رئيس ديوان الموظفين يرفض قرار الحكومة الفلسطينية إقالته بحجة أن عرفات لم يقله ومسلحون من «الأقصى» يتحصنون في مكتبه

واشنطن تمارس ضغوطا على الرئيس الفلسطيني لمنعه من التدخل في حكومة أبو مازن وتوقعات بقرب استقالة الأخير بسبب خيبة أمله من الأميركيين والإسرائيليين

TT

في مشهد درامي يعكس الازدواجية السائدة في اروقة السلطة الفلسطينية بسبب الخلاف بين مؤسسة الرئاسة ومؤسسة مجلس الوزراء تمرد امس محمد ابو شريعة، رئيس ديوان الموظفين العام في السلطة الفلسطينية على قرار مجلس الوزراء الفلسطيني في جلسته الاخيرة برئاسة محمود عباس (ابو مازن) القاضي باقالته من منصبه وتعيين محافظ المنطقة الشمالية في قطاع غزة صخر بسيسو، نائب رئيس المجلس الثوري لحركة فتح في موقعه.

وفي الصباح الباكر فوجئ موظفو ديوان الموظفين العام الكائن في حي الرمال الجنوبي بجوار مقر منظمة التحرير بعشرات المسلحين التابعين لكتائب شهداء الاقصى ـ الجناح العسكري لحركة فتح يحيطون بالمبنى ويقتحمونه ويتحصنون على سطحه وذلك لحماية ابو شريعة الذي اصر على رفض قرار حكومة ابو مازن.

ولوحظ ان عناصر شهداء الاقصى الذين كانوا يتمترسون فوق المبنى قد نصبوا رشاشا من عيار 500 ملم، في حين كان يتمنطق بعضهم بأحزمة تحتوي على عدد من القنابل. وازدادت الاجواء توترا عندما حضرت الى المكان قوات معززة من قوة التدخل السريع التابعة لوزارة الداخلية الفلسطينية وقامت بمحاصرة المبنى. واطلق مسلحوا كتائب الاقصى طلقات تحذيرية في الهواء. وقال ابو شريعة للصحافيين انه اتصل بالرئيس الفلسطيني ياسرعرفات الذي اخبره انه لم يصدر أي قرار بإقالته من منصبه، وانه طالما لم يتلق تعليمات منه تفيد باقالته من منصبه فان عليه ان يواصل ادارة الامور بديوان الموظفين.

وبرر المسلحون الذين جاءوا لدعم ابو شريعة وجودهم بأنهم قدموا لضمان تنفيذ توجيهات عرفات التي تنص على ابقاء ابو شريعة في موقعه.

من ناحيته قال صخر بسيسو انه لن يتوجه لتولي المنصب قبل ان يتم حل سوء التفاهم الذي حصل بشأن قرار حكومة ابو مازن. وعلمت «الشرق الأوسط» ان جهودا تبذل من اجل ازالة المظاهر المسلحة داخل وحول مقر ديوان الموظفين. وقال مصدر امني لـ«الشرق الأوسط» ان المسلحين الذين تمترسوا داخل المبنى ينتمون بشكل خاص الى عائلة ابو شريعة وان الذي يحركهم وازع عشائري اكثر منه تنظيمي.

ويعتبر ديوان الموظفين من اهم المؤسسات داخل السلطة اذ انه يشرف على اوضاع اربع وثلاثين الف موظف. وقالت مصادر فلسطينية ان ما جرى في ديوان الموظفين هو ابرز صورة من صور الخلاف المتفاقم بين عرفات وابو مازن. واشارت المصادر الى انه في حال اصر عرفات على الابقاء على ابو شريعة فانه بالامكان الالتفاف على ذلك من خلال عدم اعتراف وزارة المالية على قرارات ديوان الموظفين وعدم اعتماد توقيعات مديره.

