الجعفري والباجه جي لـ«الشرق الأوسط»: مجلس الحكم العراقي مستقل في قراراته ولا يتلقى تعليمات من بريمر وأميركا لا تريد البقاء في العراق

المسؤولان العراقيان يشيدان بنتائج جولة وفد المجلس في العواصم العربية ويؤكدان أضرار الهجمات بالمصالح العراقية

TT

أكد رئيس مجلس الحكم الانتقالي في العراق ابراهيم الجعفري وعضو المجلس عدنان الباجه جي أنه سيتم تشكيل حكومة عراقية خلال الأيام القليلة القادمة. وشددا على أن مسألة دخول قوات أجنبية من الخارج الى العراق «أمر غير مرغوب فيه وإن حدث فهو أمر استثنائي». واشارا إلى أن جولة وفد المجلس في عدد من الدول العربية» حققت أهدافها ونجحت تماماً في إزالة اللبس لدى المسؤولين العرب، مما أحدث ارتياحاً ونقلة نوعية في التعامل مع مجلس الحكم الانتقالي في العراق.

ودافع الجعفري والباجه جي في حوارين منفصلين مع «الشرق الأوسط» خلال زيارة وفد المجلس الى القاهرة عن المجلس وتشكيله واختياره وتمثيله للشعب العراقي.

ورداً على سؤال حول تفسير البعض بان التغيير في الموقف العربي تجاه مجلس الحكم يرجع الى ضغوط خارجية مورست على الدول العربية لاجراء اتصالات مع المجلس، قال الجعفري: «ان التغيير الملحوظ في مواقف الانظمة العربية نتيجة طبيعية للمهمة التي اضطلع بها الوفد، وما حمله من حقائق ربما كانت خافية على المسؤولين، وذلك أحدث فرقا نوعيا انعكس على المواقف، وهذا التقدم الذي حدث لم يأت نتيجة ضغوط مورست، ولا يلجأ المجلس في سبيل تحقيق علاقات جيدة مع الدول العربية الى أسلوب الضغوط، بل نعتمد في سياساتنا على المحبة والأخوة والثقة والمصالح المشتركة، بالاضافة الى شرعية مطالب المجلس، لذلك فان جولتنا هذه جاءت بترتيب اماراتي وليس بضغوط خارجية».

وبخصوص علاقة المجلس مع الحاكم المدني الاميركي بول بريمر، وصفها الجعفري بأنها «علاقة تنسيق في المواقف، فهو يمثل ادارة التحالف المدنية على أرض العراق، والاحتلال أمر واقع، لذلك نحن نتعامل مع هذا الوضع على أنه أمر طارئ، ونأمل أن يأتي اليوم الذي ينتهي فيه الاحتلال ويفقد مبررات وجوده ليتمتع العراق بحقوقه كاملة».

وعن اتهام بريمر لبعض الدول المجاورة، خاصة سورية بأنها تقدم تسهيلات للهجمات على القوات الاميركية في العراق، وما اذا كان ذلك تهديدا مبطنا ينذر بعواقب من شأنها ان توتر العلاقات التي لم تبدأ بعد مع سورية، قال رئيس مجلس الحكم العراقي: «اننا نصوغ علاقاتنا مع دول الجوار الجغرافي خاصة، والدول العربية عامة من منظور عراقي ومصالح عراقية، كما اننا لا نلغي التاريخ، فهناك ترابط تاريخي ومصالح مشتركة، وهناك مواطنون عراقيون ترعاهم هذه الدول، لذلك لا نقبل أن نصنع موقفا أو يصنع لنا موقف، نحن نتعاطى مع الأمر بشكل مباشر، وحتى هذه اللحظة لم نشعر بأن هناك خرقا لسيادة العراق من أية دولة، واذا حدث أمر ما من دولة ما سنخاطبها دون وسيط».

ورداً على سؤال عن سعي الادارة الاميركية للاستعانة بقوات عسكرية أجنبية لمساعدتها على ضبط الأمن في العراق، أوضح الجعفري أن «مسألة تدخل قوات أجنبية من الخارج طرحت على جدول أعمال المجلس، وتم اقرار مبدأ الاعتماد على القدرات العراقية والاكتفاء الذاتي في تسيير أمور بلدنا، واذا احتاج الأمر شيئا من هذا القبيل على نحو استثنائي، فان المجلس يفرق في قاموسه في التعامل بين دول الجوار والدول الأخرى، فتدخل أي دولة جوار جغرافي في شؤون العراق سيخلف ردود فعل سلبية لا تخدم البلدين.

ومن حيث المبدأ لا ننوي إدخال أي قوات أجنبية العراق، ونحن نلتقي هنا مع الرغبة العربية في رفض ارسال قوات لها».

