آرنولد شوارتزنيغر.. «الحلم الأميركي» يتحول إلى كابوس

اعتذاره عن تحرشه الجنسي بست نساء وإعجابه المزعوم بهتلر يسحبان البساط من تحت طموحه لحاكمية كاليفورنيا

TT

بدا الأمر وكأن حلما اميركيا آخر يتحقق.. مهاجر يبدأ نكرة حتى يصيب نجاحا في رياضة كمال الأجسام قبل ان تلتقطه هوليوود ليسطع نجمه في ارجاء المعمورة.

وهكذا بعد 35 عاما على هجرته من النمسا الى أميركا، كان آرنولد (المدمر) شوارتزنيغر مطمئنا الى شيء يعتبر اساسيا لأي شخص يأهل في نفسه الكفاءة للترشح لمنصب حاكم ولاية مثل كاليفورنيا: انه لا يقل شهرة عن رئيس الولايات المتحدة نفسه.

الشهرة اتت بها هوليوود بالطبع، فسلسلة افلام Terminator «المدمر» الثلاثة وحدها كفلت له ان يكون وجها معروفا حتى في اقصى اصقاع الدنيا، وحتى قبل ذلك، عرفته اوساط الرياضة بطلا دوليا لكمال الأجسام والوحيد الذي جمع الألقاب الرئيسية الثلاثة عام 1970. وكان اعلان دخوله حلبة السياسة في حد ذاته عرضا يليق بهوليوود، فقد اختار برنامج The Tonight Show المسائي (وهو برنامج دردشة مع مشاهير النجوم تحرص اميركا على مشاهدته) الشهر قبل الماضي ليعلن للدنيا انه يريد مقعد الحاكم الديمقراطي غراي ديفيز نيابة عن الحزب الجمهوري في انتخابات الحاكمية في السابع من الشهر الحالي.

الواقع ان غراي ديفيز يمثل جرحا آخر يضاف الى جراح الديمقراطيين السياسية قبل عام من الانتخابات الرئاسية، التي يبدو انهم لا يجدون بينهم من يستطيع تحدي جورج بوش بشكل جاد فيها، وإن توقدت آمالهم بعد دخول الجنرال المتقاعد ويزلي كلارك الحلبة. فبعد اقل من عام على انتخاب ديفيز، بلغ عجز الولاية 38 بليون دولار فتفشت البطالة وتعثر التعليم وعانى الناس من انقطاع التيار الكهربائي بين الفينة والأخرى. وطبعا لم يفوت الجمهوريون الفرصة فجمعوا التواقيع اللازمة لاستفتاء على حاكميته يسمح باستبداله.

وشوارتزنيغر محافظ مالي يمتاز بشيء من الليبرالية في القضايا الاجتماعية ويتمتع بشعبية كبيرة في أوساط ذوي الاصول اللاتينية. ففي العام الماضي، صور كثيرا من اعلاناته التي تروج لمبادرته الخاصة لبرامج ما بعد الفترة الدراسية باللغة الاسبانية. ومتوسط اعمار هؤلاء هو سن التاسعة عشرة.. ذلك الجيل الذي يقف بالصفوف لمشاهدة افلامه. وهذه القدرة على جذب أصوات مختلف الناس ستكون أساسية بالنسبة الى استراتيجيته. ويقولون ان عليه ان يعرف الناخبين على جانب شخصيته «الجدي والجوهري».

