فضل الله لــ«الشرق الأوسط»: أستبعد «لبننة الصراع» بين السنة والشيعة في العراق

قال إن الشيعة أينما كانوا لا يملكون مشروعا خاصا لحكم الآخرين

TT

لا يخفي المرجع الشيعي اللبناني الشيخ محمد حسين فضل الله حزنه لاغتيال ابن خالته ورفيق فكره محمد باقر الحكيم وان كان لا يحتاج الى الكلام ليعبر بقسمات وجهه واعيائه عن فداحة خسارته، لا سيما انه مر بتجربة فظيعة مماثلة عام 1985، نجا منها بأعجوبة.

ولا يتردد فضل الله لدى قراءة هذا الحدث وما رافقه من تطورات على الساحة الشيعية العراقية في توجيه اصابع الاتهام الى الولايات المتحدة كونها المسؤولة عن الأمن. لكنه يستدرك قائلاً في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لا نستطيع تحديد المسؤول بالمعنى القضائي لأننا لا نملك اي دلائل في هذا الموضوع».

ويستبعد فضل الله ما يحكى عن احتمال اثارة فتنة بين الطائفتين الشيعية والسنية في العراق، محذراً من المصطادين في الماء العكر ويعتبر فضل الله «ان التطرف الذي يشمل العالم الاسلامي وينطلق في استراتيجية من العنف يمثل نوعاً من انواع التخلف السياسي لأن المقاومة والجهاد يتطلبان دستوراً وبرنامجاً وتخطيطاً وليس مجرد لافتة ترفع او اندفاعة غير محسوبة».

ويؤكد ان الشيعة حيثما وجدوا «لا يبيعون اوطانهم ولا ينساقون الى اي نزعة تقسيمية»، ويستبعد فضل الله اي «لبننة» للملف العراقي، مراهناً على وعي العراقيين لسلبيات اي صراع طائفي، فيما يعتبر ان النظام اللبناني طائفي يفسح في المجال للاستغلال الخارجي.

وفي ما يلي نص الحوار:

* يعكس المشهد الشيعي العراقي بعد سقوط نظام صدام حسين ملامح صراع وتصفيات شيعية ـ شيعية، كيف تقرأون هذه الملامح بعد اغتيال المرجع الشيعي محمد باقر الحكيم؟

