الملك فهد: جهل بعض شباب الأمة فتح باب حملات اتهام للإسلام ولصق الإرهاب به

خادم الحرمين الشريفين يطرح 6 نقاط للدور المنتظر من المساجد على الدورة الـ19 للمجلس العالمي للمساجد

TT

اكد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود ان «مشكلة الجهل التي تسربت الى بعض شباب الأمة، أغرت شبكات الارهاب باستغلال بعضهم لتحقيق أغراض لا يستفيد منها إلا اعداء الأمة، فأساءوا بذلك إلى الاسلام والمسلمين، وفتحوا بابا لحملات اتهام للإسلام، ولصق تهم العنف والارهاب به».

وقال الملك فهد ان انعقاد الدورة الـ19 للمجلس الاعلى العالمي للمساجد، التي بدأت اعمالها صباح امس في مقر رابطة العالم الاسلامي في مكة المكرمة، يصادف ظروفا متغيرة، وأحوالا طارئة على أمة الإسلام، واحداثا غريبة على المسلمين.

واكد الملك فهد في كلمة موجهة للمجلس الأعلى للمساجد ان «المملكة العربية السعودية تشرفت بخدمة الحرمين الشريفين، لتتطلع إلى ان يتحرر المسجد الاقصى ويعود الى الحوزة الإسلامية، كما كان عبر التاريخ، فهو قبلة المسلمين الأولى، وثالث المساجد التي تشد اليها الرحال، وقد ساءها العدوان المتكرر عليه وعلى المصلين فيه، وسوف تبذل كل جهد لحمايته وصيانته، وفكه من الأسر والأذى الذي لحق به».

واعتبر الملك فهد، ان من اخطر تلك الظروف المتغيرة «جرائم الارهاب التي ارتكبها أناس ابتعدوا عن تعاليم الاسلام وجنحوا عن الحق، فوقعوا في الإثم، وسفكوا الدماء، وقتلوا الانفس التي حرم الله، وبثوا الرعب والخوف في قلوب الناس».

واشار الى ان مشكلة الجهل التي تسربت إلى بعض شباب الأمة تسببت ايضا في «التطاول على خاتم الانبياء والمرسلين، محمد صلى الله عليه وسلم، ووصف رسالته ـ وهي رسالة الأمن والسلام ـ بما لا يليق بها».

وخاطب الملك فهد الحضور الذين تقدمهم الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام المملكة العربية السعودية، والدكتور عبد الله التركي امين عام رابطة العالم الاسلامي، ومحمد رشيد قباني مفتي عام لبنان، بالقول «ان هذه الحال المؤسفة ـ ايها الاخوة ـ تتطلب التأمل والنظر والمعالجة»، معتبرا ان «معالجة هذه المشكلة ليس امرا صعبا» مطالبا بالقول «فالواجب تصحيح هذا الفكر الشاذ الغريب من خلال الرسالة الصحيحة للمسجد، البعيدة عن الغلو في الدين».

وأشار الملك فهد الى رؤيته بان رسالة المسجد «هي تعريف الإنسان بحقيقة الإسلام وبمبادئه الصحيحة بعيدا عن الغلو، وتأصيل صلة الانسان بربه، وإحسان علاقته مع خلق الله، والسعي في منفعتهم، فخير الناس انفعهم للناس».

ووفقا لذلك فان خادم الحرمين الشريفين طرح على الدورة التاسعة عشرة للمجلس الاعلى العالمي للمساجد، رؤيته لدور المسجد الحقيقي في النهوض بواقع المسلمين وتنويرهم الى ما يخدم مصالح دينهم ودنياهم في 6 نقاط موسعة عن الدور المنتظر للمساجد في جميع انحاء العالم.

