آخر كلمات دي ميلو تحت الأنقاض: لا تجعلوهم يسحبون الأمم المتحدة ويفشلون المهمة في العراق

TT

بعد ما تمكن السيرجنت وليام فون زيل من الوقوف مرة اخرى وازالة قطع الزجاج المزروعة في ساقه اليمنى، اندفع نحو مصدر الانفجار.

ودرس ضابط اطفاء الحرائق المتقاعد من ويلتون بولاية كونتيكت الاميركية الدمار. وعندما كان يفكر في ما يمكن ان يفعله اقترب منه رجل يضع على رأسه قبعة الامم المتحدة. قائلا «يوجد شخصان محاصران، سيرجيو وجيل محاصران».

ولم تعن الاسماء اي شيء بالنسبة لزيل، ولكنه ذهب لرؤية ما حدث.

كان سيرجيو على قيد الحياة ويعاني آلاما رهيبة. ولمدة ثلاث ساعات تالية، حاول فون زيل تخليصه من بين الانقاض. لم يكن معه حبل ولا اضاءة ولا اية معدات يمكن العثور عليها بسهولة في اية سيارة اطفاء حريق في ويلتون.

وفي نفس الوقت كان الرجلان يتبادلان الحديث. ولم يعرف فون زيل انه يستمع الى آخر كلمات الممثل الشخصي للامم المتحدة سيرجيو فييرا دي ميلو. وفي اليوم التالي، عندما علم من هو استعاد كلماته من ذاكرته.

ففي مقابلة صحافية بعد ثلاثة ايام من انفجار شاحنة ملغومة ادت الى مقتل فييرا دي ميلو و22 من العاملين في الامم المتحدة ببغداد، رفض فون زيل ذكر ما دار بينهما. واكتفى بقوله انه «شخصي».

ولكن خلال احتفال نقل جثمان دي ميلو في مطار بغداد لاعادته الى البرازيل، اشار واحد من زملاء دي ميلو الى واحدة من الكلمات التي سجلها فون زيل.

فقد ذكر بنون سيفان رئيس برنامج النفط مقابل الغذاء التابع للامم المتحدة ان دي ميلو قال «لا تجعلوهم يسحبون الامم المتحدة من العراق. لا تجعلوهم يفشلون في هذه المهمة».

وفي الساعة الرابعة والنصف من بعد ظهر الخميس، كان فون زيل في حجرته في مركز العمليات العسكرية المدنية، الذي يبعد حوالي مائة ياردة عن مكاتب الامم المتحدة في فندق القناة. حيث كان يخدم مع كتيبة الشؤون المدنية 411 التابعة للجيش ويعمل مع منظمات غير حكومية في العراق، وكان يستعد للمغادرة لاجتماع.

وتجدر الاشارة الى انه من غير المسموح لاحد مغادرة المبنى بدون ملابس للحماية، كما ذكر فون زيل. ولذا وضع الدروع الواقية وخوذته.

ثم شعر بالانفجار.

اول شيء شعر به بعد الانفجار هو انه «ملقى في الغرفة» والنافذة محطمة وعثر على قطعة زجاج في ساقه اليمنى وقطع في ذراعه الايمن، وفيما عدا ذلك كان سليما. وفي البداية اعتقد فون زيل الذي عمل مع القوات الخاصة الاميركية وكان يتولى التدريس في دورات حول مكافحة الارهاب، ان سيارة ملغومة قد ارتطمت بمبنى المقر العسكري الاميركي. لكنه عندما خرج من المبنى شاهد مقر الامم المتحدة يحترق.

وكان دي ميلو في اجتماع عندما انفجرت الشاحنة تحت مكتبه الواقع في الطابق الثالث. وانهار الطابقان وسقط في الطابق الارضي، وكانت قدمه تحت الانقاض وكان محاصراً في منطقة صغيرة مظلمة.

واتجه فون زيل الى مقر الامم المتحدة. كانت الاشلاء منتشرة في كل مكان. كان مشهدا فوضويا على حد قوله. وعندما حضر الرجل الذي يعمل في الامم المتحدة لطلب المساعدة تبعه فون زيل الى مكان في المبنى كان فيه رجلان محاصران. ونظر نحو اليمين. وكان يمكنه رؤية دي ميلو ولكنه لم يتمكن من الوصول اليه.

وكانت السلالم الاساسية سليمة وصعد فون زيل واتجه الى ركن الطابق الثالث حيث وقع الانفجار. وكان يبحث عن ضوء يعلم من خبرته انه ناتج عن الشق الذي نظر عبره نحو الطابق الارضي، وعثر عليه.

ودخل برأسه اولا نحو الفتحة وسط الحطام واستمر في طريقه نحو الاسفل وعبر من فوق جثث ثلاثة اشخاص. ووضع كشافاً بين اسنانه لانارة الطريق ولكنه وقع منه.

توجه إلى الطابق الأرضي ولمح هناك دي ميلو. قال فون زيل إنه سأل دي ميلو عن اسمه. ولم يميز زيل الاسم لكنه أعطاه انطباعا بأنه كان في موقع المسؤولية. اذ سأل الرجل دي ميلو: «هل كل واحد بخير؟ كيف حال الجميع؟».

بدأ فون زيل بالعمل وطلب كل المواد التي يمكن أن تعوض عن الأجهزة التي كان يستعملها، قام شخص ما بجلب محفظة نقود نسائية من الطابق الثالث. فقام زيل بملئها بكسر ترابية. واستخدمت ستائر من الأجواخ كحبال لرفعه عدة مرات.

وعمل فون زيل مع ممرض من دائرة إطفاء الحرائق في نيويورك لإخراج دي ميلو والرجل الذي اسمه جيل. وأعطى الممرض دي ميلو جرعة مورفين لإيقاف الألم. سأل فون زيل سيرجيو: «هل تستطيع أن تحرك أصابع قدميك؟ هل تستطيع أن تشعر بها؟ في أي يوم نحن من أيام الأسبوع؟». وسأل الدبلوماسي عن عائلته وأصدقائه. كان يريد أن يعرف كم كان حجم الضرر الذي لحق بالمبنى.

بعد ثلاث ساعات عن الانفجار توقف دي ميلو عن الكلام. إذ توفي آنذاك. وبعد 15 دقيقة تم إخراج سيرجيو. كان مصابا بعدة جروح في وجهه وساقيه وعلى الرغم من إصابته بشكل جاد لكن تم إخراجه. قال زيل: «بصراحة أنا فكرت بأننا سنخرجهما كليهما. ولو حدث ذلك في أي مكان آخر لتمكنا من إخراجه».

كان الوقت قريبا من الثامنة مساء حينما شعر زيل بالإرهاق التام فذهب إلى فراشه. وحينما استيقظ في الصباح التالي سمع بالأخبار وعرف من هو دي ميلو. تذكّر آنذاك كل ما جرى بينهما من حديث فكتبه على ورق.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»