قاضي قضية تيسير علوني في إسبانيا اشتهر بملاحقة الفاسدين وأبرز ضحاياه دكتاتور تشيلي بينوشيه

محامي مراسل الجزيرة يتوقع الافراج عن موكله اليوم في الذكرى الثانية لهجمات 11 سبتمبر

TT

منذ سنوات، وإثنان يبثان الرعب في بلاد الفلامنغو: حركة «إيتا» الانفصالية، وبالتسار غارزون، القاضي الاسباني الذي سيفصل في قضية مراسل قناة «الجزيرة» الجوال، تيسير علوني، بعد استجوابه اليوم بالذات في الذكرى الثانية لهجمات 11 سبتمبر (ايلول).

يكتبون ويقولون عن بالتسار غارزون ريال، المولود في 1955 ببيت فقير في بلدة «خايين» بمقاطعة الأندلس، في الجنوب الاسباني، إنه لا يضحك ولو لنكتة ولا يبتسم الا نادرا، وهو حديدي الأعصاب وعبوس وصارم وله تفسيرات قانونية غريبة لطبيعة المجرمين والاجرام على أنواعه، كقوله إن الكذبة من أكبر الجرائم أيضا، لأنها تخادع وتشغل البال وتضر «لذلك أكره الكذابين أكثر مما يكره المحكوم بالاعدام حبل المشنقة».

أبوه، إديلفونسو غارزون كروز، كان قطافا للزيتون بالأجرة اليومية في مزرعة لإقطاعي بالخمسينات. وأمه، ماريا ريال، كانت فلاحة تزرع وتقطف للإقطاعي، وتربي في الوقت نفسه 4 أبناء لها من زوجها، الذي يصفه غارزون بأنه كان شبه أمي تقريبا «لكنه الرجل الذي جعلني قاضيا وصرف من جهده وعمره الكثير ليراني مثله أكره الكذابين والمراوغين المعطلين ايجابيات الناس الأبرياء» وفق ما نقلت عن لسانه الصحافية الاسبانية، بيلار أوربانو، في كتابها «غارزون» الصادر قبل عامين في مدريد.

اشتهر بالتسار كصياد بلا هوادة في اسبانيا للمرتشين والفاسدين والارهابيين والمهربين للمخدرات وما ندر، كما وللمستغلين النفوذ بأنواع، حتى رشحوه العام الماضي لجائزة نوبل للسلام، وهذا العام أيضا، لأنه يدافع عن الحريات ويلاحق الطغاة المسيئين للاسبان خارج بلادهم، فكان من أفضل «زبائنه» في هذا المجال ديكتاتور تشيلي الشهير، الجنرال آوغوستو بينوشيه، ومعه أفراد من عائلة جمعة بالأرجنتين، وهم أقرباء لسليمى جمعة، مطلقة رئيس البلاد الأسبق، السوري الأصل كارلوس منعم.

كان يقول دائما إن حلمه الكبير هو أن يجد وقتا ليتطوع في مهمة انقاذ بأفريقيا «لأدافع هناك عن الفقراء وأساهم بسد احتياجاتهم، لكن السعي لتعطيل الاجرام هنا وهناك هو أيضا دفاع عنهم». وفق تعبيره.

يصفون غارزون بأنه كان وسيما في شبابه وبهي الطلعة، الى درجة أن الفتيات كن يغازلنه في البلدة، حتى انتهى وقت الغزل بزواجه وهو بعمر 25 عاما قبل 23 سنة من صديقته طوال 7 أعوام، ماريا دل روزاريو يايو، فأنجبت له ولدا وبنتين. ويصفونه أيضا بأنه خجول ودقيق في العمل حتى المبالغة، وهو متطلب يهوى موسيقى التانغو وكرة القدم وهواية مصارعة الثيران ومتميز بأناقة فائقة ومصاب بسرساب النظافة الى درجة أنه يغسل الصابونة قبل استعمالها، ولا يحب المدن وملوثاتها، لذلك يقيم في ضواحي مدريد، مكتفيا براتب كراتب زوجته المتخرجة بعلم البيولوجيا تماما: تقريبا 5 آلاف دولار.

مرة، وكان والده قد «تطور» في العمل من قاطف زيتون في البلدة الى صاحب محطة للوقود متواضعة، عمل فيها غارزون لأشهر خلال الليل في الستينات، قال له عند طاولة العشاء إنه يريد أن يصبح قاضيا «فأعطاني أبي وعدا وكلمة شرف بأن يقف الى جانبي حتى التخرج، ولو باع ثيابه.. ذلك رجل نموذجي حقا، وهو مثلي الأعلى في الكلمة والوعد الصادق، ومنه أستمد مناخ اتخاذ القرارات التي أسعى دائما لأن تكون عادلة» كما قال.