ـ لا اتصور ان ما حدث في الدائرة الشيعية يمثل تصفيات شيعية ـ شيعية بالمعنى السياسي او بالمعنى الديني على مستوى التنافس بين موقع وآخر، لاننا عندما ندرس المسألة نجد امامنا في البداية مقتل المرحوم السيد عبد المجيد الخوئي. ونلاحظ انه لم يكن مستهدفاً، لكن ما ادى الى مقتله هو تدخله في الفوضى التي احاطت بمحاولة بعض الناس الانفعاليين او المشبوهين لاعتقال وكيل الحوزة الحيدرية. وهو كان في النجف قبل هذا الوقت، ولم يكن يعترضه احد. وكان يتنقل بشكل طبيعي. اما اغتيال السيد محمد باقر الحكم فقد سبقته مسألة تفجير السفارة الاردنية ومقر الامم المتحدة، مما يجعل المسألة تدخل في هذا السياق. وفي دراستي الدقيقة لا اجد اننا نستطيع ان نتهم الجهة الشيعية في هذا العمل، لأنه لا بد ان يصدر عن اجهزة تملك الخبرة العلمية بشكل دقيق وتملك التقنيات بشكل دقيق جداً. وهذا مما لا يتوافر للافراد الذين تتحدث عنهم وسائل الاعلام. لذلك فإن القضية قد تكون اكبر من ذلك. نحن لا نستطيع الآن ان نحدد من هو المسؤول بالمعنى القضائي لأننا لا نملك اي دلائل في هذا الموضوع. لكن من الممكن جداً ان يكون النظام الطاغي مسؤولا بأجهزته، لانه كان يملك تجربة واسعة في تصفية خصومه، لاسيما ان السيد محمد باقر الحكيم كان من اكثر خصوم النظام الطاغي صلابة وقوة وما الى ذلك، كما اننا لا نستطيع ان نستبعد بعض العناصر المرتبطة بقوات الاحتلال او باسرائيل، لان المسألة المرصودة في هذا المجال هي ان قوات الاحتلال ربما كانت تفكر ان السيد باقر الحكيم بما يملك من رصيد شعبي واسع، قد يتحول الى مشكلة في المستقبل، باعتبار انه محسوب ـ على الاقل من قبل اميركا ـ على الجمهورية الاسلامية في ايران. ولذلك فاننا نلاحظ ان قوات الاحتلال كانت تقتحم مكاتب المجلس الاعلى بين وقت وآخر وتعتقل افراده، كما انها في الوقت نفسه نزعت اسلحة فيلق بدر، في الوقت الذي لم يكن فيه هناك في العراق اي اسس للأمن، مما جرد السيد الحكيم من قوة مسلحة تستطيع حمايته في مثل هذه الظروف الصعبة. ونحن نعرف ان اميركا تقوم بمثل هذه العمليات. وانني استذكر في الثمانينات كيف قامت المخابرات الاميركية، باعتراف كبير المخابراتية وليام كيسي، بمتفجرة بئر العبد، (في ضاحية بيروت الجنوبية) المشابهة لهذه المتفجرة التي حصدت ما يزيد على الثمانين شخصاً بين طفل وجنين وشيخ وامرأة، وجرحت اكثر من مائتين آخرين. لذلك لا استبعد وان كنت لا استطيع ان اؤكد، علاقة قوات الاحتلال بشكل مباشر او غير مباشر في هذا الموضوع. وهناك ايضاً الذين يحاولون ان يصطادوا في الماء العكر واثارة فتنة سنية ـ شيعية لان الاصابع قد تمتد الى جماعة صدام المحسوبين على السنة، او بعض الجهات التي هي ربما تأتي من الخارج وقد توصف بأنها سنية او ما الى ذلك، من اجل اثارة فتنة سنية ـ شيعية. لكن العراقيين، من علماء السنة والشيعة، كانوا بمستوى المسؤولية حيث وقفوا موقفاً واحداً في استنكار ما حدث.

* كونكم تستبعدون نجاح فتنة سنية ـ شيعية في العراق، ما هي المعطيات التي تستندون اليها؟

ـ اولاً، الشعب العراقي في تاريخه لم يدخل في صراع طائفي مسلح او شبه مسلح. ورغم التعددية المذهبية التي قد تثير الحساسيات لكن هذه الحساسيات لم تصل الى هذه المرحلة. نحن نعرف مثلاً ان الشيعة كانوا مضطهدين نتيجة الحكم العراقي السابق من الحكم الملكي الى الحكم الجمهوري بتنوعاته. لكن لم يحدث طوال هذه المراحل ان اصطدم الشيعة بالسنة في اي بلد من البلدان التي يختلط فيها الشيعة بالسنة كالبصرة مثلاً. بل كانوا يتعاونون في كثير من مواقعهم مع السنة في مواجهة النظام القائم الذي قتل السنة والشيعة معاً، وان باعداد متفاوتة. هذه النقطة تدخل في مفاصل الكيان العراقي. ثم ان العراقيين سواء كانوا سنة او شيعة، يعرفون ان اي فتنة في هذه الفوضى للسلاح وهذا الاخطبوط من المخابرات الدولية التي تدخل العراق، لا بد ان تحول الارض الى بحار من الدماء ويفنى الجميع. لذلك اعتقد ان عقلاء السنة والشيعة، وحتى القاعدة الشعبية، الا ما ندر من انفعاليين هنا وهناك، يقدرون النتائج السلبية التي قد تحدث اذا وقعت الفتنة، ولعل ما يفسر هذه الذهنية هو وقوف علماء السنة وعلماء الشيعة بعد حادثة الاغتيال الاجرامية واستنكارهم لها. وحتى ان بعض بلدان السنة خرجت في مسيرات عزائية واقامت الفواتح واصدرت بيانات الاستنكار وسمعنا الحكومة السعودية تستنكر بشكل رسمي وبشدة وبقوة هذه المسألة، مع ملاحظة ما صدر عن جامع الازهر. لهذا فإنني كنت منذ بداية الحرب اؤكد ان ليست هناك مشكلة سنية-شيعية ... لذلك كنت اتابع كل تصريحات دونالد رامسفيلد (وزير الدفاع الاميركي) والذين يحاولون ان يصوروا الشيعة وكأنهم مع الاحتلال والسنة ضده. وكنت اعترض على ذلك واشجبه واعتبره اثارة للفتنة بين السنة والشيعة. وقد اتصل بي بعض الاصدقاء من النجف الاشرف واخبرني ان الامور بدأت تستقر وان هذا النوع من الانفعال قد زال.

