عراقيون يعتقدون بأن حجرا سحريا في سلسلة يعلقها صدام حول رقبته سيجنبه الوقوع في قبضة الأميركيين

خبير في جامعة بغداد: الشعب العراقي بات ضحية للشعوذة بسبب ولع النظام المخلوع بها والعزلة والقهر السياسي

TT

فيما تواصل القوات الاميركية بحثها عن الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، يعتقد الكثير من العراقيين أن رئيسهم السابق لن يقع في قبضة الاميركيين، كما يعتقد هؤلاء ايضا ان الحيل والخدع التي يستخدمها ستحميه من التعرض لأي أذى. وقد كان صدام حسين والمقربون منه مغرمين بالسحر والدجل، وكان عدي، نجل صدام، قد ناشد من خلال القناة التلفزيونية التي كان يملكها، من يملكون قوى خارقة وقدرات لها صلة بالسحر بالتقدم الى خدمة الاسرة الحاكمة.

وفي دولة مثل العراق، حيث اسفرت عقود من العزلة والقهر عن انقطاع السكان تماما عن أي صلة بالعالم الخارجي، بات الايمان بالسحر والقوى الخارقة امرا شائعا، اذ ان العراقيين يذهبون على نحو منتظم الى العرافين بغرض العثور على سيارة مسروقة او علاج مرض نفسي. ويعتقد الكثيرون بأن صدام حسين حجب نفسه داخل عالم السحر والشعوذة والعرافين. ويقول قاسم علي، وهو فني كهرباء من بغداد، ان صدام حسين لم يكن يقدم على أي خطوة الا بعد التشاور مع مستشاري السحر، ويعرب علي عن اعتقاده بأن صدام يصطحب الآن اثنين او ثلاثة من هؤلاء. ويقول علي مهدي، زميل قاسم علي، ان صدام جلب السحرة من الصين واليابان لأنه كان في حاجة الى مختصين. ويصر مهدي على ان صدام لن يصاب بأذى او اضرار بسبب هذه القوى الخارقة. هذا الاعتقاد الشائع بين الكثيرين في بغداد ساهم في تعزيز أجواء الخوف وعدم الثقة التي تعرقل محاولات قوات التحالف في اعادة بناء العراق. ويعترف قادة التحالف ان العامل الرئيسي في اقناع العراقيين بأن نظام صدام انتهى تماما ولن يعود مرة اخرى يتمثل في قتل او اعتقال الرئيس المخلوع. والاعتقاد السائد في بغداد الآن هو ان صدام كان يرتدي سلسالا به حجر سحري حول عنقه كان يقيه من رصاص محاولات الاغتيال. ويقول مواطن عراقي آخر ان قصة الحجر السحري حقيقة، مؤكدا ان صدام وضعه على سبيل التجربة على دجاجة ثم على بقرة وكان الرصاص بالفعل يبتعد عنهما مما يؤكد فعاليته في الوقاية من الرصاص. ويبدو ان الاعتقاد بالسحر كان امرا شائعا ومنتشرا وسط رموز النظام العراقي السابق. فقد جلب عزت ابراهيم الدوري، نائب صدام، مجموعة من العرافين والسحرة الذين يزعم انهم قادرون على التكهن بالمستقبل ومعالجة الامراض بالسحر من المقاطعة التي يتحدر منها واسكنهم في العاصمة بغداد. ويقال ان بعض السحرة كانوا يستخدمون في تسلية عدي بالظهور في مشاهد تلفزيونية وهم يطعنون انفسهم بالسيوف واطلاق النار على اجسادهم لكنهم لا يتعرضون لأي اصابة او اذى. وكانت هذه المشاهد قد عرضت في التلفزيون بعد يوم من مقتل عدي وشقيقه قصي بمدينة الموصل داخل الفيلا التي كانوا يختبئون داخلها. وجلس بعض العراقيين في مقهى بأحد شوارع العاصمة العراقية بغرض متابعة هذا المشهد وقالوا انهم يعتقدون ان ما يعرض امامهم حقيقي رغم الخدع الواضحة في كل المشاهد خصوصا أن اللقطات لم تكن من مسافة قريبة. وساهمت شبكات المخبرين الواسعة التي كانت تعمل لمصلحة النظام السابق التي كانت تسمح لسلطات النظام بمعرفة أي مخطط مسبقا، ساهمت ايضا في الاعتقاد في القوى الخارقة للنظام المخلوع. ومن السحرة الذين عملوا على رعاية النظام السابق شخص يدعى ابو علي، وهو شخص قصير القامة وصاحب ابتسامة جاهزة ومعروف بأنه يعتمد في عيشه على استدعاء الجن من اجل استعادة اشياء مسروقة او رفع اللعنة عن احد الاشخاص. وقال ابو علي ان عدي وحراسه سهروا في حفل حتى الساعات الاولى من الفجر ثم ناموا مخمورين، لكنهم عندما استيقظوا اكتشفوا ان شخصا سرق كل الاموال التي كانت في جيوبهم. وبعث عدي بشخص الى ابو علي للمساعدة في استرداد الاموال المسروقة وتعرف بالفعل على السارق وقيل ان عدي عاقبه، الا ان ابو علي لا يعرف على وجه التحديد العقوبة التي انزلها عدي باللص.

