الحرب على الإرهاب والجماعات الأصولية الإسلامية تفتح الباب لتعزيز المد النازي في أوروبا

TT

أثار مقتل وزيرة الخارجية السويدية آنا ليند طعنا بالسكين في متجر عام ردود فعل مدوية في الغرب، وسارعت اصابع الاتهام للاشارة الى المنظمات اليمينية المتطرفة التي ظلت تنمو في مختلف انحاء القارة. فهذه المنظمات كانت موضع الشبهات في جرائم قتل هزت العالم وتمتد بين اغتيال رئيس الوزراء السويدي اولوف بالمة عام 1986 واغتيال النقابي السويدي البارز بيورن سودربيرغ برصاصة في الرأس عام 1990، اضافة الى سلسلة من جرائم القتل والتفجير التي استهدفت اليساريين والنقابيين والصحافيين والاجانب طوال السنوات الماضية.

اصابع الاتهام اشارت الى تلك المنظمات بسبب انها جميعها اعلن رفضه للاتحاد الاوروبي وخاصة للوحدة النقدية الاوروبية (اليورو). ولا يستبعد رجال التحقيق السويديون ان يكون اليورو هو المبرر لاغتيال نصيرته البارزة ليند في محاولة لاغتيال عملية التصويت لصالحه (وهو ما حدث على اية حال عندما رفض السويديون الانضمام الى كتلته في استفتاء شعبي الأحد قبل الماضي.

ومما لا شك فيه ان الشاب الذي اعتقل بتهمة اغتيال الوزيرة ـ واسمه بيراولاف سفنسون ـ كان احد المقربين من الرؤوس النازية التي تتزعم حركة النازية الجديدة في السويد. وهذا اكدته مصادر الشرطة السويدية الى جانب العديد من الصحف الالمانية والسويدية المهمة رغم حديثها الجانبي عن «اضطرابه العقلي».

وفي غضون ذلك تشير احصائية وزارة العدل السويدية الى تصاعد مطرد في نشاط «السرطان اليميني المتطرف». وسجلت احصائية الوزارة اكثر من 940 جناية ارتكبها النازيون الجدد عام 1998 فقط. ويصل عدد النازيين الذين تصنفهم الوزارة «خطرين ومستعدين لممارسة أسوأ اشكال العنف» الى اكثر من ألف شاب وشابة.

* كفاح العرق الآري

* تشن المنظمات النازية حملة دائمة لجمع التبرعات لتمويل ما تسميه «كفاح العرق الآري» من خلال عشرات فرق موسيقى البوب التي يديرها «حليقو الرؤوس» والتي تجمع المال بالملايين من خلال الحفلات التي تقيمها في مختلف ارجاء اوروبا. وقد ظلت الشرطة السويدية تلاحق في السنتين الاخيرتين مجموعات مصغرة من النازيين الجدد نفذت عدة عمليات سطو على البنوك بهدف تمويل «الكفاح الآري».

ورغم ان التقرير السنوي لدائرة حماية الدستور الألماني حول «النشاط المتطرف 2002» يشير الى انخفاض عدد الجنايات التي يرتكبها النازيون الجدد، فهو يشي ايضا بارتفاع نوعي في عنف الجنايات المرتكبة. كما يحذر من انتقال المنظمات النازية الى العمل السري ومحاولاتها الاندماج في بعضها بعضا واستخدامها الانترنت بشكل مكثف وتقني عال لتطوير تنظيماتها السرية وعملياتها المسلحة.

ويتضح ذلك في الحرائق التي اشعلها النازيون الجدد عشوائيا في مساكن الاجانب في مدينتي مولن ولوبيك واودت بحياة اكثر من 15 شخصا. ومع ان ذلك لم يقل خطورة عن تهديدات اطلقتها منظمة نازية اخرى عام 2001 وجرائم ارتكبتها بحق المهاجرين، اتضح ان السلطات الالمانية تعاملت بحزم مع موجة الجرائم بهمة غزت تفاصيلها الصفحات الاولى من الصحف الكبرى. لكنها اكتفت في حالة الحوادث التي تلت ذلك بتسجيل التهمة ضد مجهول، والفرق هنا هو ان الجرائم الاولى جاءت قبل عمليات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 في حين ان الأخيرة جاءت بعدها.

وهذا يعني ان الحملة ضد الارهاب في المانيا تركزت منذ سنتين على ملاحقة المنظمات الاصولية الاسلامية السرية المتهمة بدعم الارهاب في حين تم اغفال النشاط النازي تماما تقريبا. ففي اطار الحملة المناهضة للارهاب، وتكتيك الضربات الاجهاضية الذي يتبعه وزير الداخلية الالماني اوتو شيلي، تم حظر نشاط اكثر من سبع منظمات اصولية في المانيا بتهمة الارهاب والتخطيط لتنفيذ عمليات ارهابية. كما كشفت دائرة حماية الدستور (الامن العام) عن اخضاع سائر الاسلاميين المشتبه فيهم وسائر المساجد والجمعيات الاسلامية للمراقبة، الا انها لم تعلن خلال هاتين السنتين حظر اي من المنظمات اليمينية المتطرفة واعتقال اعضائها، بل ان السائد كان عودة المنظمات النازية المحظورة بحلل «ديمقراطية» مموهة تتناسب مع الوان الدستور الالماني.

