مجلس هيئة كبار العلماء السعودية يؤيد سلطات الحكومة في ملاحقة الإرهابيين ويحذر من الفتاوى التحريضية

TT

حث اعضاء مجلس هيئة كبار العلماء في السعودية حكومة بلادهم على ملاحقة المتورطين في اعمال التخريب الارهابية. وأيدوا اجراءات الحكومة في ملاحقة عناصر الخلايا المتورطة. محذرين الجميع من اطلاق فتاوى تؤيد وتزين للمتحمسين للجهاد التورط في اعمال ارهابية. وطالب مجلس هيئة كبار العلماء في ختام دورته الـ59 السعوديين بالتعاون مع السلطات لكشف مواقع مهددي أمن البلاد باسم الجهاد. معتبرا ان هذا التعاون امتثال لتوجيهات السنة النبوية التي تدعو المسلمين للتعاون على البر والتقوى.

وفي التفاتة بارزة لما صاحب الاحداث، استنكر المجلس في بيانه الختامي «ما يتفوه به بعض الكُتاب من ربط هذه الأعمال التخريبية بالمناهج التعليمية كما يستنكر استغلال هذه الاحداث للنيل من ثوابت هذه الدولة المباركة القائمة على عقيدة السلف الصالح والنيل من الدعوة الإصلاحية التي قام بها شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله». وكانت «الشرق الأوسط» كشفت الاسبوع الماضي عن اجتماعات مطولة عقدها نحو 15 من أعضاء أعلى سلطة دينية سعودية لبحث اصدار قرارات وتوصيات في قضايا وبحوث شرعية عدة، تصدرها أزمة الاخلال بالاستقرار الأمني على أيدي متشددين اسلاميين يعتقدون بقتل الكفار ومن والاهم باعتبار ذلك من باب الجهاد المصنف نبويا بأنه «ذروة سنام الاسلام». وهو بالفعل ما ركز عليه البيان الختامي الذي صدر مساء امس، وتناول قضية الأعمال الارهابية التي ضربت البلاد وذلك في 6 نقاط شملت رؤية العلماء السعوديين حول الاحداث التي جرت اخيرا، وإصدار رأيهم الشرعي فيها، وتأييدهم لملاحقة الحكومة لهم، ومناشدتها بتواصل تلك الملاحقة لتطهير الاراضي السعودية من هذه الفئات التي اعتبرها البيان باغية واجرامية، يجب ملاحقتها وتخليص البلاد والعباد من شرورها.

واشتهر عن اجواء الاجتماعات الدورية للمجلس بأنها تخضع لتكتم اعلامي مطبق طيلة (الفترة المفتوحة) التي تستغرقها اعمال الاجتماعات. وهو ما علق مصدر مسؤول في المجلس بالقول «الجميع يعرف اصداء الحضور الدولي لكل ما يصدر عن المجلس او رئيسه. فلذا رأينا دائما ان يتم التشديد على ما يحيط بالاجتماعات وتلخيص ما دار فيها ضمن بيان رسمي، وهذه أسلم وسيلة لتجنب التفسيرات الخاطئة لما يصدر عن هيئة المجلس». وجاء البيان الختامي الذي تسلمت«الشرق الأوسط» نسخة منه، كالتالي: بيان من هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية. الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين.. اما بعد فان مجلس هيئة كبار العلماء في دورته التاسعة والخمسين التي انعقدت في مدينة الطائف ابتداء من تاريخ 11/6/1424هـ (9 أغسطس (آب) الجاري) قد استعرض ما جرى اخيرا في المملكة العربية السعودية من تفجيرات استهدفت تخريبا وقتل أناس معصومين واحدثت فزعا وازعاجا.

كما استعرض ما اكتشف من مخازن للأسلحة ومتفجرات خطيرة معدة للقيام بأعمال تخريب ودمار في هذه البلاد التي هي حصن الاسلام وفيها حرم الله وقبلة المسلمين ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن مثل هذه الاستعدادات الخطيرة المهيأة لارتكاب الاجرام من أعمال التخريب والافساد في الارض مما يزعزع الأمن ويحدث قتل الانفس وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة ويعرض مصالح الأمة لأعظم الاخطار ونظرا لما يجب على علماء البلاد من البيان تجاه هذه الاخطار من وجوب التعاون بين كافة أفراد الأمة لكشفها ودفع شرها والتحذير منها وتحريم السكوت عن الابلاغ عن كل خطر يبيت ضد هذا الامن رأى المجلس وجوب البيان لأمور تدعو الضرورة الى بيانها في هذا الوقت براءة للذمة ونصحا للأمة وإشفاقا على أبناء المسلمين من ان يكونوا أداة فساد وتخريب واتباعا لدعاة الضلالة والفتنة والفرقة وقد اخذ الله تعالى على اهل العلم الميثاق ان يبينوا للناس قال الله سبحانه (واذ اخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه).

