محققون غربيون: «القاعدة» تعتمد على المسلمين الغربيين في التجنيد والتخطيط إثر اعتقال عناصرها

معتقلون يكشفون عن مخطط أعده خالد شيخ لاستهداف السفارة الأميركية بفرنسا بطائرات صغيرة موجهة عن بعد

TT

الاسم الحركي الاساسي لهذا الرجل المدان بالارهاب هو «امير طنجة ذو العينين الزرقاوين». ولكن ريشار روبير، كان ذات يوم، رياضيا اشقر يعيش في منزل شيده والده بين المراعي الخضراء في منطقة لوار بفرنسا. وكان روبير يحب الخمر والدراجات النارية السريعة اكثر من حبه للمدرسة. وظهر اهتمامه بالاسلام عندما كان يمارس الرياضة في مركز رياضي تركي في مدينة صناعية مجاورة. فابدى رغبته في اعتناق الاسلام.

وأوضح ابراهيم تكيلي، احد قادة الجالية التركية: «قلت له ان المسألة ليست بسهولة تغيير قميصك». وقال له الامام: «اريدك ان تفكر في الأمر مليا وان تستشير اسرتك». ولكن ريشار رد قائلا: «لقد فكرت في الامر لمدة شهور قبل ان اتخذ قراري. كنت ادير الضوء الاحمر على الجبل كل ليلة وانطلق بأقصى سرعة واسأل الله ان يحميني. ولم تصدمني سيارة مطلقا».

ولكن وبعد 14 عاما من مسيرته الجديدة، وقف ريشار أمام محكمة مغربية مدانا بالارهاب وحكم بالسجن مدى الحياة، يوم الخميس الماضي، بعد ادانته بتجنيد وتدريب ارهابيين مغاربة لتنفيذ اعمال ارهابية. وهذا يلحقه بالتالي بزمرة من الغربيين مثل ريتشارد ريد، البريطاني المعروف «بصاحب الحذاء المتفجر» الذي ادين بمحاولة تفجير طائرة اميركية، والاميركي خوسيه باديلا، المتهم بالانتماء الى تنظيم «القاعدة» والمحتجز حاليا كـ«مقاتل معاد»، والالماني كريستيان غانزارسكي الذي اعتقل في يونيو (حزيران) من قبل الشرطة الفرنسية.

ويقول المحققون ان روبير وغانزارسكي لم يكونا مقاتلين عاديين بل يمثلان توجها خطيرا في الوقت الذي تشن فيه الشرطة هجوما واسعا على الشبكات الارهابية بعد عامين من هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001. فقد صار يلعبان ادوار حيوية في التجنيد لصالح «القاعدة» والتخطيط للعمليات.

ومع تكاثر عدد الاوروبيين الذين يعتنقون الاسلام اتجه المتشددون الاصوليون لتجنيد بعضهم للخلايا الارهابية. ولا تتعلق هذه «التحولات الدينية الاحتجاجية»، كما يطلق عليها الباحث اوليفير روي، بالاعتبارات الدينية بقدر ما تتعلق بنزعات ثورية متطرفة ترجع جذورها الى مجموعات اقصى اليسار الاوروبي في السبعينات والثمانينات. واضاف روي، مدير المركز القومي للبحوث العلمية بباريس: «الشباب الذين يتحدرون من اسر عمالية، معادون بشكل جوهري للنظام. واعتناق الاسلام يمثل بالنسبة اليهم التحدي الاعظم للنظام. وهم يتحولون دينيا لفشل آبائهم. اي انهم يتحولون دينيا بنفس الطريقة التي كان الناس في السبعينات يذهبون الى بوليفيا وفيتنام. انني ارى هنا تقليدا اوروبيا راسخا في التضامن مع قضايا العالم الثالث».

ونسبة لان الهجرة والاوضاع السكانية تدفع بالمزيد من الناس الى اعتناق الاسلام، فان عدد الفرنسيين الذين اعتنقوا الاسلام، قد زاد بصورة مطردة حتى وصل الى 100 الف حسب احصائيات روي. وتشعر الشرطة الاوروبية بقلق شديد ازاء عدد من الاوروبيين الذين اعتنقوا الاسلام، لنفس السبب الذي يجعل «القاعدة» تحتفي بهم ايما احتفاء: وهي قيمتهم الرمزية وجوازات سفرهم الغربية ونزعاتهم المتطرفة. وقال احد ضباط الشرطة الفرنسية: «يعتبر المتحولون الجدد الى الاسلام على رأس الفئات التي تحظى باهتمامنا. فهم حريصون على اثبات قيمتهم امام المسلمين الآخرين. وهم غاضبون جدا، ويريدون ان يثبتوا ان دورهم لا يقدر بثمن».