* ألا يحتمل ان تستورد الفتنة الى العراق من التيارات الاصولية المتطرفة؟

ـ كنت اتحدث عن الشعب العراقي. اما التطرف الذي يشمل العالم الاسلامي، فنحن لا نبرئه من اي عمل ينطلق من استراتيجيته في العنف، بحسب الذهنية الضيقة الافق لتفسيره للنصوص، وفي مواجهته للمشاكل، باعتبار ان العنف هو الطريق الوحيد لحل المشاكل وانه الاقرب الى حل المشكلة. وهذا يمثل نوعاً من انواع التخلف السياسي.

* هل تلاحظون ان التركيز على كون الشيعة غالبية في المجتمع العراقي ويحق لهم تسلم زمام الحكم يثير قلق السنة على حقوقهم وامتيازاتهم؟

ـ هناك مسألة لا بد ان نناقشها بعقل بارد. الجميع يدركون ان الشيعة هم الغالبية في العراق، وقد لا تكون غالبية ساحقة، ولكن على اقل تقدير هم يشكلون 60% من الشعب العراقي. والشيعة في اي مكان عاشوا فيه ليس لهم مشروعهم الخاص بان يحكموا الآخرين. انما الشيعة في العراق بعد التاريخ الدامي من الاضطهاد، يطالبون بان يكونوا مواطنين كبقية المواطنين ونحن نعرف ان الشيعة لم يطالبوا، كما كان يطرح في التداول السياسي، بتقسيم العراق الى دولة شيعية ودولة سنية ودولة كردية. فقد اعلنت الفعاليات الشيعية، من مرجعيات واحزاب وحركات، انها لا توافق على تقسيم العراق. «ونحن مواطنون كبقية المواطنين». اما قضية هل تحكم الاكثرية ام لا؟ فهناك ملاحظة وهي ان الاكثرية الشيعية لا تمثل طيفاً سياسياً واحداً، فهناك العلمانيون وهناك الاسلاميون على تنوعاتهم. ولذلك نجد ان هناك شيعياً في الهوية، لكنه ينتمي الى الحزب الشيوعي او الى احزاب علمانية اخرى، كما نجد في المجلس الانتقالي، هنا لا يمكن التحدث عن شيعة وانما عن علمانيين وغير علمانيين، تماماً كما هي المسألة في تشكيل الحكومة الجديدة، عندما نلاحظ ما اعطي للاكراد وهم سنة في غالبيتهم. كما انه بالنسبة الى التركمان ففيهم سنة وفيهم شيعة ايضاً. لكننا نلاحظ في الاعلام ان الشيعة 13 والسنة 5 والاكراد 5 وتركماني واحد، يعني لم يحسبوا الاكراد، وهم جزء من الشعب العراقي، مع السنة في هذا المجال. وهذه لفتة غير حميدة من هؤلاء الذين يتحركون لاثارة المسألة اعلامياً. انني استطيع ان اؤكد ان الشيعة في العراق كما هم في لبنان وفي الخليج وفي اي بلد، يخلصون لاوطانهم. ولذلك لن يبيعوا اوطانهم لاحد. وليست لهم اي نزعة تقسيمية... ان الشيعة مخلصون لاوطانهم. وهم متجذرون في اوطانهم ويحلمون بان يكون هناك وطن يضم المواطنين على اساس المساواة في الحقوق والواجبات. وكل من يتعدى هذه الحقيقة لا يفهم المسألة الشيعية. واذا كانت تنطلق بعض الاصوات الانفعالية هنا وبعض الاصوات الانفعالية هناك فانها لا تمثل الشيعة.

