السعودية لديها مخاوف من تهريب أسلحة عبر الحدود مع العراق لكنها تدرك صعوبة التسلل لأنها أرض صحراوية

الرياض تبدأ مشروع الحزام الاسفلتي الحدودي الذي يضع مداخل 7 دول تحت المراقبة * خبير سياسي: السعودية أحسنت صنعا عندما طلبت الكشف عن هويات المتهمين وصفحات تقرير الكونغرس

TT

نشبت معركة كلامية بين الحكومتين السعودية والاميركية بعد اتهامات من الاخيرة بدخول متسللين وشحنات اسلحة عبر الحدود الى العراق، وان ذلك يقف وراء عمليات التفجير الاخيرة.

وكانت وزارة الداخلية السعودية قد باشرت قبل أشهر المرحلة الاولى لمشروع هدفه احكام السيطرة على حدودها من المتسللين من العراق والكويت والاردن تحت مسمى «الحزام الاسفلتي» المخصص لدوريات حرس الحدود بطول 2400 كيلومتر، وهو طريق معبد يطوق الحدود البرية للبلاد بمسافة تتجاوز 5200 كيلومتر، وبعرض 10 أمتار ويخدم دوريات قطاع حرس الحدود.

وتقدر تكلفة المشروع، بـ53 مليون دولار، ويبدأ من محافظة الخفجي على الحدود السعودية مع الكويت (شمال شرقي البلاد)، واختتمت على بعد 270 كيلومترا عند المثلث الحدودي مع الكويت والعراق، حيث يعيش اكثر من 80 عسكريا سعوديا مع ثلة من الضباط في مقر الوحدة الميدانية المكلفة تنفيذ المشروع. ومعظم الافراد من الطاقم العسكري في المقر التابع لقيادة قطاع حرس الحدود من حملة الشهادات والدورات الفنية في اعمال انشاء الطرق.ويعد الحزام الاسفلتي على طول الحدود البرية السعودية، بمثابة مشروع استراتيجي امني واقتصادي مهم للبلاد، وللسعودية حدود برية مع 7 دول عربية. في الشمال الغربي الاردن، وفي الشمال الشرقي العراق والكويت. في حين يحدها برا من الشرق كل من قطر والامارات العربية المتحدة وشمال غرب سلطنة عُمان. ومن الجنوب تحدها عُمان واليمن. وهذا يظهر حرص السعودية على تأمين حدودها لاسباب امنية سعودية قبل كل شيء. وهذا من شأنه الرد على المزاعم القائلة بان سعوديين يتسللون من السعودية الى العراق. الى ذلك اعتبر محللون سعوديون المزاعم التي اطلقتها وزارة الخارجية الاميركية بتسلل جماعات ارهابية الى العراق عبر الحدود السعودية أمرا لا يستند الى حقائق او معلومات صحيحة، وربما يكون الهدف منه هو اثارة زوبعة اعلامية بهدف اشغال الرأي العام الاميركي، من جراء تساقط الجنود الاميركيين في العراق نتيجة الهجمات اليومية، والضغوط التي تواجهها وزارة الدفاع الاميركية من قبل اسر الجنود بسرعة عودتهم، وهو ما تسعى اليه حاليا الادارة الاميركية باسناد مهمة المتابعة الامنية على جنسيات أخرى بدعم من الامم المتحدة.

ويضيف المحللون أن المعلومات التي تستقي منها الخارجية الاميركية، هي في الواقع جهات من مصلحتها التأثير على العلاقات الجيدة بين البلدين، وايضا جهودهما المكثفة في محاربة الارهاب، معتبرين أن الملاحقات الامنية التي تنفذها السلطات السعودية على الجماعات الارهابية في الداخل تأكيد على انها عازمة على القضاء عليه بالكامل. وتأتي تعليقات المصادر السعودية، بعد التصريحات الاخيرة لنائب وزير الخارجية الاميركي ريتشارد ارميتاج إلى قناة تلفزيونية عربية، يزعم فيها «أن بعض الاشخاص الذين يهاجمون القوات الاميركية في العراق يتسللون عبر الحدود السعودية».

ونقلت وكالة رويترز للانباء عن ارميتاج قوله «ان الحدود مليئة بالثغرات تماما وحقيقة اننا اعتقلنا عددا معينا من المقاتلين الاجانب في بغداد وحول العراق، تشير الى الطرق التي يدخل بها هؤلاء الاشخاص الى البلاد من ايران وسورية ومن السعودية».

ويقول لـ«الشرق الأوسط» مصدر سعودي مطلع ان تلك المزاعم لا تستند الى حقائق مدعمة إنما هي إدعاءات، الغرض منها تضخيم الاشاعات والاقاويل واولئك الذين يريدون الاصطياد في الماء العكر بهدف زعزعة العلاقات بين البلدين.

ويضيف المصدر الذي كان يتحدث من واشنطن، أن الولايات المتحدة الاميركية لم تكن تتوقع ان يأتي الرد السعودي سريعا على تصريحات نائب وزير الخارجية، الامر الذي جعل الموضوع ينتهي في مكانه قبل ان يمتد وتتناوله وسائل الاعلام المختلفة بطريقة ربما تقصد منه الاساءة الى السعودية فقط.