ولكن ربما كانت الزيادة في اعداد معتنقي الاسلام الجدد، علامة على ضعف «القاعدة» وليس قوتها. فربما تكون «القاعدة» مضطرة الى ملء الفراغ الذي تركه قادتها الغائبون بالقبض او المطاردة. اما الهرمية المحدودة للشبكات الاصولية، فيمكن ان تجعل القيادة تعتمد اساسا على الصدفة والمبادرة الشخصية. وقال محقق اسباني ان «القاعدة» لديها «جنود كثيرون، وبعض الضباط وبعض الجنرالات».

ومع ان غانزارسكي وروبير لم يكونا من الجنرالات، فانهما مارسا المهام القيادية في التجنيد والتخطيط للعمليات. ويقول المحققون ان غانزارسكي، 36 سنة، اصبح شخصية اساسية في اوروبا بعد هجمات 11 سبتمبر نسبة لعلاقاته مع خالد شيخ محمد، منسق عمليات «القاعدة» المعتقل حاليا والذي اعتمد كثيرا على هذه العناصر الجديدة عندما كان مطاردا.

ويحتجز غانزارسكي حاليا في سجن فرنسي باعتباره مشاركا في عملية تفجير الكنيس اليهودي بتونس في 11 ابريل (نيسان) 2002 موقعاً 21 قتيلاً بينهم سياح فرنسيون.

ويقول المحققون ان خالد شيخ محمد اشرف على هذا الهجوم من باكستان، رغم يقظة اقمار التجسس الاميركية التي التقطت بعض محادثاته المشفرة مع المخططين. وبغرض الافلات من الرقابة استخدم خالد شيخ اشخاصا اوروبيين من غير العرب لدعم الانتحاري نزار نوار، حسب معلومات الشرطة. ويقول المحققون ان نزار نوار اتصل بخالد شيخ محمد، في نفس اليوم الذي فجر فيه المعبد وهو داخل الشاحنة بجزيرة جربة، كما اتصل ايضا بمنزل غانزارسكي بالمانيا. ويقول المحققون ان تسجيلا للمحادثة قامت به الشرطة الالمانية يوضح ان نزار كان ينظر الى غانزارسكي كمرشد ديني وطلب منه ان يبارك ما هو مقدم عليه.

ومع ان الشرطة الالمانية لم تكن تملك دليلا يبرر اعتقال غانزارسكي، الذي انكر اية صلة له بالهجوم، فان التحقيق اتسع ليشمل الشرطة الفرنسية والاسبانية والسويسرية. وقد كشفت التحقيقات لاحقا العلاقة القوية التي كانت تربطه بالنواة الصلبة لـ «القاعدة». اذ اتصل غانزارسكي عدة مرات بخالد شيخ محمد الذي يحمل هاتفاً جوالاً سويسرياً، في باكستان وذلك خلال الشهور السابقة للهجوم على جربة، كما توضح ذلك التقارير السويسرية. واشارت التحقيقات السويسرية كذلك الى رجل آخر من المسلمين الجدد هو دانيال او «يوسف» مورغانيج، الذي تقول السلطات انه اصبح صديقا للالماني في السعودية. وقد حققت الشرطة السويسرية مع مورغانيج واطلقت سراحه. ولكن الشرطة الاسبانية والفرنسية تقول انه وغانزارسكي متهمان بانهما حلقة الوصل في شبكة دقيقة قادت في النهاية الى ممول العملية وهو اسباني يعمل في مجال التصدير.

وعلى الجانب الآخر يبدو ان مخطط اعتداء جربة كان جزءاً من مخطط اكبر بقيادة خالد شيخ محمد لنشر المجندين من الاوروبيين.

