اغتيال الحكيم يوحد الشيعة ولكن خطر الانقسام يظل قائما

غياب رجل دين شيعي معتدل يضاعف المصاعب التي تواجه الأميركيين

TT

يرى مراقبون ان عملية اغتيال آية الله محمد باقر الحكيم قد تمثل أكبر تحد تواجهه مساعي الولايات المتحدة الرامية لكسب تعاطف أغلبية سكان العراق من الشيعة، وتحقيق الاستقرار في العراق.

فالحكيم، 64 عاما، وهو سليل احدى أهم العائلات العراقية المتدينة، كان يرأس المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق، وهو تنظيم معارض أسسه في منفاه بايران عام .1982 وعلى الرغم من أن علاقته بالحكومة الاسلامية في ايران جعلته دائما موضع شك المسؤولين الأميركيين، الا ان قراره بانضمام حركته الى مجلس الحكم العراقي الذي عينته الولايات المتحدة، ثم تبنيه فيما بعد موقفا غير معارض لمساعي الولايات لمتحدة، اعتبر أحد أهم المنجزات التي حققتها الدبلوماسية الأميركية في عراق ما بعد الحرب.

ووفاة الحكيم قد تحرم المجلس الأعلى للثورة الاسلامية من مكانته والاحترام الذي حظي به، وتشدد من حدة المنافسة التي يواجهها المجلس من جماعة أخرى متدينة لكنها أقل خبرة وأكثر تشددا، ترغب في أن يتمكن العراقيون من التعبير بشكل أقوى عن مشاعرهم تجاه الاحتلال.

وبدون الحكيم يكون المسؤولون الأميركيون قد فقدوا على الأرجح أهم أولئك الذين يمكنهم التخاطب مع شيعة العراق، في مرحلة يدرك هؤلاء المسؤولون انها، في افضل وصف ممكن، مرحلة حساسة.

عقب الانفجار الذي وقع يوم الجمعة في مدينة النجف، قال حامد علي جاف، رجل الدين البالغ من العمر 33 عاما، وهو يتأمل ما خلفه تفجير العربة المفخخة «سيكون علينا الانتظار لأعوام عديدة قبل ظهور البديل».

المسؤولون الأميركيون كانوا قد اعترفوا بأهمية الدور الذي سيلعبه الشيعة خلال ترتيبات ما بعد الحرب. واعتبروا ان دعم الشيعة سيكون حيويا خلال المواجهات المحتدمة بشأن الدستور وحكومة ما بعد الحرب. ووصف بعض المسؤولين الأميركيين احتمال حدوث مواجهة أو خلافات داخلية بين زعامات شيعة العراق، بأنه أشبه بالكابوس المزعج.

وكما ظهر بجلاء من خلال رد فعل العراقيين في النجف وبغداد وغيرهما من المدن، فقد تؤدي وفاة الحكيم على المدى القصير، الى كبح جماح الانقسامات في أوساط الشيعة.

ففي تصريح أصدره مساء الجمعة، دعا مقتدى الصدر، منافس الحكيم الرئيسي، والمناوئ الشرس للاحتلال، لتنظيم اضراب عام لمدة ثلاثة أيام احتجاجا على وفاة الحكيم، ثم للحداد لمدة اسبوع. وفي مدينة الصدر، وهي منطقة سكنية مكتظة ببغداد، حيث يتمتع الحكيم بتأييد محدود، توافد الآلاف نحو الشوارع لاظهار تأثرهم بمقتله.

لكن على المدى البعيد، يبدو ان الانقسامات قد تظهر الى السطح، خاصة ان هناك حالة توتر ملحوظة ظهرت خلال الأشهر الأخيرة، دفعت البعض للحيرة وتميزت بتحول الولاءات من جناح الى آخر.

فخلال الأيام التي أعقبت سقوط صدام، قام حشد غاضب بقتل عبدالمجيد الخوئي، رجل الدين الشيعي المعروف والذي كانت الولايات المتحدة قد نقلته جوا من منفاه في لندن الى مدينة النجف. كان الغرب ينظر الى الخوئي على انه معتدل، وكان الهدف المعلن لمهمته هو توحيد مراجع الشيعة.

الحكيم هو الآخر ظهر كشخصية مرنة. وخلال أعوام المنفى الـ23، ظل يدافع عن قيام دولة اسلامية، بما يعكس موقف الحكومة الايرانية التي وفرت له ملجأ ورعت تأسيس جناحه العسكري المعروف بفيلق بدر.

