ضحايا التفجيرات في العراق يلومون الذين «لا يتقون الله ولا الإسلام»

أنصار الرئيس المخلوع يفقدون الدعم ويكسبون المزيد من الكراهية كلما قتل مدنيون أبرياء

TT

في الايام التي سبقت انفجار قنبلة على الطريق الرئيسي في منطقة الجزيرة (شمال غربي العراق)، كان الناس هنا يوزعون منشورا غامضا ينصحهم بالبقاء في منازلهم. ولكن جابر علي محمد كان يعيش في مدينة اخرى، بعيدا عن متناول هذا التحذير غير الموقع. ولذا فقد كان من سوء حظه ان يحضر بسيارته الاجرة الى الكمين يوم الاحد الماضي في نفس اللحظة التي اقتربت فيها دورية عسكرية اميركية من الطريق المضاد. وقد وقع الانفجار الذي يستهدف سيارة هامفي، تحت سيارة فولكس فاغن من طراز باسات ذات اللونين البرتقالي والابيض، بقوة حولتها الى قطع صغيرة من الاسلاك والحطام والقت بجثة واحد من الركاب، وهو صبي في حوالي الثامنة من عمره، في مياه نهر الفرات على مبعدة 20 ياردة.

غير ان الناس هنا لا يلومون سوء الحظ. ففي الوقت الذي يزداد فيه عدد القتلى الاميركيين في هجمات مفاجئة مرعبة، يزداد ايضا عدد العراقيين الذين ادى الحظ العاثر الى قتلهم. ففي التسعة ايام الماضية ادت ثلاثة انفجارات كان مقصودا بها قتل وتشويه العسكريين الاميركيين الى مقتل 15 مدنيا عراقيا. ويتساءل الناجون عما حدث، ويلومون من يشعرون ضده بالغضب.

وقال رعد خلف وهو ابن عم سائق سيارة الاجرة الذي قتل مع الصبي وأم الصبي «يقول الاميركيون انهم سيطبقون الامن، ولذا فهم المسؤولون. لقد ذكر الاميركيون انهم اتوا لتحريرنا... ولكي يحققوا لنا الامن، ولكن لم يتحقق اي شيء. وهم يتسببون في جعل الظروف اسوأ».

غير ان فوزية علي التي كانت تتحدث في مستشفى في بغداد قالت «لا نلوم الاميركيين». وكان زوج فوزية ثائر حسين قد اصيب اصابات خطرة في 24 سبتمبر (ايلول) الماضي عندما انفجرت قنبلة خلف سيارة باص في بغداد قبل ثوان من مرور سيارة دورية اميركية. وكان حسين في طريقه الى عمله حيث يبيع ادوات كهربائية مقابل 1.5 دولار يوميا.

وقالت فوزية انها تعتقد ان الذين وضعوا القنبلة هم من انصار الرئيس السابق صدام حسين. واضافت وهي جالسة الى جوار زوجها «يقتلون الابرياء». وقد وافقها زوجها بالايماء برأسه. واضافت «لا يتقون الله ولا الاسلام، لان الاسلام لا يقبل مثل هذا السلوك. معظم من كان في هذا الباص من الجيران. وهم فقراء. لا يحملون اي مشاعر ضد الاميركيين. ولم يضر الاميركيون بهم». ويوضح الانفجار دور الموقع الجغرافي في الهجمات ضد القوات الاميركية ومن يتعرض للقتل.

وتم تفجير العبوة الناسفة في حي الاعظمية شمال بغداد، وهو حي معروف بولاء سكانه لصدام حسين وعدائهم للقوات الاميركية التي اطاحت نظامه في ابريل (نيسان) الماضي. وكانت الحافلة تمر بحي الاعظمية وعلى متنها ركاب من شمال العاصمة في طريقهم الى وسطها.

واسفرت العبوة الناسفة عن تفجير الحافلة واصطدامها بشجرة، كما اسفرت ايضا عن إلحاق اضرار بحافلة اخرى كانت تسير خلفها مباشرة. وطبقا لتقارير الاطباء، فان رجلا مسنا توفي في موقع الانفجار متأثرا بجراحه ومن المحتمل ان يفقد عدد من المصابين بصرهم، فيما بترت ساق طالبة كانت في طريقها للاستفسار حول بعض الحصص الدراسية في مدرسة تقع على الجانب الآخر من الشارع.

ويقول عمار جابر، 25 سنة، الذي يدير محلا لبيع اجهزة التلفزيون بالقرب من موقع الانفجار، انهم يوجهون المسؤولية الى الذين دبروا الانفجار. وفي لقاء سريع مع عدد من سكان المنطقة قال جابر وعدد من زملائه التجار ان «الوضع سيئ للغاية». وقال سعد شاكر، 45 عاما، ان الهجمات وحوادث القتل وقتل الاطفال باتت تحدث باستمرار مما يشكل مأساة للسكان، وأضاف قائلا ان لا احد يشعر بالاطمئنان ولا احد يهتم بالآخر. وقال شاكر موجها سؤاله للمراسل الذي اعد هذا التقرير: «هل تعرف معنى صدّام؟»، وأجاب بنفسه قائلا: «الصراع».

ورغم عشوائية احداث العنف التي وقعت في الاسابيع الاخيرة، فان بعض العراقيين يرى ان معناها ربما يكون موجودا في الفوضى التي نتجت عنها. فالذين دبروا هذه العمليات كما يقول صهيب سلطان، وهو طبيب بالمستشفى الذي عولج فيه جرحى الانفجار، «مخربون يريدون فقط نشر حالة من عدم الاستقرار».

وعقب حادثة تفجير الحافلة لقي 11 شخصا مصرعهم عندما انفجرت قذيفة في سوق مزدحمة بمدينة بعقوبة الواقعة على بعد 20 ميلا الى الشمال من العاصمة بغداد حيث تواجه نقاط ومواقع تابعة للقوات الاميركية هجمات يومية بقذائف الهاون والقنابل اليدوية. كما سقطت قذيفة من عيار 82 مليمترا في احدى ساحات المدينة ويبدو انها كانت موجة الى معسكر للقوات الاميركية يبعد مئات الامتار فقط من موقع الانفجار، إلا ان عددا من الناجين يعتقد ان الهجوم كان يهدف الى إثارة سكان المدينة التي تعاني من توتر الأجواء اصلا.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»