عضو وفد الحكومة لمفاوضات السلام: «الاتفاق الأمني» أغلق ملف الحرب الأهلية في السودان نهائيا

نافع علي نافع لـ«الشرق الأوسط» : قرنق اعتذر لطه عن عدم لقائه في أبوجا

TT

الدكتور نافع علي نافع نائب الأمين لحزب المؤتمر الوطني الحاكم ووزير ديوان الحكم الاتحادي، وشغل مناصب عديدة كرئيس لجهاز الأمن الوطني ومستشار في رئاسة الجمهورية ووزير للزراعة. يعتبره المراقبون من المتشددين او من صقور حكم الانقاذ الوطني، وثابر طوال حكم الانقاذ (14 سنة) على الابتعاد عن الاضواء والاعلام والصحافة.

«الشرق الأوسط» حاورته باعتباره الرجل الثاني بعد النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه في الوفد الحكومي الذي شارك في المفاوضات مع وفد الحركة الشعبية لتحرير السودان في نيفاشا.

وتناول الحوار اجواء أول لقاء بين طه وزعيم الحركة الشعبية جون قرنق، وتبريراته ازاء تخلف الاخير عن لقاءات سبق ترتيبها مع طه وآخرها في أبوجا بنيجيريا. وكشف نافع نقطة التحول الهامة في المفاوضات الثنائية التي اعطت الاولوية للترتيبات الأمنية والعسكرية باعتبارها المفتاح الرئيسي لحل القضايا الاخرى، واصداء مشاركة وزير الدفاع واربعة من كبار ضباط القيادة العامة (برتبة لواء) الذين جاءوا بملفات كاملة للترتيبات الأمنية والعسكرية والخيارات والبدائل.

ولم يستبعد نافع الوصول الى اتفاق سلام شامل خلال شهرين بعد توقيع اتفاق الترتيبات الأمنية والعسكرية، واعتبر ان ملف الحرب في الجنوب قد طويت اوراقه بدليل تجديد اتفاق وقف العدائيات تلقائيا. وفيما يلي نص الحديث:

* متى حدثت نقطة التحول في المفاوضات بين وفدي الحكومة والحركة الشعبية في نيفاشا؟

ـ لقد كانت هناك لقاءات قصيرة بين الرئيس عمر البشير وزعيم الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق في كمبالا ونيروبي، وهي بطبيعتها وفي ظروفها وتوقيتها لم تكن ملائمة للتفاوض او التباحث في القضايا المتعلقة بعملية السلام في السودان ولكنها بالقطع مهدت الى اجواء التطبيع والتقارب والثقة. واكتسب لقاء النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه وزعيم الحركة الشعبية في نيفاشا الاهمية لأنه تم في اعقاب فشل محاولات وجهود لاتمام اللقاء بينهما وآخرها في أبوجا (نيجيريا) وكانت هنالك شكوك ومخاوف من نجاح أي لقاء مرتقب ولكن وزير خارجية كينيا لدى زيارته الاخيرة للخرطوم ولقائه بالرئىس البشير وبالنائب الأول أبدى حرصا بالغا لاجتماع القيادتين (طه ـ قرنق)، واكد على موافقة الدكتور جون قرنق على لقاء النائب الأول طه وانه واثق ومطمئن على حضوره في الموعد والمكان المحدد، وعندما تم اللقاء الأول في اليوم التالي لوصول النائب الأول لرئيس الجمهورية فان زعيم الحركة الشعبية بادر من جانبه الى شرح الظروف والملابسات التي حالت دون اتمام اللقاءات الثنائية السابقة وانه لم يكن وراء ذلك عدم رغبة او عدم حرص على اللقاء ولكنها ارتبطت بظروف حالت دون ما هو مطلوب. النائب الأول من جانبه سارع بقبول التفسير والتبرير ووجوب تجاوز هذه المسائل واعتبارها جزءا من الماضي لأن المهم الآن هو الحاضر والمستقبل والتعامل المباشر مع قضية السلام وبناء العلاقات البناءة والايجابية. هذه الثقة من البداية ازاحت الشكوك والمحاذير وفتحت الباب لحوار وتفاوض بناء.