* لنعد الى الحالة العراقية. ما الربط بين شيعة العراق والجمهورية الايرانية في هذه المرحلة؟

ـ ليس هناك ارتباط دقيق بالمعنى السياسي. ولكن من الطبيعي ان ايران التي هي الدولة الشيعية الوحيدة في العالم والتي تحاول اميركا تطويقها من خلال العراق، كما طوقت من خلال اكثر من بلد في تلك المنطقة الجغرافية. وهي ايضاً تحاول ان تعبث في الداخل الايراني وتستغل الخلافات السياسية بين الاصلاحيين والمحافظين وما الى ذلك من معارضة بعض الجهات الايرانية. لذلك من الطبيعي جداً ان تفكر ايران كما تفكر اي دولة مجاورة للعراق بحماية نفسها من هذا الوضع الجديد الذي تسيطر فيه اميركا على مقدرات العراق وتمد ذراعها الى المنطقة بطريقة او بأخرى حسب تنوع سياستها هنا وهناك. لذلك فإن ايران تحاول الاستفادة من موقعها الديني او موقعها المذهبي او علاقاتها بالقيادات الشيعية الموجودة في العراق لايجاد وضع عراقي متوازن بالنسبة الى وضع السياسة الايرانية او الهم الايراني وما الى ذلك. وهذا طبيعي في حركة اي دولة في نطاق دولة اخرى. ونحن نلاحظ ايضاً ان ايران بدأت تركز علاقاتها الدبلوماسية والامنية مع الدول الاسلامية المحيطة بها ولاسيما السعودية. مما يعني ان ايران لا تتحرك بذهنية طائفية، بل هي تريد ان تنطلق لتخفيف التوتر في المنطقة كلها، لاسيما المنطقة المحيطة بها.

* هل تتوقعون «لبننة» الصراع في العراق واندلاع حرب اهلية بعد صدمة الحرية لزوال حكم صدام حسين؟

ـ أعتقد ان المسلمين الشيعة في تجربتهم القوية وانفتاحهم على العالم من خلال الهجرات التي شردها النظام السابق، وطاولت اكثر من اربعة ملايين شيعي او غير شيعي من العراقيين المعارضين، استفادوا من هذه التجربة، لا سيما في الغرب، فارتفعوا عن مستوى «اللبننة» الطائفية التي يمكن ان تحول البلد الى نار تشعل كل مقدراته. ولهذا فاني اتصور ان الحرية تؤكد الوحدة بدل ان تحدث صدمة انفعالية. والتصريحات الصادرة يراد لها ان تكون الواجهة السياسية للعراق بانه ليس هناك عقل طائفي يعمل على ايجاد حالة تمييزية، لانهم شعروا بان التمييز الطائفي في زمن النظام السابق الطاغي قد ادى الى هذه النتائج، لذلك اذا اخذوا باسباب التمييز الطائفي لحساب الشيعة فعليهم ان ينتظروا نتائج سلبية وساحقة كالتي حصلت مع النظام السابق.

* ترددت اخيراً تحذيرات من فتنة شيعية ـ سنية، ما رأيكم بذلك؟

ـ اعتقد ان الذين تحدثوا عن الفتنة السنية ـ الشيعية، كان حديثهم وقائياً لاجل تسجيل نقطة سلبية واسعة على الاحتلال الاميركي، فالشعب العراقي غير معد للدخول في هذه الفتنة. هناك فرق بين الشعب اللبناني والشعب العراقي، باعتبار ان النظام اللبناني هو نظام طائفي، تمثل فيه كل طائفة ولاية مستقلة. وقد عبرت في بعض التصريحات ان لبنان هو ولايات غير متحدة، لذلك فانني اتصور ان ما حدث في لبنان لا يحدث في العراق. والثغرات الموجودة بين الطوائف في لبنان، تفسح المجال لكل طائفة بان تستقوي بالخارج. ولذلك يستغل الخارج هذه الثغرات للنفاذ الى داخل الواقع اللبناني من اجل ايجاد مشكلة هنا او مشكلة هناك.