< السقف الزمني < وعن تقييمه للمقاومة قال «المقاومة لها منطلقاتها وخطابها وجمهورها الواسع، لكن نحن لم نر ان الشعب العراقي دخل في حالة المقاومة، وان حدث ذلك لشاهدنا جماهير غفيرة تغمر الشوارع كما حدث عندما انتفض العراقيون عام 1991 في ثورة شعبان ورجب.. الموجود حاليا اعمال متفرقة من هنا وهناك، وهي تضر بالمصالح العراقية، فالعمليات التي نراها تستهدف أنبوب مياه أو خط نفط أو قطع الاسلاك الكهربائية، وعلى الرغم من عدم وجود أجهزة أمنية مختصة وعدم وجود وزارة داخلية، إلا ان الشعب العراقي يحافظ على حالة الاستقرار».

وعما تردد من استفزازات الاحتلال الاميركي للمواطنين، وارتكاب جنوده اعتداءات وعمليات قتل، قال: «نحن في مجلس الحكم لدينا ملاحظات على طريقة الأداء الاميركي مع المواطنين، مثل عدم مراعاة تقاليد المجتمع العراقي. ولقد ركز المجلس على بعض الأمور مما حسن الأداء بعض الشيء، مثل تفتيش السيدات، الأمر الذي لا ينسجم مع قيمنا، ودخولهم حرم الجامعة واقتحامه عسكريا».

وحول ما قاله الزعيم الكردي مسعود بارزاني من ان العلم العراقي لن يرفع مرة اخرى في شمال العراق، قال الجعفري: «بارزاني لا يعني بذلك عدم رفع العلم العراقي فوق منطقة كردستان، انه لا يعترف بدولة العراق أو يتنكر لكون كردستان جزءا من العراق، بل هو يعني العلم العراقي الحالي الذي يرمز للمعاني التي حددها صدام حسين، مثل ان النجوم الثلاثة تعني وحدة وحرية واشتراكية، وكلمة الله أكبر على قداستها والتي كتبها صدام بخطه.. بارزاني من المتحمسين لعلم العراق الذي يمثل سيادة العراق».

وعن المخاوف من اقامة دولة كردية في شمال العراق قال: «أنا مطمئن من ان القوى الكردية جميعها تؤكد في خطابها ان الحفاظ على وحدة العراق من الثوابت، والاكراد يشعرون بأمان وطمأنينة في ظل الدولة العراقية لانهم يخشون من التهديدات التركية.

وتعليقاً على ما ردده أحد المسؤولين من أن اسرائيل حصلت على وعد من اعضاء في مجلس الحكم الانتقالي بالحصول على تعويضات تتعلق بممتلكات وبأموال يهود عراقيين هاجروا اليها قال: «المجلس لم يتعامل مع اسرائيل على الاطلاق، وكل ما يشاع من اتفاقات ووعود أمور ليس لها أساس من الصحة، وليس لدي علم عن وجود علاقات بين شخصيات اسرائيلية وشخصيات كردية».

ومن جانبه، تحدث عدنان الباجه جي عن المجلس وآفاقه وصلاحياته وكيفية اختياره ومستقبله، قائلاً انه «تم اختيار 25 عضوا من خلال مشاورات مكثفة بين العراقيين لمدة شهرين، وسوف نبحث في المستقبل ضم عدد آخر، ولكن الصلاحيات التي نتمتع بها صلاحيات كاملة سواء ما يتعلق بالعلاقات الخارجية واختيار الوزراء والأمن والخدمات الأساسية للمواطنين والشرطة، ولدينا كل المسؤوليات في كل نواحي الحياة».

وعن مدى شرعية تمثيل المجلس للعراقيين قال الباجه جي: «لا توجد أية جهة عراقية أخرى يمكن أن تدعي أنها تمثل العراق أكثر من هذا المجلس، وكان بودي أن يكون وجودنا عبر الانتخابات، لكنها غير ممكنة في الوقت الحاضر، لعدم وجود احصاء سكاني مضبوط، وكذلك لعدم وجود قانون انتخابات، ولا حتى جدول يضم اسماء الناخبين. ويجب أن يعاد النظر في اجهزة السلطة القضائية، حتى تتمكن من ضمان حرية الانتخاب ونزاهتها، وكل هذه الأمور تتطلب وقتا طويلا. والى أن يتم وضع كل هذه القوانين، وعقد مؤتمر دستوري وعرض الدستور على الشعب في استفتاء، واجراء الانتخابات، يجب ان ينظر في القضايا العاجلة الآنية، وهي كثيرة مثل الأمن والبطالة والخدمات الأساسية للسكان والوضع الاقتصادي العراقي السيئ، وكذلك ضعف الامكانيات وضخامة المسؤوليات، ولهذا يحتاج العراق الى ترشيد النفقات ووضع أولويات وأيضاً إلى مساعدات».