وقال عادل الجبير مستشار ولي العهد السعودي في مقابلة مع وكالة اسوشيتدبرس «أننا مهتمون جدا بهذا الموضوع لاننا نريد ان نتصرف ولكن ليس لدينا دليل على عبور سعوديين الى داخل العراق كما اننا لم نتلق دليلا من الحكومة الاميركية».

واضاف أن حكومته عرضت ارسال فريقا خاصا بها من المحققين لمساعدة مسؤولين اميركيين لتحديد احتمال قدوم اي سعوديين مغتربين والذين يمكن ان يكونوا قد عبروا من دول اخرى مثل ايران او فعلوا ذلك عبر الصحراء بين العراق والسعودية.

وتعتقد مصادر سعودية أن المخاوف المتوقعة من الفلتان الامني في العراق، ربما يساعد في تهريب اسلحة الى السعودية من قبل بعض الجماعات هناك العراقية التي يمكن ان تتحول الى سوق لبيع الاسلحة أو تجار أسلحة، وهو الامر الذي يعني انه قد يشكل قلقا امنيا لدى المسؤولين السعوديين.

وتضيف تلك المصادر أن الرد القوي الذي لم يكن متوقعا جاء على لسان مصدر مسؤول عقب انفجارات النجف وذهب ضحيتها اية الله محمد باقر الحكيم الجمعة الماضي، ورددت اشاعات عن القبض على سعوديين من بين المتهمين الذين تم القبض عليهم.

وقال المصدر السعودي «رددت بعض المصادر في العراق ان هناك مواطنين سعوديين متورطين في الحادث الارهابي الذي اودى بحياة محمد باقر الحكيم ولم تذكر هذه المصادر اي دليل على ادعائها وتأمل حكومة المملكة العربية السعودية من هذه المصادر الكشف عما لديها من معلومات وموافاة حكومة المملكة بها بدلا من ترديد اقوال لم يقم عليها اي دليل».

ويقول الدكتور عبد المحسن هلال استاذ العلوم السياسية في جامعة أم القرى في مكة المكرمة، ان الحكومة الاميركية تسعى حاليا إلى تحسين صورتها الداخلية بعد أن اهتزت كثيرا نتيجة المواقف التي اتخذتها، بدأ من الحرب على افغانستان والان في العراق بزعم مكافحة الارهاب، والحقيقة هناك مشاكل داخلية في الولايات المتحدة الاميركية. كما يصفها الدكتور هلال، ويقول «هي تحاول ان تحلها اذا كانت اقتصادية عن طريق العراق، أما اذا كانت ارهابية فهي تريد تثبيت تلك التهمة على السعودية بأنها منبع الارهاب». ويضيف «يبدوا واضحا أن القصة لا تعدو عن انها اشغال للراي العام الداخلي في الولايات المتحدة الاميركية خاصة مع قرب موسم الانتخابات، حيث ان المجتمع الاميركي لا يعرف هل ستقوده الضجة الى «وتر جيت جديدة» مع بوش في حكاية الكذب على الرأي العام الاميركي، مثلما حدث مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير.

ولا يستبعد استاذ العلوم السياسية ان يكون نتيجة قرب موعد الذكرى الثانية لحادثة سبتمبر (ايلول)، سبب في اثارة مثل هذه الموضوعات ما يعزز موقف الولايات المتحدة امام الشعب الاميركي.

ويرى خبير سياسي فضل عدم ذكر اسمه، أنه لنفرض انهم امسكوا بسعوديين، فليس بالضرورة ان يكونوا قد عبروا عبر الحدود، ربما من دول اخرى مجاورة، كما انه لا يبرهن ان للدولة دورا في هذا، فـ«القاعدة» اضرت بالسعودية قبل ان تضر بالولايات المتحدة الاميركية، واسامة بن لادن اول من اضر بها، ويضيف الخبير السياسي، أن معظم الذين عملوا مع «القاعدة» كانوا سعوديين، ولكن تبين ان هؤلاء اضروا بلادهم وقبل كل شيء الانسانية.

ويقول الخبير السياسي، أنه من المفترض ان تكون الدولتان في مركب واحد بدلا من تراشق الاتهامات فيما بينها، خاصة ان الارهاب لحق بهما من الاضرار الكثيرة.

وما يدعم القول السابق من صعوبة وجود متسللين سعوديين عبر الحدود العراقية، تصريحات المصادر اليمنية لـ«لشرق الأوسط» الشهر الماضي من أن السلطات السعودية تسلمت من الحكومة اليمنية السجين المطلوب جروان حمد آل عبدان الذي جرى تهريبه من احد السجون في السعودية قبل اقل من ثلاثة اشهر. وقالت مصادر في صنعاء ان الامن اليمني سلم نظيره السعودي سعوديين مطلوبين هما عبدان ومرافقه وذلك بعد شهر من الملاحقة والمتابعة. وجاء ذلك بينما سلمت السلطات السعودية نظيرتها اليمنية 4 يمنيين بينهما مطلوبان في تفجير الناقلة الفرنسية ليمبورغ في المكلا في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي في تفجير انتحاري تبناه تنظيم «القاعدة».