* أكثر من مجرد سحر شخصي

* كان أكبر رصيد بالنسبة لشوارتزنيغر ـ بالاضافة لشخصيته المحبوبة ولكنته الفريدة وهو يتحدث الانجليزية، وبالطبع ملايينه التي جمعها وهو في سن 22 ـ هي انه جمهوري معتدل ومشابه في آرائه لآراء معظم الكاليفورنيين في ما يتعلق بالاجهاض (يؤيده) وحقوق المثليين (يؤيدها) والدفاع عن البيئة (مع ان له خمسا من سيارة «هامر» المعروفة بتلويثها البيئة). وهو مدخن للسيجار الفاخر (25 دولارا للواحد)، وزوجته هي (الديمقراطية!) ماريا شرايفر نسيبة آل كنيدي، وأصحابه الرؤساء وكبار نجوم هوليوود. وقد اعلن للناس: «ولدت لأكون متميزا وزعيما»!.. والكاليفورنيون تعجبهم تصريحات مثل هذه.

ولذلك فقد استطاع ان يتخطى عقبات ضخمة مثل الكشف عن ماضي ابيه في نمسا ما بعد الحرب حيث ولد آرنولد في 30 يوليو (تموز) 1947. فقد قيل ان غوستاف شوارتزنيغر، رئيس قسم الشرطة في قرية ثال النمساوية الصغيرة كان نازيا. ورغم ان الابن لا يؤخذ بـ«جريرة» ابيه، فقد سارع ارنولد الى الطلب الى الحاخام مارفين هير مدير «مركز سايمون ويزنثال» اليهودي للتحقيق في الأمر. فظهر هذا الأخير على شاشات التلفزيون ليؤكد النبأ مضيفا بسرعة انه لم يكن مجرم حرب... وهكذا انتهى الأمر واصبح نسيا منسيا. لا ضياع، اذن، لأصوات اليهود المحتملة.

تشارلوت كريستيانا، رئيسة «نادي خليج هنتينغتون للنساء الجمهوريات» في كاليفورنيا تعارض الاجهاض والسيطرة على انتشار الاسلحة و«معتوهي البيئة». وتريد قوانين للهجرة أكثر صرامة، وحاكما بإمكانه ان «يخفض بعضا من البرامج الاجتماعية هذه». وبوصفها رئيسة لنادي خليج هنتينغتون، جمعت مئات التوقيعات المطالبة بتنحية غراي ديفيز. لكن صوتها، كما تقول، قد يذهب الى مهاجر يؤيد حرية النساء في الاجهاض والحد من انتشار الاسلحة، وتكون القضية الأساسية بالنسبة اليه هي تمويل برامج ما بعد اليوم المدرسي. وتضيف: «لست من الاشخاص الذين يقبلون مرشحا معتدلا، لكن أمام آرنولد شوارتزنيغر أفضل فرصة للفوز».

* .. ولكن!..

* في هذا الاسبوع الأخير من حملته الانتخابية، تفجرت فضيحتان حولتا الحلم الى كابوس. فقد خرجت ست نساء، كن قد التقين بالنجم في ازمنة مختلفة (1975 ـ 2000) ليبلغن صحفا اميركية انه تحرش بهن جنسيا. وأجرت «لوس انجليس تايمز» احدى اكبر الصحف الأميركية مقابلات مع النساء، فقالت اربع منهن انه تحسس اجزاء حساسة من اجسادهن. وقالت اخرى انه حاول نزع ثيابها في مصعد بفندق، بينما قالت السادسة انه عرض عليها ممارسة الحب. وكانت بين اولئك النسوة مقدمة برنامج عن السينما في التلفزيون البريطاني المستقل، اسمها آنا ريتشاردسون، زعمت ان شوارتزنيغر تحسس صدرها في جناح بفندق الدورشيستر اللندني الشهير في ديسمبر (كانون الأول) 2001.

وقالت احداهن انه لم يغتصبها ولكنه «اساء الي». وطبقا لما قالته الصحيفة فان ايا من النساء الست لم ترفع دعوى قضائية ضد مرشح الجمهوريين الشهير. واعتذر شوارتزنيغر معترفا بالذنب. وقال شون ولش المتحدث باسمه انه لم يتورط في سلوك معيب ازاء نساء، وان هذه المزاعم «جزء من حملة انتخابية قذرة ضده». لكن عدة هيئات نسائية نافذة تطالب الآن مكتب الادعاء في كاليفورنيا بتوجيه تهم جنائية اليه.