لكن تصريحاته المعلنة منذ عودته الى العراق خلال شهر مايو (أيار) بدت أكثر لطفا. فقد واصل انتقاد الاحتلال لكنه خفف من وتيرة حديثه عن الدولة الاسلامية. وخلال خطبة الجمعة التي القاها في ضريح الامام علي، ركزت رسالته بشكل أكبر على الوحدة الاسلامية، ولم تهتم كثيرا بأوجه قصور الادارة التي تشرف عليها الولايات المتحدة.

وسيكون شقيق الحكيم عبد العزيز الحكيم، وهو أحد أعضاء مجلس الحكم المكون من 25 شخصية، هو البديل المحتمل. فقد تزعم عبدالعزيز الحكيم فيلق بدر لكنه يفتقد للاتصالات التي كونها شقيقه المتوفى مع كبار المرجعيات الدينية، ولم يحظ بنفس مكانة أخيه كمعارض لصدام حسين.

سياسيا، قد تؤدي وفاة الحكيم على الأرجح الى جعل الصدر أكثر الأصوات المسموعة شعبية. فهذا الرجل، البالغ من العمر 30 عاما، يعد أحد زعماء الشيعة البارزين، وقد استغل محرابه في جامع الكوفة، غير البعيدة عن النجف، للحديث عن معاناة فقراء الشيعة. الأمر الذي جعل شعبيته تتفوق على شعبية الحكيم. كما انه ظل ينتقد الاحتلال الأميركي للعراق وأعلن عن تكوين جيش المهدي، وهي جماعة ما زالت حتى الآن غير مسلحة وتبدو كأنها قوات شرطة تأديبية وليست جماعة مسلحة. وبينما ظلت مكانة كل من الحكيم والصدر ثانوية فيما يتعلق بالشؤون الدينية، مقارنة بأبرز رجال الدين العراقيين، كآية الله العظمى على حسين السيستاني، الا ان هؤلاء الرجال الذين ظلوا ينفرون من القيام بدور سياسي، رغم انهم يمارسونه من خلال مكانتهم الدينية.

فهؤلاء أيدوا ضمنا المساعي الأميركية، ملتزمين بالصمت على الأرجح، لكنهم ظلوا ممتنعين عن القيام بدور سياسي أفضل بهذا الخصوص. وعلى الرغم من الضغوط الأميركية، الا انهم امتنعوا عن تبني موقف متصلب ضد الصدر، خشية ما قد تؤدي اليه تلك المواجهة من أزمة. وعلى الرغم من نفى الصدر، الا ان العديد في النجف وجهوا اليه أصابع اللوم بشأن مقتل الخوئي، ومحاولة الاغتيال التي تعرض لها خلال الاسبوع الماضي رجل دين آخر هو محمد سعيد الحكيم، عم الحكيم المقتول. وقد نجا الرجل من المحاولة بعد اصابته بخدوش في رقبته. لكن العديد من الناس في المنطقة المحيطة بضريح الأمام علي، حيث تناثر حطام العربات وما تعرض للتدمير نتيجة للانفجار، يصرون على ان الموالين لصدام حسين هم وحدهم الذين يمكنهم التسبب في مثل هذا الدمار. وأضاف هؤلاء انه لا يوجد شيعي يمكنه التسبب عمدا في الحاق ضرر بضريح الامام علي.

ولو كانت العربة المفخخة من تدبير الموالين لصدام فان ذلك يعد مؤشرا واضحا على نقاط ضعف الاحتلال الأميركي، والذي بات العديد من الناس هنا يعتبرونه في حالة عزلة شديدة.

وكانت عملية تفجير مبنى السفارة الأردنية التي وقعت يوم السابع من أغسطس (آب)، قد أثارت مخاوف العواصم العربية التي كانت تنظر في مسألة التعامل مع مجلس الحكم، والذي ما يزال يواصل جهوده لكسب ثقة الشعب العراقي. كما أدت عملية التفجير التي تعرضت لها مكاتب الأمم المتحدة في بغداد الى ابعاد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وعدد من الهيئات الانسانية، عن العراق.

وبالنظر الى رد فعل شوارع النجف مساء الجمعة، فان القلة يعتقدون ان عواقب ما حدث نهار الجمعة لن تكون أقل تأثيرا.