واوضحت هذه المصادر ان السلطات الامنية اليمنية ألقت القبض على جروان، والمطلوب في السعودية، خلال محاولته مغادرة صنعاء على احدى الطائرات المتجهة الى الاردن. وتابعت المصادر قائلة: «لقد استخدم جروان واحد الذين ساعدوه على الهرب من السجن في السعودية جوازي سفر يمنيين صحيحين لكن بأسماء مستعارة حملت اسم الشعفي والشناني في محاولة للوصول الى العراق عن طريق سورية بغية الاختفاء عن الانظار بعد تراكم الضغوط على مسألة وجوده في اليمن وضرورة تسليمه للسعودية».

ويعود الدكتور عبد المحسن هلال ليؤكد، أن القضية الكبرى لدى الاميركيين هو الدعم المادي اكثر من الدعم البشري، لأن حكاية النعوش الطائرة تزعجهم داخليا، وهم يسعون إلى احضار جنود مرتزقة لتخفيف الضغط الداخلي، بحيث يوافقون على ميزانية الحرب على اكثر من جبهة إما برجالهم او برجال غيرهم.

وقد انتقد عادل الجبير التصريحات الاميركية في هذا الخصوص، موضحا أن حرس الحدود السعودي في حالة تفقد كاملة على طول الحدود المشتركة مع العراق، ولكن القوات الاميركية فشلت في السيطرة على المواقع الحدودية التي تخلى عنها الجنود العراقيون في بداية الحرب.

وقال الجبير «لقد اثرنا هذا الموضوع مع الولايات المتحدة عدة مرات قبل الحرب وبعد توقفها» وأضاف «لقد اثرنا اهمية اغلاق الحدود العراقية مع الحكومة الاميركية بسبب القلق من امكانية تهريب السلاح من العراق الى داخل السعودية».

ونقلت صحيفة الواشنطن تايمز عن مصدر اميركي مسؤول قوله «انه تم القاء القبض على عدد من السعوديين إضافة عدد اخر من المقاتلين الاجانب قدموا الى العراق لمهاجمة القوات الاميركية في العراق».

ويعلق هنا الدكتور بكر العمري، وهو اكاديمي سعودي، أن المؤشرات والمعطيات التي بنت عليها الولايات المتحدة الاميركية موقفها مع العالم، يبين بوضوح حرصها على مصالحها، وربما مثلما تعاملت مع الصين وقبلها في روسيا، فإنها قد تمارس دورها في المفاوضات المتوقعة بين السعودية والولايات المتحدة الاميركية بخصوص الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، ويضيف العمري، أنه من المحتمل ان تمارس هذا الدور لانه معروف عنها، ولكن في الواقع كما يراها العمري، أن السعودية من اولى الدول التي كافحت الارهاب وذلك منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز، حيث قضى على مجرمي قطاع الطرق وايضا الحروب التي كانت تنشأ بين القبائل في شبه الجزيزة العربية، وتمكن الملك المؤسس من القضاء عليه وبناء الدولة الشاملة.

ويضيف، «اتتبع الدبلوماسية السعودية الهادئة، فهي لا تحركها الاستفزازات او التصريحات هنا او هناك، ولم تنزعج من تصريحات الكونغرس بخصوص الصفحات المخفية، وطالبت بنشرها حتى ترد على الحقائق». ويعتقد الدكتور العمري أن الاميركيين شعروا أنهم بدأو يفقدون ثقلهم في السعودية لهذا يحسبون حساباتهم بكل المعايير.

وقالت اليونايتدبرس في تحليلها الاخباري «تعمل السعودية على جبهتين فيما يتعلق بجهودها لمواجهة العمليات الارهابية اذ تسعى من جانب الى ترميم علاقتها المتميزة مع الولايات المتحدة في ذات الوقت الذي تطارد فيه وبنشاط المجموعات الارهابية».

وتناولت الوكالة في تحليلها نشاط السفير السعودي في واشنطن الامير بندر بن سلطان.

وترى، أن السعودية لم تكتف فقط بالحوار الديبلوماسي الهادئ وانما ابرزت وجها متعديا في بعض الاحيان، وايضا تصرحيات الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، الذي دعا الولايات المتحدة الاميركية الى الكشف عن الصفحات المحذوفة من تقرير الكونغرس، حتى تستطيع بلاده الرد عليها.

وحسب مصادر امنية فإن الترتيبات غير عادية على الحدود لاحكام الرقابة عليها، وعدم اعطاء فرصة للمتسللين، رغم ان الفرصة ليست سهلة بالنسبة للمتسللين من الجانب السعودي لكون ان المسافة بعيدة جدا وجميعها اراض صحراوية، ربما توفى الهاربون في الطريق عطشا، بينما الدول الاخرى يبدو الامر مختلفا لانها اراض زراعية ومدن مجاورة يمكن التسلل منها.