كاي يحرج بتقريره عن أسلحة صدام المحظورة إدارة بوش

TT

كما كان متوقعا اعترف ديفيد كاي المسؤول الاميركي عن فريق البحث عن اسلحة الدمار الشامل في العراق ان فريقه خرج من العراق بعد تفتيش استمر 6 اشهر عن اسلحته خالي الوفاض، مما وضع ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش في موقف محرج بعدما ظلت تؤكد حتمية العثور على هذه الاسلحة في العراق. الا ان كاي قال بعد عرض تقريره اول من امس على الكونغرس ان فريقه وجد «ادلة مهمة تؤكد ارادة كبار المسؤولين العراقيين (السابقين) بمن فيهم صدام حسين، الاستمرار في انتاج اسلحة دمار شامل في المستقبل».

واوضح كاي ان فريقه الذي يضم 1400 اميركي وبريطاني، «ما زال امامه الكثير من العمل للقيام به»، مؤكدا ان «هذا التحقيق ما زال جاريا». وقال ان عدم العثور على اسلحة حتى الآن «لا يعني اننا توصلنا الى خلاصة مفادها ان هذه الاسلحة غير موجودة» في العراق، مؤكدا «ما زال امامنا كثير من العمل قبل ان نقول اننا وصلنا الى نهاية الطريق». واضاف ان فريقه «عثر على كثير من العناصر التي تثبت استمرار نشاط ما» في مجال اسلحة الدمار الشامل، وكذلك «على معدات لم يصرح بها الى مفتشي الامم المتحدة عندما عادوا الى العراق في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي». وقال ان هذه العناصر تتضمن «معدات مهمة وادلة على انشطة في المجالين الكيماوي والبيولوجي وكذلك في مجال الصواريخ». وأكد كاي ان «العراقيين كانوا ينفذون برنامجا واسعا جدا كان من شأنه ان يزيد من مجال منظومتهم التسلحية الى اكثر من الالف كلم. وكان ذلك كافيا لبلوغ القاهرة والرياض انطلاقا من الاراضي العراقية». وقال ان البرنامج كان يشمل صنع «صواريخ بالستية وصواريخ عابرة».

وقد جرى عرض التقرير في اجتماع مغلق امام لجنتي الاستخبارات في مجلس الشيوخ ومجلس النواب ويخضع للسرية، لكن نسخة منقحة وزعت على وسائل الاعلام. وجاء في الوثيقة التي تقع في 13 صفحة، «لم نعثر بعد على مخزونات اسلحة دمار شامل لكننا لم نصل بعد الى النقطة التي يمكن معها ان نجزم بصورة نهائية ان مثل هذه المخزونات موجودة او كانت موجودة قبل الحرب». واضاف التقرير ايضا انه «من المبكر جدا استخلاص النتائج النهائية. وبالنسبة لبعض هذه الاسلحة قد لا نتمكن من معرفة شيء عنها البتة». وأكد «ان هدفنا الوحيد هو معرفة الى اين نقلت هذه الاسلحة ونحن نبحث عنها بكد ونشاط على اساس معلومات زودنا بها العراقيون». واشار الى مختبرات ومنازل آمنة ادارتها الاستخبارات العراقية بها معدات مناسبة لابحاث الاسلحة الكيماوية البيولوجية ومختبر في مجمع احد السجون ربما استخدم في اختبار اسلحة بيولوجية على البشر وسلالات من احياء دقيقة مخفاة في منزل عالم منها سلالة يمكن استخدامها في انتاج اسلحة. وقال انه جرت عمليات تدمير مستمرة للادلة بما في ذلك اقراص صلبة للكومبيوتر وملفات كما ان بعض المعدات المشتبه فيها نظفت لاخفاء مجال استخدامها الحقيقي. وقال كاي ان جانبا كبيرا من الادلة «فقد ويتعذر استرجاعه.. من السابق لاوانه التوصل الى استنتاجات قاطعة وفي بعض المجالات قد لا نصل مطلقا الى هذا الهدف».

واضاف كاي ان مصادر متعددة ابلغت الفريق ان «العراق لم يكن لديه برنامج كبير مستمر ومنظم مركزيا للاسلحة الكيماوية بعد عام 1991». وقال ان جميع المعلومات التي عثر عليها حتى الآن تشير الى ان قدرة العراق على تطوير وانتاج وتعبئة اسلحة كيماوية على نطاق واسع «خفضت ان لم تكن دمرت تماما». وخلص كاي الى انه «ايا كان ما سنجده فسيختلف على الارجح عن معلومات ما قبل الحرب».

وعن البرنامج العراقي المزعوم لتطوير اسحلة نووية، قال كاي ان الادلة تشير على اقصى تقدير «وبصورة مبدئية جدا» الى استئناف برنامج «على مستوى بدائي للغاية». واضاف قوله «لكن من الواضح انه ليس استئنافا لبرنامج واسع استنادا الى ما توصلنا اليه الآن». وذكر كاي عدة عناصر تجعل من الصعب التحقق بثقة من مصير اي اسلحة محظورة محتملة في العراق منها تشتيت او تدمير متعمد للوثائق والمواد. وقال ان بعض العاملين في مجال اسلحة الدمار الشامل «عبروا الحدود» قبل وخلال الحرب وربما اخذوا معهم وثائق او حتى «مواد لها صلة بالاسلحة». ولم يذكر اي الحدود عبرها هؤلاء الناس.