* تنسيق أصولي ـ نازي؟!

* يعتبر رجال الأمن الألمان حتى الآن ان الحديث عن تعاون او تنسيق بين الاصوليين الاسلاميين واليمين المتطرف في اوروبا امر مستبعد بسبب سعة شقة الخلاف بين الطرفين. وحسب تعبير احد خبراء دائرة حماية الدستور فإن النازيين «يبقون كفارا في اعين الاصوليين كما يبقى هؤلاء الاخيرون اجانب ينبغي طردهم في اعين النازيين».

الا ان الثقة في هذا الافتراض اهتزت قبل اشهر قليلة، فقد لاحظ المحققون ـ لأول مرة ـ وجود تعاون ما بين حزب التحرير الاسلامي في المانيا، ومقره برلين (بعد حظره) و«الحزب القومي الالماني» (ان بي دي) اليميني المتطرف. وتحدثت النيابة العامة آنذاك عن ندوة مشتركة عقدت في جامعة برلين التقنية بين الحزبين تركزت حول الحرب ضد العراق.

وعقدت الندوة، التي دعا لها حزب التحرير الاسلامي في اكتوبر (تشرين الاول) 2002 بحضور رئيس الحزب القومي الالماني اودو فويغت ومحامي الحزب هورست مالر. ويذكر ان هذا الأخير اشتهر بعضويته في جناح الجيش الاحمر اليساري المتطرف في السبعينات قبل ان ينتقل الى اقصى اليمين قبل بضع سنوات.

ويعتبر النازي السويسري احمد هوبر ابرز علامة اليوم على التقارب بين اليمين والاصوليين. وكان هوبر قد اعتنق الاسلام قبل نحو عشر سنوات وتعتبره دائرة حماية الدستور من اشهر المحاضرين في موضوع الاسلام بين المنظمات النازية الجديدة في اوروبا. ومع كل ذلك يرى الخبراء الامنيون الالمان ان التقارب الحالي بين اليمين المتطرف وبعض حركات الاصولية الاسلامية لم يرتق الى مستوى التنسيق والتنظيم بينهما.

* الجبهة الوطنية في فرنسا وبريطانيا

* شفي فرنسا يقوم اليمين المتطرف، ممثلا في حزب «الجبهة الوطنية» (اكبر تكتلات اليمين المتطرف في اوروبا)، على مبدأ «فرنسا للفرنسيين» وهو دعوة صريحة لطرد الأجانب من البلاد، وينطلق منه الى مفهوم «التفضيل الوطني» الداعي صراحة الى وجوب حرمان الأجانب من اعانات الدولة والرعاية الاجتماعية. ولا يتورع، في معرض حديثه عن اولئك الأجانب، عن الاشارة الى السكان من اصول مغاربية. لكنه يتناسى ان السواد الأعظم من هؤلاء ولدوا في فرنسا وانهم بالتالي فرنسيون بحكم قانون البلاد نفسها.

وبلغ من شأو الجبهة الوطنية الفرنسية ـ برغم انشقاقها لخلافات بين مؤسسها جان ـ ماري لوبن ونائبه برونو ميغريه ـ ان احتلت (جناح لوبن) المركز الثالث بعد الديغوليين والاشتراكيين (متجاوزة احزابا كبيرة مثل «الشيوعي» و«اتحاد الديمقراطية الفرنسية») في الانتخابات العامة الأخيرة.

وفي بريطانيا استطاع حزب «الجبهة الوطنية» ـ ان يوظف لصالحه الهستيريا الجماعية التي اججتها وسط البريطانيين صحافة «التابلويد» الصفراء بشأن المهاجرين غير الشرعيين، مستغلا ايضا تأفف الناس من سياسات حكومة توني بلير العمالية ويأسهم من اي عودة مبررة للمحافظين، حزب المعارضة الرئيسي.

والمقلق في الأمر ان الجبهة الوطنية ـ التي تصفها الصحف الرصينة علنا بأنها حزب «عنصري» ـ جودت كثيرا اساليب حملاتها الانتخابية وطريقة عرض افكارها، وصارت تدرس الأمور بشكل جيد قبل ان تختار الدوائر الانتخابية التي يمكن وصفها بأنها «مضمونة»، ونوع المرشح الذي تريد ان تقدمه للناخب. وفي تربة صالحة لنمو النفور من الأجانب اصلا، استطاعت في فترة وجيزة ان توسع قاعدة المتعاطفين معها ومؤيديها، والأخطر من ذلك، دائرة عضويتها.

ولم يعد التعاطف مع الجبهة حكرا على الطبقات الفقيرة ـ التي تعتقد ان الأجانب «يسرقون» وظائفها ـ وإنما صار يأتي ايضا من قطاع من الطبقة الوسطى اكتشف ان تأييده لتوني بلير كان قرارا غير موفق. ويحذر التقرير ان من شأن هذا الاتجاه ان يرفع نسبة التأييد للجبهة الى 30 في المائة بحلول نهاية العام الحالي، وهذه قفزة مخيفة تبعا لقانون الأنماط السياسية.