«الشرق الأوسط» تنشر أحدث إصدارات الجماعة الإسلامية المصرية: «نهر الذكريات» (3)

الشباب سمعوا عن «الحث على الجهاد» لكنهم لم يسمعوا عن ضوابطه وموانعه

TT

في هذه الحلقة من عرض أحدث كتاب أصدرته الجماعة الاسلامية المصرية «نهر الذكريات.. المراجعات الفقهية للجماعة الاسلامية»، يجيب قادة الجماعة عن السؤال الصعب الذي ظل يطاردهم من سجن الى آخر، وهو لماذا تم اطلاق مبادرة وقف العنف، والاسباب التي دعتهم لاطلاق هذه المبادرة؟ وهي خلاصة عشرة أشهر من الحوار

* لماذا مبادرة وقف العنف؟

ـ أطلقنا المبادرة حقنا لدمائكم والدماء عموما في مصر.

ـ أطلقناها حفاظا على الأنفس أن تهلك في غير ميدان، أو أن تقتل من دون مصلحة شرعية صحيحة، أو أن تزهق دونما هدف شرعي.

ـ أطلقنا المبادرة خدمة للاسلام والمسلمين وخدمة للوطن وليس خدمة لأغراض شخصية أو أهداف ذاتية، فنحن في السجن منذ عشرين عاما، ولو مكثنا مثلها مرة أخرى ـ ونسأل الله العافية ـ لتمسكنا بهذه المبادرة.

ـ أطلقنا المبادرة صونا لحرمات البيوت أن تنتهك، وحماية للبيوت والأسر المسلمة من أن تهدم، ولوقف مسلسل اليتم والترمل والطلاق، فالمبادرة جاءت من أجل مئات اليتامى من الفريقين، ومن أجل مئات الأرامل من الفريقين ومن أجل مئات الثكالى من الفريقين.

ـ أطلقنا المبادرة لأننا رأينا أنها هي الأقرب الى الحق، وهي الأهدى سبيلا، وان استمرار القتال لم يكن صوابا، ولم يكن الأهدى سبيلا.

قرار المبادرة قرار استراتيجي ناتج عن قناعة شرعية وبأدلة شرعية صحيحة لا تلتبس على كل ذي عقل سديد، وهي ناتجة أيضا عن رؤية مستبصرة للواقع من حولنا، وهذا عهد قطعناه على أنفسنا وألزمنا به أنفسنا قبل أن يلزمنا به أحد، وكلنا في ذلك نعيش مع قوله سبحانه وتعالى: «وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا» (الاسراء 34)، فالله لم يوجب الوفاء على عباده مرحليا أو وقتيا، ولكن الله ألزم عباده بالوفاء الدائم والكامل.

ـ أطلقنا المبادرة من أجل وقف ومنع عنف أدى الى أحقاد ونزاعات وثارات تولدت وكبرت بيننا وبين قومنا وأبناء وطننا وكادت تنسى الفريقين انهما من ملة واحدة ومن دين واحد ويصلون الى قبلة واحدة ويعبدون ربا واحدا.

ـ ان المبادرة التي أطلقناها ليست مقايضة بين دين وعرض زائل من الدنيا ولكن لوقف ومنع اقتتال منعته الشريعة الغراء لمفاسده العظيمة، وواجب شرعي تصدينا له بكل شجاعة.

المراقب لأحداث ما يقع من صراع بين الجماعات الاسلامية والشرطة يجد ان مسلمي هذا البلد من الشرطة والجماعات هم أكثر المتضررين من الصراع وآخر المستفيدين، فهذه الدماء والطاقات والأموال تصب فائدتها في خزانة أعداء الدين والبلد.

ـ والمبادرة ولدت في سنة 1997، ولكنها بعد ولادتها مباشرة تلقت لطمة عنيفة وصدمة شديدة أفقدتها الوعي أربع سنوات، ونحن حولها نعطيها الاوكسجين والمحاليل ونرعاها ويرعاها معنا الشرفاء من أبناء الوطن حتى أفاقت أخيرا ثم كبرت وترعرعت سريعا حتى أصبحت الآن في طور الشباب وتستعصي على الموت والهلاك، ولايضرها ـ إن شاء الله ـ شيء بعد ذلك، أما اللطمة العنيفة التي تلقتها وهي وليدة، فهي حادث الاقصر الذي كاد يودي بحياتها بل بحياة كل أمل لوقف نزيف الدماء، ولذلك لايسأل أحد عن ناتج المبادرة إلا منذ تفعيلها مع بداية الرحلة الى السجون من شهر اكتوبر (تشرين الاول) سنة 2001، فمنذ ذلك الوقت بدأت نتائج المبادرة الحقيقية في الظهور.