وبالاضافة الى تعقب اللص التعيس الحظ، ساهم ابو علي، حسبما زعم، في رفع اللعنة عن سيدة تجمعها صلة قرابة مع عبد حميد محمود التكريتي، احد اقرباء صدام حسين وسكرتيره. الا ان افرادا تابعين لواحد من اجهزة الامن العراقية جاءوا الى منزل ابو علي فيما بعد واتهموه بأنه يعمل على استخدام سحره ضد صدام، لكنه اقنعهم لا يمكن ان يقدم على مثل هذه الاشياء. وانتقاما من الجارة التي ألبت عليه افراد الامن، قال ابو علي انه دبر لها ما يطلق عليه في لغة الشعوذة «عملا» مما اسفر عن اصابتها بالشلل نتيجة جلطة في الدماغ. ويقول الحارث حسين، اخصائي علم النفس بجامعة بغداد، انه قضى عدة سنوات محاولا القضاء على مثل هذه الخرافات الا ان الميزانية التي كان يخصصها النظام السابق، الذي يؤمن بالدجل والخرافة، للقسم الذي يعمل به حسين لم تكن كافية. وقال حسين ان الشعب العراقي بات عرضة لمثل هذه الاساطير خلال السنوات التي كان معزولا فيها عن العالم بسبب القهر القاسي الذي كان المتنفس الوحيد خلاله هو الدين والسحر والشعوذة في بلد كانت قيادته تؤمن بالسحر والقوى الخارقة. ويتكون ثلثا مرضى حسين من اشخاص كانوا يترددون على المشعوذين بغرض اخراج الجن والارواح الشريرة من داخلهم بالقراءة وكانوا كثيرا ما يتعرضون للضرب المبرح بواسطة المشعوذ نفسه محاولا تخليصهم، كما يزعم، من الجن. وفي ظل مثل هذا المناخ نجحت اساطير قوى صدام الخارقة في البقاء حتى بعد سقوط نظامه بل ساهمت في مناخ الخوف الذي لا يزال يعرقل عمليات اعادة البناء. وعلق خالد محمد، الذي يعمل في شراء وبيع السيارات المستعملة وهو من مؤيدي الرئيس العراقي المخلوع، ان العراقيين عندما كانوا يقفزون على تمثال صدام عند اسقاطه في ساحة الفردوس يوم سقوط بغداد جاء طفل وقبل رأس التمثال، اذ يعتقد محمد ان هذا الطفل لم يكن سوى ملاك. ولكن يبدو ان هذه القوى الخارقة لم تساعد قصي وعدي او عبد حميد، كما ان حظ صدام الاسطوري بات محل شك لدى بعض ممارسي السحر. فقد رد ابو علي على سؤال حول ما اذا سيعتقل صدام حسين: «صدام سيعتقل... ادرك ان لديه حجرا سحريا يقيه من الرصاص، لكنه سيعتقل».

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»