انحسار الزيجات في بغداد نتيجة تدهور الوضع الأمني والنساء ابتعدن عن صالونات التجميل بسبب الخوف من الخطف

TT

تقبع النساء اللواتي تعين عليهن، في السابق، ان يطلبن موعدا مسبقا قبل اسابيع، من اجل صبغ شعرهن وتلميع اظافرهن، وتجميل حواجبهن، على يد الحلاق البغدادي ماجد العبيدي، اليوم في بيوتهن. فمعظمهن يخشين النهابين والمختطفين وقطاع الطرق في حال مغادرتهن البيوت حتى من اجل هذه الطقوس الاساسية بالنسبة للنساء العراقيات.

ويمتلك العبيدي ما يزعم انه اكثر محلات التجميل اناقة في بغداد، وهو أحد اجمل صالوني تجميل تبقيا في العاصمة ويواجه نهر دجلة. فهناك مشهد قصر لصدام حسين عبر الطريق، حيث يقع صالون العبيدي الذي كان يمارس فيه تجميل الفنانات والمغنيات وعارضات الازياء.

ويقول العبيدي انه قبل الحرب كانت تجري عملية حجز في محلات التجميل الخمسة التي يضمها الصالون منذ الصباح الباكر حتى الساعة العاشرة مساء. وتكلف تسريحة الشعر في صالون العبيدي خمسة دولارات، وهو مبلغ باهظ جدا في بغداد حيث يمكن ان يكلف قص الشعر في صالون آخر ببغداد مبلغ دولار ونصف. وكان متوسط الدخل الشهري في فترة ما قبل الحرب في العاصمة يتراوح بين 30 الى 60 دولارا شهريا، ولهذا فان النخبة العراقية وحدها هي التي كانت تستطيع التعامل مع صالونات العبيدي.

وفي فترة ما بعد الحرب اقتحم لصوص مسلحون الصالون، وسرقوا المال الموجود فيه، وجهاز التلفزيون من قاعة الانتظار، بل وانتزعوا الساعة المعلقة على الجدار. واستبدل العبيدي جهازا جديدا بالتلفزيون المسروق، وعبأ الرفوف بمستحضرات اوروبية يصعب الحصول عليها، وقد اشتراها خلال زيارة قام بها لأقرباء له خارج العراق.

وحتى في هذه الحالة لم يعد الزبائن الى الصالون. ويقول العبيدي «ان النساء خائفات من المجيء الى هنا لأن المكان بعيد عن مركز المدينة. وهذا الشارع غير آمن».

ان الاستماع الى احاديث الناس يجعل بغداد تبدو وكأنها تحت سيطرة قطاع الطرق من افراد العصابات الاجرامية الذين ينتظرون في نقاط التقاطع نهب الناس او اختطاف النساء اذا ما ابطأت السيارة. وقد كشفت دراسة حديثة اجرتها منظمة «مراقبة حقوق الانسان» ان النساء العراقيات يعانين من الشلل بسبب الخوف من الخطف والتعرض للاغتصاب، الى حد انهن غير مستعدات لمغادرة بيوتهن الى المدرسة او العمل، ناهيك عن صالونات قص الشعر.

وكان الشارع الذي يقع فيه صالون العبيدي من بين اكثر شوارع بغداد اناقة، حيث معارض الفنون، ومطاعم السمك الجميلة في الهواء الطلق. اما الآن فالنفايات تتراكم، ووضعت سلطة التحالف المؤقتة حاجزا في الطريق لمنع مرتكبي التفجيرات الانتحارية من مهاجمة فندقين رئيسيين يقعان في الشارع.

ويقول العبيدي «ان الامر سيء، سيء جدا، وانا اشعر بالخوف عند الخروج. اتصور كل شخص لصا ينتظر سلب ما في جيوبي. النساء خائفات جدا. وهناك القليل من الاعراس في الوقت الحالي، فالناس يقيمون الحفلات في البيوت، ولا احد يخرج».

وبدون حفلات لا حاجة الى ماكياج جديد يسبق الزفاف. وفي الحالات النادرة عندما تقرر المرأة انها بحاجة ماسة الى تجميل فانها تتوجه، على الأغلب، الى صالون آخر للعبيدي، انه يقع في مكان ضيق في الطابق الثاني من صف من محلات البقالة وبيع الفواكه في حي المنصور الذي تسكنه الطبقة الوسطى.

وتشهد مديرة الصالون وفنانة الماكياج ياسمين خضير، 31 عاما، انتعاشا بطيئا في عمل صالون المنصور. وتقول ان ذلك قد يكون علامة على عودة الحيوية الى النساء والعاصمة. فقد جاءت فتاتان خلال فترة الصباح لعمل ماكياج لهن لحضور حفل تخرج. وطلبت عروس موعدا لماكياج ما قبل الزواج خلال يومين.