* هل يعتبر اتفاق الترتيبات الأمنية والعسكرية الاخيرة بنيفاشا بمثابة اغلاق لملف الحرب أم ان كل شيء وارد؟

ـ نعتبر هذا بمثابة اغلاق كامل لملف أطول حرب عرفتها أفريقيا وليس بمثابة تمن او استنتاج، ولكن من واقع الحوار المباشر الذي جرى بين النائب الأول وزعيم الحركة الشعبية والمفاوضات الثنائية والجماعية التي استمرت على مدى ثلاثة اسابيع وهي الفترة الاطول والاصعب في العملية السلمية السودانية، ومن الشواهد على اغلاق ملف الحرب تجديد اتفاق وقف العدائيات أي الذي يحظر العمل العدائي او المعارك من أي من الجانبين الحكومة والحركة.

* .. ولكن المراقبين فسروا تجديد اتفاق عدم العدائيات ولمدة شهرين وليست لثلاثة بغير ذلك فهل هذا صحيح؟

ـ طبقا لنصوص الاتفاق بين الحكومة والحركة فان اتفاقية وقف العدائيات تتجدد كل ثلاثة اشهر، اما لماذا جاء التجديد لمدة شهرين فان الوسيط الجنرال سيمبويو طرحه لمدة شهرين، وقال: انه كان يود ان الامر اقصر من ذلك ولكنه يعرف ان هنالك قضايا اخرى تنتظر الاكمال وقدر لها هذه الفترة ووافق الطرفان تلقائيا، والدكتور قرنق قال اذا لم يتم الاتفاق النهائي في مدى شهرين يتجدد وقف العدائيات مرة اخرى، وأشهد ان التداول في هذه النقطة (وقف العدائيات) تم بسهولة ويسر وبشكل ايجابي لم يمس صميم القضية السلمية.

* هل الخلفية الصعبة للمفاوضات والمواقف المتباينة القت بظلالها وشكوكها على مداولات نيفاشا؟

ـ استطيع القول ان روح المفاوضات رغم صعوبة القضايا وتعقيداتها والساعات الطويلة في التداول ظلت بناءة وايجابية، وحتى المناقشات ذات الطبيعة الخلافية تمت بشكل ودي واحترام متبادل ولم تحدث أي تعبيرات حادة او مستفزة او غير مقبولة، واضيف ايضا ان الطبيعة السودانية السمحة سيطرت على اجواء المفاوضات فقد تم التفريق بين التعامل والعلاقات الشخصية والاحترام المتبادل وبين الخلاف السياسي والذى جرى ايضا التعامل فيه بكثير من التعقل والاتزان وعلى اساس المنطق والمرجعية.

* هل يعتقد الوفد الحكومي حدوث تحول حقيقي بالنسبة لوفد الحركة ورئيسها الدكتور قرنق في نيفاشا؟

ـ قطعا لقد تلمسنا بوضوح تام ان ارادة السلام هذه المرة ظهرت اقوى ما تكون وأوضح بدليل استمرار المفاوضات والحرص عليها والتحلي بالصبر والمثابرة والجدية التامة في التداول في قضية السلام وعلى مدى ثلاثة اسابيع، وبدليل الوصول الى اتفاقية الترتيبات الأمنية والعسكرية والاتفاق على أجندة مفاوضات الجولة القادمة في 6 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي والتي تقتصر في بداياتها على الخبراء والفنيين ثم يلحق بهم النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس الحركة الشعبية.

