تضييق رقعة البحث عن بن لادن في منطقة حدودية باكستانية مساحتها 20 ميلا

مسؤول أميركي: نخوض حربا عالية التقنية ضد عدو ينقل رسائله على ظهور الحمير ويخفي أمواله في صفائح

TT

الطريق الترابي الذي يربط بلدة وانا الباكستانية النائية بأفغانستان تحيطه من الجانبين مساكن محصنة بالأسوار. ويقول المسؤولون والسكان، ان هذه الغابات والجبال والكهوف تمثل الاستحكامات الأخيرة التي كان يختفي فيها اسامة بن لادن. ويعتقد أن هذه الاستحكامات من الدوائر ذات المركز الواحد، كانت هي التي تحمي كبار قادة «القاعدة» وتوفر لهم فرصا عديدة للانذار المبكر في حالة حدوث هجوم أرضي عليهم. ومع أن المسؤولين الأميركيين قالوا انهم يوجهون أنظارهم إلى منطقة مساحتها 20 ميلا مربعا داخل هذه المنطقة الشمالية الغربية من إقليم وزيرستان، إلا أنهم يواجهون صعوبات عدة في مطاردة عدو أميركا الأول.

المنطقة هنا خطرة سياسيا بقدر ما هي خطرة جغرافيا. وقبضة الدولة الباكستانية في هذا الإقليم الموغل في المحافظة الاجتماعية والدينية، ضعيفة جدا. وهو يعرف بالحزام القبلي حيث ينتمي السكان هنا إلى قبائل البشتون التي تنتمي إليها حركة طالبان. وقد اصطحب المسؤولون وبعض السكان المحليين أحد المراسلين في جولة حول المنطقة الواقعة بالقرب من بلدة وانا، عاصمة الإقليم، وقالوا ان المنطقة موبوءة بأعضاء «القاعدة». وتقول السلطات بوانا أن ثمانية رجال قتلوا رميا بالرصاص بالقرب من قرية انغور ـ آدا، على اعتبار أنهم مخبرين أميركيين، مما أصاب السكان المحليين برعب شديد منعهم من التعاون مع القوات الأميركية. ويعتقد أن رجال القبائل المسلحين تسليحا ثقيلا، والذين يقومون بإيواء قادة «القاعدة»، يتميزون بقدر من الولاء، أو يتلقون فيضا من الدعم المالي، أو هم ببساطة مصابون بقدر من الذعر، يمنعهم من إعطاء أية معلومات عن زعيم «القاعدة» الذي يعتقد أنهم يقومون بإيوائه.

الشريط الذي ظهر فيه بن لادن، ونائبه أيمن الظواهري، والذي بثته قناة «الجزيرة» عشية الذكرى الثانية لأحداث 11 سبتمبر (أيلول)، صور في منطقة جبلية. وهو يعرض صور الرجلين وهما يحاولان إيجاد طريقهما عند منحدر جبلي وفوقهما أشجار الصنوبر والأرز، بينما يرتديان الزي البشتوني. ولكن لم يكن واضحا متى صور شريط الفيديو، رغم ان الشريط الصوتي المصاحب للفيلم يشير إلى الهجمات الأخيرة في العراق.

ويقول المسؤولون الأميركيون أنهم ضيقوا منطقة اهتمامهم بحيث اصبحت في مساحة ميدان معركة، بالقرب من سلسلة جبال تورا بورا، التي شنت فيها القوات الأميركية والافغانية هجوما للقبض على بن لادن في ديسمبر (كانون الاول) عام 2001. ويقول المسؤولون الأميركيون هنا أيضا مجموعة من النقاط الحساسة، ففضلا عن ان انشغال القوات الأميركية بالعراق قد عرقل الجهود لشن حملة شرسة في تلك المنطقة، إلا انه من الامور الحساسة أن تشن القوات الأميركية بعض المعارك داخل باكستان، حيث تسود نزعات قوية من العداء لأميركا، وحيث يعارض الكثيرون وجود القوات الأميركية في أفغانستان أو في العراق. ويقول المسؤولون الأميركيون أنهم يخشون أن يؤدي شن حملة مشتركة في الحزام القبلي إلى نتائج خطيرة على الرئيس برويز مشرف الذي نجا حتى الآن من ثلاث محاولات اغتيال، منذ أن رمى بثقله وراء الحرب الأميركية ضد الإرهاب عام 2001. وينادي تحالف من الأحزاب الإسلامية المتطرفة منذ الآن بإزاحة مشرف وربما ينال هذا المطلب تأييدا شعبيا أوسع إذا دخلت القوات الأميركية إلى باكستان. وقال مسؤول أميركي كبير « إذا فقدنا مشرف فإننا نكون قد فقدنا الرهان على باكستان».

