مقتدى الصدر.. رجل دين شاب محدود التجربة يسعى لكسب الجمهور عن طريق الإثارة.. والشيعة المعتدلون لا يريدون الانجرار إلى مواجهة معه

TT

درج رجل الدين الشيعي الشاب مقتدى الصدر على إثارة مشاعر المصلين ضد الاميركيين خلال خطبة صلاة الجمعة، حاثا الحضور على الانضمام الى جيشه ووضع نهاية للاحتلال الذي تقوده الولايات المتحدة. وكان مقتدى الصدر قد ظهر على شاشات تلفزيون بعض القنوات الفضائية العربية في الآونة الاخيرة. كما اجري معه مؤخرا اول لقاء صحافي اتهم خلاله مجلس الحكم الانتقالي العراقي بأنه «دمية للولايات المتحدة»، وقال في هذا السياق: «مجلس الحكم يعتبر بمثابة افضل عميل للاميركيين». ونسبة لأنه زعيم طائفة في هذه المنطقة، فبوسع مقتدى الصدر تهدئة الاوضاع او إثارتها ببضع كلمات فقط. ويصف البعض الصدر بانه محدود التجربة، ويعتبره اللفتنانت كولونيل كريس كولين، قائد مشاة البحرية الاميركية في مدينة النجف، بأنه «صبي غير ناضج»، إلا ان مقتدى الصدر يملك فيما يبدو ميزة الاسم المشهور والمعروف وسط الشيعة الذي يشكلون حوالي 60 في المائة من سكان العراق. ينتشر ملصق لصورة والد مقتدى ذي اللحية البيضاء والتعابير الهادئة على جدران الدكاكين ونوافذ السيارات في مناطق جنوب العراق التي يغلب الشيعة على تركيبتها السكانية كما يباع الملصق في آلاف الاكشاك التي تباع فيها الكتب الدينية. اغتيل عم مقتدى الصدر عام 1980. وما يزال مقتدى الصدر شابا واقل تعليما مقارنة بوالده وعمه والجيل الاكبر سنا من العلماء ورجال الدين الشيعة، ولكن يمكنه استغلال سمعة الاسرة وإرثها. ظل مقتدى الصدر يدعو على مدى ما يزيد على شهر في مدينة الكوفة، التي تبعد حوالي 10 اميال من النجف، الى الانضمام الى جيش المهدي والى عدم الاعتراف بمجلس الحكم الانتقالي والاحتلال الذي تقوده الولايات المتحدة. ويشير اسم «المهدي» الى الإمام الغائب الذي اختفى عام 874 والذي ستكون عودته عودة للعدل الى العالم حسب الفكر الشيعي.

واعلن مقتدى الصدر في الآونة الاخيرة ان جيشه لن يكون مسلحا، رغم ان مساعديه قالوا ان افراد هذا الجيش سيكونون على استعداد لحمل السلاح اذا ما تطلب الامر. وتربط بينه وبين ورجال الدين في ايران علاقة وثيقة، علما بأنه عاد في الآونة الاخيرة من زيارة الى ايران. وبسبب إدراكه لحقيقة انه لن يستطيع اجتذاب سوى عدد محدود من شيعة الطبقة الوسطى العراقية، التي يمثل التيار المعتدل غالبيتهم، فإن مقتدى الصدر درج على استخدام خطاب معاد لاميركا بغرض الوصول الى المجموعات الاخرى المستضعفة حتى خارج الطائفة الشيعية مثل اعضاء حزب البعث السابق. فقد قال مؤخرا وهو يخاطب حشدا في باحة احد مساجد الشيعة: «انني اوجه الدعوة لمقاتلي البيشمركة ولواء بدر للانضمام الى جيشنا وليس الى جيش الاحتلال». كما وجه الدعوة حتى الى من وصفهم بـ«اخواننا السنة» بالعمل مع الشيعة من اجل إقامة محاكم اسلامية لتوفير العدالة «طبقا للشريعة الاسلامية». وقال ايضا انه يعتزم إنشاء مجلس حكم مكون من كل المجموعات غير المشاركة في المجلس الحالي.

