السعودية: إصلاحات التعليم ومناهجه بدأت هذا العام

سعوديات يساهمن للمرة الأولى في تأليف المناهج الدراسية الخاصة بالفتيان < إدخال اللغة الإنجليزية في الصف السادس.. والبقية ستعلن لاحقا

TT

ما لبث أن عاد ملف التعليم وقضاياه سريعاً مع قرب بداية السنة الدراسية الجديدة بعد ان اغلق نهاية العام الدراسي الماضي. وكانت مناهج التعليم اخيراً، الأوفر حظاً من سيل الانتقادات، حيث نعتت بتفريخها للارهاب، وتأجيجها لروح الكراهية، فضلاً عن تقديمها المواد الدراسية في صيغة جامدة وكونها وراء فشل الخريجين في الحصول على وظائف.

وزارة التربية والتعليم السعودية بدأت هذا العام برنامجاً يكتمل في عام 2005 ـ2006 يهدف إلى تطوير المناهج والأساليب التربوية. ولفت القائمون على المشروع في الوزارة إلى أن المؤلفين انفسهم سيخضعون للتدريب في اطار برنامج تأهيل وتهيئة يقوم عليه اختصاصيون، وهذه هي التجربة الأولى من نوعها حيث يخضع فيها مؤلفو المناهج للتدريب.

ولعل اللافت في بعض التغيرات التي حدثت في مناهج هذا العام، احتواؤها على اسماء سيدات سعوديات ساهمن في صناعة المناهج مثل مادة اللغة الإنجليزية للصف الأول المتوسط، حتى أن عدد المؤلفات والمراجعات والمدققات في مادة القواعد الخاصة بالصف السادس بلغ 19 سيدة.

يقول الدكتور عبدالإله المشرف مدير الادارة العامة للمناهج في الوزارة لـ"الشرق الأوسط": "نظام تدريب مؤلفي المناهج الدراسية غير متبع عالمياً، ولكنه يدخل تحت إطار التهيئة التي يحتاجها القائمون على أي مشروع كان. فعملية صناعة المنهج عملية نوعية، والمؤلفون، وهم من الكوادر المتميزة، سيخضعون للتأهيل من قبل اختصاصين، فضلاً عن أنهم يملكون خلفية عن أساليب تطوير مهارات التفكير أو لديهم أبحاث متنوعة في المجال التربوي. والقرار هدفه مهني بحت". يذكر ان المؤلفين والمتدربين جميعهم من الكوادر السعودية بحسب المشّرف.

والحال أن قضية التعليم ومناهجه في العام الماضي وصل ضجيجها إلى الخارج، وكانت ابرز التصريحات المعنية بالموضوع قد جاءت من واشنطن على لسان عادل الجبير مستشار ولي العهد، وقال "ان وزارة التعليم في الممكلة أطلقت مشروعاً وطنياً لتقويم المناهج، بما في ذلك الاستعانة بخبراء من أنحاء العالم لتقديم توصيات بهذا الصدد. وأشار الجبير إلى أن "السعودية بدأت تنفيذ اقتراحات ضمنها مشروعان تجريبيان سيطبقان في الرياض وجدة تمهيداً لتعميمهما".

ويرى البعض أن متطلبات التعليم الجديدة، يجب أن تقوم على ادخال مادة اللغة الانجليزية في المرحلة الابتدائية، وهي خطوة أقرتها الحكومة جزئياً حيث سمح بتدريسها من الصف السادس بدلاً من الرابع كما كان مقرراً في وقت سابق. وهي خطوة استقبلها كثير من النخب الثقافية بشيء من البرود، حيث طمحوا إلى تفعيلها من صفوف مبكرة مع تطوير مهارات شرحها والتعاطي معها.

وعلى نفس نسق التطوير رأى كثيرون ضرورة اصلاح مناهج العلوم التطبيقية، والدينية، فضلاً عن تيار جديد يرغب في تعزيز مفاهيم مادة التربية الوطنية واعادة هيكلتها بإضافة وحذف وتطوير بعض ما حواه المنهج بشكل يلائم المرحلة. وجدير بالذكر أن جميع ما سبق يناقش داخل المملكة من أطراف سعودية عديدة، خصوصاً في ما يتعلق بالعلوم الانسانية.