* كيف جاء الطرح الخاص بالترتيبات الأمنية والعسكرية؟

ـ كانت جولات المفاوضات السابقة تتداول حول العديد من القضايا الخلافية وقد أجلت مناقشة الترتيبات الأمنية والعسكرية التفصيلية وقد رؤي ان تحسم قضايا الثروة والسلطة وغيرها ثم تأتي الترتيبات الأمنية والعسكرية، ولكن، واحدا من النجاحات التي حققها لقاء النائب الأول ورئيس الحركة الشعبية انهما اعتبرا ان تناول الترتيبات الأمنية والعسكرية هو المفتاح الرئيسي للقضايا الاخرى وكان اتفاقهما على هذه النقطة نقطة تحول هامة في المفاوضات ولذلك جاءت دعوة وزير الدفاع والوفد العسكري المرافق له وهم من ذوي الرتب العليا (اربعة لواءات) من القيادة العامة للانضمام لمفاوضات نيفاشا باعتبارهم الجهة المعنية بالأمر، وقد جاءوا بملفاتهم كاملة وخياراتهم ومقترحاتهم في العملية التفاوضية باعتبارهم أهل الشأن بالكامل ولم تتدخل القيادة السياسية في كل من الجانبين الا بقدر ما يحقق التقارب تجاه الخيارات المطروحة.

* هل يعني ذلك ان القضايا الاقتصادية والسياسية... الثروة والسلطة شارك فيها الفنيون والمختصون؟

ـ منذ ان قررت الحكومة مبدأ التفاوض مع الحركة الشعبية لتحقيق السلام اوكلت القضايا المعنية لجهات الاختصاص من فنيين وخبراء ليطرحوا رؤيتهم والخيارات والبدائل ولذلك جاء طبيعيا حضور الوفد العسكري والأمني للتعامل مع الترتيبات الأمنية باعتبارهم جهة الاختصاص.

* هل الوضع الطبيعي وجود جيش واحد أم وجود ثلاثة جيوش (الجيش القومي والجيش المشترك وجيش الحركة الشعبية) نصت عليها اتفاقية الترتيبات العسكرية؟

ـ الوضع الطبيعي في أي بلد هو وجود جيش قوي واحد وهو الذي ينتهي اليه الامر بانتهاء الفترة الانتقالية. والذي حدث في الترتيبات الأمنية يقترن بالفترة الانتقالية (6 سنوات) ولكن بعد الفترة الانتقالية. تتحد وتتجمع هذه القوات في جيش واحد.

* هل صحيح ما تردد عن تخفيض للقوات العسكرية؟

ـ تم الاتفاق على خفض القوات الى حجم مناسب بعد الوصول الى السلام العادل والشامل، فلا يمكن بالطبع ان يبقى عدد القوات العسكرية في فترة السلام على ذات النسبة في فترة الحرب، فلدى توقيع اتفاق السلام سيعاد النظر في حجم القوات ويتم التخفيض بشكل تدريجي وبرؤية علمية وموضوعية.

* هل هنالك اتجاه لتسريح او اعفاء جانب من القوات المسلحة؟

ـ لا لم ترد أية اشارة الى اعفاء أحد او تسريح لجانب من القوات ولم يفكر أحد في ذلك ولكن تخفيض القوات يسري بعد تحقيق السلام، وكل القوات يستفاد منها في المجالات المتعددة طبقا لمهاراتها وخبراتها.

* هل يتم توقيع الاتفاق على السلام الشامل بعد شهرين حسبما اعلن زعيم الحركة الشعبية؟

ـ توقيع اتفاق السلام بعد او خلال شهرين وارد جدا لأن الوصول الى اتفاق الترتيبات الأمنية والعسكرية ازال عقبة كبيرة، والمفاوضات في القضايا الاخرى قطعت شوطا، وهي قضايا ذات طبيعة فنية ويمكن الوصول فيها الى اتفاق.

* هل معنى ذلك انه في جولة التفاوض في أكتوبر الحالي يمكن الفراغ منها؟

ـ يمكن ان يحدث ذلك بانجاز اعداد الوثائق المتعلقة بالقضايا المتبقية.