ويبدو ان كلمات مقتدى الصدر وجدت من يصغي اليها، فقد ذكر اللفتنانت كولين ان عددا يترواح بين 10 آلاف و15 الفاً من الذين نقلوا بالحافلات الى الكوفة للاستماع الى خطبة مقتدى الصدر قبل حوالي اسبوعين جاءوا من الفلوجة والموصل، وهما من المدن السنية المعروفة التي لا يزال فيها تأييد للرئيس العراقي المخلوع صدام حسين. وأضاف كولين ان هناك من جاء بسيارات خاصة، وتابع قائلا ان الشخص اذا اراد ان تجد دعواته للتمرد آذانا صاغية فإنه غالبا ما يتجه الى الفئات المستضعفة والمحرومة او تلك التي ارتبطت بنظام صدام حسين. إلا ان مقترحات مقتدى الصدر الخاصة بإنشاء جيش رفضت من جانب رجال الدين الذين يمثلون التيار الشيعي الرئيسي في مدينة النجف. وقد اكد آية الله علي السيستاني، المرجع الشيعي الكبير، في رد على سؤال طرحته عليه «لوس انجليس تايمز» ان الجيش العراقي يجب ان يكون جيشا وطنيا يقوده العراقيون وتتركز مهمته في الدفاع عن حدود العراق وشعبه ومقدساته، مشددا على انه يجب ألا يكون هناك جيش الى جانب الجيش الوطني. إلا ان رجال الدين المعتدلين لم يدلوا بأي تصريح او رد علني التزاما بالتقليد القديم المتبع الذي يؤكد على ضرورة التزام جانب الهدوء والابتعاد عن الخلاف العلني فيما بينهم. وفي هذا السياق قال آية الله صالح الطائي انهم على مدى الف عام لم يتناقشوا حول شخصيات محددة وما تقوله هذه الشخصيات. ويقول ممثلو اكثر المجموعات الشيعية المتنفذة التي انضمت الى مجلس الحكم الانتقالي العراقي انهم لا يريدون إثارة المشاعر. وأكد عادل عبد المهدي، المتحدث باسم «المجلس الأعلى للثورة الاسلامية العراق» الذي كان يتخذ من ايران مقرا له في السابق، انهم لا يرغبون في حدوث أي مواجهة لأنها ستؤدي الى نزيف دم وتوصد ابواب الحوار. هذه المخاوف ازاء نزيف الدم لم تنبع من فراغ، فقد تعرض العديد من رجال الدين خلال الاسابيع القليلة الماضية الى هجمات ليلية بواسطة مجهولين، وفي حالتين تعرض اثنان منهم الى اصابات خطيرة نُقلا على اثرها الى المستشفى. وفيما لم يلق القبض على مرتكبي هذه الهجمات، فإن اصابع الاتهام تشير الى اتباع مقتدى الصدر. جدير بالذكر ان مقتدى كان في النجف عندما اغتيل رجل الدين الشيعي المعتدل عبد المجيد الخوئي داخل واحد من اقدس مساجد المدينة في 10 ابريل (نيسان) الماضي بعد يوم واحد من سقوط بغداد. تجدر الاشارة الى ان مسؤولين في سلطة التحالف المؤقتة ظلوا يلتقون رجال الدين الشيعة ويعقدون مناقشات مباشرة تهدف الى اتخاذ موقف عام إزاء مقتدى الصدر، إلا ان هذه الجهود لم تسفر عن نتيجة حتى الآن. وقال مسؤول في سلطة التحالف انهم اوضحوا لرجال الدين الشيعة المعتدلين ان ما يحدث يعتبر تحديا يتعلق بالقيادة وانه اذا كان الفشل هو مصير التعامل مع مقتدى الصدر، فإن ذلك سيترك انطباعا سلبيا حول مدى استعدادهم لتولي السلطة، مؤكدا ان الوضع لا يحتمل أي نوع من الانقسام والخلاف.

*خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»