وكانت كلية التربية في جامعة الملك سعود في الرياض ناقشت في إحدى ندواتها أخيرا "المناهج وسبل تطويرها". وهدفت إلى ابراز الأسس الفلسفية والاجتماعية والعقدية للمناهج وإجراء مقارنة مع مناهج بعض الدول مثل أميركا وبريطانيا وكندا واستراليا ودول آخرى. أيضا دخل على خط الحوار مبكرا مجلس الشورى.

وبالعودة إلى قضية تعليم اللغة الانجليزية في السعودية وقرارها الأخير. قال الدكتور حسن مختار عضو اللجنة التعليمية والبحث العلمي في مجلس الشورى لـ"الشرق الأوسط": ان "اعتماد تدريس اللغة الانجليزية بدءاً من الصف السادس لن يكفي لتحقيق الأهداف المرجوة منه، على اعتبار أن الطالب الحالي يأخذ اللغة الانجليزية بدءاً من الصف الأول المتوسط".

وطالب مختار وزارة التعليم بـ"كشف الدراسات الميدانية التي اعتمدتها لاقدامها على قرار تدريس اللغة الإنجليزية".

والحال أن بداية تعليم الانجليزية في السعودية بدأ منذ عهد ما كان يعرف بمديرية التعليم. ونتجت الفكرة عندما ظهرت حاجة المبتعثين لاستكمال دراستهم في الخارج إلى تعلم اللغة الانجليزية، فنشأت "مدرسة تحضير البعثات".. فكان من أولى اهتماماتها تعليم اللغة الانجليزية على درجة تؤهل خريجيها للابتعاث الخارجي.

ووجدت هذه المدرسة معارضة من البعض لتدريسها مواد "الرسم والجغرافيا والانجليزية". والمعلومة السابقة وردت في كتاب "التعليم النظامي وغير النظامي في السعودية" لمؤلفه الدكتور ابراهيم محمد ابراهيم. ولما أصبحت المسألة عرضة لاجتهادات المتفاوتة والمتعارضة حسم الملك عبد العزيزـ رحمه الله ـ الموقف، وأمر بتدريس هذه المواد، وخاصة اللغة الانجليزية حسب ما أوردته المجلة العربية (العدد -65).

يذكر أن السعودية أجلت العام قبل الماضي تدريس مادة اللغة الانجليزية في مراحلها الدنيا، واعتمدت منهجاً أقل عجلة وأكثر روية في طرحها. وتعددت الآراء حول القرار القاضي بتأجيل مشروع تدريس اللغة المذكورة في الصفوف الابتدائية بدءاً من الصف الرابع الابتدائي.

ويلقى برنامج تعليم الانجليزية الجديد الذي يبدأ من المرحلة الابتدائية تأييداً كبيراً من رجال الاعمال الذين يسعون لتوظيف سعوديين متكاملي المهارات اللغوية والتقنية. فيما يرى فريق ان خطر تعليم اللغة الانجليزية سيتجاوز إلى تأثيره على اللغة العربية. رغم عدم استناد الرأي السابق على أساس علمي صلب وفقا لرؤية غالبية من تحدثوا لـ"الشرق الأوسط" فإن الطبيعة الذهنية للطفل في هذه المرحلة تقبل التنوع اللغوي ولا ترفضه. وقال طارق الياس، أستاذ الأدب الاميركي في جامعة الملك عبد العزيز في جدة "ضعف المتعلم السعودي في القراءة والكتابة والتخاطب باللغة الانجليزية سببه بلا شك عدم تلقيه أساسياتها منذ الصغر. فعلمياً الطفل ما بين الخامسة والرابعة عشرة أقدر على تلقي المعلومة وتخزينها، نتيجة المرونة التي تتحلى بها الخلايا الذهنية وجاهزيتها للتوسع المعلوماتي في أي مجال علمي. وبالتالي ادخال معلومة جديدة تماماً على ذهن الفرد الذي تعدى هذه السن يتم بصعوبة كبيرة تؤدي إلى مستويات متدنية من المعرفة بهذه اللغة".