وهنا شدد على ان «رسالة المسجد التي جمعتكم اليوم في بلد المسجد الحرام هي رسالة إصلاح الناس، وبناء المجتمع وفق أسس من الوعي الناضج، والمعرفة الصحيحة لمبادئ الدين، ومن مقتضى الإصلاح لهذه الرسالة محاربة الإفساد في الأرض، ومحاربة الذين يحادون الله ورسوله، وتعريف الناس بما شرعه الله من جزاء المفسدين في الأرض، المحاربين لله ورسوله، قال تعالى (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم)».

واضاف «ورسالة المسجد هي رسالة الأمن والسلام والتواصل والتعاون بين الناس على البر والتقوى، والبعد عن الظلم، ونبذ الإثم والعدوان، وتخليص المجتمع الانساني من شرورهما، قال عز وجل: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)».

وشدد خادم الحرمين الشريفين بالقول «ورسالة المسجد رسالة تأسيس لقواعد التربية والأخلاق والتواد والتحاب بين الناس، وتجمعيهم على الحق بالكلم الطيب والموعظة الحسنة، بعيدا عن الاساليب الفظة الخشنة، قال تعالى: (ولو كُنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك)، وقال جل وعلا: (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)».

واشار ايضا بقوله «ورسالة المسجد هي رسالة العدل بين الناس، والإحسان إليهم، ومنع البغي عليهم، قال الله عز وجل: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)».

واعتبر الملك فهد ان رسالة المسجد «هي تحقيق لوسطية الاسلام، وتثبيتها في وعي الناس، وتربية الناشئة على مبادئها التي لا تقبل المغالاة في الدين، كما أنها لا تقبل التهاون فيه. ولقد تشرفت امتنا بهذه الوسطية، التي تعني الاعتدال في كل شيء، قال الله عز وجل: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)».

وخاطب الملك فهد المجتمعين بقوله «ايها الاخوة الكرام: تعد المملكة المسجد مدرسة تربوية للمسلمين، لذلك فهي تدعم مشروعاتكم وتساندها، وتساعد على نشر قيم الإسلام العظيمة في الأرض، من خلال إعمار المساجد بالعبادة وتقوى الله وتأصيلها لنشر رسالة الاسلام، التي تدعو إلى تحقيق قيم العدل والتسامح والتعاون بين الناس».

وقال الملك «لقد سررنا لما تقوم به رابطة العالم الاسلامي من متابعة وتصد لمحاولات التطاول على الاسلام وعلى خاتم الانبياء والمرسلين محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، كما سررنا لما تقوم به من حوار مع اصحاب الثقافات والحضارات لعرض صور الإسلام الصحيحة وتعريفهم برسالة العدل والسلام التي جاء بها الإسلام».

وفي نهاية كلمته التي القيت بالنيابة عن خادم الحرمين الشريفين، شكر الملك فهد الجميع على ما يبذلونه من جهد في مجالات العمل الاسلامي المتعددة وقال «ندعو الله العلي القدير ان يوفقكم جميعا، وان يعينكم في مهمتكم، وفي انجاز رؤية معاصرة لرسالة المسجد تكون مناسبة للمنعطف التاريخي الذي تمر به الأمة المسلمة».

بدوره اعتبر الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام السعودية ورئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الاسلامي في كلمته التي القاها بهذه المناسبة ان «الحديث عن المسجد طويل يشمل بناء المسجد والقيام عليه وصيانته». واستشهد بالحديث الشريف «من بنى لله بيتا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة» وقال «فلهذا العمل اجر كبير، وقد أخذ به المسلمون».

وقال آل الشيخ «إن المساجد ليست لعبادة الصلاة فقط بل لها ولغيرها من علوم الشرع وهي ملتقى للمسلمين وسبيل لجمع قلوبهم وتوجيه النصيحة لهم من خلال خطبة الجمعة التي يتلمس فيها الخطيب ما يحتاج إليه المجتمع، فهي ارشاد للأمة وقد انطلق العلم والتعليم من المساجد وفيها عقدت رايات الجهاد».