ـ من يُمن الطالع أن المبادرة أتت قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) بخمس سنوات كاملة، ولو أن المبادرة تأخرت حتى حدثت هذه الأحداث لما كانت لنا أدنى مصداقية، والحمد لله ان المبادرة كانت استشرافا جيدا للمستقبل، فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 حوصرت الحركات الاسلامية في كل مكان، وضربت في كل مكان، وسجنت في كل مكان، ولكن هنا في مصر كانت تباشير الفرج والعافية، وفتحت الزيارات وبدأ خروج الناس من السجون رويدا رويدا.

الحمد لله ان المبادرة ووقف ومنع القتال جاء قبل الأحداث في فلسطين وقبل اجتياح شارون للأراضي الفلسطينية، ولو أن المبادرة تأخرت حتى حدثت هذه المجازر لمسلمي فلسطين لقال الناس جميعا في مصر وغيرها: هل من الشرع أن يقتل المسلم أخاه في مصر، ويترك اليهود يقتلون الفلسطينيين في كل مكان؟، لولا المبادرة لاتهمنا الناس إما بعدم فهم الشرع نصه وروحه أو بعدم فهم ابجديات السياسة في المنطقة أو بكليهما معا.

ـ الشباب المسلم سمع كثيرا عن الحث على الجهاد، ولم يسمع في مقابل ذلك الكثير عن ضوابطه، ولم يسمع كذلك الكثير عن موانعه، ولم يسمع كذلك متى يجب وقف القتال ومنعه، ولم يسمع كذلك كيف يكون الامتناع عن القتال أحب الى الله وأقرب للدين وأفضل للمسلمين، ومتى يكون الامتناع عن القتال موافقا للشرع نصه وروحه، وموافقا لصحيح الدين.

ـ القتال الذي حدث في التسعينات كان لرفع بعض المظالم التي حدثت، وللافراج عن المعتقلين من الجماعة الاسلامية، ولوقف بعض الممارسات العنيفة في السجون والمعتقلات، واطلاق حرية الدعوة الى الله، فماذا كانت النتيجة؟، زاد عدد المعتقلين من ألفين الى عشرين ألفا وحكم على العشرات بالاعدام ونفذ فيهم وحكم على مئات بأحكام مختلفة وتحولت المحاكم من مدنية الى عسكرية وضاعت دعوة الجماعة الاسلامية بالكلية بل كادت تضيع الدعوة الى الله بالكلية.

وفي إطار النقد الذاتي للجماعة يقول قادتها: نحن لن نستطيع أن نحيا حياتين أو نعيش أعمارنا مرتين، عمر نجرب فيه ونخطئ، وعمر نتعلم فيه من أخطائنا، فما الحل في هذه المعضلة؟ الحل ان نستعير خبرات الآخرين ودروس حياتهم.

من مبادئ الجماعة الاسلامية التي لم تنل حقها من الرعاية والعناية «وتستوعب ما سبقتها من تجارب» فقد قصرنا في العمل بهذه الفكرة العظيمة.

وقد يكون سبب التقصير هو:

1 ـ عدم انفتاحنا على الآخرين من الحركات الاسلامية في سياق التنافس الشريف على العمل للدين.

2 ـ أو الانشغال اليومي بالعمل الدائب الذي يحرم القائمين عليه من الراحة الذهنية والتفكير المتأني.

3 ـ أو تلك المواجهات المسلحة وغير المسلحة التي كانت مستعرة بدرجات متفاوتة.

