3 آلاف ورقة عن أسرار حرب أكتوبر أعدتها لجنة تاريخ تضم 20 من القادة العسكريين المصريين

وثائق وخطط الحرب والمحادثات الهاتفية وتحليل عما هو الصواب والخطأ

TT

في الوقت الذي حرصت فيه المؤسسة العسكرية الاسرائيلية على اصدار وثائق حول حرب أكتوبر (تشرين الاول) 1973 من وقت الى آخر، تردد السؤال في القاهرة طويلا حول امساك المؤسسة العسكرية المصرية عن اصدار وثائق خاصة بها.

وتعتبر حرب اكتوبر نقطة تحول كبيرة في الموازين العسكرية في المنطقة وصاحبتها كثير من التداعيات التي تستحق النشر. وبعد مرور 30 عاماً على هذه المناسبة بدأ يتردد السؤال حول امكانية نشر أسرارها. والواقع يقول ان القوات المسلحة المصرية ما زالت تتحفظ بكثير من الاسرار باعتبار ان الصراع العربي ـ الاسرائيلي لم ينته بعد وانما تحول في الفترة الراهنة من صراع عسكري الى صراع سياسي. ومن بين هذه الاعتبارات ان مسارح العمليات العسكرية ما زالت واحدة لم تتغير، كما ان الاسلحة المستخدمة في القوات المسلحة المصرية حاليا تشكل في نسبة منها ولو قليلة أسلحة شاركت في الحرب، مما يصعب معه الافصاح عن تحركات القوات وتطوير استخدامات بعض هذه الاسلحة وخطط العمليات وفقا للعقيدة العسكرية المصرية التي لم تتغير في مجملها حتى اليوم.

ولجنة التأريخ لحرب اكتوبر تشكلت بعد حوالي عشرين عاما من الحرب لتدوين تاريخها بما يحقق الاستفادة من هذه الحرب على أكمل وجه. فماذا عن ظروف تشكيل هذه اللجنة وأسباب تكوينها وماذا قدمته وهل يجب ان يتم نشر التقرير الذي انتهت اليه في «نسخة عسكرية» تصل وفقا لتقدير البعض الى ثلاثة آلاف ورقة موجودة حاليا بمقر الامانة العامة لوزارة الدفاع المصرية. وهل تم نقل خبرات هذه الحرب التي احتواها التقرير الى الاجيال الجديدة بالقوات المسلحة؟ وهل تتحقق الفائدة بوضع النتائج في «الخزائن»؟

تم تشكيل لجنة التأريخ لحرب أكتوبر من حوالي 20 من القادة الذين اشتركوا فعلا في مواقع رئيسية سواء فترة الاعداد أو العمليات أو ما بعدها، وقد فتحت القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية أمام اللجنة جميع الأبواب للاطلاع على جميع الوثائق الرسمية التي كانت موجودة في تلك الفترة بما في ذلك توجيهات القائد الأعلى للقوات المسلحة أو هيئة العمليات وكل ما هو متعلق بتنفيذ وادارة العمليات وجميع وثائق الحرب بما فيها من سجلات وخرائط وخطط تفصيلية وسجلات المحادثات التليفونية وكل ما يتعلق بهذه الفترة والتي كانت مجمعة في دار المعلومات والوثائق للقوات المسلحة باسلوب لا شك انه كان ممتازا، وحملت اللجنة على أعناقها أمانة تسجيل ما حدث للأجيال القادمة باعتبار ان التاريخ أمانة ولا يمكن تزييفه، مع الوضع في الاعتبار الوصول الى الروح الخاصة بالقادة والمواقف التي لا يمكن كتابتها على الورق وكيفية التصرف في هذه المواقف.

وقام أعضاء اللجنة باستدعاء جميع القادة الذين شاركوا في الحرب حتى مستوى اللواءات في القوات الجوية والبحرية والدفاع الجوي واستلزم الأمر فترات طويلة للتسجيلات بالصوت والصورة التي غطت الكثير من المشاعر والاحاسيس عن المواقف والمعارك فتحققت بالفعل الاستفادة من كل ذلك، وتم تقسيم أعضاء اللجنة بحيث كان هناك مسؤولون عن التنسيق على رأسهم اللواء حسن البدري الذي يعتبر «أبو التاريخ العسكري» المصري في العصر الحديث، وحتى تستطيع لجنة التأريخ لحرب اكتوبر كتابة التاريخ قامت بتقسيم عملها الى ثلاثة أقسام رئيسية:

الأول: الاعداد للحرب. ليس من الناحية العسكرية فقط بل الاعداد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمعنوي علاوة على الاعداد العسكري. وقد استدعت اللجنة كل من كان موجودا في هذه الفترة وقدم محمد حافظ اسماعيل الذي كان يشغل رئاسة هيئة الامن القومي في تلك الفترة معلومات عن الاعداد السياسي للحرب. كما اجتمعت اللجنة بالمسؤولين السياسيين عن نفس الفترة وكان لا يمكن كتابة هذا الجزء الا اذا كانت هناك خلفية لما أدت اليه حرب النكسة في يونيو (حزيران) .1967 وكيف ان مصر عبرت هذه الازمة وأعدت نفسها لجولة رابعة في ست سنوات فقط.

الأمر الثاني: هو ادارة العمليات من الساعة الثانية عشرة ظهر 6 أكتوبر حتى ايقاف اطلاق النار وما بعده حتى تحرير الأرض واستعادتها بالكامل وعودتها الى مصر بكل التفاصيل (برية.. وبحرية.. ودفاع جوي.. ودفاع شعبي) كل خطوة وكل عمل تم في هذه المرحلة بمنتهى التفصيل بالمحاور والأيام والساعات والعمليات والأسلحة المشتركة والمعاونة، من مهندسين وحرب كيماوية وغيرها، وأيضا الأسلحة الادارية والفنية وكل شيء جرى خلال المعركة وبعدها الى ان تم تحرير كل الارض.

أما الجزء الثالث لعمل لجنة التأريخ والذي يعد أهم جزء، وتم على أساسه التقييم والتحليل لهذه العملية كلها.. وما هو الخطأ والصواب.. باعتبار انه لا يوجد منتصر مائة في المائة أو مهزوم مائة في المائة وان التحليل والتقييم لم يكن لأعمال الجانب المصري فقط بل لأعمال العدو ومن عاونه وتأثيرات ذلك. وشمل الامر عملية تحليل وتقييم شاملة.. وأيضا مدى تطبيق مبادئ الحرب في هذه المعركة، وهي المبادئ التي لم تتغير منذ أكثر من 200 سنة، ولكن الذي يتغير هو الاسلوب والدروس المستفادة من هذه الحرب سواء علينا أم لنا وكيف نعالجها في المستقبل وتم جمع الاجزاء الثلاثة وتسليمها بأمانة كاملة الى القيادة العامة للقوات المسلحة وأصبحت في حوزتها لكي تسمح في الوقت المناسب بنشرها اما بالكامل، وهو الامر، الصعب جدا فيما يبدو حتى بعد مرور 30 عاما على الحرب، او نشر اجزاء منها.