قوات التحالف تعيد تشغيل عناصر الأمن والمخابرات في عهد صدام لاستخدامهم في اختراق مجموعات «المقاومة»

TT

بدأت سلطات قوات التحالف حملة سرية لتجنيد وتدريب عناصر اجهزة الامن والمخابرات العراقية في عهد صدام حسين للمساعدة في تشخيص أفراد المقاومة الذين ينظمون ضد القوات الأميركية هجمات وتفجيرات أصبحت يوما بعد يوم أكثر مهارة حسبما قال مسؤولون عراقيون وأميركيون.

وتعكس هذه المبادرة غير المتوقعة بتشغيل أعضاء من الدوائر الأمنية التابعة لنظام صدام اعترافا متزايدا بين المسؤولين الأميركيين بأن القوات الأميركية بحجمها الحالي لا تستطيع وحدها أن تمنع عمليات مثل تفجير الشاحنة المفخخة داخل مقر الأمم المتحدة في بغداد الأسبوع الماضي، حسبما قال المسؤولون.

ورفعت السلطات المعنية من وتيرة كسب عناصر الأمن السابقة خلال الأسبوعين الماضيين حسبما قال مسؤول أميركي كبير في بغداد على الرغم من وجود اعتراضات قوية أحيانا من بعض أعضاء مجلس الحكم الانتقالي العراقي الذين يشكون من عدم لعبهم دورا فعالا في اختيار هذه العناصر. وإذا كان المسؤولون الأميركيون يعترفون بحساسية موضوع التعاون مع قوة كانت تجسد وحشية نظام صدام حسين فإنهم يؤكدون حاجتهم الماسة لقدر أكبر من المعلومات الاستخبارية المتميزة بدقة أكبر، وهذا ما دفعهم إلى القبول بالمساومة. وأضاف المسؤول الكبير أن «الطريقة الوحيدة التي تستطيع فيها أن تهزم الإرهاب هو من خلال المعلومات الاستخبارية. إنها الطريقة الوحيدة التي تستطيع بفضلها أن توقف أولئك الناس من القيام بما يريدون من هجمات ضدك. وبدون مشاركة عراقية لن يكون ممكنا تحقيق ذلك».

من جانب آخر يتجنب المسؤولون الكشف عن عدد العناصر التي كانت تعمل مع النظام السابق وتم تجنيدها منذ بدء المساعي بهذا الاتجاه. لكن المسؤولين العراقيين يقولون إن العدد يتراوح بين عدة عشرات وعدة مئات. واعترف المسؤولون الأميركيون بأن العملية في طور التوسع. وقال مسؤول أميركي آخر وافق على الكلام بشرط عدم كشف هويته: «نحن ما زلنا نكسب عددا متزايدا منهم». كذلك أضاف دبلوماسي غربي أن «هناك نموا واضحا في التفكير الأميركي. فأولا تمت إعادة تشكيل الشرطة ثم الجيش. لذلك فمن المنطقي أن يتم تشغيل عناصر من أجهزة الاستخبارات السابقة أيضا».

ويقول المسؤولون الأميركيون إن الجهد الاكبر في جمع المعلومات الاستخبارية يقع على عاتق الشرطة العراقية التي يبلغ عددها في بغداد 6500 فرد، وفي بقية أنحاء العراق يوجد 33 ألفا. لكن عمل قوة الشرطة ما زال ناقصا بسبب عدم ثقة الجمهور بها وعددها يبقى أقل بكثير مما يطلبه الأميركيون لفرض النظام في العاصمة المضطربة. وعبر المدن العراقية أصبح التزود بالمعلومات الاستخبارية مستندا إلى ما يقدمه مخبرون عابرون حول مخابئ أسلحة معينة ومواقع بعض المشتبه فيهم من المقاتلين، لكن العديد من العراقيين اعتبروا الكثير من هذه التقارير مشكوكاً بصحتها وتقدَّم أحيانا من أجل تحقيق مكاسب شخصية.

