواندا والفلبين فيرغسون: الأميركيون تحمسوا، وأرسلوا قواتهم الى الفلبين لمحاربة الارهابيين، وضغطوا على حكومة الفلبين، رغم المعوقات الدستورية، لتسمح لهم بمشاركتها في الحرب ضد الارهاب. لكنهم رفضوا الذهاب الى رواندا، وقالوا انهم لا يريدون الخوض في وحل أفريقيا الوسطى. معنى هذا ان الأميركيين يحددون مبادئهم حسب مصالحهم.

كاجان: اسهل شيء هو اعلان مبدأ معين، لكن اصعب شيء هو تنفيذه، لأن التدخل العسكري في الدول الاخرى ليس سياحة، ولا بد من برنامج لانهاء التدخل قبل بدايته. نحن الآن تدخلنا في العراق، لكننا لا نعرف متى سنخرج منه، ولا نعرف هل سنبقى 5 او 10 سنوات؟

فيرغسون: هناك التدخلات الأميركية في ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، ولا بد ان الأميركيين استفادوا من دروسها.

كاجان: هل معنى هذا انك تقترح ان تبقى القوات الأميركية في العراق لعشرين او ثلاثين سنة، حتى يصبح العراق ديمقراطيا، ومستقرا، رغم استمرار الحرب والمقاومة؟

فيرغسون: في المانيا واليابان اعلنت القوات الأميركية نهاية الاحتلال العسكري بعد خمس او سبع سنوات، ثم بقيت في قواعد عسكرية كجزء من خطة استراتيجية لمواجهة المعسكر الشيوعي.

كاجان: هل معنى هذا ان القوات الأميركية في ألمانيا واليابان كانت قوات استعمارية امبراطورية، رغم انها اشرفت على اعادة بناء البلدين، وعلى تحويلهما الى قوتين اقتصاديتين من الدرجة الأولى؟

فيرغسون: القوات الأميركية بقيت في ألمانيا واليابان لمواجهة امبراطورية منافسة، هي الامبراطورية السوفياتية. كاجان: هل تنكر ان الأوروبيين هم الذين ناشدوا قواتنا لتبقى في بلادهم لأنهم كانوا يخافون من الغزو السوفياتي؟

فيرغسون: نعم ناشد الأوروبيون الأميركيين ليبقوا، والأميركيون بقوا لسبب آخر هو الخوف من سيطرة الامبراطورية السوفياتية على غرب أوروبا، لأن هذا، اذا حدث، كان معناه اضعاف الامبراطورية الأميركية.

كاجان: وهل معنى هذا ان مجرد وجود القوات الأميركية في ألمانيا كان عملا امبراطوريا؟ او ان هناك مواصفات اخرى للامبراطورية؟

حرب الإرهاب فيرغسون: في الوقت الحاضر يريد الأميركيون محاربة الارهاب، وتوسيع اقتصاد السوق الحر، وغزو الدول، والتخلص من حكامها، وتأسيس حكومات جديدة. وهذه كلها نشاطات امبراطورية، مثل التي كانت تفعلها الامبراطورية البريطانية في القرن التاسع عشر.

كاجان: وماذا عن الاتحاد الأوروبي؟ هل نستطيع القول انه نواة امبراطورية أوروبية، وانه يريد ان ينافسنا، ويصبح امبراطورية مثلنا، هذا اذا اقتنعنا باننا امبراطورية. لا مانع ان يحاول الاتحاد الاوروبي نشر حضارته وتجارته في بقية العالم، لكن هذا ليس معناه انه سيكون امبراطورية. ونفس الشيء مع الولايات المتحدة. كلمة امبراطورية يجب ألا يكون معناها نشر التجارة ومبادئ الحرية والعدل.

فيرغسون: نعم، هناك احتمال ان يتحول الاتحاد الأوروبي في المستقبل البعيد الى امبراطورية، لكن هذا احتمال نظري. وهناك نقطة اخرى، هي ان الاتحاد الأوروبي لا يرسل قواته شرقا وغربا لاحتلال هذه الدول او تلك. انه يرى ان نشر تجارته وحريته وثقافته لا يحتاج الى غزو وتدخل واحتلال مثلما يفعل الأميركيون، أي لا يحتاج الى امبراطورية.