مسؤولون استخباراتيون: حنبلي اعتقل بسبب معلومات من جيران متشككين ومكالمات رصدتها الاستخبارات الأميركية

TT

كشف مسؤولون في اجهزة الأمن ان معلومات ادلى بها جيران متشككون وتتبع مكالمات هاتفية، كانت عوامل مباشرة وراء إلقاء القبض على رضوان عصام الدين، المعروف باسم حنبلي الذي تعتبره عدة اجهزة استخباراتية ابرز مخططي شبكة «القاعدة» في منطقة جنوب شرقي آسيا.

وأوضح مسؤولون أمنيون في العاصمة التايلندية ان حوالي 12 فردا من اجهزة الأمن يرتدون ملابس مدنية دخلوا الشقة رقم 601 في مبنى بمدينة تقع الى الشمال من العاصمة بانكوك بشكل فاجأ الاصولي الاندونيسي وزوجته. وكان بحوزة حنبلي مسدس، الا ان عملية المداهمة المفاجئة لم تسمح له باستخدامه، طبقا لتصريحات رجال الأمن.

وكانت اجهزة الأمن التايلندية بمساعدة من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. ايه) قد عثرت على حنبلي بمدينة ايوثايا (45 ميل شمال بانكوك) اثر رصد مكالمة هاتفية اجراها من هناك واثر معلومات من مسلمين تايلنديين ارتابوا في امر حنبلي الذي كان يتردد على المسجد المحلي ومقهى للانترنت ولا يتحدث اللغة التايلندية.

كان حنبلي، الذي يعتبر قياديا بارزا في «الجماعة الاسلامية» المقربة من «القاعدة»، هدفا لحملة تفتيش واسعة شملت منطقة جنوب شرقي آسيا، اذ يعتقد مسؤولون انهم لعب دورا مهما في الهجوم الذي اوقع 202 قتيل في جزيرة بالي الاندونيسية العام الماضي. وتمكن حنبلي فيما يبدو من عبور حدود كل من ماليزيا وكمبوديا وبورما وتايلند العام الماضي، كما انه افلت من قبضة السلطات في احدى هذه الدول قبل اقل من يوم واحد من مداهمة المكان الذي كان مقيما فيه.

وعلى الرغم من النجاح الذي حققته الاجهزة الاستخباراتية باعتقال حنبلي، فان الطبيعة الجغرافية للمنطقة والتفاوت في السلطة والكفاءة وسط حكومات دول المنطقة يعقد من عملية مكافحة الارهاب. فدول المنطقة تفصل بينها حدود عبارة عن جبال واحراش وانهار وبحار، اذ ان السكان ظلوا على مدى عقود يعبرون هذه الحدود باتجاه دول اخرى في المنطقة دون اعتبار يذكر للقيود الرسمية التي تنظم عبورها. كما ان بعض الدول اكثر صرامة من دول اخرى في الإجراءات المتعلقة بعبور الحدود. اما تايلند، التي ظلت تبذل جهودا متواصلة من اجل السيطرة على تهريب الاسلحة والمخدرات، فقد ظلت تجتذب الهاربين.

وطبقا لتصريحات مسؤولين في اجهزة الاستخبارات، فإن حنبلي ظل هاربا منذ ديسمبر (كانون الأول) 2001 اثر الحملة المتشددة التي شنتها سنغافورة على المتشددين الاصوليين واعتقلت اثرها 15 مشتبها فيه. وفي يناير (كانون الثاني) 2002 دخل حنبلي تايلند عبر حدودها الجنوبية مع ماليزيا، وكشف مسؤول أمني انه ظل يتنقل من مكان الى آخر دون ان يمكث كثيرا في أي من المواقع التي يتنقل اليها. واضاف المسؤول ان حنبلي شوهد في اربعة او خمسة من الاماكن التي تردد عليها في بانكوك.

وكشف مستشار لرئيس الوزراء الكمبودي هون سين ان حنبلي اقام خلال الفترة من سبتمبر (أيلول) حتى مارس (آذار) من عام 2002 وسط مسلمين في العاصمة بنوم بنه واقام في بيت ضيافة يقبل عليه عادة المسافرون الذين يبحثون عن اماكن للسكن بتكلفة قليلة. وعلمت السلطات ان حنبلي اقام في هذا المكان عقب إلقاء القبض على ثلاثة اشخاص كان يشتبه في انتمائهم الى «الجماعة الاسلامية».