* تكفير الشرطة:

وحول سؤال عن أن الجماعة تكفر رجال الشرطة لأنهم يحاربون الاسلام في شخص شباب الجماعات الاسلامية، يجيب القادة التاريخيون بقولهم ان الكفر والإيمان لايوجه للأجهزة والحوائط والأبواب، وانما هو حكم شرعي يوجه للافراد المكلفين دون غيرهم، اذا توافرت فيهم مواصفات معينة، وبالتالي فجهاز الشرطة كجهاز لايوصف بكفر ولا إيمان ثانيا: لم يقل ـ فيما نعلم ـ أحد من الفقهاء إن هناك وظيفة يكفر صاحبها بمجرد وجوده فيها، وإنما يوصف الانسان بالكفر اذا عمل عملا كفريا، أو اعتقد اعتقادا كفريا توافرت شروطه وأسبابه وانتفت موانعه، ولايحكم بكفره إلا بعد إقامة الحجة عليه التي يكفر تاركها، والتي لايردها إلا معاند، وعليه فرجال الشرطة مثل أي شريحة من شرائح المجتمع، لا يحكم على أحدهم بالكفر إلا اذا تحققت فيه المواصفات السابقة.

ولا ينبغي أن يفوتنا ونحن نتعرض لهذه القضية أن نلفت الى أثر هذه الدعوى الخطيرة في تمزيق شمل الأمة وتشتيت جهود أبنائها في تكفير بعضهم البعض واشاعة التباغض والاحتراب بينهم، ورجل الشرطة هو أخي وأخوك وابني وابنك، وكثيرا ما تجمعنا صلاة الجماعة في المسجد وأداء الحج والعمرة.

فحبذا لو توجهت الجهود ـ وبدلا من تضييعها في الحكم على الناس بالكفر والإيمان ـ الى العمل على نشر الدين والدعوة إليه وترك الحكم بالكفر والإيمان في مثل هذه المسائل الشائكة الى أهله من أهل العلم والاجتهاد، فنحن دعاة لا ولاة.

مدى المصداقية:

وحول تشكك بعض المثقفين في هذا التحول السريع للقواعد، والذي تصوروا أنه علامة على ان الجماعة إنما تبنت هذه المبادرة للخروج من المأزق الذي وجدت فيه نفسها، ولالتقاط الأنفاس واستجماع القوى ثم العودة بعد ذلك الى ما كانت عليه من قبل، بمعنى هل هذه المبادرة تكتيكية مرحلية أم انها استراتيجية بعيدة المدى، وماهي الضمانات لعدم العودة مرة أخرى لما سبق؟

يجيب قادة الجماعة من خلال ردودهم على الأسئلة بقولهم: هذه الفكرة لدى هؤلاء المثقفين إنما نشأت لعدم معايشتهم لأفراد الجماعة وعدم الاحتكاك المباشر بهم، والاكتفاء في تكوين فكرتهم عنهم من خلال حكايات الآخرين، أو من خلال التقارير والأوراق، ولذلك فنحن نسوق إليه الدلائل الآتية:

أولا: لقد استغرق التفكير في هذه المراجعات سنوات طوالا، استعنا فيها بعشرات الكتب والمراجع، وكانت قناعتنا بهذا التوجه ثمرة لجهد علمي كبير، وتراكم خبرات لسنوات طويلة.

ثانيا: إن المبادرة كانت منذ سنوات خمس: ثمرة لمحاولات سابقة كثيرة لانهاء تلك المواجهات، ولكنها جميعا لم تنجح لظروف مختلفة، تم نشر بعضها مثل لجنة الوساطة التي تكونت من مجموعة كبيرة من العلماء والمفكرين للسعي في إنهاء الأحداث والتي أعلنا الموافقة على ما تقوله دون تحفظ، ومنها ما لم ينشر لأسباب مختلفة.

ثالثا: لقد أدرجنا هذه القناعات التي لخصتها المبادرة في كتب واصدارات قمنا بطبعها وتوزيعها لتكون ميثاقا وعهدا بيننا وبين اخواننا وبين الآخرين، يجعل من مسألة التراجع عنها طعنا في مصداقيتنا ودعوتنا، ولم تكن دعوتنا مجرد كلمات قيلت في أحد المكاتب أو تداولناها بيننا سرا يسهل التنصل منها.

رابعا: لقد قمنا بشرح هذا الكلام بأنفسنا لاخواننا في السجون، ولم نتحرج من مواجهتهم بهذه الآراء، وصرحنا بموقفنا الصريح من الأحداث السابقة وما تم من تصويب وتصحيح، ولم نبال بما يمكن ان يحدثه ذلك من مشاكل داخل أبناء الجماعة، من منطلق أن توجهنا «لصحيح الشرع فوق كل اعتبار آخر.

