«عين» من ارتفاع 680 كيلومترا في الفضاء ترصد محنة قلقيلية الفلسطينية

TT

قلقيلية، مدينة القوافل والغزوات الشهيرة عبر تاريخ للكنعانيين يعود الى أكثر من 3 آلاف عام، أصبحت رهينة لأفعى اسرائيلية من الاسمنت المسلح تطوقها كل يوم من معظم حوافيها على شكل «جدار أمني» يمعن في عزلها بالكامل عن محيطها الطبيعي والبشري الفلسطيني، في مشهد لا يمكن تصويره بالتمام الا من الفضاء. وهذا المشهد رصده قمر أميركي تجاري وخرج بصورتين لقلقيلية: واحدة قديمة منذ 15 شهرا، وبدت فيها المدينة طبيعية كما كانت طوال آلاف السنين دائما، والثانية قبل 3 أشهر، وبدت فيها المدينة وقد أصبحت أسيرة للجدار، ولا مخرج ولا مدخل لسكانها سوى نقطة مراقبة اسرائيلية واحدة على الأرض.

وبث القمر التجاري الأميركي «إيكونوس» الصورتين على مرحلتين لصالح «جمعية العلماء الأميركيين» بعد أن التقطهما «إيكونوس» بواحدة من عدسات حساسة في 6 كاميرات تصور الأهداف من مدار يسلك فيه القمر على ارتفاع 680 كيلومترا عن الأرض. قلقيلية مدينة توأم للتاريخ، فهي قديمة واسمها «جلجل» كنعاني الأصل، تحول بعدها الى جلجلة، التي تعني فصل الحصى عن الحبوب بعد الحصاد. وهي من مدن قضاء طولكرم، ولا تبعد أكثر من 16 كيلومترا الى الجنوب الغربي عن مركز القضاء. ويروون بأنها كانت محطة لقوافل تجارية وغزوات شهيرة منذ الزمن البعيد، وظلت الى الآن مركز التقاء مهماً للطرق والدروب التي تربط المدن والبلدات الفلسطينية. وفي احدى المرات، وكان ذلك في منتصف 1953 حيث وقع اشتباك عند حدودها مسلح بين بعض أبنائها والجنود الاسرائيليين، صرح موشي دايان، الذي أصبح وزيرا للدفاع في حرب 1967، بالوعيد والتهديد وقال: سأحرث قلقيلية حرثا من أسفلها الى أعلاها». الا أنه رحل عن الدنيا وبقيت المدينة التي كان سكانها أقل من 7 آلاف نسمة ذلك العام، وتطورت ونمت وأصبحوا هذه الأيام أكثر من 50 ألف نسمة، لكنهم مطوقون بالجدار.

ويواصل الاسرائيليون عملية تطويق قلقيلية ببناء يومي يزيد على 20 مترا من «جدار العار» كما بدأو يسمونه في الأوساط الانسانية. وتقول «جمعية العلماء الأميركيين» إن المدينة ستطوق بالكامل حتى آخر العام على الأكثر، ولن يعود بامكان سكانها التواصل بدءا من العام المقبل مع سواهم من الفلسطينيين الا عبر نقطة عبور اسرائيلية واحدة ترصد الداخل اليها والخارج منها 24 ساعة في اليوم.

وتشرح الجمعية من تحليل للصورة بالمكبرات والأجهزة الالكترونية أن الجدار ليس واحدا حول قلقيلية «فهو متنوع الارتفاعات ومتنوع الأساسات والسماكة كل 100 متر أو أكثر، أي حسب الموقع الذي يطوقه من المدينة، فهناك أقسام بارتفاع 8 أمتار، وأخرى أقل ارتفاعا أو أعلى. ومع أن الحدود بين الضفة الغربية واسرائيل هي 365 كيلومترا، الا أن الجدار، وكلفته ستبلغ أكثر من مليار و500 مليون دولار حين ينتهي، سيكون بطول 600 كيلومتر تماما، لأنه متعرج التفافي حول البلدات والقرى الفلسطينية والسهول ومصادر الرزق، لكنه لا يحاصر أي مدينة أو بلدة منها بالكامل كما يحاصر قلقيلية الصغيرة».

وحتى أسبوعين وصل التفاف الجدار الاسمنتي المسلح 11 كيلومترا و300 متر حول قلقيلية، ولم يعد الا القليل لتخرج المدينة من الوجود الفلسطيني وتصبح وسط محيط من العزلة لم تعرفه طوال 30 قرنا من الزمان.