وقال محللون أمنيون في المنطقة ان سلطات الشرطة تعتقد من جانبها ان حنبلي دخل تايلند مجددا قبل حوالي اسبوعين بعد ان غادر ماليزيا على متن قارب باتجاه بورما قبل ان يتوجه نحو الحدود التايلندية. كما يعتقد ان يكون حنبلي استخدم جواز سفر مزورا للعبور الى ماي ساي في تايلند من موقع قريب من لاوس عند الحدود مع بورما، حيث يوجد جسر للمشاة فوق نهر صغير على الحدود ين البلدين. ويقول محللون أمنيون ان التدقيق على عبور هذه الحدود اقل مستوى مقارنة بالحدود الجنوبية مع ماليزيا حيث ظلت تايلند خلال العام الماضي تكثف اجراءاتها الأمنية بغرض منع دخول متشددين اليها.

واشار محللون آخرون الى ان حنبلي حاول اللجوء الى تشيانغ ماي شمال تايلند، حيث يعيش عدد كبير من السكان المسلمين، ثم قضى بضعة ايام بمدينة ناخون ساوان على الطريق السريع الى بانكوك. وعلى مسافة ساعين الى الجنوب توجد ايوثايا، عاصمة تايلند القديمة المشهورة بمعابدها البوذية التي نهبها واحرقها البورميون عام 1767.

وفي ايوثايا انتقل حنبلي وزوجته الماليزية نور الوضاح لي الى شقة صغيرة في مبنى يضم عدة شقق سكنية، وكان يدفع ايجارا شهريا يعادل 75 دولارا اميركيا لصاحبة الشقة التي ابلغها بأنه سيقيم لبضعة اشهر فقط. ويعتقد مسؤولون ان حنبلي كان في انتظار جواز سفر أوروبي مزور.

يقول جيران حنبلي انه كان يرتدي باستمرار سروالاً قصيراً (شورت) و«تي شيرت» حتى يبدو مختلفا تماما عن الصور التي نشرتها الشرطة بغرض القاء القبض عليه، ويصفونه بأنه قصير وممتلئ الوجه. وابلغ حنبلي بعض السكان بأنه يعمل بمصنع في المنطقة فيما قال لآخرين انه يعمل مندوب مبيعات. ويقول صاحب المغسلة التي تقع في الطابق الارضي من البناية التي كان يسكنه حنبلي ان الناس كانوا يتساءلون عن مصدر دخله خصوصا انه لم يكن يعمل على حد اعتقاد سكان الحي. ويقول صاحب المغسلة انه لا يمكن ان يكون مندوب مبيعات خصوصا انه لم يحدث ان شوهد وهو يحمل شيئا لعرضه للبيع.

جدير بالذكر ان اجهزة الأمن التايلندية اعتقلت قبل حوالي ساعتين من إلقاء القبض على حنبلي شخصين يسكنان في الشقة المجاورة له يعتقد انهما ماليزيان او اندونيسيان. اما حنبلي نفسه، فقد سلم على وجه السرعة الى عملاء وكالة الاستخبارات الأميركية قبل ان يتم نقله خارج تايلند، حسبما افاد مسؤولون أميركيون.

وقال محلل استخباراتي ان وكالة الاستخبارات المركزية اطلعت جهات محدودة في السلطات التايلندية حول عملية تعقب حنبلي، ولم تكن معظم السلطات تعلم بما يجري خشية حدوث تسريب يتسبب في إفشال العملية برمتها.

ومن جانبه، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الاندونيسية ان حكومته ترغب في تسلم حنبلي في نهاية الامر لمحاكمته بسبب الاشتباه في تورطه في سلسلة من الهجمات الارهابية في اندونيسيا منذ عام 2000. واضاف المتحدث انه يدرك ان عدة دول تسعى ايضاً الى محاكمة حنبلي.

جدير بالذكر ان لسنغافورة وماليزيا قوانين متشددة فيما يتعلق بالأمن الداخلي تسمح للسلطات بحبس المشتبه فيهم فترة غير محددة دون تقديمهم لمحاكمة. وكانت كل من اندونيسيا وتايلند قد سعت عقب انفجار فندق «ماريوت» في الآونة الاخيرة الذي اسفر عن مقتل 12 شخصا في جاكارتا، الى تجديد اجراءاتها الأمنية. وتعتزم اندونيسيا على وجه التحديد تشديد قانون مكافحة الارهاب الذي اجيز عقب انفجار جزيرة بالي العام الماضي. وفي تايلند بدئ العمل منذ الاثنين الماضي بمرسوم يجعل من السهل على الشرطة اعتقال المشتبه فيهم ويسمح بتنفيذ حكم الاعدام.

وكانت قوات الشرطة في بعض دول جنوب شرقي آسيا قد احرزت تقدما في إلقاء القبض على المتشددين، اذ وصلت جملة المقبوض عليهم 190 شخصا في المنطقة.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»