ورأى مفتي السعودية انه «لذلك ينبغي ان تتم العناية بالمساجد واختيار الأئمة والخطباء ممن تجتمع عليهم الكلمة.

وحمل آل الشيخ أئمة وخطباء المساجد في الدول غير الاسلامية مسؤولية لافتة في تعريف حقيقة الاسلام ودوره في نشر المبادئ والمفاهيم التي تدعو لما فيه خير البشرية، وقال «وعلى الأئمة في البلدان غير الاسلامية مسؤولية كبيرة في بيان محاسن الاسلام ودحر الشبه التي يتصور بها اعداء الإسلام صورته والواجب على الخطباء في تلك البلدان القيام بهذه المهمة من خلال منابرهم ولا بد ان تكون المنابر وسيلة توحيد للمسلمين لا وسيلة فرقة».

كما حمل مفتي السعودية رابطة العالم الاسلامي واجب السعي للالتقاء بخطباء خارج العالم الاسلامي وعقد دورات التأهيل لهم وتزويدهم بالخطط النافعة. وقال «نأمل ان تكون جهود الرابطة سببا في رأب الصدع وتوحيد مواقف المسلمين».

كما تحدث في مناسبة افتتاح الدورة الـ19 للمجلس الاعلى للمساجد الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي امين عام الرابطة، حيث رحب بجميع المشاركين، واكد للحضور «ان اجتماعكم في هذه الدورة ينعقد في وقت يواجه فيه المسلمون تحديات كبيرة، ففي كل يوم نواجه فتنة يهتز لها قلب المؤمن فرقا ودهشة، ويخاف أن تكون هلَكَتُه، وخليق بكل امرئ مؤمن ان يحذر الفتن، ويخشى عواقبها على دينه».

واعتبر التركي «إن رياح الفتن لتعصف من خارج العالم الاسلامي ومن داخله. أما الرياح العاصفة من الخارج، فهي تلك المكايد التي تتجه إلى ديننا وامتنا، تخويفا للناس من خطر الإسلام العظيم، الذي لولا عظمته واعتقاد المسلمين بأنه منزل من عند الله، وانه غالب ظاهر على الدين كله، لما جلب عليه اعداؤه بصولات وجولات، ظانين انهم سيأتون يوما ما على بنيانه من القواعد».

واعتبر «ان الرياح العاصفة بالفتن من داخل الامة، فهي تلك التي تظهر في فكر زائغ منحرف عن صراط الله المستقيم، مفتون بثقافة قائمة على مفاهيم لا تتصل بالله، ولا تقيم وزنا للفضيلة، ولا تنظر للانسان إلا من زاوية شهواته ورغباته المادية».

وقال التركي ان الاجتماع التاسع عشر للمجلس الاعلى العالمي للمساجد «فرصة للتشاور فيما ينبغي ان نقوم به او نصدره وندعو إليه وبخاصة في ضرورة ايضاح المفاهيم الشرعية ايضاحا شافيا، وبيان ما يجب لأولي الأمر من السمع والطاعة، وما يجب لهم من النصيحة والتعاون معهم فيما ولاهم الله من امر المسلمين».

من جانبه اعتبر الدكتور محمد رشيد قباني مفتي لبنان ان رابطة العالم الاسلامي «تأسست في مكة المكرمة لتكون أول منظمة إسلامية عالمية تعنى بشؤون الإسلام ودعوية في العالم، وبالمسلمين واوضاعهم، وبسبل النهوض بهم وبمجتمعاتهم، وتعزيز دورهم في خدمة الإسلام ورسالته».

ويرى قباني ان المجلس الاعلى العالمي للمساجد في رابطة العالم الاسلامي تأسس «ليكون اول منظمة اسلامية عالمية تعنى بشؤون المساجد ورسالتها في العالم، وبسبل النهوض بها وبعلمائها، وتعزيز رسالتها».