خامسا: إن أكبر وأهم ضمان هو حصاد التجربة المريرة التي امتدت لسنوات وعاش فيها المجتمع المصري بكل طوائفه ـ ونحن بضعة منه ـ أياما شديدة أريقت فيها الدماء وتشتت فيها الجهود وتمزقت وحدة الأمة في مواجهة قضاياها العظمى وخاصة عدوها المشترك في فلسطين.

سادسا: الوعود والعهود التي قطعناها على أنفسنا، والتي يوجب الشارع الحكيم الوفاء بها وإلا كنا متلاعبين بالشرع واقعين في محارم الله.

ولا يفوتنا أن نشير الى أننا قلنا ما اعتقدنا من قبل أنه صواب وبمنتهى الوضوح والشجاعة وحبال المشانق معلقة فوق رؤوسنا، وكنا نعلم أن كلماتنا هذه قد تقودنا الى حتفنا، ولكننا قلناها دون أن نبالي، متحملين ما يترتب على ذلك ثابتين على حق اعتقدناه، وثقة في الله وتجاهلا واستهانة بكل النتائج المترتبة على ذلك.

ونحن اليوم نكرر ما سبق منذ عشرين سنة، ولكن في موقف آخر فنقول ما نعتقده حقا، ونتحمل نتائج ذلك ونعلم ما يمكن أن يقوله البعض علينا، ونحن نقوله أيضا لا ننظر الى النتائج، فقد أعلنا مبادرتنا من طرف واحد ولم ننتظر على ذلك جزاء من أحد، وواجهنا به اخواننا في السجون وفي الخارج، بل وواجهنا به المجتمع كله ونحن نعلم ما يترتب على ذلك، بل ونقولها ونحن ما زلنا في السجون، ولو بقينا في السجون ما بقينا ما تغير قولنا لأننا نعلم أنه الحق فلا ننظر لما يترتب على كلمة الحق من مخاطر ويتوجه أحد أعضاء الجماعة بسؤال الى القيادة: ذكرتم أنكم أنهيتم العنف وبدأتم عهدا جديدا من الدعوة الخالية منه، ماذا لو علمتم أن بعض أبناء الجماعة رافضون لهذه الدعوة، وأنهم مصرون على اقامة خلايا لإعادة دورة العنف السابقة وإفساد جهودكم السابقة في وقفه، وماذا سيكون موقفكم منهم؟

بداية، هذا الفرض لم يحدث ـ بحمد الله ـ ولن يحدث إن شاء الله تعالى، ومن شاهد الحفاوة التي استقبلت بها دعوتنا ومبادرتنا من اخواننا في السجون واستجابتهم الحاشدة لها، يدرك تماما أنهم جميعا كانوا يحملون الفكرة في قلوبهم ووجدوا في مبادرتنا أصدق تعبير عنها، بل ولقد استجاب لها كل اخواننا في كل مكان كان للجماعة فيه وجود، وجاءنا تأييدهم ودعمهم لهذا التوجه وكأنهم كانوا في داخلهم ينتظرون هذا التوجه. حتى من كره منهم هذا الأمر في نفسه لسبب أو لآخر فإنه التزاما بالعهود التي قطعناها على أنفسنا وحفاظا على ذمة اخوانه ومشايخه وثقة في عهودهم، فإننا نعلم أنه لايمكن أن يغدر بعد عهد أو يخالف اخوانه الكبار فيما تعهدوا به.

هذا هو نهجنا في علاقة أفراد جماعتنا بشيوخهم وحرصهم على الوفاء لهم، ولكن لو تصورنا جدلا حدوث ذلك ـ وأحسبه لن يكون ـ فإن مواجهته تكون على أصعدة أربعة:

الأول: هو نشر فكرة المبادرة بين الناس، وطرح أدلتها الشرعية والواقعية.

الثاني: اذا وجد من لم تستقر في نفسه هذه المعاني فينبغي أولا أن نسعى للحوار معه واقناعه بالنصوص الشرعية والرؤية الواقعية القائمة على التجربة الطويلة.