ويبدو أن التركيز ينصبّ على أفراد ينتمون إلى جهاز المخابرات وهي واحدة من أربع دوائر أمنية كانت تحت سيطرة صدام حسين. مع ذلك فإنها ليست الوحيدة التي تستهدفها المساعي الأميركية. والمخابرات التي كان اسمها يزرع الخوف في نفوس العراقيين العاديين هي دائرة للاستخبارات الأجنبية وهي الأكثر براعة وتميزا من بين الدوائر الأربع. وتمكن المسؤولون الأميركيون من أن يصلوا إلى عناصر من هذا الجهاز كانوا قد ارسلوا إلى سورية وإيران حسبما قال مسؤولون عراقيون ووكلاء استخبارات سابقون.

فلسنوات ظلت العلاقات التي تربط الولايات المتحدة مع العراق وسورية متوترة، وإذا كان هناك شيء قد تدهور كثيرا منذ إسقاط القوات الاميركية لنظام صدام حسين فهو الحماية التي كانت متوفرة للحدود العراقية التي تمتد مئات من الأميال. واتهم بول بريمر رئيس الإدارة المدنية لقوات التحالف بصراحة سورية بأنها تسمح للمقاتلين الأجانب بالدخول إلى العراق.

ويعكس التركيز على رجال الاستخبارات العراقية قرارا اتخذه الشهر الحالي ريكاردو سانشيز آمر القوات البرية الأميركية في العراق لتقليص عدد عمليات التفتيش والغارات التي تجري شمال وغرب بغداد والتي أطلِقت في شهري يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) الماضيين، واسفرت تلك العمليات عن اعتقال مئات من انصار النظام السابق لكنها أغضبت السكان الذين اشتكوا من سوء المعاملة ومن الاعتقالات العشوائية والإذلال على أيدي الجنود الأميركيين. وأشار سانشيز والآخرون إلى أن مشاعر النقمة التي تتأتى من هذه الغارات يمكنها أن تغذي الدعم للمقاتلين الذين يُعتقد أن عددهم يبلغ عدة آلاف خصوصا في المناطق التي تسكنها أغلبية سنية.

وتنامت تكتيكات حرب العصابات من حيث المهارة خلال الاشهر الاربعة الماضية من الاحتلال. لكن المسؤولين الاميركيين قالوا إن نشاط المقاتلين يظل فاقدا للمركزية مع عدم ظهور مؤشرات تدل على ظهور تنسيق على مستوى البلد ككل. ومن وجهة نظر بريمر، الاختصاصي السابق في مكافحة الإرهاب، ومسؤولين أميركيين آخرين فان شكل المقاومة غير المتبلور بعد يجعل التخلص منها أكثر صعوبة وهذا ما يعمق الحاجة إلى معلومات استخبارية تساعد على توجيه الغارات المضادة بشكل دقيق وخلق إمكانية التسرب إلى هذه المجموعات. وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده بريمر أول من أمس أكد رئيس الإدارة المدنية لقوات التحالف مرارا على الحاجة إلى معلومات استخبارية أفضل من السابق وقال إن السلطات الأميركية كانت «تعمل باستمرار من أجل تحسين وتطوير قدراتنا الاستخباراتية». فالهدف هو «إيجاد أكبر عدد من منهم وقتلهم إذا اقتضى الأمر قبل أن يقتلونا».

