مشرف تربوي سعودي: العنف في المدارس لا يمثل ظاهرة

TT

طفل في الحادية عشرة من العمر يظهر في أحد الصحف المحلية مربوط الرأس بشاش ابيض، وثوبه مليء بنقاط دمٍ أحمر نزفت من جبينه. هذا الطفل ليس خارجاً للتو من حادث سيارة أو شجار مجنون في ملعب كرة.. المفاجأة أنه خارج من مدرسته، حيث عاقبه معلمه بعصا خشبية نتج عنها شج في الرأس وحدوث نزف غزير.

صورة أخرى.. فتاة في الثامنة تظهر في صحيفة ثانية بكامل زينتها، وشرائطها البيضاء تعتلي ظفائر شعرها المتموج، لا يعكر مزاج هذه الفتاة في اسبوعها الدراسي الثالث إلا آثار كدمة تحت العين نتيجة ضرب معلمتها لها بشنطة حديدية. لماذا يعاملون الأطفال بهذه الطريقة؟

في شعار الوزارة الحديث، التربية قبل التعليم، إشكالية تبدو عويصة في المشهد التعليمي. فالصدام بين المعلمين وتلاميذهم بات سمة للعلاقة بين الجيلين، جيل المعلمين الذي تربى على أن احترام المعلم واجب وحق يتيح تعنيف الطالب جسدياً. وجيل التلاميذ الذي تربى على أن الإقناع والثقة هما الوسيلة الأجدى.

ومعلوم أن التدريس في السعودية هو الوظيفة الأكثر رواجاً وجاذبية، لميزاتها المادية وقصر دوامها ووفرة اجازاتها، وتسقطب العديد من خريجي الجامعات السعودية من مختلف التخصصات، حتى أنه في مرحلة من المراحل عين بعض حاملي الإجازة في الزراعة والإعلام والمحاسبة كمعلمين في المرحلة الابتدائية، ما أفرز غيابا للكوادر التعليمية الموهوبة والمدربة بشكل يمكنها من أداء عملها بشكل أكثر فاعلية. هذه المنهجية نتج عنها إشكالات تربوية في المقام الأول، كون العنصر الأهم في شخصية المعلم تم تجاهله على حساب توطين الوظائف وتعيين السعوديين. ويظهر السؤال حول ما إذا كانت إشكالية التعليم في السعودية أزمة مناهج أم معلمين؟

وشهد العام الماضي تطوراً لافتاً على مستوى القرارات المعنية بالمعلمين ومدى تأهيلهم، صرح بها وزير التعليم الدكتور محمد الرشيد، كأداء القسم وإجراء اختبارات للراغبين بالانضمام إلى السلك التعليمي كمربين ومعلمين.

ويقول مدير الإشراف التربوي في الإدارة العامة للتعليم في مكة المكرمة محمد الشمراني لـ"الشرق الأوسط": إذا كانت حالات الاعتداء من المعلمين على الطلاب حالات فردية فيجب أن لا نعممها، ونجعلها شماعة نعلق عليها كل شيء. فإذا كان هناك معلمة ضربت فتاة بحديدة أو سواه، فهناك آلاف المعلمات يعلمن الفتيات ويكن قدوة لهن. فلماذا لا يأخذون هؤلاء بالعبرة.

وأضاف الشمراني المشكلة ليست في المدرسة فقط، ولكن في عدم تكاتف المسؤولين عن التربية ككل، مثل الأسرة والشارع والإعلام. فعندما تتخلى جميع العناصر الباقية عن دورها يستحيل على المدرسة أن تقوم بكل الأدوار.

يذكر أن الوزارة منحت العام الماضي صلاحية فصل الطالب أو حتى تحويله للجهات الأمنية بعد موافقة مدير التعليم، ونص القرار الهادف إلى تعديل سلوك الطالب على مخالفات مثل: الاستهانة بشيء من شعائر الإسلام واعتناق المذاهب الهدامة وترويج المخدرات وممارسة السلوك الشاذ والاعتداء بالضرب على أحد منسوبي المدرسة من ادارين ومدرسين وحيازة الأسلحة واستخدامها، وفي الحالات التي يصبح فيها وجود الطالب خطراً على المجتمع.

وعلى نفس النسق، قال الشمراني حول وسائل معاقبة المعلمين في حال صدور أي من الأفعال السابقة من قبلهم، هناك عقوبات ولكن ليس الفصل ضمنها، ولكن على سبيل المثال يحول للعمل الاداري. وإذا كان الحادث يتعدى أسوار المدرسة فليست هذه مسؤولية وزارة التعليم.

وتابع الشمراني: عندما ننظر إلى أن السعودية تضم 150 ألف معلم، منهم اثنان أو ثلاثة قاموا بسلوك شاذ فهذا أمر طبيعي ويحدث في أي مجتمع. والحال أن العنف في المدارس لا يمثل ظاهرة بأي شكل من الأشكال. وهو ليس دفاعاً عن التعليم ولكنه واقع. فأنا رئيس قضايا المعلمين ولم يرد إليّ خلال ثلاث سنوات أي حالة عنف من طالب لمعلم أو من معلم لطالب.

ورأى الشمراني أن "التعليم في السعودية لا يعاني أزمة مناهج ولا معلمين، فمناهجنا من الأفضل في العالم، ومعلمونا يخضعون للدورات باستمرار".