وعن سعي المجلس للحصول على اعتراف من الدول العربية قال الباجه جي: «ليس مطلوبا من الدول العربية الاعتراف، ولكننا نعمل على أن يأخذ العراق مقعده في الجامعة العربية والأمم المتحدة، ونحن نعتبر أنفسنا ممثلين للشعب العراقي، ولدينا السلطات الكاملة لادارة شؤون العراق في هذه المرحلة الانتقالية ونحن لا ندعي لأنفسنا صلاحيات أكثر من اسم المجلس، وهي «مجلس الحكم الانتقالي»، أي لمدة محددة وهدفه الرئيسي هو الاعداد لاجراء انتخابات وفق دستور يضعه العراقيون في أقرب وقت ممكن».

وأعرب الباجه جي عن أمله في انعقاد المؤتمر الدستوري خلال شهر ونصف الشهر، لكنه توقع ان تستغرق العملية الدستورية حوالي 8 أشهر «ثم تجرى الانتخابات، بحيث ننتهي من كل هذه الاجراءات في أقل من عام، أي سيكون في العراق حكومة منتخبة تتمتع بديمقراطية كاملة».

وعن تفسيره لمحدودية الصلاحيات التي يتمتع بها مجلس الحكم، قال: «المجلس لم يمارس سلطاته الفعلية، لأن السلطات تمارس عن طريق الوزراء والذين سيكونون مسؤولين أمام مجلس الحكم الانتقالي، الدوائر العراقية تتصل رأساً بسلطات التحالف، لكن بعد تعيين الوزراء سيكون الاتصال مباشرة بمجلس الحكم الذي يتحمل كل المسؤوليات».

وعن موعد تعيين الوزراء والأسس والمعايير لاختيارهم، قال: «تعيين الوزراء سيكون في الأسبوع القادم، أما المعايير الأساسية للاختيار فتتمثل في الكفاءة والخبرة، ولن يكون أعضاء المجلس الانتقالي من بين الوزراء، حيث سيشرف المجلس على أعمال الوزراء، وهم سيكونون مسؤولين أمام المجلس، ويقدمون تقاريرهم ومقترحاتهم إليه لبحثها واقرارها».

وبخصوص علاقة المجلس والوزارات بالحاكم الأميركي قال: «هذه العلاقة ستكون ضيقة.. وحتى الأميركان قالوا ان كل شيء سوف يرجع للعراقيين لأن يقولوا ما يشاءون». وعن تفسيره لربط الاميركيين الوضع في العراق بالحرب على الارهاب، وهو ما يمكن ان يعني أن الوجود الأميركي في العراق سيكون لأجل غير مسمى، قال: «ان الأميركيين لا يريدون البقاء في العراق، وانما يرغبون في المغادرة في أقرب وقت ممكن، لأن البقاء مكلف، ويهدد جنودهم بالخطر، كما ان الرأي العام الأميركي يطالب بخروجهم من العراق».

وعما إذا كان قد لمس تحولاً في الموقف العربي في التعامل مع المجلس الانتقالي خلال الجولة الحالية، أوضح الباجه جي ان «التحول بدأ عندما ذهبنا الى الأمم المتحدة في 22 يوليو (تموز) الماضي، حيث تحدثت أمام مجلس الأمن نيابة عن المجلس الانتقالي العراقي، وكان هناك اعتراف ضمني بنا، كما استقبلنا سفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة (كوفي انان)، ثم وجهت جهودنا باتجاه الاتحاد الأوروبي، والذي اعتبر المجلس العراقي بمثابة قاعدة عريضة تنفيذية، وخطوة مهمة جداً نحو قيام حكومة منتخبة في العراق.. إذن كل هذه الأشياء شجعت الكثير من الدول العربية على تغيير موقفها المتردد من المجلس، لأن السؤال الذي طرح هو ما هو البديل للمجلس؟ هل نترك العراق للاميركيين، لكي يضعوا الدستور وقانون الانتخاب والخطط الأمنية والخدمية؟ أليس من الأفضل أن تكون هيئة عراقية ذات تمثيل واسع ومقبولة شعبياً وعراقياً هي من تقوم بهذه المهام؟ ونحن نسأل: الفراغ السياسي في العراق لمصلحة من؟».

ورداً على سؤال حول من يدير العراق بريمر أم المجلس؟ وعما اذا كان المجلس يتلقى تعليمات من الادارة الأميركية، قال الباجي جه جازماً: «لم نتلق أية تعليمات من أحد، بالعكس نحن أحرار في ادارة بلادنا، والاحتلال قام على أساس قرار مجلس الأمن وصدر باجماع الاعضاء، بمن في ذلك العضو العربي (سورية)، وهذا القرار صدر وفق الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، وهذا يعني أنه قرار ملزم التنفيذ، وقد أكدت قرارات مجلس الأمن على سيادة العراق».