وسيحاول بالتسارغازون ان يكون عادلا تماما اليوم حين يستجوب علوني للمرة الاخيرة، حول معلومات طلبها غارزون من المحققين الاسبان، ومن بينها شرائط تنصت على هواتفه طوال اقامته الشهرين الماضيين في عطلة باسبانيا، ومعها معلومات طلبها من 7 دول بينها سورية. لكن محاميه، مانويل دي برادو، تفاءل أمس في مدريد بأن يحمل يوم 11 سبتمبر هدية مختلفة لعلوني، فذكر أنه يأمل بأن يفرج القاضي غارزون عن مراسل «الجزيرة» بعد أن يمثلا معا أمامه اليوم، قائلا إنه علم بأن «أنباء سارة ستعلن» متجاهلا في الوقت نفسه ما اعترف به علوني حين استجوبه القاضي يوم الاثنين الماضي، ووجد أدلة كافية لديه حملته على تمديد احتجازه 3 أيام أخرى وأخيرة، كمهلة للمحققين الاسبان يزودونه خلالها بما لديهم من أدلة مخابراتية تكفي لتوجيه تهمة حاسمة الى علوني، وهي علاقته بشبكة «القاعدة» وخليتها في اسبانيا، بحيث يمكنه في هذه الحالة اتخاذ قرارين: اما اطلاق سراحه بكفالة، لتتم محاكمته خلال 4 سنوات في اسبانيا، الملزم بالبقاء فيها مع توقيعه مرتين شهريا أمام القاضي، أو أن يبقيه سجينا في مستشفى تابع للسجن المركزي بمدريد، باعتباره معتل الصحة في القلب وسواه، حتى يحين موعد محاكمته في أي يوم خلال 4 أعوام، فاذا أدين تحسم المدة التي بقي فيها سجينا من أصل العقوبة التي يتوقعون أن تكون كعقوبة أعضاء حركة «إيتا» الانفصالية، وهي السجن 15 سنة، باعتبار أن القانون الاسباني لا يصدر حكما بالاعدام أو المؤبد.

ومن اعترافات علوني أمام غارزون يوم الاثنين الماضي أنه دفع من 3 الى 4 آلاف دولار لأعضاء في «القاعدة» في 5 أو 6 مناسبات، عندما سافر خلال العام 1995 الى أفغانستان وتركيا، قائلا انه فعل ذلك «كتضامن مع منفيين سوريين» مقيمين في البلدين.

وأكد علوني أيضا بأنه كان يعرف أعضاء آخرين مشتبها فيهم من «القاعدة» ومعتقلين حاليا باسبانيا، كعماد الدين بركات، الشهير بأبو دحداح، وأنهم حلوا في وقت ما ضيوفا في منزله ببلدة «الكافار» البعيدة 10 كيلومترات عن مدينة غرناطة، حيث اعتقله 8 رجال أمن يوم الجمعة الماضي وهو داخل الحمام، وأبناؤه الأربعة نيام في قيلولة. وقال إنه ساعد بعضهم في شؤون دراسية بالاسبانية، لأنه كان مترجما بوكالة أنباء «إفي» الاسبانية قبل أن يفتح للمحطة القطرية مكتبا بكابل ويصبح مراسلها هناك قبل عامين واذا اقتنع القاضي بنفي تيسير علوني لما تشتبه به الشرطة الاسبانية، وهو قيامه بتقديم «دعم» مادي لتنظيم «القاعدة» وانتمائه بصورة ما لخليتها في اسبانيا، فقد يطلق سراحه اليوم بريئا من أي شبهة، فيعود مراسل «الجزيرة» الى عمله من جديد، ولكن من دون أن يحقق وعدا قطعه للقاضي غارزون حين مازحه عندما كان يجيب على أسئلته يوم الاثنين الماضي، وهو أن يعد معه أول مقابلة على شاشة «الجزيرة» بعد أن يطلق سراحه. لكن علوني لم يكن يعرف أن مقابلة مع غارزون أصعب حتى من مقابلة مع بن لادن، لأن أشهر قاض أوروبي لا يعطي مقابلة لأحد ولا تستهويه وسائل الاعلام ولا الاعلاميين.