وقد اعتقل باديلا، المتهم بالتخطيط لتفجير قنبلة مشعة «قذرة»، في شيكاغو في مايو (ايار) 2002 بعد وصوله من سويسرا. وكان باديلا قد اجرى في الاسابيع السابقة لاعتقاله اربع محادثات لنفس الرقم الذي يخص خالد شيخ محمد والذي كان غانزارسكي قد اتصل به من جانبه، حسب معلومات الاستخبارات السويسرية.

ولد غانزارسكي بغلايفيتز في بولندا. وانتقلت اسرته الى المانيا عندما كان في التاسعة من العمر. وقد ترك المدرسة ليعمل معدنيا. ويقول المسؤولون ان احد زملائه العمال، من شمال افريقيا، هو الذي اثر فيه لاعتناق الاسلام. وقال احد كبار المسؤولين الفرنسيين: «يبدو انه منذ شبابه الباكر كان مشغولا بعمق بقضايا الايمان».

ولكن نزعته المتطرفة تعمقت عندما التقى واعظا سعوديا كان يزور المساجد الاوروبية بحثا عن الاتباع من الغربيين. وقد تلقى غانزارسكي عام 1992 بعثة للدراسة بجامعة المدينة في السعودية. وقد قضى هناك ثلاث سنوات مليئة بالمعاناة. وكان يتلقى دراسات خاصة للتعويض عن نقائصه التعليمية السابقة، ولكنه فشل في الدخول الى الجامعة الاسلامية حسب معلومات المسؤول الفرنسي. ومع ذلك فان حماسته لم تفتر.

سافر غانزارسكي الى افغانستان عام 1998 وتدرب في معسكرات «القاعدة»، وشارك في المعارك هناك وفي الشيشان. وقد التقى هناك باسامة بن لادن وغيره من القادة الذين اوكلوا له الاشراف على اجهزة الكومبيوتر والاتصالات. وقال المسؤول ان بن لادن كان يرى في المسلمين الغربيين «سلاحا فتاكا».

رجع غانزارسكي من افغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر وكان مصرا حتى بعد هجمات جربة التي لفتت اليه الانظار، كما يقول المسؤولون، على التخطيط لهجمات جديدة. وقال متعاون معه من دوسبورغ في تحقيق اجرته معه الشرطة الفرنسية ان غانزارسكي بدأ التخطيط لهجوم على السفارة الاميركية بباريس. وقال المتهم كريم مهدي انهما كان يبحثان فرص استخدام طريقة اكتشفها خالد شيخ محمد بقندهار في افغانستان. وتتمثل تلك الطريقة في تعبئة نماذج طائرات بثلاثة الى خمسة كيلوغرامات من المتفجرات وتوجيهها نحو المبنى المقصود بجهاز التحكم عن بعد. وقال مسؤول فرنسي كبير: «وصلوا الى مرحلة الحصول على المواد. وقد اجروا ابحاثا مكثفة على الطائرات الالمانية. يمكنك ان تقود هذه الطائرات من على بعد ميل واحد. وتمثل السفارة هدفا مزدوجا فانت توجه ضربتين بحجر واحد، احداهما للاميركيين والثانية للفرنسيين».

ورفض المسؤولون الاميركيون التعليق على هذه المعلومات قائلين ان سياستهم لا تسمح بمناقشة التهديدات الموجهة الى السفارات.

ويقول المسؤولون ان مهدي اعترف كذلك بانه كان يستطلع اهدافا سياحية مرشحة للهجوم، بجزيرة ريينيون الفرنسية الواقعة في المحيط الهندي. وقال ان غانزارسكي كان مخطط المشروع ومموله، حسب تصريحات وزير الداخلية الفرنسي نيكولس ساركوزي، الذي وصف الالماني بان «عضو قيادي في القاعدة».

سافر غانزارسكي الى السعودية، ومعه اسرته، في نوفمبر الماضي، لكن السعوديين سلموه الى فرنسا. وبناء على القوانين الفرنسية المتشددة في مكافحة الارهاب وجه القاضي جون لوي بروغيير، الاتهام الى غانزارسكي بناء على علاقاته مع المنفذين، وامامه عامان على الاقل لتقديمه للمحاكمة. ومما يثير اهتمام السلطات ان غانزارسكي وجدت لديه ارقام هواتف اثنين من خلية هامبورغ المتهمة بتخطيط لهجمات 11 سبتمبر.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»