إسرائيل تقرر الضغط على حكومة أبو علاء لإحداث انعطاف إزاء توجهها لفصائل المعارضة

TT

كشف النقاب في تل أبيب أمس، ان الحكومة الاسرائيلية بدأت بتنفيذ خطة استراتيجية معدة مسبقاً، ترمي الى محاصرة حكومة احمد قريع (أبو علاء) عند تشكيلها وممارسة الضغوط الشديدة عليها حتى تحدث انعطافا استراتيجيا في توجهها ازاء فصائل المعارضة، وفي الوقت نفسه تصعيد التوتر مع سورية للغرض نفسه. وقال مسؤول كبير مقرب من وزير الدفاع، شاؤول موفاز، ان هذه الخطة معروفة للادارة الاميركية، بل انه استخدم واشنطن للدلالة على اتجاه الرياح في العالم وفي المنطقة، فقال مفسرا قرار حكومته: «انظروا الى واشنطن جيدا، واقرأوا خريطتها السياسية تجاه الاحداث في الشرق الاوسط، فالموقف ليس مجرد دعم لاسرائيل، انما هناك تغيير واضح في قوانين اللعب وعلى الجميع ان يرضخوا لها».

واعتمدت الخطة الاسرائيلية تجاه الفلسطينيين على تقويم الاجهزة الامنية، بأنه طالما بقي الرئيس ياسر حرفات حيا، فان القيادة الفلسطينية ايا كانت الحكومة او رئيسها، ستمتنع عن الدخول في مواجهة مع حركتي «حماس» و«الجهاد الاسلامي» و«كتائب شهداء الأقصى» الجناح العسكري لحركة «فتح»، وبالتالي لن تعمل شيئا لتفكيك البنى التحتية للارهاب كما تطلب اسرائيل والولايات المتحدة وهذه التنظيمات من جهتها، خصوصا الدينية منها، لن تتخلى عن العمليات الارهابية.

ونقل على لسان الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية، عاموس غلعاد، الذي يشغل اليوم منصب «رئيس الطاقم السياسي ـ الأمني في مكتب وزير الدفاع» انه قال ان هذه التنظيمات ترفض مبدئيا اي سلام مع اسرائيل «يمكنها ان تتوصل الى هدنة مؤقتة لكي تنظم صفوفها لكنها تتمسك بطريق الارهاب بشكل مبدئي ولدوافع دينية. فالإمام الذي فجر نفسه داخل حافلة ركاب في القدس في اغسطس (آب) الماضي كان انسانا واعيا ومفكرا وقبل ان يفجر نفسه نظر الى الركاب فردا فردا وكان يرى الاطفال ليس كبشر ابرياء كالملائكة بل كأبناء قردة وخنازير. والسيدة المحامية التي فجرت نفسها في مطعم في حيفا قبل ايام، هي ايضا انسانة واعية قد تكون لها دوافع شخصية (مقتل شقيقها وخطيبها بأيدي جنود الاحتلال واعتقال وتعذيب والدها)، لكنها نتاج ماكينة ارهاب دقيقة تعمل بنظام وتخطيط. لهذا لا يجوز انتظار تغيير في مواقفها او اي سلام معها. وهي كما قال الشيخ احمد ياسين، مؤسس حركة «حماس»، ترى ان اسرائيل ستختفي سنة 2027. ولهذا فلا طريق للتعامل مع هذه القوى الا من خلال طريق التصفية، فان لم تفعل ذلك القيادة الفلسطينية، وهي بشكل مؤكد لن تفعل، علينا نحن في اسرائيل ان نفعل وبشكل مباشر. وعلى دول الغرب ان تساعدنا بحجب الدعم المالي عنها لأن معركتنا هي معركتها ايضا».

وتنسجم هذه الاقوال مع تصريح موفاز بأن «جميع قادة الارهاب يعتبرون هدفا للآلة الحربية الاسرائيلية في كل زمان ومكان».