الثالث: وهي ولو فشلت كل تلك الجهود في اقناعه، وهذا احتمال بعيد وهو أكثر بعدا من سابقه، ووجدناه مصرا علي موقفه ولم يستجب لكل هذه المحاولات فإننا في هذه الحالة سنكون أمام منكر ينبغي التصدي له بضوابط الحسبة الشرعية التي أشرنا إليها، وينبغي أن يمنع بكل السبل من هدم المعبد على رؤوس أصحابه والعودة بنا الى دائرة العنف السالفة. نعم ينبغي التصدي له بكل السبل الممكنة، بل ويتصدى له بكل ما من شأنه أن يوقفه عند حده ويمنعه من التفريط في حق نفسه وفي حق اخوانه وفي حق مجتمعه فضلا عن تفريطه في حق دينه.

أما الرابع: فينبغي أن يعلن وبوضوح التبرؤ من أعماله، فإنه لاينبغي أن يكون في صفوفنا من يفكر في إعادة عجلة العنف مرة أخرى وإعادة المطاردة والسجون والاعتقال وإعادة الدماء المهراقة بغير حق والترمل واليتم ومحاربة الدعوة والتضييق على الدعاة، ولاينبغي أن يكون بين صفوفنا من يتجاهل تلك التجربة الطويلة والدروس المستفادة منها ويعود ليبدأ من حيث بدأنا ويعيد الكرة من جديد.. ولا ينبغي أن يكون بين صفوفنا قبل كل شيء من يتجاهل الأمر الشرعي المانع من هذا الاقتتال بين أبناء البلد الواحد الذي لايستفيد منه إلا العدو.

نعم ينبغي أن نتبرأ منه ونبصر المجتمع بخطورة دعواه لكي يشاركونا في التصدي له حماية للمجتمع منه وحماية له هو نفسه من نفسه.

ورداً على سؤال عن الموانع الشرعية التي دعت القادة لاطلاق هذه المبادرة والسعي لايقاف هذا الاقتتال، قال القادة التاريخيون: الحق ان هذه المبادرة حصاد رؤية ذات أبعاد متعددة، وثمرة لتجربة عريضة وواسعة، بل ومؤلمة في كثير من أحوالها، وثمرة أيضا لحوار واسع وطويل مع أطراف متعددة ودراسات جادة في أمهات الكتب، ونستطيع أن نوجز هذه الأبعاد في الآتي: تصدت المبادرة لايقاف الصدام الدامي الذي عانينا منه جميعا أبناء هذا البلد منذ صيف سنة 1992، والذي مزق أوصاله وأشاع حالة من الفوضى والتناحر، وذلك لتحقيق الهدوء تمهيدا لحل المشكلات القائمة بين الدولة وبعض من أبنائها، وتحديد سبل العلاج التي تحمي المجتمع من تكرار ما حدث لتفوت الفرصة على أولئك الذين يذكون نار الفتن ليصعدوا على جماجمنا جميعا لتحقيق مصالح شخصية وآنية محدودة متجاهلين مصالح البلاد.

كما أثمرت المبادرة فرصة لتحقيق واجب شرعي هام شغلتنا الأحداث المتلاحقة عن تحقيقه وهو واجب المراجعة الشرعية ومحاسبة النفس حول مسار الجماعة في العقود السابقة بالبحث عن مواقع الاصابة ـ وهي كثيرة ـ لدعمها وتطويرها وكذا البحث عن نقاط الخلل لاصلاحها وعلاجها، فقد كان هناك من الخير الكثير في الدعوة والطاعات والسعي للأخذ بهذا الدين بالصدق والاخلاص، وكان هناك أيضا بعض الخلل هو الذي أثمر تلك المبادرة سعيا لاصلاحه من خلال الكتب الاربعة، وما تلاها من جولة في السجون وحوارات وبيانات وغيرها.

وطرحت المبادرة كثيرا من القضايا والمواقف وناقشت شرعيتها، فوجدت أشياء تحتاج لتوضيح لما ألصق بنا فيها من اتهامات نتيجة أخطاء حدثت من بعض أفراد الجماعة كانت تحتاج الى تصويب وتصحيح.

والمبادرة كانت استجابة لرؤية تستبصر الواقع من حولنا على الصعيد الداخلي في مصر وعلى الصعيد الخارجي في العالم، وما نلقاه جميعا من تحديات تواجه العالم العربي والاسلامي افرادا وحكومات، وكان إنهاء العنف هو الاستجابة الوحيدة اللازمة لمواجهة هذه التحديات.

* نلتقي غداً مع الحلقة الأخيرة