فمهما كانت طبيعة المكانة التي احتلها الحكيم، ومهما بلغ مدى أعمال العنف الديني منذ الاطاحة بصدام حسين خلال شهر ابريل (نيسان ) الماضي، الا أن تلك العواقب تهدد بزيادة عمق الانقسامات وبزعزعة استقرار العراق، الأمر الذي قد يؤثر على مساعي التحالف الذي تتزعمه الولايات المتحدة، والرامية الى تحقيق السلام في هذا البلد الذي تمت السيطرة عليه منذ ما يزيد على أربعة أشهر دون أن يهدأ بعد.

ويعتقد هؤلاء ان تفجير الجمعة قد يؤدي الى تصعيد حدة التوتر في أوساط شيعة العراق المنقسمين، وفيما بين الشيعة والأقلية السنية من أبناء العراق الذي تعسفوا بالشيعة في ظل نظام صدام حسين، وفيما بين العراقيين والجنود الأميركيين.

وقد ادى هذا التفجير أيضا الى تعطيل جهود تكوين الحكومة العراقية المنتظرة، بعدما أعلن مجلس الحكم العراقي، المكون من 25 شخصية، والذي كان على وشك الاعلان عن تشكيل الحكومة يوم أمس، عن حالة حداد في البلاد لمدة ثلاثة أيام.

واذا ما أدت مأساة النجف الى اثارة المزيد من حوادث العنف، فان ادارة بوش قد تجد نفسها ملزمة بالتأمل في مسألة قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة، من أجل منع انتشار أعمال القتال والفوضى.

ومع ان وزارة الدفاع الأميركية امتنعت حتى الآن عن بحث امكانية استبدال احتلالها للعراق بعملية حفظ سلام خاضعة للأمم المتحدة، الا ان مثل هذا الدعم قد يكون ضروريا اذا ما قرر التحالف، الذي يحتفظ بقوة قوامها 150 الف جندي من أجل السيطرة على 25 مليون عراق وادارة شؤون دولة بحجم ولاية كاليفورنيا، انه بحاجة الى ما يشد أزره.

يذكر ان الأميركيين يشكلون قرابة 90 في المائة من قوات التحالف، وان العديد من هؤلاء وقد أمضوا بالفعل عدة أشهر هنا، يرغبون في العودة الى وطنهم وذويهم.

وحول الحاجة لمشاركة دولية، قالت تمارا ويتس، خبيرة شؤون منطقة الشرق الأوسط لدى المعهد الأميركي للسلم، ومقره واشنطن «لا شك ان موقف أعضاء الادارة الأميركية الذين يتبنون مشاركة أكبر للأمم المتحدة، تعزز مؤخرا».

أما أمين عام الأمم المتحدة كوفي أنان فقد حث العراقيين على «الامتناع عن المزيد من أعمال العنف والانتقام»، معتبرا ان هجوم النجف عمل من تدبير مجرمين متتشددين.

وفي انتقاد غير مباشر لادارة بوش، تضمن تصريح أنان «ان عملية سياسية تتمتع بالمصداقية والشمولية والشفافية هي فقط يمكنها أن تؤدي الى تحقيق السلم والاستقرار في العراق».

من جانبهم القى زعماء الشيعة باللائمة على مؤيدي صدام فيما يتعلق بتدبير التفجير، لكنهم أيضا انتقدوا قوات التحالف لفشلها في ضمان الأمن الذي تتحمل قانونا مسؤوليته منذ غزوها للعراق.

وحتى أحمد الجلبي زعيم المؤتمر الوطني العراقي الذي تهيئه واشنطن كخليفة محتمل لصدام حسين، لمح الى ان القوات التي تتزعمها الولايات المتحدة مذنبة لفشلها في المحافظة على النظام.

وقال الجلبي لقناة اخبارية عربية (الجزيرة) «لا أحمل القوات الأميركية مسؤولية اغتيال الحكيم، لكنني أحمل قوات التحالف مسؤولية الأمن في العراق».

أما الحاكم المدني بول بريمر، الذي غادر العراق أوائل الاسبوع الماضي لقضاء عطلته واجراء مشاورات في واشنطن، فقد تحرك سريعا بالتعبير عن تعاطف الولايات المتحدة وتحميل «أعداء العراق الجديد» مسؤولية الهجوم. وقال بريمر في تصريح له «مرة أخرى، قاموا بقتل عراقيين أبرياء. ومرة أخرى، انتهكوا حرمة واحد من الأماكن الاسلامية المقدسة. ومرة أخرى، وبفعلهم القبيح، كشفوا عن وجه الارهاب الشرير».

* خدمة «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»