واتهم غلعاد في حديث صحافي قادة «فتح» السياسيين ايضا بأنهم مبدئيا ضد اسرائيل وكل ما يقولونه عن استعدادهم للسلام هو مجرد ضريبة كلامية. وللبرهنة على ذلك ضرب مثلا عن اللواء عبد الرزاق المجايدة، قائد قوات الأمن الفلسطينية، فقال: «في اللقاء الأخير الذي عقد قرب القدس بين الوزير موفاز ومحمد دحلان وزير الامن في حكومة أبو مازن (محمود عباس) الشهر الماضي، طلب موفاز من معاوني الطرفين ان يغادروا الغرفة لانه يريد الاستمرار في اللقاء مع دحلان فقط، فغادرنا الغرفة وانتقلنا الى غرفة اخرى وجلسنا نشاهد التلفزيون. وكانت تلك محطة اسرائيلية تعرض فيلما عن الكارثة اليهودية في زمن النازية، وفجأة بادر المجايدة الى القول: «أنا لا اصدق ان النازيين قتلوا 6 ملايين يهودي كما تدعون ربما نصف مليون او مليون يهودي على الاكثر ولكن 6 ملايين هو رقم غير معقول وبعيد عن المنطق». فأجبته بأنني مستعد لأخذه الى متحف الكارثة «يد خشم» في القدس، ليرى بعينيه، فأجاب: «لا. هذا ليس هو الوقت المناسب». فلماذا قال المجايدة ذلك يا ترى؟ أليس لانه لا يريد ان يعرف الحقيقة؟ لا يريد ان يفهم مشكلة اليهود!!». من هنا، استخلص جلعاد أيضا ان الحل يكمن في حسم الحرب باتجاه التخلص من عرفات ومن التنظيمات العسكرية والتيارات الاسلامية الاصولية تماما. وانتظار نشوء قيادة فلسطينية تجرؤ على الانعطاف نحو السلام الحقيقي والشامل وفقا للمنظور الاسرائيلي.

يذكر ان قوات الاحتلال الاسرائيلي تنفذ منذ فجر الاحد الماضي عمليات اجتياح يومية لعدد من المدن الفلسطينية وضواحيها، نابلس وجنين في الضفة الغربية، ورفح في غزة بشكل خاص، وتنفذ الاعتقالات والاغتيالات وتهدم البيوت وتحبس المواطنين في بيوتهم وتعلن ان عملياتها هذه ستستمر الى اجل غير مسمى. ويحاول ذلك المسؤول تفسير الخطة الاسرائيلية تجاه سورية بأنها ناجمة عن «التطور الخطير في السياسة السورية» ويزعم ان السوريين يتعاونون مع ايران وحزب الله ويشجعون عمليات ضد اسرائيل تتم عبر الاراضي اللبنانية او بالتسلل الذكي لاسرائيل، ولكنه اعترف بان احد الاهداف الاساسية لصب جام الغضب على سورية هو خدمة الولايات المتحدة: «فرغم ان سورية تنفي، فان الاميركيين يؤكدون ان سورية تلعب دورا في المقاومة التي يبديها العراقيون للاحتلال الاميركي».

وقال هذه المسؤول «ان مهاجمة سورية حربيا ليس بالامر السهل وانها ستكون محفوفة بالتعقيدات والاخطار. لهذا نحن لم نهاجمها مباشرة، بل بعثنا لها برسائل حازمة: المرة الاولى عندما تجاوزت الطائرات الاسرائيلية حاجز الصوت في اللاذقية، وكذلك عندما نفذت اسرائيل غارتها العسكرية داخل الاراضي السورية على معسكر تدريب كان خاليا. ولكن، كما يبدو، لا بديل من التصعيد معها (سورية)». يذكر ان هذا النهج للحكومة بدأ يواجه بمعارضة اسرائيلية قوية من الأحزاب غير الائتلافية وحتى داخل الدوائر الحكومية المدنية والعسكرية.

فقد اعلن رئيس حزب العمل، شيمعون بيريس، انها حكومة فشل مرضي معدٍ. وقال رئيس حزب «ميرتس»، يوسي سريد، ان الحكومة تقود اسرائيل والمنطقة الى الظلام الدامس والهوة السحيقة، فهي لا تطيق رؤية حجر على حجر في صرح السلام والتفاهم.