لذلك كله وتذكيرا للناس وتحذيرا من التهاون في أمر الحفاظ على سلامة البلاد من الاخطار فان المجلس يرى بيان ما يلى:

أولا: ان القيام بأعمال التخريب والافساد من تفجير وقتل وتدمير للممتلكات عمل اجرامي خطير وعدوان على الانفس المعصومة واتلاف للأموال المحترمة فهو مقتض للعقوبات الشرعية الزاجرة الرادعة عملا بنصوص الشريعة ومقتضيات حفظ سلطانها وتحريم الخروج على من تولى أمر الأمة فيها يقول النبي صلى الله عليه وسلم «من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة او يدعو الى عصبة او ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي الذي عهد عهده فليس مني ولست منه» أخرجه مسلم.

ومن زعم ان هذه التخريبات وما يراد من تفجير وقتل من الجهاد فذلك جاهل ضال فليست من الجهاد في سبيل الله في شيء. ومما سبق فانه قد ظهر وعلم ان ما قام به اولئك ومن وراءهم إنما هو من الإفساد والتخريب والضلال المبين وعليهم تقوى الله عز وجل والرجوع اليه والتوبة والتبصر في الامور وعدم الانسياق وراء عبارات وشعارات فاسدة ترفع لتفريق الامة وحملها على الفساد وليس في حقيقتها من الدين وانما هي من تلبيس الجاهلين والمغرضين وقد تضمنت نصوص الشريعة عقوبة من يقوم بهذه الأعمال ووجوب ردعه والزجر عن ارتكاب مثل عمله ومرد الحكم بذلك الى القضاء.

ثانيا: واذ تبين ما سبق فان مجلس هيئة كبار العلماء يؤيد ما تقوم به الدولة اعزها الله بالاسلام من تتبع لتلك الفئة والكشف عنهم لوقاية البلاد والعباد شرهم ولدرء الفتنة عن ديار المسلمين وحماية بيضتهم ويجب على الجميع ان يتعاونوا في القضاء على هذا الامر الخطير لان ذلك من التعاون على البر والتقوى الذي امرنا الله به في قوله سبحانه (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان واتقوا الله ان الله شديد العقاب).

ويحذر المجلس من التستر على هؤلاء او ايوائهم فان هذا من كبائر الذنوب وهو داخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم «لعن الله من آوى محدثا» متفق عليه وقد فسر العلماء «المحدث» في هذا الحديث بأنه من يأتي بفساد في الارض. فاذا كان هذا الوعيد الشديد فيمن آواهم فكيف بمن اعانهم او أيد فعلهم.

ثالثا: يهيب المجلس بأهل العلم ان يقوموا بواجبهم ويكثفوا ارشاد الناس في هذا الشأن الخطير ليتبين بذلك الحق.

رابعا: يستنكر المجلس ما يصدر من فتاوى وآراء تسوغ هذا الاجرام او تشجع عليه لكونه من اخطر الامور واشنعها وقد عظم الله شأن الفتوى بغير علم وحذر عباده منها وبين انها من أمر الشيطان قال تعالى (يا ايها الناس كلوا مما في الارض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وان تقولوا على الله ما لا تعلمون) ويقول سبحانه (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب اليم)، ويقول جل وعلا (ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا). وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال «من دعا الى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيء» متفق عليه.

ومن صدر منه مثل هذه الفتاوى او الآراء التي تسوغ هذا الاجرام فان على ولي الامر احالته الى القضاء ليجري نحوه ما يقتضيه الشرع نصحا للأمة وابراء للذمة وحماية للدين وعلى من أتاه الله العلم التحذير من الأقاويل الباطلة وبيان فسادها وكشف زورها ولا يخفى ان هذا من أهم الواجبات وهو من النصح لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم ويعظم خطر تلك الفتاوى اذا كان المقصود بها زعزعة الامن وزرع الفتن والقلاقل ومن القول في دين الله بالجهل والهوى لان ذلك استهداف للأغرار من الشباب ومن لا علم عنده بحقيقة هذه الفتاوى والتدليس عليهم بحججها الواهية والتمويه على عقولهم بمقاصدها الباطلة وكل هذا شنيع وعظيم في دين الاسلام ولا يرتضيه احد من المسلمين ممن عرف حدود الشريعة وعقل أهدافها السامية ومقاصدها الكريمة وعمل هؤلاء المتقولين على العلم من اعظم اسباب تفريق الأمة ونشر العداوات بينها.