وتقول ياسمين انه «لأمر مهم بالنسبة للوضع النفسي. فقد تركت الحرب اضرارها على الوجه والشعر، بسبب الافتقار الى الكهرباء. وقد بدأت النساء ملاحظة ظهور الشعر الاشيب، والتعب على الوجه.. ولذلك بدأن بالعودة الى صالون التجميل لانهن بحاجة الى اجراء تغيير».

اليوم هو الاثنين، وهو يوم ميمون بالنسبة للأعراس. وفي صالون المنصور تجلس سهام مشكور، 23 عاما، وقد جرى تسريح شعرها البني الغامق المنسدل حتى خصرها، وقد ثبتت فيه زهورا، استعدادا لحفل الزفاف في تلك الليلة. وقد انتظرت مناسبة الزفاف فترة طويلة، ولكنها لن تكون يوم احلامها.

فقد اعلنت سهام وعريسها، وهو احد اقربائها، خطبتهما قبل بدء الحرب يوم 19 مارس (آذار) الماضي. وغالبا ما تجري حفلات الزفاف خلال شهر في اعقاب الخطبة. وبسبب ان الحرب كانت وشيكة فقد تأجل الاحتفال.

ولا بد، الآن، من إقامة حفل الزفاف في اعقاب الحرب. ويتعين على العائلة العمل في اطار حظر التجول في بغداد الذي يبدأ في الساعة الحادية عشرة مساء، ولهذا فان حفل الزفاف يجب ان يمتد من الساعة السادسة حتى الثامنة مساء لمنح افراد العائلة وقتا كافيا للعودة الى البيت. ولن يأتي الاقارب المقيمون خارج المدينة لانهم يخشون اللصوص في الطريق. ولن تلتقط سهام صورا تقليدية لزفافها لان والدها يشعر بأن الاستديو غير آمن، وقد يثير التقاط الصور في الخارج انتباها غير مرغوب فيه.

وستقام الحفلة في بيت العريس بدلا من الفندق، كما كان مخططا له سابقا. فالكثير من الفنادق في بغداد، مثل فندق الرشيد حيث اقام شقيقها حفل زفافه، قد جرى شغلها من قبل الزوار الاجانب او من قبل سلطة التحالف.

وتقول سهام انها عصبية وقلقة لا بشأن الزواج وانما بشأن الارهاب. وتضيف «انا خائفة من القنابل. انهم يقولون انك يمكن ان تصادفها حتى في الصالونات».

ومع ذلك، فقد اصرت على زيارة الصالون، على الرغم من ان عائلتها كانت تخشى من احتمال اختطافها في الطريق الى هناك. وقد ناشدت سهام اباها واشقاءها قائلة «انه اليوم الوحيد المميز في حياتي».

وقد وافق والدها، ولكن فقط عندما تطوع احد الاقارب بحراسة سهام وشقيقتها وابنة عمها واحدى قريباتها اثناء توجههن الى الصالون.

وهذه هي المرة الاولى التي يذهبن فيها الى الصالون منذ ما قبل الحرب. لقد كن معتادات على المجيء بانتظام استعدادا للحفلات والمناسبات الخاصة. وكانت آخر مرة بمناسبة حفل زفاف شقيقها يوم 13 فبراير (شباط) الماضي. وقد اخترن الصالون الاصلي الاصغر الواقع في حي المنصور لانهن يعتقدن انه اكثر امانا.

ولكن قبل الانتقال عبر المدينة خلعت النساء الاربع مجوهراتهن الذهبية، ما عدا خاتم زواج قريبتهن، والأساور الذهبية التي كانت ترتديها سهام وابنة عمها كحلقات خطوبة.

وقالت شقيقة سهام الكبرى، احلام مشكور، 25 عاما، انه «لم يكن الوضع آمنا حتى الآن. وحتى هذه اللحظة، وأنا اجلس هنا، ما ازال اشعر بانه من غير الآمن ان اغادر البيت. لقد سمعنا ان هناك عمليات اختطاف في الشوارع، ولهذا نحن خائفات».

واضافت انه «من المؤكد اننا لم نستطع المجيء لوحدنا. ولم يرغب والدي في ذهابنا على الاطلاق. لقد كان يريد منها ان تذهب الى بيت عريسها بدون ماكياج، وبدون تسريحة شعر. انه رجل من طراز قديم».

* خدمة «يو. اس. ايه توداي» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»