وعارض كثير من الاختصاصيين خطوة كانت جامعة الامام محمد بن سعود في الرياض قد بدأتها، كمحاولة لتغطية العجز في عدد المعلمين في حال إقرارها. وتقوم الخطوة على تعاقد الجامعة مع معاهد تعليم الانجليزية يقضي بمنح دبلوم في اللغة يؤهل الدارس لتعليم الصفوف الدنيا. خصوصاً الطلاب من حملة الاجازة في التخصصات النظرية كالعلوم الدينية واللغة العربية والجغرافيا، وهي تخصصات لا تلقى رواجاً وظيفياً.

ويقول الاختصاصيون لـ"الشرق الأوسط": "ان الاعتماد في تعليم الناشئة على الطريقة التقليدية لن يجدي نفعاً، ما لم تطور آلية طرح المادة كمهارة، إضافة إلى استثمار الجانب الابداعي في اللغة بدلاً من أسلوب التلقين الذي لن ينجح أبدا، وبالتالي تظهر أهمية ما تلقاه المعلم ليس معلوماتياً فقط، بل حجم ما تلقاه المعلم من مهارات طرق تدريس وتربية".

أما الموضوع الأكثر حساسية في الأوساط السعودية فهو حول تطوير المناهج الدينية، حتى ان كتاب الصحف الذين تطرقوا لأهمية تطوير المناهج الدينية ووجهوا بحملات نقدية لاذعة ممن يرون عكس ذلك. والحال أن هذا التوجه لا يلقى تعاطفاً من قبل النخبة المثقفة السعودية، حتى ذات التوجه الإسلامي منها. وقال الدكتور غازي المغلوث لـ"الشرق الأوسط": "في البداية لا بد من الاشارة إلى أن مناهجنا كاملة مغفلة لتاريخ العالم، فالتغيير الذي حدث في العالم خلال الستة قرون الماضية كان متحركاً للإمام باستمرار. وهذه التغيرات التي حدثت في العالم مناهجنا لم تتحدث عنها أبداً إلا في أربع عشرة ورقة فقط".

وأضاف المغلوث "على سبيل المثال أين وزارة التريبة والتعليم من حقوق الانسان، وهي من المكتسبات الانسانية في العصر الحاضر، وهي تشمل حقوق المرأة والطفل، وحقوق العمال، محاكم ضد الانسانية وضد جرائم الحرب وغيرها. أين مناهجنا من هذا الانقلاب الذي حصل في العالم".

يشار إلى أن السعودية أقرت تشكيل منظمتين تعنى بحقوق الانسان احداهما أهلية والأخرى حكومية.

وحول المناهج الدينية قال المغلوث "للاسف أن المناهج الدينية القائمة لا تخاطب بلغة حديثة تطرح القضايا المعاصرة ذات الاحتكاك المباشر بالمجتمعات".

ورأى المغلوث "أن قضية التسامح مغفلة إلى حد كبير في مناهجنا الدينية. بمعنى، الأسئلة الحائرة كثيرة. فعلى سبيل المثال ما هي علاقتنا بالغرب؟ وهل نحن والغرب في حالة عداء وصدام أم في مرحلة تستوجب التفاعل والتداخل؟ ونحن نعلم أن كثيراً من المسلمين باتوا يعيشون في دول الغرب، والكثير من الغربيين يعيشون في بلاد المسلمين. والسؤال الأكبر طالما أن العالم تداخل وتشابكت مصالحه بشكل كبير، هل ثمة صيغة للتعايش والتسامح؟ وأعتقد أن هذه هي القضية التي يجب أن تطرح على من يخطط للمناهج".

أساليب التربية ومناهج التعليم أضحت القضايا الأكثر سخونة في الأوساط السعودية، خصوصاً في خضم الأحداث التي ما زالت تمر بها السعودية. فما بين معارض للتطوير ومناد به، ما زال المجتمع السعودي يناقش بحيوية قضية التعليم.