ويأتي هذا التطور الخطير في وقت تتهم فيه الولايات المتحدة الرئيس عرفات بمحاولة التدخل في شؤون الحكومة واعاقة عملها وكذلك في وقت يجري فيه الحديث عن ان ابو مازن قاب قوسين او ادنى في الاستقالة من منصبه ليس بسبب معوقات عرفات بل بسبب خيبة الامل التي اصابته بسبب السياسات الاسرائيلية ومواقف الادارة الاميركية. وقال مصدر فلسطيني كبير لـ«الشرق الأوسط» ان مسألة استقالة ابو مازن ليست مستبعدة لان اسرائيل والولايات المتحدة خيبتا امله، لانه اكتشف بعد اكثر من اربعة اشهر على توليه رئاسة الوزراء، انه كان واهما وان الوعود الاميركية والاسرائيلية بمساعدته لم تكن سوى «وعود فارغة». واضاف المسؤول «ان ابو مازن ايقن ان المماطلات الاسرائيلية والاميركية في تنفيذ الوعود ليست الا لشق الصف الفلسطيني واثارة الفتنة».

وان لم يستقل ابو مازن بمحض ارادته فانه قد يجد نفسه مضطرا الى ذلك اذا ما حجب المجلس التشريعي الثقة عنه في الجلسة الاستثنائية المقررة غدا بالاتفاق بينه وبين احمد قريع (ابو علاء) رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، وذلك لاطلاع المجلس على ما قامت به الحكومة خلال الفترة السابقة وتجديد الثقة.

ويتهم البعض ابو مازن بانه اثبت عجزا في تحقيق اي انجازات فعلية بعد اكثر من مائة يوم على حكومته. هذا اولا لكن الاهم من ذلك هي الخلافات الشديدة التي يتهمه البعض في اثارتها مع الرئيس عرفات. وحتى بعض من تحمسوا لابو مازن من قادة الصف الثاني في حركة فتح، بداية كجزء من الإصلاحات في السلطة الفلسطينية يرون كما قالت صحيفة «يديعوت احرونوت» في عددها الالكتروني أن على أبو مازن أن يتماشى مع عرفات أو أن يستقيل من منصبه.

ويتصدر هؤلاء محمد حوراني وقدورة فارس وهما ايضا عضوان في المجلس التشريعي وكانا عشية تشكيل الحكومة من أشد المتحمسين لأبو مازن، غير أنهما وأعضاء آخرون في المجلس التشريعي من امثال حاتم عبد القادر، باتوا يعتقدون انه إذا ما استمر ابو مازن بمناكفة الرئيس فانه سيجد نفسه خارج السلطة. ونسبت «يديعوت احرونوت» الى حاتم عبد القادر القول «إذا اضطررنا في يوم من الأيام أن نختار أحدا من بين الاثنين فسنفضل الذي انتخبه الشعب، أي عرفات، وعلى محمود عباس أن يذكر أنه فـُرض على الشعب الفلسطيني». وأضاف عبد القادر انه «منذ تعيين أبو مازن والشعب الفلسطيني مشغول بإخماد حرائق داخلية وكأن حرائق الاحتلال لا تكفي. إننا نريد رئيس وزراء يدرك أنه ليس في خانة واحدة مع عرفات وإذا اضطررنا للاختيار، فإننا سنختار الرمز، الرئيس».

وخيبة الامل من ابو مازن ووزيره للشؤون الامنية محمد دحلان ليست مقتصرة على الجانب الفلسطيني بل وحسب مصادر دبلوماسية إسرائيلية فإن الشعور بخيبة الأمل منهما يزداد داخل الإدارة الأميركية لكن ليس امامها خيار آخر ويظلان العنوان الوحيد للمحادثات بالنسبة لها. وكررت اول من امس القول انها تعتبر عرفات عقبة في طريق السلام وتطبيق خريطة الطريق ورفضت دعوته للفصائل الفلسطينية بالالتزام بالهدنة ووعده بسحب السلاح غير الشرعي، وهي ذات التصريحات التي فسرت على انها محاولة من عرفات للعودة إلى مركز الأحداث داخليا وخارجيا.

وتمارس الادارة الاميركية ضغوطا شديدة على عرفات للحيلولة دون قيامه بالاطاحة بحكومة ابو مازن حسب قول مصادر اسرائيلية للاذاعة الاسرائيلية، لان مثل هذه الخطوة سيشكل ضربة قاضية لخريطة الطريق ولفرص قيام دولة فلسطينية مستقلة في المستقبل القريب. لأن اسرائيل، وكما اعلنت قبل ايام، انها لن تقبل التعامل مع اي حكومة يرأسها احد رجالات عرفات، لكنها في الوقت نفسه تواصل الهجوم على ابو مازن واتهامه بالتقصير وعدم الايفاء بالتزاماته التي تحددها خريطة الطريق منها القضاء على فصائل المقاومة.