والواقع ان هذه الفضيحة تأتي تتويجا لما ظل يقال عن موقفه السلبي تجاه النساء عموما (وهن احدى اهم الكتل الانتخابية). وصحيح ان زمنا مضى على اطلاقه لعدد من التعليقات المضادة لدورهن. لكن هذه العبارات طفت الى السطح ـ طبيعيا ـ بعد ان رشح نفسه.

ففي مقابلة اجرتها معه مجلة «بريميير» في مارس (اذار) 2002 قال شوارتزنيغر، انه كان يتلمس اجساد النساء في الافلام والمقابلات. لكن الممثل يقول الآن ان حديثا من هذا النوع لم يجر معه اصلا. وفي مقالة اخرى نشرت بمجلة «انترتينمنت» الاسبوعية في يوليو الماضي نقل عن لسان الممثل وهو يناقش فيلمه الجديد Terminator 3 قوله انه استمتع بتمثيل الفيلم لهذا السبب: «كم مرة في حياتك تستطيع ان تفلت من العقاب بعد ان تأخذ امرأة وتدفن وجهها في قاعدة التواليت؟».

الفضيحة الثانية تفجرت مع تقارير اوردتها «نيويورك تايمز» وشبكة «ايه بي سي» قائلة انه كشف في حوار صحافي عام 1975 اعجابه الشديد بهتلر بسبب «ارتقائه من براثن الفقر الى قيادة القوة العظمى في اوروبا». ومع ان النجم انبرى قائلا انه «يحتقر ذلك الصعلوك المقزز»، فلا شك في ان رصانة مصدري التقرير تضع على مصداقيته ثقلا لن يفوت على اللوبي الصهيوني النافذ او الأميركي العادي الذي يرى في هتلر أكبر تجسيد للشر.

وحتى قبل ذلك جاءت ثمة انباء بمثابة ضربة ما الى آمال الجمهوريين في مرشحهم النجم. فآخر استطلاعين للرأي يكشف انه يتخلف بفارق ليس صغيرا عن الديمقراطي كروز بوستامانتي، نائب غراي ديفيز. ويرجع المراقبون هذا الامر الى ان شوارتزنيغر «يظل بعيدا عن الاحتكاك بالجمهور». فرغم انه يخصص 18 ساعة في اليوم لحملته الانتخابية، فإن رجل الشارع العادي يكاد لا يراه. اضف الى ذلك انه ليس سهل المنال بالنسبة لرجال الاعلام. وحتى زوجته اشتكت من ان فريق مستشاريه «يخنقه بالحرص الشديد عليه».

* على خطى ريغان؟

* بغض النظر عن الأثر الذي ستحدثه الفضيحتان الأخيرتان لدى الناخبين، فإن النجم السينمائي آرنولد شوارتزنيغر يريد، اذن، ان يصبح نجما سياسيا.. مثلما اعلن نجم سينمائي جمهوري آخر اسمه رونالد ريغان، قبل 38 عاما، انه يود ان يصبح حاكما لكاليفورنيا. فهل يسير الأول على خطى الأخير؟

ممكن ولكن ليس كل المشوار، ذلك ان رحلة ريغان السياسية التي بدأت بحاكمية كاليفورنيا اوصلته الى المكتب البيضاوي. لكن شوارتزنيغر ـ وإن ركب الموج وحقق حلمه الكاليفورني ـ لن يستطيع الوصول الى البيت الأبيض. والسبب هو ان الدستور الأميركي يتيح للمتجنس المولود خارج الولايات المتحدة تبوؤ اي منصب في البلاد عدا منصبي الرئيس ونائبه. لا مجال، اذن، امام المدمر لتحقيق الحلم الأكبر وإن صار حاكما وأكثر شعبية من ريغان في عهده.