وتسير القوات الأميركية الخاصة دوريات على الحدود الافغانية من جنوب وزيرستان، منطلقة من قاعدة شكين بإقليم باكتيا،. ولكن بعض المسؤولين الأميركيين في الإقليم يشتكون من أن كثيرا من الوحدات، وخاصة تلك التي تملك مهارات التخاطب باللغة العربية، قد نقلت "إلى العراق. ومع أن الجنود الأميركيين ممنوعون رسميا من عبور الحدود، إلا أن بعض الاشتباكات التي حدثت مؤخرا امتدت إلى الأراضي الباكستانية، ومن ضمنها اشتباك راح ضحيته جنديان باكستانيان. وقد أضفى ذلك الحدث مزيدا من التوتر على وضع كان متوترا أصلا.

تحتفظ باكستان بلواء من قواتها بديار النور خارج وانا، وكانت هناك عمليات صغيرة لاستئصال بعض الجيوب الإرهابية بوزيرستان. ولكن القادة العسكريين هنا يقولون ان قواتهم مشتتة على مناطق شاسعة على الحدود الأفغانية، وان تسليحها وإمداداتها ضعيفة بحيث لا تستطيع شن حملة كبيرة. وقد نشرت باكستان في الايام الأخيرة بعض القوات داخل الحزام القبلي، يقول عنها القادة العسكريون انها تحركات روتينية للقوات، وينفون ما تناقلته وسائل الإعلام المحلية حول أن بعض القوات الأميركية نقلت معها سرا.

أحد العوامل الإيجابية هو ثقة القوات الأميركية الخاصة في جهاز الاستخبارات الباكستاني. ويقول المسؤولون الأميركيون أن الجهود الهائلة التي قام بها الجهاز هي التي أدت إلى القبض على بعض كبار قادة «القاعدة» مثل خالد شيخ محمد. ولكن مع أنهم يشيدون بمستوى التعاون بصورة عامة إلا أنهم يقولون في نفس الوقت أن بعض أعضاء الجهاز ما يزالون يحتفظون بولائهم للمنظمات الإرهابية التي دعموها لعدة عقود أثناء الحرب الكشميرية ضد الهند. قال الصحافي الباكستاني، رحيم الله يوسفزاي:

«سيكون من العسير على جهاز المخابرات الباكستاني أن يقضي على تلك المجموعات قضاء مبرما لأن الحاجة إليها ربما تنشأ مرة أخرى بكشمير».

ويقول المسؤولون الأميركيون أن الحصول على المعلومات الاستخبارية مسألة أساسية بالنسبة إليهم لان طائرات استطلاعهم لم تجمع سوى نذر يسير من المعلومات في الفترة الأخيرة. قال مسؤول أميركي: «نحن نخوض حربا عالية التقنية ضد عدو متدن التقنية. نحن نبحث عن الأموال في البنوك السويسرية مع أنها مخبأة في صفيحة البن. ونحن نراقب الهواتف بينما ينقلون المعلومات على ظهور الحمير».

ويتفق أعضاء جهاز المخابرات الباكستاني على أن الحمير والبغال والجمال تستخدم في كثير من الأحيان كأدوات للصلة بين رؤساء المجموعات الإرهابية. ومن الناحية الاخرى تقول القوات الأفغانية التي تحارب جيشا طالبانيا أفاق لتوه من ضرباته السابقة، أنهم وجدوا رسائل من قادة طالبان في أجساد القتلى. ويعتقد الكثيرون أن هناك شبكة كثيفة من الرسائل المكتوبة بالأيدي تنتشر عبر جنوب افغانستان.

المشاة أيضا يلعبون دورهم في لعبة التوصيل. ويقوم هؤلاء بنقل كبار قادة «القاعدة» وطالبان عبر المناطق المأهولة رغم كل احتمالات القبض عليهم. وهم يشترون لهم احتياجاتهم، ويدفعون الرشاوى لأفراد الشرطة المحليين ويفعلون كل ما من شأنه أن يوفر الحماية والأمن والنقل السليم لبضاعتهم البشرية.

ويستبعد المسؤولون الباكستانيون والأميركيون أن يكون بن لادن نفسه يتحرك كثيرا ويذهب بعيدا عن مقر إقامته. ويقولون أنه سيكون محصورا غالبا في منطقة صغيرة معزولة. ورغم كل الصعوبات التي تعترض شن حملة واسعة، إلا أن المسؤولين يقولون إن الوضع سيزداد سوءاً في غياب مثل هذه الحملة. ويقول القادة الأفغان أن فلول طالبان أخذت تتجمع داخل الحدود الباكستانية وأنهم ينطلقون في حملات للقتل والتصفيات داخل أفغانستان مهددين بزعزعة حكومة الرئيس حميد كرزاي.

وقال القائد الافغاني بالاوان الذي يدخل في معارك اسبوعية تقريبا مع طالبان:

«سيصبح أسامة بن لادن أكثر قوة كلما مر يوم يفلت فيه من القوات الأميركية».

* خدمة كريستيان ساينس مونيتور ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»