ويضع التقرير الادارة الاميركية في موقف محرج وحقيقة مرة وهي ان ترسانة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين لم تكن، على ما يبدو، سوى مؤشرات واحتمالات وخداع وتضليل وان ما عثر عليه حتى الآن لا يدعم طرح الادارة بأن صدام كان يشكل خطرا وشيكا على العالم. وفي تصريحاته يقول الرئيس جورج بوش ان هذه ليست القضية بل القضية هي ان صدام سقط والعراق اصبح حرا. الا ان الرئيس الاميركي في احاديثه الخاصة يعترف بأن عدم العثور على اسلحة الدمار الشامل قضية مهمة وستزداد اهمية عندما تصطدم حملة اعادة انتخابه بواقع احتواء الفوضى في العراق المحتل.

وكان البيت الابيض حاول مسبقا التقليل من اهمية تقرير ديفيد كاي الاول، مشددا على اهمية مهمة الفريق. وقالت كوندوليزا رايس مستشارة الرئيس بوش لشؤون الامن القومي مؤخرا ان «ديفيد كاي ما زال امامه عمل طويل يجب انجازه». ويتألف الفريق الذي يقوده كاي خصوصا من اعضاء من اجهزة التجسس والاوساط العلمية والمعلوماتية واوساط التسلح. وعلى غرار لندن فان البيت الابيض ما زال مقتنعا بان صدام حسين كان يملك اسلحة دمار شامل. وفي اواخر سبتمبر (ايلول) ذكر المتحدث الرئاسي سكوت ماكليلان «نستمر في الاعتقاد انه (صدام) كان يملك اسلحة دمار شامل وكان يقوم ببرامج لتطوير اسلحة دمار شامل».

وتأكيدا على معلومات اوردتها اول من امس صحيفة «نيويورك تايمز» قال السناتور الديمقراطي ايفان باي، العضو في لجنة الاستخبارات، ان الادارة الاميركية تقترح تخصيص 600 مليون دولار اضافية لمواصلة عمليات البحث عن اسلحة دمار شامل في العراق. وقد انفق حتى الآن حوالي 400 مليون دولار. الى ذلك اعتبر اعضاء ديمقراطيون في مجلس الشيوخ امس ان العجز حتى الآن عن العثور على اسلحة الدمار الشامل في العراق يطرح اسئلة جدية حول شرعية الحرب الوقائية التي شنتها ادارة بوش على العراق. وقال السناتور جون روكفلر الديمقراطي البارز في لجنة الاستخبارات «اذا قررنا خوض حرب متذرعين بحجة مكافحة الارهاب العالمي، كان يتعين علينا التأكد فعلا من وجود اسلحة بيولوجية ونووية وكيماوية في العراق». واضاف في تصريح صحافي «لذلك يبدو ان لا وجود لهذه الاسلحة ومن المرجح الا نعثر عليها». وأكد «اعتقد ان ذلك يطرح على بساط البحث عقيدة الحرب الوقائية وطريقة اتخاذ القرارات على اعلى مستويات الدولة».

وفيما ذكر كاي انه ستتاح لفريقه فرصة افضل للوقوف على وضع الاسلحة المحظورة للعراق خلال ما بين ستة الى تسعة اشهر، قال السناتور جون روكلفر وهو اكبر الديمقراطيين في لجنة الاستخبارات انه يشك ان يظهر شيء حتى عند الوصول الى تلك المرحلة. واضاف قوله «لنا 1400 شخص يعملون في الميدان في عمليات تفتيش تكلف الكثير من المال ولم تسفر جهودهم عن شيء حتى الآن ويطلبون ستة اشهر الى تسعة اخرى والارجح من وجهة نظري انهم لن يعثروا حقا على شيء اخر يذكر».

الى ذلك، قال هانز بليكس الرئيس السابق لمفتشي الاسلحة التابعين للأمم المتحدة امس ان تقرير كاي لم يتضمن اية مفاجأة. واضاف ان «اهم نقطة هي ان بامكانهم تأكيد انهم لم يعثروا على اي مخزونات او اسلحة دمار شامل من اي نوع. لا اعتقد انه توجد اي مفاجآت». وقال لهيئة الاذاعة البريطانية «بي. بي. سي» انه كان يشك فيما اذا كان العراق يشكل «الخطر الواضح والقائم» الذي دفع لندن وواشنطن لغزوه. واردف قائلا «انني أرى انه لم يكن من الممكن التوفيق بين هذه العملية ومطالب ميثاق الامم المتحدة. معلومات الاستخبارات لم تكن قوية في حقيقة الامر الى الحد الذي يمكن ان يقال معه انها جلية. ولو كان بوسعهم تطوير اسلحة دمار شامل خلال خمس سنوات او عشر سنوات فان هذا بالتأكيد ليس وشيكا». وحث بليكس على توخي الحذر بشأن الادلة التي قدمها فريق كاي. وقال «علماء وفنيون عراقيون كثيرون سيشعرون بان امامهم فرصة للحصول على مكأفاة مقابل التحدث للاميركيين والبريطانيين. يجب توخي الحذر قليلا بشأن ما قد يقولونه. تماما مثلما يدلي المنشقون على ما يبدو بروايات كثيرة يتوقعون ان المحققين يريدون سماعها فقد يحدث نفس الشيء في العراق الآن».