خامسا: على ولي الامر منع الذين يتجرأون على الدين والعلماء ويزينون للناس التساهل في امور الدين والجرأة عليه وعلى أهله ويربطون بين ما وقع وبين التدين والمؤسسات الدينية. وان المجلس ليستنكر ما يتفوه به بعض الكتاب من ربط هذه الأعمال التخريبية بالمناهج التعليمية كما يستنكر استغلال هذه الاحداث للنيل من ثوابت هذه الدولة المباركة القائمة على عقيدة السلف الصالح والنيل من الدعوة الاصلاحية التي قام بها شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. سادسا: ان دين الاسلام جاء بالأمر بالاجتماع وأوجب الله ذلك في كتابه وحرم التفرق والتحزب يقول الله عز وجل (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، ويقول سبحانه (ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء)، فبرا الله رسوله صلى الله عليه وسلم من الذين فرقوا دينهم وحزبوه وكانوا شيعا وهذا يدل على تحريم التفرق وانه من كبائر الذنوب.

وقد علم من الدين بالضرورة وجوب لزوم الجماعة وطاعة من تولى امامة المسلمين في طاعة الله، يقول الله عز وجل (يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الامر منكم)، وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك ....» اخرجه مسلم. وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد اطاعني ومن يعصى الأمير فقد عصاني» متفق عليه وقد سار على هذا سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم ومن جاء بعدهم في وجوب السمع والطاعة.

لكل ما تقدم ذكره فان المجلس يحذر من دعاة الضلالة والفتنة والفرقة الذين ظهروا في هذه الازمان قلبوا على المسلمين امرهم وحرضوهم على معصية ولاة أمرهم والخروج عليهم، وذلك من اعظم المحرمات. يقول النبي صلى الله عليه وسلم «انه ستكون هنات وهنات فمن اراد ان يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان» اخرجه مسلم، وفي هذا تحذير لدعاة الضلالة والفتنة والفرقة وتحذير لمن سار في ركابهم عن التمادي في الغي المعرض لعذاب الدنيا والآخرة والواجب التمسك بهذا الدين القويم والسير فيه على الصراط المستقيم المبني على الكتاب والسنة وفق فهم الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان، ووجوب تربية النشء والشباب على هذا المنهاج القويم والصراط المستقيم حتى يسلموا بتوفيق من الله من التيارات الفاسدة ومن تأثير دعاة الضلالة والفتنة والفرقة وحتى ينفع الله بهم أمة الاسلام ويكونوا حملة علم وورثة للأنبياء وأهل خير وصلاح وهدى. ويكرر التأكيد على وجوب الالتفاف حول قيادة هذه البلاد وعلمائها ويزداد الامر تأكدا في مثل هذه الأوقات، أوقات الفتن كما يحذر الجميع حكاما ومحكومين من المعاصي والتساهل في أمر الله فشان المعاصي خطير وليحذروا من ذنوبهم وليستقيموا على أمر الله ويقيموا شعائر دينهم ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر. وقى الله بلادنا وجميع بلاد المسلمين كل سوء وجمع الله كلمة المسلمين على الحق والهدى وكبت الله أعداءه، أعداء الدين ورد كيدهم في نحورهم انه سبحانه سميع قريب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه واقتفى أثره الى يوم الدين.

هيئة كبار العلماء رئيس المجلس عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ وصالح بن محمد اللحيدان وعبد الله بن سليمان المنيع وعبد الله بن عبد الرحمن الغديان ود. صالح بن فوزان الفوزان وحسن بن جعفر العتمي، ومحمد بن عبد الله السبيل ود. عبد الله بن محمد بن ابراهيم آل الشيخ ومحمد بن سليمان البدر ود. عبد الله بن عبد المحسن التركي ومحمد بن زيد آل سليمان ود. بكر بن عبد الله أبو زيد (لم يحضر لمرضه) ود. عبد الوهاب بن ابراهيم أبو سليمان ود. صالح بن عبد الله بن حميد ود. أحمد بن على سير المباركي ود. عبد الله بن على الركبان ود. عبد الله بن محمد المطلق.