وكان لأجهزة أمن صدام حسين وجود خانق في العراق وهي ما زالت تلقي بظلها الثقيل على الحياة اليومية. فمن بين أجهزة الاستخبارات الأربعة كان جهاز المخابرات الأفضل من حيث التعامل معه ماديا وكان يزود الأجهزة الأخرى بالمخبرين. ويعدّ جهاز الأمن الداخلي الأكبر حجما بين الأجهزة الأربعة ويُعرف باسم الأمن العام الذي يركِّز على المعلومات الاستخبارية المحلية. أما الجهاز الثالث فهو الأمن الخاص وهو مسؤول عن توفير الحماية للمسؤولين الحكوميين. وهذه الأجهزة الثلاثة كان يديرها ديوان الرئاسة. وليس هناك سوى الاستخبارات العسكرية التي هي مستقلة عن الدائرة المقربة لصدام حسين وتعمل من خلال وزارة الدفاع. ويعمل حزب البعث الذي كان يضم مئات الآلاف من الأعضاء في تزويد المعلومات المطلوبة من خلال شبكته الواسعة من المخبرين الذين كانوا موجودين في كل مدينة وقرية. ويقول مسؤولو استخبارات سابقون إنه ضمن المخابرات هناك فروع خاصة لإيران وإسرائيل. وخلال عقد التسعينات كانت الأمم المتحدة الأكثر أهمية في المراقبة. وقال ضابط مخابرات سابق كان مكلفا التجسس على الأمم المتحدة إن هناك حوالي 100 وكيل يعملون على الملف الإيراني، أما الأمم المتحدة فهناك ما بين 75 و100 شخص، كذلك هناك 50 فردا مكرسين لإسرائيل وسورية، إضافة إلى شبكاتهم ومعارفهم.

وكان بريمر قد حل في بداية الصيف تلك الأجهزة إضافة إلى وزارتي الإعلام والدفاع. لكن وفيق السامرائي رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق الذي أقام في المنفى منذ عام 1995 قال إن المسؤولين الأميركيين يسعون إلى إعادة تشكيل الاجهزة الامنية بشكل ما، وأضاف: «إنهم يريدون أن يعيدوا بناءها بهدوء».

وقال ضابط عراقي لم يتصل الأميركيون به إنه مقتنع بأن هناك ما يقرب من 300 شخص تم تجنيدهم. وقال عادل عبد المهدي عضو المكتب السياسي للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق إن منظمته لديها قائمة بعشرين اسما لضباط من «الشعبة الخامسة» وهو جهاز موجود داخل جهاز الاستخبارات العسكرية كان يركز على إيران قد تم تجنيدهم من قبل الاميركيين. وقال إن تنظيمه مقتنع بأن هناك واحدا على الأقل من أولئك الضباط قد أرسِل الى الولايات المتحدة للتدريب خلال الشهر الماضي، لكن مسؤولا أميركيا قال إنه لا يعرف شيئا عن إرسال رجال استخبارات سابقين إلى الولايات المتحدة.

وفي الوقت الذي رفض فيه المسؤولون الأميركيون التحدث عن الكيفية التي يتم فيها فحص تاريخ عناصر الامن والمخابرات، فإنهم مقتنعون بأن بعض رجال الاستخبارات يبقون «لحد ما غير ملطخين» على يد نظام صدام حسين. لكنهم اعترفوا أن هناك حرجا في الاعتماد على جهاز يكرهه أكثر العراقيين ومشهور في العالم العربي لاستخدامه أسلوب التعذيب والتخويف والإذلال والاغتصاب والاعتقال. وقال المسؤول الأميركي الكبير: «يجب أن نكون دقيقين في اختيارنا لهم ويجب أن نراجع خلفياتهم بدقة. نحن لا نريد أن نضع خلايا سرطانية في وسط كل هذا».

واعتبر مسؤول أميركي آخر تشغيل بعض رجال الاستخبارات السابقين بأنه جزء من صراع متواصل بين المبادئ وبين ما يدعى الحاجات البراغماتية للاحتلال. وأضاف هذا المسؤول: «عمليا هؤلاء الناس قادرون على أن يكونوا مفيدين جدا لأنهم قادرون على الوصول إلى المعلومات، لذلك عليك أن تساوم على ذلك. ما نحتاج إليه هو التوثق من أن هؤلاء ادركوا انهم كانوا على خطأ في طرائق تعاملهم السابقة».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»