* هل الترتيبات الأمنية والعسكرية والفترة الانتقالية تسمح بمراقبين عرب أي من الدول العربية؟

ـ الرقابة التي نصت عليها الاتفاقية هدفها الاطمئنان على عملية وقف اطلاق النار بين الجانبين (قوات الجيش وقوات الحركة) ويتولى هذه المهمة مجموعة من المراقبين من دول «الايقاد».

* هل دول الجوار وبوجه خاص مصر ظلت على اتصال بمفاوضات نيفاشا؟

ـ دول الجوار ظلت تتابع المفاوضات باهتمام بالغ وبالطبع مصر، وجاء جهدها ودورها ايجابيا لدعم جهود تحقيق السلام والحفاظ على وحدة السودان وتماسكه واستقراره.

* هل صحيح ان لقاء النائب الأول وزعيم الحركة الشعبية توصل الى شراكة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية؟

ـ مجرد الوصول الى اتفاق بين الحكومة والحركة الشعبية فهذا يشكل خطوة اساسية للشراكة السياسية، ولكن المقصود بالشراكة هو تحقيق اجوائها عبر التعرف على الرؤية لكافة القضايا والوصول الى فهم مشترك ازاءها، وان الحوار حول القضايا وكافة الملفات يحتاج الى تعاون وتفاهم، ونعتبر ان الشراكة السياسية والتفام اذا تما يكونان الضمان لتنفيذ اتفاقية السلام وكذلك ضمانا لحشد كل القوى السياسية والوطنية لدعم السلام في السودان.

* ولكن كيف يمكن اشراك القوى السياسية والتفاوض والاتفاق ثنائي (الحكومة والحركة)؟

ـ اتفاق ماشاكوس في 20 يوليو (تموز) 2002 نص على حكومة موسعة في الفترة الانتقالية والمشاركة من جانب القوى السياسية تأتي في الاجهزة التنفيذية.

* وماذا عن القوى السياسية الرئيسية.. الاتحاد الديمقراطي والأمة؟

ـ ان هذه القوى السياسية لم تشارك في المفاوضات فهي قاصرة على الحكومة والحركة ولكن اتصالات الحكومة لم تنقطع مع قياديي الاتحادي الديمقراطي والأمة وقد ظللنا على التشاور مع القوى الرئيسية وقد طرحنا الآن ما تم التوصل الىه من الوثائق والترتيبات الأمنية والعسكرية على القوى السياسية.

* هل تم الآن التطبيع في العلاقات مع المؤتمر الشعبي وهل سيطلق سراح الدكتور حسن الترابي؟

ـ اعتقد ان تراجع الحرب وتحقيق السلام العادل والشامل سيزيل مظاهر التوتر والخلاف وسينعكس ايجابا على كافة الملفات بما فيها مناخ التعامل السياسي والنظر في كل الحالات ونأمل ان يكون له اثره على كافة الاوجه والاصعدة.

* يصنفك المراقبون بالمتشدد وبأنك من مجموعة الصقور في الانقاذ فأين موقفك من الوفاق الوطني والسلام؟

ـ أولا الوفاق الوطني والسلام هو يمثل قناعة تامة لحكم الانقاذ الوطني، فالسلام من الأولويات الاساسية فيصعب تحقيق تطور ونماء وتقدم الا في ظل السلام الشامل والعادل، والوفاق الوطني قضية استراتيجية للدولة وليست تحالفا سياسيا عابرا وبرنامج رئيس الجمهورية للولاية الثانية ركز على كليهما السلام والوفاق الوطني. والمبادئ الثابتة تعلو على اجتهادات الاشخاص والآراء الفردية. والذين يصنفوننا بالصقور والحمائم نقول لهم هذا تصنيف غير صحيح لأن الاستراتيجية والقناعات تستند الى الشورى والعمل المؤسسي.